اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/daeyat/fozyah/2.htm?print_it=1

تأملات في سورة الواقعة

فوزية بنت محمد العقيل
‎@g_fawaed‏


أسماء السورة :

----------------


قالَ مُحَمَّد الطَّاهِرُ بْنُ عَاشُورٍ (ت: 1393هـ): (سمّيت هذه السّورة الواقعة بتسمية النّبي صلّى الله عليه وسلّم.
روى التّرمذيّ عن ابن عبّاسٍ قال: قال أبو بكرٍ: «يا رسول اللّه قد شبت، قال: ((شيّبتني هودٌ، والواقعة، والمرسلات، و{عمّ يتساءلون}، و{إذا الشّمس كوّرت} ))». وقال التّرمذيّ: حديثٌ حسنٌ غريبٌ.

وروى ابن وهبٍ والبيهقيّ عن عبد اللّه بن مسعودٍ بسندٍ ضعيفٍ أنّه سمع رسول اللّه يقول: ((من قرأ سورة الواقعة كلّ ليلةٍ لم تصبه فاقةٌ أبدًا))، وكذلك سمّيت في عصر الصّحابة.

روى أحمد عن جابر بن سمرة قال: «كان رسول اللّه يقرأ في الفجر الواقعة ونحوها من السّور». وهكذا سمّيت في المصاحف وكتب السّنّة فلا يعرف لها اسمٌ غير هذا). [التحرير والتنوير:27/279]


= سورة الواقعة سورة مكية ، نزلت بعد سورة طه . بدأت السورة بأسلوب شرط " إذا وقعت الواقعة " ، لم يذكر في السورة لفظ الجلالة ، والواقعة اسم من أسماء يوم القيامة . تعالج قضية النشأة الآخرة ، رداً على قول الشاكين فيها: (وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * أَوَآَبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ ) .

 

= موضوع السورة وحديثها :

-----------------------------

هذه السورة لو لم ينزل في القرآن إلا هي، لكانت كافية في الحث على فعل الخير وترك الشر، فقد ذكر الله تعالى في أولها يوم القيامة {إذا وقعت الواقعة } ثم قسم الناس فيها إلى ثلاثة أقسام: السابقون، وأصحاب اليمين، وأصحاب الشمال، ثم ذكر الله في آخرها حال الإنسان عند الموت، وقسم كل الناس إلى ثلاثة أقسام: مقربون، وأصحاب يمين، ومكذبون ضالون، وكذلك ذكر الله فيها ابتداء الخلق في قوله: {أفرءيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون} والرزق من طعام وشراب وما يصلحهما فهي سورة متكاملة، ولهذا ينبغي للإنسان أن يتدبرها إذا قرأها، كما يتدبر سائر القرآن لكن هي اشتملت على معاني عظيمة . العلامة العثيمين

 

= فضل السورة :

==========

- كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يصلِّي الصلواتِ كنحوٍ من صلاتِكم التي تصلُّونَ اليومَ ولكنه كان يخفِّفُ ، كانت صلاتهُ أخفُّ من صلاتِكم ، وكان يقرأُ في الفجر الواقعةَ ونحوَها من السُّوَرِ . (الراوي: جابر بن سمرة المحدث: الألباني - المصدر: أصل صفة الصلاة - الصفحة أو الرقم: 2/430 خلاصة حكم المحدث: صحيح على شرط مسلم) .

- وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنساء: "لا تعجز إحداكن أن تقرأ سورة الواقعة" .

- وروي عن مسروق بن الأجدع أنه قال: من سره أن يَعْلَمَ نبأ الأولين والآخرين، ونبأ أهل الجنة ونبأ أهل النار، ونبأ أهل الدنيا ونبأ أهل الآخرة، فليقرأ سورة الواقعة .

 

أسباب نزول السورة :

=============

لا نعلم سبباً خاصاً لنزول سورة الواقعة جملة إلا ما ورد من أسباب نزول بعض آياتها، منها ما ثبت في صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مُطر الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر. قالوا: هذه رحمة الله، وقال بعضهم: لقد صدق نوء كذا وكذا. قال: فنزلت هذه الآية: (فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ).

قال النووي: قال الشيخ أبو عمرو رحمه الله: ليس مراده أن جميع هذا نزل في قولهم في الأنواء، فإن الأمر في ذلك وتفسيره يأبى ذلك، وإنما النازل في ذلك قوله: (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) [الواقعة:82].

والباقي نزل في غير ذلك، ولكن اجتمعا في وقت النزول، فذكر الجميع من أجل ذلك، قال الشيخ ابن عمرو رحمه الله، ومما يدل على هذا أن في بعض الروايات عن ابن عباس رضي الله عنهما في ذلك الاقتصار على هذا القدر اليسير فحسب هذا آخر كلام الشيخ رحمه الله. شرح النووي لمسلم 2/62.

وروى أحمد وابن المنذر وابن أبي حاتم بسند فيه من لا يعرف عن أبي هريرة قال: لما نزلت (ثلة من الأولين* وقليل من الآخرين) شق ذلك على المسلمين فنزلت (ثلة من الأولين *وثلة من الآخرين).

وأخرج ابن عساكر في تاريخ دمشق بسند فيه نظر من طريق عروة بن رويم عن جابر بن عبد الله قال: لما نزلت: (إذا وقعت الواقعة) وذكر فيها (ثلة من الأولين* وقليل من الآخرين)، قال عمر : يا رسول الله ثلة من الأولين، وقليل منا.. فأمسك آخر السورة سنة ثم نزلت (ثلة من الأولين* وثلة من الآخرين)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عمر فاسمع ما قد أنزله الله (ثلة من الأولين* وثلة من الآخرين) وأخرجه ابن أبي حاتم عن عمرو بن رويم مرسلاً.

-----------------------------------

 

= ﴿ إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ ﴾ قال: ﴿ إِذَا ﴾ لأن ﴿ إِذَا ﴾ تفيد تحقق الوقوع، لو قال: إن وقعت، تقع، أو لا تقع، أما: ﴿ إِذَا وَقَعَتِ ﴾ تقع حتماً: ﴿ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ* خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ ﴾ .

 

= (إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ) [الواقعة:1] الواقعة: اسم من أسماء يوم القيامة، كما دلت الآيات على ذلك، وكذلك قول الله جل وعلا: (وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً * فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ) [الحاقة:14-15] .

 

= (إذا وقعت الواقعة ...) حذف الله جواب الشرط في هذه الآيات من أجل أن يذهب الذهن في تقديره كل مذهب، يعني إذا وقعت الواقعة صارت الأهوال العظيمة، وصار انقسام الناس، وحصل ما حصل مما أخبر به الله ورسوله مما يكون في يوم القيامة . العلامة العثيمين

 

= (خافضة رافعة) التفاوت الحقيقي بين الناس يكون يوم القيامة، فالرفيع حقا من ارتفع ذلك اليوم، والوضيع من انخفض ذلك اليوم. فاحرص على ما يرفعك هناك . د/ محمد القحطاني

 

= {خافضة رافعة } يعني هي خافضة رافعة، أي: يخفض فيها الناس ويرفع فيها آخرون. ولكن من الذي يرفع؟ قال الله - عز وجل -: {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات} فأهل العلم والإيمان هم الذين لهم الرفعة في الدنيا والآخرة، ومن سواهم فإنهم موضوعون بحسب بعدهم عن الإيمان والعلم، وتخفض أهل الجهل والعصيان، وكم من إنسان في الدنيا رفيع الجاه، معظم عند الناس يكون يوم القيامة من أحقر عباد الله، والجبارون المتكبرون يحشرون يوم القيامة كأمثال الذر يطؤهم الناس بأقدامهم، مع أنهم في الدنيا متبخترون مستكبرون عالون على عباد الله، لكنهم يوم القيامة موضوعون مهينون قد أخزاهم الله عز وجل . العلامة العثيمين

 

= وجمهور أهل العلم من المفسرين على أن معنى قول الله جل وعلا : (إِذَا رُجَّتِ الأَرْضُ رَجًّا * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا) [الواقعة:4-5]: على أن البَسَّ هنا: أنها تصبح كالعهن المنفوش، وقد ذكره الله جل وعلا في سورة القارعة .. وكذا في طه (ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفاً ) .

فتمر الجبال بمراحل وأطوار حتى تصل إلى أن تذهب بالكلية .

 

= وقفات قرآنية مع الجبال :

----------------------------

أرشد الله عز وجل إلى أن الجبال لها وضع آخر؛ كونها من أعظم مخلوقاته، فإن النصارى -تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً- نسبت إلى الله الولد فرية وبهتاناً وكفراً، وما عرفوا قدر ربهم جل وعلا، فأخبر الله جل وعلا أن الجبال على عظيم خلقتها تستنكر هذا الأمر وتستعظمه، ولا يمكن أن تقر به، قال الله جل وعلا: (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا) [مريم:89-93]

ولما أراد الله جل وعلا أن يبين لكليمه موسى ضعفه وعجزه في الدنيا عن أن يرى الله قال الله جل وعلا: (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) [الأعراف:143]

وذكر الله جل وعلا نبيه وعبده الصالح داود عليه السلام، وذكر ربنا أنه آتاه صوتاً رخيماً، ثم لما كان يتلو الزبور ويذكر الله جل وعلا كانت الجبال على عظيم خلقتها تتجاوب معه، قال ربنا جل شأنه: (يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) [سبأ:10] ، وقال الله جل وعلا في سورة أخرى: (إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ * وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ) [ص:18-19] . ش/ صالح المغامسي

والجبال كالكائن الحي تنفعل وتخر هدًّا من هول جريمة ادعاء الولد إلى الله، بل إنها أشفقت من حمل الأمانة؛ يقول تعالى: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ [الأحزاب: 72].

والجبال الشم الرواسي تشارك المخلوقات في سجودها وتسبيحها للخالق عز وجل، ومع ذلك يستنكف الكثير من الناس أن يشاركوها في سجودها؛ يقول تبارك تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء ﴾ [الحج: 18].

 

= قال الله جل وعلا : (وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً) ثم فصَّل، فقال: (فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) [الواقعة:8-11]، فبدأ جل وعلا بأصحاب الميمنة حتى يَرغب فيهم الراغب، ثم قال: وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ حتى يَرهب الناس أن يكونوا مثلهم، ثم قال جل شأنه: وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ حتى يطمع أصحاب الميمنة إلى أن يرتقوا بأنفسهم إلى درجة السابقين . ش/ صالح المغامسي

 

= ذكرهم الله تعالى غير مرتبين في الفضل، فبدأ الله بأصحاب الميمنة ثم ثنَّى بأصحاب الشمال، ثم ثلَّث بالسابقين، لكن عند التفصيل بدأ بهم مرتبين على حسب الفضل فبدأ بالسابقين، ثم بأصحاب اليمين، ثم بأصحاب الشمال، وهذا التفصيل المرتب خلاف الترتيب المجمل، وهو من أساليب البلاغة . العلامة العثيمين

 

= (ما أصحاب الميمنة) أيُّ شيء أصحاب الميمنة ؟! هذا أسلوب للتعجيب وإثارة الانتباه وأن حالهم حال عظيم ينبغي للمؤمن أن ينتبه له .. (والسابقون السابقون) قيل هم الأنبياء وقيل السابقون هم الذين يسارعون إلى الخيرات ويسابقون إليها وينافسون فيها . د/ محمد الخضيري

 

= {السابقون} يعني أن السابقين إلى الأعمال الصالحة هم السابقون إلى الثواب في الآخرة، فكأنه قال: السابقون في الدنيا بالأعمال الصالحة هم السابقون في الآخرة بالثواب {أولـئك المقربون} أي: إلى الله - عز وجل - فهم في أعلى الجنان، وأعلى الجنان أقرب إلى الرحمن - عز وجل -، لأن الفردوس وهو أعلى درجات الجنة فوقه عرش الله - عز وجل -، {أولـئك المقربون } ذكر منزلتهم قبل ذكر منزلهم، وكما يقال: الجار قبل الدار، وكما قالت امرأة فرعون: {رب ابن لى عندك} بدأت بالجوار {بيتاً في الجنة} وهنا قال: {أولـئك المقربون } قبل أن يبدأ بذكر الثواب؛ لأن قربهم من الله - عز وجل - فوق كل شيء، جعلنا الله منهم . العلامة العثيمين

 

=  (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) [الواقعة:10-11]، وتأمل لطف الله جل وعلا بعباده، وفضله وإحسانه جل ذكره على خلقه، قال تبارك وتعالى: (أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) ولم يقل: المتقربون، حتى يفهم أن ما هم فيه فضل من الله تبارك وتعالى، وليس شيئاً حَصَلوا عليه بأنفسهم، وإن كان عملهم الصالح وإيمانهم إنما هو في أول الأمر وآخره فضل من الرب تبارك وتعالى. ش/ صالح المغامسي

 

= {ثلة من الأَولين } قيل: إن المراد بذلك الأمم السابقة {وقليل من الأَخرين } يعني أمة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وعلى هذا القول تكون قلة هذه الأمة باعتبار كثرة الأمم السابقة، وليس المعنى أن الذين يدخلون الجنة من الأمم السابقين باعتبار كل نبي أكثر من الذين يدخلون الجنة من هذه الأمة، وقيل: المراد بالأولين أول هذه الأمة، أي: ثلة من أول هذه الأمة، وقليل من آخرها، وهذا القول هو الصحيح، بل هو المتعين، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «إني أرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة» (4) أي نصفهم، وفي حديث آخر: «إن أهل الجنة مائة وعشرون صفًّا منهم ثمانون من هذه الأمة» (5) وعلى هذا لا يصح أن نقول قليل من هذه الأمة، وكثير من الأمم السابقة، بل نقول: ثلة أي كثير من هذه الأمة من أولها، وقليل من آخرها . العلامة العثيمين

 

= {على سرر موضونة } سرر جمع سرير، وهو ما يتخذه الإنسان للجلوس والنوم، {موضونة } قال العلماء: منسوجة من الذهب، {متكئين عليها} أي: معتمدين على أيديهم وعلى ظهورهم، فهم في راحة في اليد وفي الظهر . العلامة العثيمين

 

= {متقابلين} أي: يقابل بعضهم بعضاً، وهذا يدل على سعة المكان، لأن المكان إذا كان ضيقاً لا يمكن أن يكون الناس متقابلين، وهذه الآية تدل على أن الأمكنة واسعة وهو كذلك، ولهذا كان أدنى أهل الجنة منزلة من ينظر في ملكه ألفي عام ، ينظر أقصاه كما ينظر أدناه، والله على كل شيء قدير، والجنة عرضها كعرض السماوات والأرض، ومن يحيط بسماء واحدة، كيف وهي عرض السماوات السبع، والسماوات السبع بعضها من فوق بعض؟! وكلما كان الشيء فوق كانت دائرته أوسع، فمن يحيط بهذا إلا الله - عز وجل -، إذن هم متقابلون لأن أمكنتهم واسعة، ولأن لديهم من كمال الأدب ما لا يمكن أن يستدبر أحدهم الآخر، كلهم مؤدبون، كلهم قلوب صافية، قال الله تعالى: {ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانًا على سرر متقابلين } ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التدابر .. والتدابر يشمل التدابر القلبي بحيث يكون كل واحد متجه إلى وجه، والتدابر البدني إلا عند الحاجة أو الضرورة، وإلا فمتى أمكن التقابل فهو أفضل، فلو أن أحداً يكلمك وقد ولاَّك ظهره هل يكون سماعك له ومحبتك له كما لو كان يحدثك مستقبلاً إياك؟ وهذا شيء مشاهد معلوم، فأهل الجنة على سرر موضونة متكئين عليها متقابلين . العلامة العثيمين

 

= {ولدان مخلدون } أي: خلقوا ليخلدوا، وهم غلمان شباب إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤاً منثوراً، لجمالهم وصفائهم وكثرتهم وانتشارهم في أملاك أسيادهم، إذا رأيتهم أي: إذا رأيت الولدان، فإذا كان الولدان تحسبهم لؤلؤاً منثوراً، فكيف بالسادة؟ أعظم وأعظم . العلامة العثيمين

 

= خمر الدنيا ينغصها أمران: الأول: أنها تنفد وتنتهي.

والأمر الثاني -وهو أجل- مما ينغصها: أنها تذهب العقل، فإذا ذهب العقل حدث من الإنسان الافتراء والتطاول على ربه والتضييع لدينه؛ ولذلك سماها النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا: (أم الخبائث)، لكن خمر الآخرة يقول الله جل وعلا فيه:

(لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنزِفُونَ) [الواقعة:19]، أي: أنها لا تنفد، وهذا معنى قوله: وَلا يُنزِفُونَ، ولا يسكرون منها . ش/ صالح المغامسي

 

= (وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ) [الواقعة:20]، وأردف قائلاً: (وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ) [الواقعة:21]، وهنا قدّم الفاكهة على اللحم، ومعروف أن سنن الناس في طعامها: أنهم يقدمون اللحم على الفاكهة، لكن الفرق بين الحالين أن أهل الدنيا إنما يأكلون في الأصل لسدِّ الجوع، أما يوم القيامة.. في جنات النعيم؛ فإن أهل الجنة لا يأكلون لسد الجوع بل للتلذذ؛ لأن الجنة لا جوع فيها، فلا يأكلون لسد الجوع، وإنما يأكلون للتفكه والتلذذ، فلما كان أكلهم الأصل فيه أنه للتلذذ والتفكه جعل الله جل وعلا الفاكهة مقدمة على عين الطعام . ش/ صالح المغامسي

 

= (وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ) [الواقعة:20-21]، وهنا خصَّ ربنا لحم الطير دون غيره؛ لأن الناس جرت أعرافهم وتقاليدهم على أنهم يأكلون من بهيمة الأنعام، ولحم الطير عزيز لا يناله كل أحد، فإنما يحصل للملوك غالباً إذا نفروا أو ذهبوا للصيد، فأخبر الله جل وعلا أن ذلك الشيء الممتنع في الدنيا عند البعض، إنما هو متاح للكل لمن دخل الجنة، رزقني الله وإياكم الجنة. ش/ صالح المغامسي

 

= (عُرُبًا أَتْرَابًا) [الواقعة:37]، فعرباً أي: محببات إلى أزواجهن، وأتراباً: جمع ترب، والمعنى: أنهن نداد في الأسنان، يعني: كلهن على سن واحدة.

قال جمهور العلماء ويؤيده بعض الآثار: إن المعنى أنهن في سن ثلاث وثلاثين والعلم عند الله . ش/ صالح المغامسي

 

= “عُرُبا” الزوجة المؤمنة تحرص على الاتصاف بصفات حور الجنة، والتي من أهمها: التحبب إلى الزوج. قال المبرد: هي العاشقة لزوجها . د/ محمد القحطاني

 

= (جزاء بما كانوا يعملون) الباء هنا للسببية، ولا يصح أن تكون الباء في قوله تعالى: {جزاءً بما كانوا يعملون } للعوض؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «لن يدخل الجنة أحد بعمله» قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته» فالباء في قوله: {جزاءً بما كانوا يعملون } أي: بسبب عملهم، وليس المعنى أنه عوض؛ لأن الله تعالى لو أراد أن يعاوضنا لكانت نعمة واحدة تحيط بجميع أعمالنا {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} فانتبه لهذا، ولذلك استشكل بعض العلماء قوله تعالى: {جزاءً بما كانوا يعملون } والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: «لن يدخل أحد الجنة بعمله» والجواب أن الباء في النفي باء العوض، والباء في الإثبات باء السببية . العلامة العثيمين

 

= {لا يسمعون فيها لغواً ولا تأثيماً * إلا قيلاً سلاما سلاماً } أي: أهل الجنة لا يسمعون كلاماً لا فائدة منه، ولا كلاماً يأثم به الإنسان، فالكلام الذي لا خير فيه، والكلام القبيح لا يوجد في الجنة {إلا قيلاً سلاماً سلاماً } أي: إلا قول فيه السلامة وإدخال السرور والفرح بين أهل الجنة جعلنا الله منهم . العلامة العثيمين

 

= وقفة مع مجالسنا في الدنيا !!..

(لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا) النبأ .. هل نستطيع أن نجعل مجالسنا خالية من اللغو والكذب ؟.. لنتوسل بهذا إلى ربنا أن يبلغنا تلك المجالس الطاهرة في الجنة ؟!. د/ ناصر العمر

 

= {وأصحاب اليمين مآ أصحاب اليمين } هذه الطبقة الثانية وهي دون الأولى، والاستفهام في قوله: {مآ أصحاب اليمين } استفهام تعجب وتفخيم، يعني: أي قوم هؤلاء ؟!. العلامة العثيمين

 

= {وظل ممدود } أي: لا نهاية له؛ لأن الجنة ليس فيها شمس بل هي ظل، وصفها بعض السلف بأنها كالنور الذي يكون قرب طلوع الشمس، تجد الأرض مملوءة نوراً ولكن لا تشاهد شمساً، فهو ظل ممدود في المساحة والزمن ..

{وماء مسكوب } أي: ماء مستمر دائماً، كما قال تعالى: {فيهما عينان تجريان } وغير الماء أنهار أخرى من عسل ولبن وخمر، فالأنواع أربعة، وقد ورد أن هذه الأنهار تجري في غير أخدود . العلامة العثيمين

 

= {وفاكهة كثيرة } الفاكهة كل طعام أو شراب يتفكه به الإنسان؛ لأن الطعام والشراب يكون أحياناً ضرورياً معتاداً لا تتفكه به بل هو ضروري للبقاء، وأحياناً يكون الطعام والشراب فاكهة يتفكه به الإنسان {كثيرة } أي: في أي وقت من الأوقات تجد هذه الفاكهة بينما في الدنيا الفواكه لها أوقات معينة تنقطع، ولهذا قال تعالى: {لا مقطوعة} أي: لا تقطع أبداً في كل الأوقات {ولا ممنوعة } أي: لا أحد يمنعها، بل قد قال الله تعالى: {قطوفها دانية } أي: ما يقطفه الإنسان من الثمرة داني، حتى إنه إذا اشتهى الإنسان الثمرة وهي فوق تدلى الغصن حتى يكون بين يديه بدون تعب، وفاكهة الدنيا مقطوعة تأتي في وقت دون وقت، وممنوعة فلا يمكن أن تدخل بستان أحدٍ إلا بإذنه، أما في الآخرة فلا . العلامة العثيمين

 

= {ثلة من الأولين * وثلة من الآخرين} هؤلاء هم أصحاب اليمين الذين هم في المرتبة الثانية، والمرتبة الأولى السابقون السابقون، قال الله تعالى فيهم: {ثلة من الأَولين وقليل من الأَخرين} يعني ثلة من الأولين من هذه الأمة، وقليل من الآخرين، فإن خير قرون الأمة القرن الأول الذي هو قرن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ثم الثاني، ثم الثالث، ثم تتناقص، أما أصحاب اليمين فقال الله تعالى فيهم: {ثلة من الأَولين وثلة من الأَخرين} أي: جماعة من هؤلاء وجماعة من هؤلاء . العلامة العثيمين

 

= الله جل وعلا لم يذكر أسباب تكريم السابقين، ولم يذكر أسباب تقريب أهل اليمين، ولكنه لما ذكر أصحاب الشمال ذكر أسباب تعذيبهم!

أي: أنه لما ذكر أصحاب اليمين ذكر النُعمى عليهم، ولم يذكر لأي سبب أنعم عليهم، ولما ذكر قبلهم السابقين ذكر النُعمى والفضل عليهم، ولم يذكر أسباب حصولهم على ذلك النعيم، لكنه عندما تكلم -جل شأنه وتبارك اسمه- عن أصحاب الشمال عدد الأسباب فقال: (إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ * وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ * وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) [الواقعة:45-47]. والجواب عن هذا أن يقال: لقد جرت سنة القرآن أن يذكر الله أسباب العقاب ولا يذكر أسباب الثواب؛ لأن الثواب فضل لا يمكن أن يتوهم القدح في المتفضل به، وأما العقاب فمقام عدل لابد أن تُوْضَحَ فيه الأسباب حتى لا يُظن بالحاكم والقائم على الأمر ظلم. وأظن أن المعنى قد تحرر بهذا. ش/ صالح المغامسي

 

= (لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ) [الواقعة:44] فإن العرب -كما ذكر الطبري في تفسيره- في جريان كلامها تأتي في النفي بلفظ (كريم)، فتقول: هذه الدار لا واسعة ولا كريمة، ويقولون: هذا اللحم لا سمين ولا كريم، فكلما نفوا صفة معينة متعلقة بالموصوف أردفوها بقولهم: كريم، فجاء القرآن على سَنَنِهم ونسقهم في الكلام، قال الله جل وعلا: (لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ) [الواقعة:44] . ش/ صالح المغامسي

 

= {وكانوا يصرون على الحنث العظيم }، يصرون أي: يستمرون عليه، والحنث العظيم هو الشرك؛ لأن الأصل في الحنث الإثم، والعظيم هو الشرك، قال الله تعالى: {إن الشرك لظلم عظيم } وكانوا أيضاً ينكرون البعث: {وكانوا يقولون أءذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أءنا لمبعوثون أو ءابآؤنا الأَولون } ينكرون هذا إنكاراً عظيماً . العلامة العثيمين

 

= زقوم بيان للشجر، وسمي زقوماً لأن الإنسان - والعياذ بالله - إذا أكله يتزقمه تزقماً، لشدة بلعه لا يبتلعه بسهولة {فمالئون منها البطون } أي: أنهم يملأون البطون من هذا الشجر، مع أن هذا الشجر مرّ خبيث الرائحة، كريه المنظر، لكن لشدة جوعهم يأكلونه كما يأكل الجائع المضطر، فهم يأكلونه على تكره . العلامة العثيمين

 

= (لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ) [الواقعة:49-52]، وهذه الشجرة في النار، ومعلوم نقلاً وعقلاً أن النار لا يمكن أن ينبت فيها شجر؛ لأن الأصل أن النار تحرق الشجر، لكن الله جل وعلا قال في الصافات: (إِنَّهَا شَجَرَةٌ) [الصافات:64] أي: الزقوم (تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ) [الصافات:64]، وأخبر الله جل وعلا أنه أراد بذلك اختبار العباد في مدى يقينهم وإيمانهم بقدرة الله، أو عدم إيمانهم ويقينهم بقدرة ربهم، قال الله جل وعلا: (إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ) [الصافات:63] فهي شجرة تخرج في أصل الجحيم، فمن علم عظيم جلال الله وكمال قدرته يعلم أن الله قادر على أن يمنع النار من أن تصل إلى الشجرة . ش/ صالح المغامسي

 

= (شرب الهيم) جمهور أهل العلم من المفسرين على أن المعنى: أن الهُيَام داء يصيب الإبل فتعطش، فإذا عطشت واشتد عِطَاشُها لجأت إلى الماء لترتوي، فمهما سُقيت لتشرب فلا يمكن لها أن ترتوي، فتمكث على هذا الحال حتى تَسْقَم سُقماً شديداً أو تهلك. هذا الذي عليه أكثر المفسرين.

 

= {هـذا نزلهم يوم الدين } أي: هذه ضيافتهم، بخلاف المؤمنين فإن ضيافتهم جنات الفردوس {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلاً خالدين فيها لا يبغون عنها حولاً } . العلامة العثيمين

 

= (نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ) [الواقعة:56]، والنزل: أول ما يستقبل به الضيف، قال بعض العلماء رحمة الله تعالى عليهم: إذا كان هذا هو نزلهم، فماذا سيكون حالهم عياذاً بالله بعد أن يستقر بهم القرار في النار؟ لا ريب أنه أنكى وأشد وأعظم، عافانا الله وإياكم من ذلك كله. ش/ صالح المغامسي

 

= {ولقد علمتم النشأة الأُولى} وهي أنكم نشأتم في بطون أمهاتكم، وأخرجكم الله - عز وجل - من العدم {فلولا تذكرون } أي: فهلا تذكرون وتتعظون، وهذا دليل عقلي من الله - عز وجل - يعرضه على عباده ومعناه: إنا بدأناكم أول مرة فإذا

بدأناكم أول مرة، فلسنا بمسبوقين على أن نعيدكم ثاني مرة. العلامة العثيمين

 

= {لو نشاء لجعلناه حطاماً} ولم يقل - عز وجل - لو نشاء لم نخرجه بل قال: {لجعلناه حطاماً} أي: بعد أن يخرج ويكون زرعاً وتتعلق به النفوس يجعله الله تعالى حطاماً، وهذا أشد ما يكون سبباً للحزن والأسى؛ لأن الشيء قبل أن يخرج لا تتعلق به النفوس، فإذا خرج وصار زرعاً ثم سلط الله عليهم آفة، فكان حطاماً، أي: محطوماً لا فائدة منه، فهو أشد حسرة {فظلتم تفكهون } أي: تتفكهون بالكلام تريدون أن تذهبوا الحزن عنكم، فتقولون {إنا لمغرمون } أي لحقنا الغرم بهذا الزرع الذي صار حطاماً، ثم تستأنفون فتقولون: {بل نحن محرومون} أي: حرمنا هذا الزرع، وصار حطاماً ففقدناه . العلامة العثيمين

 

= انتقل الله - عز وجل - إلى مادة أخرى، وهي مادة الحياة، وهي الماء فقال: {أفرءيتم الماء الذي تشربون } ..

وهنا يقول: {لو نشاء جعلناه أجاجاً فلولا تشكرون } ولم يقل: لو نشاء لغورناه، أو منعنا إنزاله؛ لأن كونهم ينظرون إلى الماء رأي العين ولكن لا يمكنهم شربه، أشد حسرة مما لو لم يكن موجوداً، والله - عز وجل - يريد أن يتحداهم بما هو أعظم شيء في حسرة نفوسهم {فلولا تشكرون } أي فهلا تشكرون الله - عز وجل - على إنزاله من المزن، وعلى كونه سائغاً عذباً لذيذ الطعم سريع الهضم . العلامة العثيمين

 

= قال الله تعالى عن نار الدنيا: (نحن جعلناها تذكرة ومتاعًا للمقوين)، أي إنها تذكرة تذكر بها الآخرة وينتفع بها المقوون، وهم المسافرون، فلماذا خص المقوين بالذكر بالرغم من أن التذكرة والمتاع يعم المسافرين وغيرهم؟

قال ابن القيم رحمه الله:

(وخص المقوين بالذكر وإن كانت منفعتها عامة للمسافرين والمقيمين تنبيهًا لعباده -والله أعلم بمراده من كلامه- على أنهم كلهم مسافرون، وأنهم في هذه الدار على جناح سفر ليسوا هم مقيمين ولا مستوطنين، وأنهم عابرو سبيل وأبناء سفر). [طريق الهجرتين - ص142 - ط. السلفية]

 

= (جعلناها تذكرة) الله قدم كونها تذكرة على كونها متاعا؛ ليعلم العبد أن الفائدة الأخروية أتم وبالذكر أهم . الرازي

 

=  {نحن جعلناها تذكرةً} أي: تذكر هذه النار بنار الآخرة، مع أن نار الآخرة فضلت بتسعة وستين جزءاً على نار الدنيا كلها، لما فيها من النيران الحارة الشديدة {ومتاعا للمقوين } أي: للمسافرين يتمتعون بالنار بالتدفئة، والدلالة على المكان، لأنهم في ذلك الوقت، وإلى وقت قريب كان الناس يستدلون على الأمكنة بنار يضعونها على مكان مرتفع تهدي الضال، ويضرب المثل في الدلالة بالعلم عليه النار، كما قالت الخنساء ترثي أخاها صخراً:

وإن صخراً لتأتم الهداة به كأنه علم في رأسه نار . العلامة العثيمين

 

= {فسبح باسم ربك العظيم } أي: سبح الله - عز وجل - بهذا الاسم، فقل: سبحان ربي العظيم، والتسبيح يعني أن الله تعالى منزه عن كل نقص وعيب، فإذا قلت: سبحان الله، فالمعنى أني أنزهك يا ربي من كل نقص وعيب، وقوله: {العظيم }

أي: ذو العظمة البالغة، ولما نزلت هذه الآية قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «اجعلوها في ركوعكم». ولما نزلت {سبح اسم ربك الأَعلى } قال: «اجعلوها في سجودكم» .. ولهذا ينبغي للإنسان إذا كان يصلي وقال: سبحان ربي العظيم. أن يستحضر أمر الله في قوله: {فسبح باسم ربك العظيم } وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: «اجعلوها في ركوعكم» حتى يجمع بين الإخلاص لله، والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. العلامة العثيمين

 

= (فلا أقسم) بمعنى أقسم ولا للتأكيد ..  على عادة العرب في كلامهم أنهم إذا أقسموا على إثبات أمر واضح قالوا: لا أقسم، أي لا يحتاج إلى قسم، وقيل: إن الإتيان ب (لا) في القسم لتعظيم المقسم به.

والدليل على أنها قسم قوله تعالى في سورة الواقعة (فلا أقسم بمواقع النجوم * وإنه لقسم) فأكد أنه قسم وليس نفيا للقسم ..

وأقسم الله هنا بمواقع النجوم وفي التكوير بالجوار الكنس لمناسبتها للمقسم عليه وهو القرآن لأن القرآن نزل منجما بآجال وأوقات .

 

= مواقع النجوم بها يُهتدى في ظلمات البر والبحر، ثم أتبعها بما يُهتدى به في ظلمات الشرك والجهل (إنه لقرآن كريم) يُهتدى به، فتأمل بين القسم وجوابه . جوال تدبر

 

= بيّن الله عظم هذا القسم قبل أن يبين المقسم عليه، فقال {وإنه لقسم لو تعلمون عظيم } وأتى بالجملة الاعتراضية في قوله: {لو تعلمون} إشارة على أنه يجب أن نتفطن لهذا القسم وعظمته حتى نكون ذوي علم به {إنه لقرءان كريم } أي: إن الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم {لقرءان كريم }، والكرم يراد به الحسن والبهاء والجمال، كما في قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لمعاذ بن جبل - رضي الله عنه - حين بعثه إلى اليمن وأمره أن يبين للناس أن عليهم زكاة في أموالهم قال: «إياك وكرائم أموالهم» والكرائم جمع كريمة، والمراد بها الشاة الحسنة الجميلة، وهو كريم أعني القرآن كريم في ثوابه، فالحرف بحسنة، والحسنة بعشرة أمثالها، وهو كريم في آثاره على القلوب وصلاحها، فإن قراءة القرآن تلين القلوب، وتوجب الخشوع لله - عز وجل - وكريم في آثاره بدعوة الناس إلى شريعة الله كما قال تعالى: {فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهاداً كبيراً } فالمهم أن القرآن كريم بكل معنى الكرم . العلامة العثيمين

 

= أكثر المفسرين على أن معنى (في كتاب مكنون) المراد به اللوح المحفوظ .

 

= (لا) في قول الله جل وعلا: (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) [الواقعة:79] نافية وليست ناهية، ولا الناهية هي التي يراد بها الإنشاء والتكليف والطلب، أما لا النافية فهي تسوق خبراً؛ لكن قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إنما يفهم من الإشارة لا من التصريح؛ أنه ما دام أهل السماء لا يمس القرآن منهم إلا طاهر وكلهم مطهرون، فينبغي على أهل الأرض ألا يمسوا القرآن إلا وهم طاهرون، وهذا قول جمهور العلماء.

 

= {لا يمسه} أي: لا يمس هذا الكتاب المكنون {إلا المطهرون} وهم الملائكة طهرهم الله تعالى من الشرك والمعاصي، ولهذا لا تقع من الملائكة معصية، بل هم ممتثلون لأمر الله قائمون به على ما أراد الله، وذهب بعض المفسرين إلى قول غريب، وقالوا: المراد بقوله: {لا يمسه إلا المطهرون } أي لا يمس القرآن إلا طاهر، ولكن هذا قول ضعيف لا تدل عليه الآية ، لأنه لو كان المراد ذلك لقال (إلا المتطهرون) يعني المتطهرين ولكنه قال: {المطهرون } أي من قبل الله - عز وجل -، فهذا القول ضعيف، ولولا أنه يوجد في بعض التفاسير التي بأيدي الناس ما تعرضنا له، لأنه لا قيمة له، والصواب أن المراد بذلك الملائكة، فإن قلنا: إن المراد بالكتاب المكنون الصحف التي بأيديهم فواضح في قوله: {لا يمسه إلا المطهرون } وإذا قيل المراد به اللوح المحفوظ فكذلك المطهرون قد يمسونه بأمر الله - عز وجل -، وقد لا يمسونه. العلامة العثيمين

 

= {أفبهـذا الحديث أنتم مدهنون } يعني أبعد هذا البيان لعظمة القرآن الكريم تدهنون به الكفار وتسكتون عن بيانه وعن العمل به، وهذا الاستفهام للإنكار، لأن الواجب على من آمن بأنه {تنزيل من رب العالمين }، وأنه قرآناً كريماً، وأنه لا يمسه إلا المطهرون الواجب أن يصارح ويصرح ولا يدهن . العلامة العثيمين

 

= الذي تؤيده الأحاديث -كما عند مسلم في الصحيح- أن معنى قوله تعالى : (وتجعلون رزقكم) أي: ما ينزل عليكم من السماء من مطر، ويؤيده حديث مسلم : مطرنا بنوء كذا، وآخرون قالوا: مطرنا بفضل الله ورحمته فقال صلى الله عليه وسلم: (يقول الله جل وعلا: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فمن قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فهو مؤمن بي كافر بالكواكب، ومن قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فهو كافر بي مؤمن بالكواكب)، على هذا حمل أكثر المفسرين معنى الآية والعلم عند الله. ش/ صالح المغامسي

 

= قول الله جل وعلا: (فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ) [الواقعة:83] يعود على الروح بإجماع العلماء.

 

= {ونحن أقرب إليه منكم} يعني أن الله تعالى أقرب إلى الحلقوم من أهله، ولكن المراد أقرب بملائكتنا، ولهذا قال: {ولـكن لا تبصرون } والله تعالى يضيف الشيء إلى نفسه إذا قامت به ملائكته، لأن الملائكة رسله عليهم السلام، وليس هذا من باب تحريف الكلم عن مواضعه، ولكنه من باب تفسير الشيء بما يقتضيه السياق، لأنه ربما يقول قائل: إن ظاهر الآية {ونحن أقرب إليه منكم} أن الأقرب هو الله - عز وجل - فلماذا تحرفونه؟ فنقول: نحن لا نحرفها، بل فسرناها بما يقتضيه ظاهرها، لأن الله قال : { ونحن أقرب إليه منكم ولـكن لا تبصرون } وهذا يدل على أن هذا القريب في نفس المكان ولكن لا نبصره، وهذا يعين أن يكون المراد قرب الملائكة لاستحالة ذلك في حق الله تعالى، وأيضاً فإن القرب مقيد بحال الاحتضار، والذي يحضر الميت عند موته هم الملائكة لقوله تعالى: {حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون } . العلامة العثيمين

 

= قسم الله تعالى المحتضرين إلى ثلاثة أقسام : المقربين - وأصحاب اليمين - المكذبين الضالين ..

اختلف المفسرون - رحمهم الله - في قوله: {فروح}، فقيل: فراحة، لأن المؤمن وإن كان يكره الموت لكنه يستريح به، لأنه يبشر عند النزع بروح وريحان، ورب غير غضبان، فيسر ويبتهج ولا يكره الموت حينئذ بل يحب لقاء الله - عز وجل -، وهذا لا شك راحة له من نكد الدنيا ونصبها وهمومها، وقيل: الروح بمعنى الرحمة، كما قال الله تعالى عن يعقوب عليه السلام حين قال لبنيه: {يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله } أي: من رحمته، وهذا المعنى أعم من الأول، لأن الرحمة أعم من أن تكون راحة، أو راحة مع حصول المقصود، وإذا كان المعنى أعم كان حمل الآية عليه أولى، إذن {فروح} أي: رحمة، ومن الرحمة الراحة {وريحان} قيل: المراد بالريحان كل ما يسر النفس، وليس خاصًّا بالريحان ذي الرائحة الطيبة، بل كل ما فيه راحة النفس ولذتها من مأكول، ومشروب، وملبوس، ومنكوح ومشموم، فهو شامل، وقيل: المراد بالريحان الرائحة الطيبة كالريحان المعروف، والأول: أشمل .. فتحمل الآية عليه . العلامة العثيمين

 

= {فسبح باسم ربك} قيل: إن الباء زائدة، وأن المعنى سبح اسم ربك، كما قال الله تعالى: {سبح اسم ربك الأَعلى} وقيل: إنها ليست بزائدة، وأن المعنى سبح الله باسمه فلابد من النطق بالتسبيح، فتقول: سبحان الله، أما لو نزهته بقلبك فهذا لا يكفي، فعلى هذا تكون الباء للمصاحبة يعني سبح الله تسبيحاً مصحوباً باسمه {باسم ربك العظيم } الرب هو الخالق المالك المدبر، والعظيم ذو العظمة والجلال - جل وعلا -. العلامة العثيمين



 

فوزية العقيل
  • مع القرآن
  • كتب وبحوث
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط