اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/daeyat/hanan/11.htm?print_it=1

القلوب الخضراء

د.حنان لاشين أم البنين


قد يعشق القلب، ويحب ،ويهوى ،ويغرم ،ويتألم ،
لكنه يأبى أن يسقط ،ويتعفف أيضا عن الحرام عندما تكون النفس طاهرة والروح ربانية،
والقلوب خضراء نضرة لا تدق إلا بالحلال.
هكذا هي قصتنا،قصة حب بين قلبين من أطهر القلوب ،
فهو نشأ معها في نفس البيت، وتربطه بأبيها صلة قرابة.
رآها فتمناها زوجة،
لكنه أبدا لم يجرحها ببصره فغضه عنها، ولم يؤذيها بهمسة أو لمزة.
وكأن قلبها يخفق بين أضلعه وقلبه شد الرحال تجاه موطن قلبها،
وبقيت حلما وظل لسانه أسيرا للحياء،لا يملك أن يبوح بهواه،
هذا اللسان الطاهر الذي كان بليغا في كل شيء، وحكيما عندما يستنطق بالحق،
وواضحا عند الرأي، أما عندما يتعلق الأمر بها وبطلب يدها كزوجة،
كان الصمت وكان السكون...ويتبقى الشوق لتحقيق الحلم في الحلال ويأتي من بعده الألم.
كأني أراها وهي تسير بهدوء في بيت كسته هيبة، وسكنته رحمة،
وأضاءه وجه أبيها صلى الله عليه وسلّم،تتنقل على أطراف أصابعها برقة كالفراشة،
فتطير مسرورة لتحلق حوله فتقبل كفه الشريفة فيحتويها بحضنه ويسمعها أجمل الدعاء،
فهي من شدة برها له ورضاه عنها وحبه لها لقبت ب
أم أبيها.
قاربت حبيبتي الآن الثامنة عشرة من عمرها، ما أجملها!
والكل يعلم من هي تلك الزهراء الشريفة (فاطمة)،أقبل الخاطبون على الرسول- صلى الله عليه وسلم- يطلبون يدها،
تقدم إليها أبو بكر ثم تقدم عمر- رضى الله عنهما- ولكن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- ردهما ردا لطيفا،
لعله يرجو لها زوجا يراه الأنسب...إنه
عليّ
يراقب من بعيد وقد تسارعت أنفاسه تارة، وحبسها تارة،
واختنقت تارة،حتى ثار قلبه واعتصم بين أضلاعه
وهتف مطالبا لسانه الطيب أن ينطق ويطلبها زوجة شريفة عفيفة فتقر عينه وتقر عينها.
وتشجع (عليّ) وأخذ طريقه إلى ابن عمه،فاقترب وهو مرتبك
ولا زالت دقات قلبه تدق وكأنها الحرب على هذا الصمت، ثم جلس قريبا منه على استحياء،
وهربت الكلمات وتجمد لسانه ونسي حاجته، وأدرك النبي - صلى الله عليه وسلم- أن الحياء عقد لسان
علي
فنظر إليه برحمة وتبسم...و أقبل عليه يسأله في تلطف ليطمئنه: ما حاجة ابن أبى طالب؟
أجاب بصوت خفيض, وهو يغض من بصره:
ذكرت فاطمة بنت رسول الله- صلى الله عليه وسلم.
إنسحبت الكلمات مرة أخرى وأسرعت تسابق الضلوع والأنفاس لتكون أول من يحتضن قلبه الحائر وهو يرتجف...
ومرت لحظات خاطفة آلمته كثيرا..لكنها رحمة الحبيب صلى الله عليه وسلّم
الذي قال ولا يزال على بشره وتلطفه:
مرحبا وأهلا !.
مرحبا وأهلا ....فلتسعدي يا دقات قلبي ولتهنأي يا أضلعي....
نزلت هذه الكلمات برداً وسلاماً على قلب على،
فلقد فهم منها أن رسول الله يرحب به زوج لابنته وكانت تلك البداية،
فلما مرت أيام ذهب إلى رسول الله وكرر طلبه إليه،
وتم الزواج وكان صداقها ومهرها درع حطمية كان يملكها عليّ...درع بسيطة!
لم يطلب النبي عليه الصلاة والسلام الآلاف...ولم تقام لها الليالي الملاح،
ولم تقام الحفل في فندق مشهور، ولم ترتدي فستانا أبيضا مرصعا بالجواهر،
ولم تقارن نفسها بفلانة وعلانة، ولم يجهز البيت من الإبرة إلى الصاروخ،
الأمر أبسط وأشرف من هذا،
فهي ليست سلعة والزوج ليس صفقة،
وهي ملكة تطلب لتتوج في بيت زوجها.
وفرح الجميع لهما وكيف لا يفرحون والعروس حبيبة الرسول وقرّة عينه..فقام الأنصاروأقاموا وليمة على وفاطمة.
طيب وروائح زكية تشيع في يوم الفرح والسرور،
ووليمة يجتمع عليها الناس ليشاركوا العروسين أفراحهما,
هذا هو جو العرس الإسلامي ..
وتم الزفاف في بيت غابت عنه الثريات الثمينة،
ولم تفرش أرضه بالسجاد الفاخر، ولم تزين جدرانه بلوحات مزيفة ،
حتى أركانه لم تحنط فيها التحف العتيقة،بسرير ووسادة من أدم حشوها ليف
وإناء للشرب من (الجلد) وقربة,
هذا هو البيت ،وما أطهره من بيت شريف.
وذهب رسول الله -عليه الصلاة والسلام- إلى العروسين فدعا بإناء فتوضأ فيه ثم أفرغه على على
« ثم قال: اللهم بارك فيهما وبارك عليهما وبارك لهما في نسلهما,
وجاءت فاطمة تمشى على استحياء تتعثر في ثوبها من شدة الحياء,
ونضح رسول الله عليها من ذلك الماء ودعا لها، ثم قال: يا فاطمة،
والله ما ألوت أن زوجتك خير أهلي هذا رسول الله الأب الإنسان يبارك زواج ابنته،
ويؤكد لها أنه اجتهد في الاختيار لها، وأنه اختار لها خير أهله.
وخيمت السعادة على بيت فاطمة،
ومرت أيام حلوة ، ولحظات جميلة، وتبسمت الأيام لهما.....
فولدت لعلى الحسن والحسين وأم كلثوم وزينب.
وفرح الأبوان بالأبناء كما فرح بهما رسول الله،
وكانا وكانتا قرة عين للبيت النبوي الكريم.
هكذا تكون العروس...وهكذا العرس...
فكوني ك(فاطمة)
ليأتيك زوج صالح ك
ك علي
كوني مثلها في حيائها وإيمانها وبرها لأبيها وطاعتها لزوجها وصبرها على خدمته ،
ويسري زواجك عندما يأتيك من يستحق،
وكوني من أصحاب القلوب الخضراء
التي لا تنبت فيها أزهار الحب إلا إن سقيت بالحلال
كوني مثلها،
كوني صحابية.

 

د.حنان لاشين
  • مقالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط