صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







نبيّ الله يعقوب يعلمكم

كتبته : فجر الأمل

 
بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مِن خصائص القرآن الكريم التي تفرّد بها عن بقيّة الكتب السماوية ، أنّ فيه سورةً كاملةً عِبارة عِن قِصة كاملة فيها بداية وأحداث ثمّ خاتمة ..
وهذه المزيّة غير موجودة في كتب الأنبياء والرُسل السابقين .

وإنّ مِن توفيق الله للعبدِ المؤمن وإحسانه إليه ؛ أن يبصّره ويفتح له باب التدبر والتبصرة في " سورة يوسف " ، فلا يظنّ أنّها مجرّد حكاية يحكيها الله عزّ وجلّ عن نبيه يعقوب وابنه يوسف عليهما وعلى أبويّهما السلام .

في سورة يوسف ..
يقول الله تعالى حكايةً عن يعقوب مع أبنائه لمّا أرادوا دخول مِصر { وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ }

وقال قبلها لهم { قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ }

وفي أوّل السورة يقول الله تعالى يحكي عن يعقوب – عليه السلام – وهو يخاطب ابنه الصغير يوسف { وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آَلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

ثمّ لمّا جاؤوا أبناؤه بخبر حبس أخيهم وتمنّع أخوهم الآخر مِن المجيء قال يعقوب كما قال الله تعالى { عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ }

ثمّ أقبل وقال – عليه السلام – يخاطبهم ويبيّن لهم { قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ }
فلمّا علّمهم لِمن يشكو بثّه وحُزنه ، استحثـّهم على البحث عن أخويهم وقال { وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ }

فلمّا بدأت بوادِر الفرَج وعرَف الإخوة ذنبهم ، جاؤوا نادمين يطلبون مِن أبيهم الكبير أن يستغفر لهم ، فلم يجِب طلبهم وسكت ..
بل قال يثني على الله تبارك وتعالى { إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }

هكذا حكى لنا الله تعالى عن نبيه يعقوب مع أبنائه ..
في صِغرهم ، وفي كِبرهم ..
في رخائهم ، وفي شدّتهم ..
في وقت حُزنه ووقت فرَحه ..

يعلّقهم – عليه السلام – بالله جلّ وعلا ..
ويبثّ في قلوبهم روح حياتهم ..
فيعلّمهم أنّ كل شيء بيدِ الله ، وأنّ له مِن صفات الكمال والجلال سبحانه ، ما يجعل النفس تترك كل الكون وتتعلق به وحده سبحانه .

لمّا أخبره يوسف برؤياه ، أراد أن يقول ليوسف .. إنما أنت فيه مِن فضله وما سيأتيك الله بهِ مِن فضله ليس إلا مِن الله وحده ، ومِن إنعام الله أنه اجتباك وقبْـلك اجتبى أباك وجدك إسحاق وجدك إبراهيم وعمّك إسماعيل – عليهم السلام - .

كأنّه أراد أن يزرع فيه التعلّق بالله عزّ وجلّ وأن لا ينساه وأن يتوكّل عليه في أموره كلها ولا ينسى أنّ المنعِم هو الله ..
فلا القوّة وحدها ، ولا النسب ، ولا الجاه ، ولا المال .. هي التي تأتي للإنسان بالخير ..
وإنما هو فضل الله وحده .

وهكذا في بقية خطابه مع أبنائه حين يعلّقهم بالله وحده وأنه هو النافع الضار ..
وأنّ الله عزّ وجلّ شهيد ، وكيل ، لا تخفى عليه خافية ..
فلتحذروا أن تخدعوا وتستخفوا ثمّ تذنبوا ..

ويعلّقهم بالله تبارك وتعالى حين يخبرهم أنه على كل شيءٍ قدير ..
فيسمع مِن عبده شكواه ، ثمّ إذا ما رأى حاجته وذله وانكساره ... أعطاه الكريم أرحم الراحمين .

ويعلّمهم بقدرته وأنّه مهما بلغت الشدائد فإنه لا يأس ، ما دام أنّ القلب قد تعلّق به وحده سبحانه ..
وما دام أنّ القلب قصدَه وحده سبحانه ..
فإنّ الله لا يخيّب مَن لجأ إليه وقد وعده الناس أنه لا مخرج ! .

ثمّ يعلّقهم بالله ويخبرهم أنه غفور رحيم ..
يقبل التوبة ويعفو عن السيئات ..
فلا تيئسوا ، ولا تتعاظموا ذنوبكم أمام رحمة الله ..
فإن رحمة الله واسعة .. وبعباده لطيف خبير ..
ويقبل التوبة مادام العبدُ صادقًا نادمًا .

هكذا ربّى يعقوب – عليه السلام – أبناءه ..
فلا نعجب مِن التربية ولا نعجب مِن النتيجة ..
فإنما هي تربية تلقاه مِن أبيه عن أبيه ..
فكم يحكي لنا الله تعالى عن تعلّق إبراهيم – عليه السلام – بربّه وصِدق توكّله عليه والتجائه إليه ..

ولا نعجب حين نرى يوسف عليه السلام حين تشتدّ به الابتلاءات فيلجأ إلى الله ..
وحين يُعرَض عليه الذنب يخاف مِن الله ..
وحين انكشف البلاء نسب الفضل إلى الله .

ولا نعجب حين رؤوا إخوته ما فتح الله به على أخيهم مِن الخير والسلطان وعلوّ المكان ..
فيغبطونه أنّ الله تعالى آثرَه عليهم .

إنها تلك التربية الإيمانية التي غرسها أبوهم في أنفسهم .

***

فتعالوا إلى حالنا اليوم مع الصِغار مِن الأبناء والكِبار ..
فكم علقناهم بربهم سبحانه ..
وكم غرسنا فيهم أن يتجرّدوا مِن كل حولٍ لهم وقوّة ويلجؤوا إلى الله جل وعلا ..
وكم ربيّناهم على أن يخافوا مِن الله وحده دون سواه ، وأنهم مهما استخفوا مِن الناس ؛ فإنّ الله ناظرٌ إليهم ..

بالله ..
كم مرّة أدّبناهم وهذّبنا نفوسهم بمعرفة أسماء الله وصفاته ..
فإن يزلّوا فإنه غفور رحيم ..
وإن يُبتلوا فإنه قويٌ عزيزٌ قديرٌ حيٌّ قيّوم ..
وإن يتواروا عن الناس فإنه السميع البصير ، العليم الخبير ..

كم مرّة استصعب الابن درسًا .. فقلنا له : لا يعجز الله شيئًا سبحانه وتعالى ، فالجأ إليه وقل يا رب .
بل إنّ معظم الآباء إنما يقولون لأبنائهم : إنما أنتَ ذكي !
إنما أنتَ متفوّق ولن يعجزك درس أو مسألة !

كم مرّة يخطئ الابن في الخفاء ..
فلا يُقال له مِن طرف خفي أنّ الله يراك ..
وإنما يُكاشَف ويُفضَح ! ثمّ يُقال له : إن أباك أذكى مِن أن تخدعه ؟!

كم مرّة أتى مسرورًا فرِحًا بنتيجته ، فقيل له : الحمد لله الذي اجتباك وأنعم عليك ..
وإنما يُقال له : هذي نتيجة تعبك ونصبك وسهرك !

كم مرّة أصيب بمرض فزُرِع فيه { قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا } وزُرِع فيه صِدق اللجأ إلى الله عزّ وجلّ ..
وإنما يُقال له : هذي نتيجة إهمالك !

نعم ..
هناك أسباب منحناها اللهُ تعالى ..
لكن لا يعوَّل عليها ، ولا تكون هي المحرّك لحياتنا ..
وإنما يُعلّق قلبُ الابن بربه وخالقه ومنشئه ، ثمّ يُشار إلى الأسباب .

إن الأجيال الناشئة والتي خلا قلبها مِن تعلّقها بربها سبحانه ..
أجيال استسهلت المعصية في الخفاء حتى جاهرت بها !

وأجيال اعتمدوا على حولهم وقوتهم فلم يفلحوا !

وأجيال نسوا الله فنسيهم ..

هذا نبي الله عليه الصلاة والسلام يعلّم ابن عباس أعظم الأمور مِن التسليم لله ومعرفته ومخافته وحِفظه ..
علّمه وهو غلام ..
فحفِظ ابن عباس ووعى ثمّ طبّق .

فأين المربّون اليوم عن مثل هذه المعاني ؟

وأين المربّون اليوم عن تربية الابن على حُب الله لذاته وتعليقهم به سبحانه ؟

يقول فضيلة الشيخ صالح بن عوّاد المغامسي في إحدى كلماته النيّرات :
مَن تحبّه علّقه بالله وأول طرائق تُعلقهُ بالله أن تقطع طرائق تُعلقهُ بك لأنهُ ما دام مُتعلقًا بك لن يكمل تعلقهُ بالله لكن ابدأ بأن تُعلقهُ بالله .


ونسأل الله صلاح النيّة أن يرزقنا صِدق التوكّل وعظيم الإنابة إليه واللجوءِ إليه في كل أمر مهما صغُرَ أو عظُم .


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
فجر الأمل
  • الحياة الأسرية والزوجية
  • العام
  • خواطر مِن فيض قلبي
  • همسات للقوارير
  • الصفحة الرئيسية
  • ملتقى الداعيات
  • للنساء فقط