صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







رحلتي للحج ..رؤيا شخصية!

فوزية منيع الخليوي
عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة

 
عندما تقدم على الحج ..وأنت تعلم مسبقا انك ستنضم إلى أناس فقراء في حملة خيريه ؟؟ فحتما هنا سيكون لحجك مذاقا خاصا!!
كانت الحملة وهى حملة خيرية, تضم في ذلك المخيم 500 امرأة وغالبهن كما رأيته من أحوالهن يعشن تحت خط الفقر أو اقرب إليه بقليل ؟؟ قدمن من جبال فيفا وصبيا في حيزان , وهذه كانت الغالبية , والبقية من نجران والقنفذة في المملكة الحبيبة ؟؟ هن نساء لوحت وجوههن شمس الجزيرة الحارقة, وتورمت أكفهن من أعمال المنزل الشاقة.
قاماتهن متقاربة , و قسماتهن متشابهه ؟
يحملن بين أفئدتهن قلوبا رفيقه,..وابتسامات رقيقه..
يجدن متعه كبيرة في مواصلة عملهن المنزلي حتى في الحج وتلاحظه من أكوام الملابس المغسولة منذ اليوم الأول ؟؟؟

ضياع في مني:
لأننا عدنا في فجر اليوم الثامن , ومن ثم انطلقنا إلى الحرم المكي لأداء فريضة العمرة لم نأخذ عنوان المخيم بدقة ؟؟ فلما عدنا إلى منى بعد انتهاء العمرة ونحن بشوق شديد إلى الراحة ... أوصلتنا السيارة إلى الطرف الآخر من منى, وهنا هالنا المنظر حيث ترامت إمام ناظرينا عدد هائل من الخيام المتلاصقة ذات تصميم واحد؟؟

يا هل أقضي حاجتي من منى *** وأنحر البزل المَهَارِيَّا

فأخذنا نسير على غير هدى ظنا مننا إننا سنجد مخيمنا في المرحلة القادمة ..ولكن أخذنا نشاهد مخيمات وأسماء لم نعهدها من قبل ..كتب عليها "مخيمات دول أفريقيا"
إذ إننا اقبلنا على مخيمات تعج بالحركة, وتترامى على أطرافها الباعة السمراوات ذوات الملابس الزاهية , والألوان الفاقعة..وقد وضعن أمامهن القدور المليئة بالأرز وأخذن يبعنه للمارة , وتسير قليلا لتجد أحداهن وقد وضعت أمامها أكوام من الموز ثم هي تضعه على الصاج الحديدي أمامها مخلوطا بالعجين .لتصنع منه قرصا رقيقا يبدو انه نوعا من الحلوى ,وهكذا تسير في خط طويل تقطعه بصعوبة لتلمح أصنافا من الأطعمة لم تألفها أعيننا, ولم تميزها أنوفنا في خليط مجتمعي مصغر لأفريقيا في ذلك الموقع؟؟ وكان واضحا منذ الوهلة الأولى اختصاص هذا المكان بتلك الوفود الأفريقية فقط ..فأكملنا سيرنا بينهم بصعوبة نظرا للخيام الصغيرة المنصوبة على الأرصفة بطول الطريق .. إلى إن صادفنا احد الشباب الجوالة المنخرطين في الهلال الأحمر السعودي وقد أصر على اصطحابنا إلى خارج الموقع وقد ارتسمت عليه علامات الدهشة من تواجدنا في ذلك المكان مبينا انه يعتبر اخطر موقع في منى ؟؟ سرنا معه مسافات طويلة وقد أنهكتنا الشمس الحارة , في التفافات طويلة متعرجة ,وكنت سأظن انه قد أضاعنا لولا الخريطة المصغرة التي كان ينظر إليها بين الفينة والأخرى ؟؟وهذا كان من الأمور المفتقدة في الحج وهو توزيع الخرائط على الحجاج .
بعد عدة ساعات وصلنا إلى مخيمنا ,وكان منظرا محببا انك تشاهد عددا هائلا جماعات من النسوة يلتففن على حلقات وقد انخرطن بالحديث بصوت واحد, وفى وقت واحد؟؟وقد وضعن أمامهن أباريق الشاي والقهوة ؟؟مما دلل بشكل قاطع إن هؤلاء النسوة يعشن في أوضاع أميه , وجهل مطبق ,في يوم يستعد فيه الحجاج من أقطار العالم بالدعاء والقراءة ؟؟ ولكن سرعان ما انقلبت تلك الوجوه الضاحكة إلى تعابير ارتسمت عليها الدهشة وهى تستمع إلى أحاديث الأجر في الحج ؟؟

ألا ليت شعري هل أسير مسيرهم *** وأحظى به أم دون ذاك موانع
لقد طلعت للقوم أنوار سعدهم *** فهل لي في تلك السعودات طالع؟

في عرفه:
في الظهيرة خرجت من المخيم إلى الطريق العام حيث يقع في آخره المسجد والذي تنطلق منه خطبة عرفه التي يستمع إليها المسلمين من أقطار العالم؟؟ يفيضون من عرفات.. وقد غفر لهم ما فات كان المشهد عاطفيا جدا ,لأنك إذا قلبت ناظريك لاتشاهد إلا باكيا أو رافعا أكفه ,في حين إن الطريق كان تصطف على جانبيه السيارات المبردة التي شرعت أبوابها للحجاج وهى توزع المثلجات والعصائر مجانا بينما علب الوجبات المجانية الفارغة ملقاة على جانبي الطريق في أعداد هائلة ؟؟ فلا غرو إن يكون هذا اليوم الذي يباهي الله به عز وجل ملائكته في السموات العلى ؟؟

وفي عرفات عرفوا بسعادة *** عليهم بجمع الشمل شاموا اشتمالها
فكم تائب مستغفر متيقن *** بمغفرة تهمي بفيض سجالها

وكان بحق مطبخ الدكتور محمد العمودي الخيري في عرفه عملا رائعا حيث يطهو الطعام المجاني للحجاج , ويستقبلهم في صالات واسعة منظمة, واحدة للنساء والأخرى للرجال, وأقيم على مساحة تقدر بأكثر من 5 آلاف متر مربع وطاقة إنتاجية مليون وجبة غذائية,وبتكلفة 15 مليون ريال كما انه يزود الحجاج بعبوات مغلفة لمن في الخارج .

نساء من الحملة :
أم احمد: أمرآة من أعالي جبال صبيا , تعيش في منزل ريفي واسع, تقوم بأعمالها المنزلية وحدها بكل سرور؟؟ ابرز ما تجده مسليا في الأمر هو طحنها لحبوب القمح بطريقه يدوية شاقة حيث تلقى معه حفنه من حبوب الحلبة , ثم تقوم بعدها بطحن هذا الدقيق لتقوم بخبزه في تنورها المنزلي! ثم تطعم هذه الوجبة في مناسبات خاصة بالتيس المشوي بعد أن تملأ الفرن بجذوع الشجر التي جمعتها بالأمس, حتى إذا أجمرت أسقطت التيس الهزيل, لتجتمع عليه أفراد أسرتها بعد غياب طويل؟؟ هي أمرآة يفيض قلبها الرحيم بمعاني الأفضال والعطاء لأبنائها, وخاصة أحمد ذي الإحدى عشر ربيعا, والذي شفى مؤخرا من عملية في القلب ,نذرت على أثرها إن تحج به إلى بيت الله الحرام, وكانت عندما تتحدث عن احمد تتسع عينيها فرحا , وتتهلل أسارير وجهها مدللة على الحب العظيم الذي تكنه له في صدرها!!
حيث أنها قامت بمناسك الحج بسعادة عظيمة , وخاصة تلك التي تنيب فيها عن ابنها المريض؟؟
صالحة : فتاة في الثامنة عشر ربيعا , كانت تبدو لي منذ الوهلة الأولى أمٌ مكلومة ..قد أضناها فراق أبنائها , فأخذت تذرف الدموع على فراقهم , وسرعان ما أشتد هذا الوله عندما انخرطنا في الحديث عن الأجر العظيم للحج, فقصت أنها قد تشوقت لأداء فريضة الحج بعد إن علمت بأمر الحملة الخيرية التي جاءت للتسجيل في قريتهم النائية في أعالي جبال صبيا!!
فهرعت إلى والدها لتخبره برغبتها الشديدة ,إلا انه رفض ألبته, متوعداً إياها بعدم التفكير بهذا الأمر فما كان منها إلا إن بدأت بمناشدة أقاربها للحديث معه , وكان يزداد إصرارا وتعنتا , في حين أنها تلجأ إلى الله في آخر الليل بالدعاء والصلاة..ومكثت على هذا الحال عدة شهور!! تقول وعندما قرب الموعد لم أشعر إلا وأبى يدخل على مطمئننا أياي بموافقته على الحج!!
سعيدة : من اهالى نجران قدمت مع ابنها وأبنتها الصالحين , وتعدهما من نعم الله عليها !حيث أنها غيرت مذهبها حديثا إلى المذهب السني!!
وعندما كانت تستمع إلى الدروس كانت ترتسم على محياها علامات الألم والحسرة , فأمسكت بي ودموعها تتناثر على وجنتيها , وآهات اللوعه تنبعث من صدرها متألمة من هجر أقاربها وعائلتها لها, حتى أنهم أصبحوا ينادونهم آل أبي هريرة؟!! رافضين الجلوس معها أو أكل طعامها ؟

وداع اليوم الأخير:
لم يدر بخلدي للحظة أن هذه القلوب البسيطة , والشخصيات الشفافة ! قد لامس شغاف قلبها ..رهبة المكان, وقدسية المشاعر,وألفة النفوس, وأن هؤلاء النسوة اللواتي لم يخالطن المدنية الحديثة, ولم يشهدن العولمة تبلغ منهن هذه الجلسات المعقودة , والأحاديث المعدودة , هذا المبلغ فعج المكان بهن , والدموع الرقراقة على صفائح محياهن , وألسنتهن تلهج بالدعاء وعبارات الشوق واللهفة لجميع من كان سببا في حضورهن أو أفادتهن, وشهد لقيآهن ..وانهالن علينا بالتقبيل بشغف طفولي, فودعناهن وأنا أجزم إنهن سيظللن يكففن دموعهن..ويحبسن لوعتهن, ويسففن الندم , ويلعقن الحسرة ... إلى إن يصلن إلى ديارهن...

أودعوني حرقًا إذ ودعوا *** غادروا القلب بها مشتعلا
آهٍ من جسمٍ غدا مستوطنًا *** وفؤادٍ قد غدا مرتحلا
شعبة شرقًا وأخرى مغربًا *** مَن لهذين بأن يشتملا
 

فوزيه الخليوى
عضو الجمعية السعودية للسنة النبوية .
om.sofian@hotmail.com
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
فوزية الخليوي
  • مـقـالات
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط