صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







التعويض عن الأضرار المترتبة على المماطلة في الديون (2/2)

الدكتور/ سلمان بن صالح الدخيل


التعويض عن الأضرار المترتبة على المماطلة في الديون (1/2)

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين
أمابعد: فهذه تتمة للبحث السابق
المبحث الثالث: الضرر الحقيقي الفعلي الناتج عن المماطلة في الديون .

المطلب الأول: صورة الضرر الحقيقي الفعلي الناتج عن المماطلة في الديون .
إذا تأخر المدين في وفاء الدَّين عن الوقت المحدد المتفق عليه مع الدائن، ومضت مدة طالب الدائن فيها المدين بالوفاء فماطل فيه، ثم ترتب على الدائن ضرر مالي فعلي حقيقي: إما بفوات ربح محقق لماله المماطَل فيه، أو حصول ضرر مالي عليه كغرامات مالية سببها شروط جزائية مقابل إخلاله بتنفيذ التزامات عقدها الدائن مع أفراد أو مؤسسات ونحوها، أو بسبب بذله أموالاً لتحصيل ماله من المماطل، أو بسبب نقص سعر النقد ، فهل يستحق الدائن أن يعوض عن هذه الأضرار الحقيقية أم لا يستحق ؟
ومن أمثلة الضرر الحقيقي الفعلي ما يلي:
1- مماطل امتنع عن دفع المال لصاحبه، وقام بالتجارة فيه، فربح المماطل منه مالاً كثيراً، فهل هذا الربح الحقيقي الواقعي للمماطل أو لصاحب المال ؟
2- دائن اعتمد في عقوده مع عملائه على أن المدينين سيوفونه في الأجل المتفق عليه، وارتبط بناء على ذلك على إنجاز تلك العقود بأوقات محددة، وتحمل شروطاً جزائية في حال تأخره في إنجازها، فماطل المدينون في الوفاء، ولم يستطيع الوفاء بالتزامه لأجل مماطلة مدينيه ، فلحق به خسائر مادية بمقتضى الشروط الجزائية ، فهل يستحق صاحب الدَّين على المماطلين تعويضاً مقابل هذا الضرر الحقيقي الفعلي أم لا ؟ (1).
3- دائن له مال عند مدينين مماطلين ، وهو مدين لغيره بديون أقل مقداراً من ماله لدى الناس ولم يستطع السداد ، فحُكِم عليه بالإفلاس بسبب ديونه الحالة ، وبِيْع عليه ماله الموجود جبراً لسداد دينه، وتضرر من ذلك ، فهل يستحق تعويضاً عن أضرار النقص الحاصل بسبب البيع أم لا ؟ (2).
4- دائن ماطله مدينوه فطالبهم وامتنعوا من الوفاء ، فخسر لأجل متابعتهم ومخاصمتهم وتحصيل حقه منهم أموالاً ، فهل له أن يُعَوَّض عن ضرر فوات هذه الأموال أم لا ؟
5- مدين ماطَل دائنه بملبغ مئة ألف دينار لمدة عشر سنين ، فنقصت قيمة الدنانير في مدة المماطلة، فهل يضمن نقص السعر أم لا ؟
ومن خلال الأمثلة السابقة يمكن أن تقسم هذه الأضرار الحقيقة الفعلية إلى قسمين :
القسم الأول: ضرر يلحق الدائن بسبب فعل المماطل نفسه ، كخسارة المال للمخاصمة والمرافعة ودفع أجور المحصلين ونحو ذلك.
القسم الثاني : ضرر يلحق الدائن بسبب خارج عن المماطل، كفوات ربح محقق أو خسارة مالية تلحق بالدائن لأجل عقود فيها شروط جزائية لم يستطع تنفيذها، أو يكون الضررُ ضرراً عاماً كنقص السعر ونحوه.

المطلب الثاني: حكم التعويض عن الضرر الحقيقي الفعلي الناتج عن المماطلة في الديون .
حكم التعويض عن الضرر الحقيقي الفعلي الناتج عن المماطلة في الديون يختلف باختلاف التقسيم السابق ، وعليه فيمكن بيان حكم التعويض المالي من خلال فرعين هما:
الفرع الأول: التعويض عن الضرر المادي الحقيقي الواقع بسبب تعدٍ من المدين المماطل .
وذلك مثل نفقات الشكاية، والمطالبة، والمحاماة، وأجور التحصيل، والتعقيب، التي يتكبدها الدائن لأجل حصوله على ماله من مدينه المماطل، فهذه الأضرار المادية يستحق التعويض عنها إذا كان غرم الدائن لها على القدر المعتاد والوجه المعروف لا وكس ولا شطط ، وقد نص العلماء على هذا الحكم في المماطل ، ومن أقوالهم :
قال ابن تيمية : " وإذا كان الذي عليه الحق قادراً على الوفاء ، ومطل صاحب الحق حقه حتى أحوجه إلى الشكاية ، فما غرمه بسبب ذلك، فهو على الظالم المبطل ، إذا كان غرمه على الوجه المعتاد " (3).
وقال ابن فرحون : "إذا تبين أن المطلوب ألدَّ بالمدعي ، ودعاه الطالب إلى الارتفاع إلى القاضي فأبى، فيكون على المطلوب أجرة الرسول إليه، ولا يكون على الطالب من ذلك بشيء " (4).
وقال في كشاف القناع : "وإن غرم إنسان بسبب كذب عليه عند ولي الأمر، فله تغريم الكاذب لتسببه في ظلمه ، وله الرجوع على الآخذ منه لأنه المباشر ، ولم يزل مشايخنا يفتون به، كما يعلم مما تقدم في الحجر فيما غرمه رب الدَّين بمطل المدين ونحوه؛ لأنه بسببه" (5).

وقال في شرح المنتهى : "وما غرم رب دين بسببه، أي بسبب مطل مدين أحوج رب الدَّين إلى شكواه، فعلى مماطل لتسببه في غرمه ، أشبه ما لو تعدى – أي بالغصب – على مال لحمله أجرة ، وحمله إلى بلد آخر وغاب، ثم غَرِمَ مالكُهُ أجرةً لعوده إلى محله الأول، فإنه يرجع به على من تعدى بنقله " (6).
وهكذا فإن العلماء يلزمون كل ظالم معتدٍ ممن يباشر إتلاف مال غيره، أو يتسبب فيه بضمان المتلف، وقد نصوا على ذلك في مواضع في الغصب وغيره ، ومن نصوصهم ما يلي:
قال في بدائع الصنائع :" ومؤنة الرد على الغاصب؛ لأنـها من ضرورات الرد ، فإذا وجب عليه الرد ، وجب عليه ما هو من ضروراته" (7).
وقال في مغني المحتاج : " وعلى الغاصب الرد للمغصوب على الفور عند التمكن، وإن عظمت المؤونة في رده " (8).
وقال في المقنع : " ويلزم رد المغصوب إن قَدِرَ على رده ، وإن غرم أضعاف قيمته" (9).
وقال في الشرح الكبير: "وجمله ذلك: أن المغصوب متى كان باقياً وجب رده، لقوله_صلى الله عليه وسلم_ :" على اليد ما أخذت حتى تؤديه "(10)، فإن غصب شيئاً فبَعَّدَه لزم رده ، وإن غرم عليه أضعاف قيمته ؛ لأنه جنى بتبعيده، فكان ضرر ذلك عليه" (11).
وجاء في المنتهى مع شرحه: " وعلى غاصب رد مغصوب قدر عليه، ولو بأضعاف قيمته"(12).
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم : " وذلك أن العلماء نصوا على أن كل من غرم غرامة بسبب عدوان شخص آخر عليه أن ذلك الشخص هو الذي يتحمل تلك الغرامة " (13).
ومما سبق يتبين أن العلماء يرون تضمين المعتدي - وهو المدين المماطل- المتسبب في الضرر الحقيقي الذي يلحق بالدائن لما يلي:
1) أن إلجاء الدائن للمخاصمة، وتغريمه المال لأجل تحصيل حقه ظلم وضرر تجب إزالته، والضرر هنا لا يمكن إزالته إلا بتعويض الدائن ما خسره من نفقات التقاضي والتحصيل(14).
2) أن هذه الأموال المبذولة لتحصيل الحق والمطالبة به واقعة بسبب امتناع المماطل من السداد، فيضمنها لتسببه فيها، كما لو أتلفها (15).
3) أن عدم إلزام المدين المماطل بالتعويض عن أضرار التقاضي والترافع يجرئ المماطلين على المماطلة، وأكل أموال الناس بالباطل ، ويحمل أصحاب الأموال إلى رفع الدعاوى للمطالبة بـها، فتكثر الخصومات، ويُشْغَل القضاة، وتُتْعَب جهات التنفيذ بغير حق، ويتأخر وفاء الدَّين المدد الطويلة، فتصبح المماطلة مركبة من مماطلة المدين الأول، ومماطلة إجراءات التقاضي والمرافعة، إذ يلزم من الترافع التأخر لأجل النظر في الدعوى، ثم سماع البينة، ثم إثباتـها، ثم الحكم بناء عليها، ومن ثَمَّ يُطْلَب تمييزها، وبعد تمييزها، تذهب لجهات التنفيذ الأخرى ، وهذا الأعمال الطويلة إن قام بـها الدائن بنفسه لحقته مشقة بالغة ، وإن وكَّل بـها من يقوم بالمرافعة والمطالبة غرم له أجرة، والعدل أن لا يجتمع على الدائن ظلمان ، ظلم تأخير حقه ، وظلم غرامة ما بذله لأجل تحصيل حقه الثابت له، فتعين تحميل المماطل الظالم نفقات المطالبة وتحصيل المال .
4) أن عدم تحميل المدين نفقات الدعوى قد يحمل أصحاب الحقوق على ترك حقوقهم، وعدم المطالبة بـها، إذ تُكَلِّف نفقات التقاضي أحياناً أكثر من ماله الذي يطالب به(16).
ولا أظن أن أحداً من العلماء يخالف في مضمون هذا القول ، وقد صدر ما يوافقه في معيار المدين المماطل المعتمد من المجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية ، ونصه: " يتحمل المدين المماطل مصروفات الدعوى وغيرها من المصروفات التي غرمها الدائن من أجل تحصيل أصل دينه " (17).

الفرع الثاني: التعويض عن الضرر المادي الحقيقي الواقع بسبب خارجٍ عن المدين المماطل.
هذا القسم – في نظري- ينسحب فيه الخلاف السابق المذكور في مسألة ضرر فوات الربح المفترض ، بيد أن هذه المسألة أضيق من تلك المسألة ، إذ القائلون بالتعويض في هذه المسألة يقصرون التعويض على فوات الربح المحقق، أو حصول الضرر الحقيقي، ويمنعون التعويض عن الربح المفترض، ولذا فقد اختار بعض العلماء القول بتعويض الدائن عن الضرر المحقق فقط دون الضرر المفترض ، وبعض العلماء أطلق القول بمنع تعويض الدائن عن ضرر المماطلة مطلقاً ، وعليه فسأذكر _إن شاء الله_ في هذه المسألة من منع التعويض عن الضرر الفعلي نصاً، أو أجازه كذلك ، فيقال :

اختلف العلماء المعاصرون في حكم تعويض الدائن عن ضرره الحقيقي كفوات الربح المحقق، أو حصول ضرر مادي بسبب خارج عن المدين المماطل على قولين:
القول الأول :
عدم جواز إلزام المدين المماطل بدفع تعويض للدائن عن فوات ربحه المحقق أو حصول ضرر مادي عليه إذا كان بسبب خارج عن المدين المماطل .
وقال به بعض المعاصرين (18).
والمنع من التعويض هنا داخل في عموم قرارات المجامع الفقهية المانعة للتعويض مطلقاً ، وهي:
- ما جاء في قرار المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته الحادية عشر عام 1409هـ ونصه: "إن الدائن إذا شرط على المدين أو فرض عليه أن يدفع له مبلغاً من المال غرامة مالية جزائية محددة أو بنسبة معينة، إذا تأخر عن السداد في الموعد المحدد بينهما فهو شرط أو فرض باطل ، ولا يجب الوفاء به، بل ولا يحل ، سواء كان الشارط هو المصرف أو غيره؛ لأن هذا بعينه هو ربا الجاهلية الذي نزل القرآن بتحريمه " (19).

- وما جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في دورته السادسة المتعلق ببيع التقسيط، ونصه:
" ثالثاً: إذا تأخر المشتري المدين في دفع الأقساط عن الموعد المحدد، فلا يجوز إلزامه أي زيادة على الدَّين ، بشرط سابق أو بدون شرط ؛ لأن ذلك ربا محرم .
رابعاً: يحرم على المدين المليء أن يماطل في أداء ما حل من الأقساط ، ومع ذلك لا يجوز شرعاً اشتراط التعويض في حالة التأخر عن الأداء" (20).
- وما جاء في معيار المدين المماطل المعتمد من المجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية ، ما يلي : "(ب) لا يجوز اشتراط التعويض المالي ...سواء كان التعويض عن الكسب الفائت (الفرصة الضائعة)، أم عن تغير قيمة العملة . (ج) لا تجوز المطالبة القضائية للمدين المماطل بالتعويض المالي نقداً أو عيناً عن تأخير الدَّين" (21).

القول الثاني :
جواز إلزام المدين المماطل بدفع تعويض للدائن عن فوات ربحه المحقق أو حصول ضرر مادي عليه إذا كان بسبب خارج عن المدين المماطل .

وقال به بعض المعاصرين (22).
قال الدكتور الصِّدِّيق الضرير في جواب عن استفتاء وجه إليه من أحد البنوك : "يجوز أن يتفق البنك مع العميل المدين على أن يدفع له تعويضاً عن الضرر الذي يصيبه بسبب تأخره عن الوفاء، شريطة: أن يكون الضرر الذي أصاب البنك ضرراً مادياً وفعلياً ، وأن يكون العميل موسراً ومماطلاً ، وخير وسيلة لتقدير هذا التعويض، هو أن يحسب على أساس الربح الفعلي الذي حققه البنك – الدائن- في المدة التي تأخر فيها المدين عن الوفاء"(23).
أدلة القولين :
هي نفس أدلة القولين في المسألة السابقة في حكم تعويض الدائن عن فوات الربح المفترض، مع توجيه أن الضررَ فعليٌ حقيقيٌ، وليس ضرراً محتملاً أو ربحاً مفترضاً، ويَرِدُ عليهما من المناقشة والتوجيه ما سبق ذكره في تلك المسألة

الترجيح :
الراجح _والله أعلم_ هو القول الأول ، وهو عدم جواز إلزام المدين المماطل بدفع تعويض للدائن عن فوات ربحه المحقق، أو حصول ضرر مادي عليه، إذا كان بسبب خارج عن المدين المماطل، وذلك لما يلي :
أولاً: قوة أدلة القول الأول، وعدم صمود أدلة القول الثاني أمام المناقشة الواردة عليها.
ثانياً: أن التعويض هنا زيادة في مقابل تـأخر الأجل، فيكون رباً محرماً، فيمنع منه، ولو كان المماطل ظالماً .
ثالثاً: أن ظلم المماطلة في الديون منفك عن الضرر الحقيقي الواقع على الدائن؛ إذ لم يكن بسبب منه.
رابعاً: أن تحميل المماطل فوق ما تحتمله ذمته ظلم له ، وهي أضرار لم يتسبب بـها ، فكيف يلزم بضمانـها ، وقد نص العلماء أن المماطل يضمن ما تسبب به من أضرار مالية تلحق بالدائن ، كأجور الشكوى، وتحصيل الدَّين ، إذ هذه أضرار حاصلة بسبب ظلم المدين المماطل دون الأضرار الخارجة عنه ، والتي قد تحصل لأي إنسان ماطله مدينوه أم لم يماطلوه، بل قد لا يكون دائناً لأحد .
ويمكن إرجاع سبب الخلاف في مسألة التعويض -والله أعلم- إلى ثلاثة أمور، وهي ما يلي:

الأمر الأول: هل الزيادة المفروضة على المدين المماطل ، زيادة ربوية أم لا ؟.
الأمر الثاني : هل المدين المتأخر عن الوفاء ظلماً - وهو المماطل- أشبه بالدائن المتأخر عن الوفاء بعذر وهو المعسر، أو من لا يجد مالاً حاضراً يفي بدينه ، أم شَبَهُهُ بالغاصب أقرب؟
الأمر الثالث: حكم أرباح النقود والأموال المماطَل فيها ؟

فأما الأمر الأول : فمن رأى أن الزيادة المفروضة على المدين في مقابل التأخير ربا، فقد منع التعويض مطلقاً ، ولو لحق الدائن ضرر؛ إذ إن هذه الأضرار قد تلحق المرء ولو لم يكن دائناً، وليس هناك تسبب من المماطل بحصولها ، والدائن قد دخل مع المدين على ألا يعطيه إلا حقه ، والمطل لا يوجب زيادة في الدَّين ، وظلمه له يستحق عليه التعويض في الآخرة ، والعقوبة الزاجرة في الدنيا .
و أما من منع أن تكون الزيادة المفروضة على المدين في مقابل التأخير ربا، فقد أجاز التعويض؛ لأنـها عوض عن ضرر واقع .
ولا شك – في نظري- أن هذه الزيادة هي صورة من صور الربا الجاهلي ، وما كان الربا والزيادة التي يأخذها المرابون في الجاهلية إلا تعويضاً عن ضرر بقاء المال عند المدينين وتأخر هذا المال عنهم تلك الفترة .

قال الدكتور عبد الله بن بيه بعد ذكره الأدلة والنقول : " يتبين أن إلزام المدين بتعويض للدائن إذا مطله بدينه لا يجوز ، وأنه من الربا الذي لا يختلف العلماء في منعه" (24).

وأما الأمر الثاني : فإن من ألحق المدين المماطل بغيره من المدينين، وهو المدين المعسر أو المليء الذي غاب ماله، فقد منع فرض غرامة مالية أو تعويض عليه، إذ لا يجوز فرض الزيادة على المعسر بالإجماع كما سبق (25)، وهذا الإلحاق هو الراجح ، والله أعلم .
وأما من ألحق المدين المماطل بالغاصب فحكموا أن المماطل غاصب للمال منذ حلول أجل الدَّين وامتناعه عن الوفاء بعد المطالبة بلا عذر .

وأما الأمر الثالث: وهو أرباح النقود والدراهم المماطل فيها، فقد تكلم الفقهاء في الأموال المغصوبة، هل هي للمالك المغصوب منه أم للغاصب، وعلى هذا فتُخَرَّجُ مسألة ربح المدين المماطل بالدراهم ونحوها على مسألة ربح الغاصب من الأثمان المغصوبة.
وحكم المسألة لا يخلو من حالتين :
الحالة الأولى : أن يتجر بـها الغاصب فيربح .
الحالة الثانية : أن لا يتجر بـها الغاصب .

الحالة الأولى : أن يتجر بـها الغاصب فيربح .
اختلف العلماء فيمن يستحق ربح المال المغصوب على خمسة أقوال :
القول الأول :
ربح الدراهم المغصوبة للغاصب.
وهو مذهب الحنفية (26)، والراجح عند المالكية(27)، وأظهر القولين عند الشافعية (28)، واحتمال عند الحنابلة (29).

القول الثاني :
ربح الدراهم المغصوبة للمالك .
وهو قول للشافعية يقابل الأظهر(30)، ومذهب الحنابلة (31).
قال الشيخ سليمان بن عبد الله: " فإن اتجر بالدراهم فالربح لمالكها ، هذا هو المذهب، وهو من مفرداته" (32).

القول الثالث :
أنه يُتَصَدَّق بربح الدراهم المغصوبة.
وهو قول لبعض المالكية، ورواية عن أحمد، وقال به من جعل الربح للغاصب، وهم بعض أصحاب القول الأول، إذ نصوا على أنـها لا تطيب له، وعليه أن يتصدق بـها:
قال في مجمع الضمانات:" لو ربح بدراهم مغصوبة كان الربح له، ويتصدق به، ولو دفع الغلة إلى المالك حل له تناولها "(33).
وجاء في الرسالة :" ولا يطيب لغاصب المال رِبْحُهُ حتى يرد رأس المال على رَبِّه ، ولو تصدق بالربح كان أحب إلى بعض أصحاب مالك " (34).
وقال في المغني : " وعن أحمد : أنه يتصدق به " (35).

القول الرابع :
يقسم ربح الدراهم المغصوبة بين الغاصب والمالك مناصفة كالمضاربة .
وقال به ابن تيمية.
قال _رحمه الله_ : " إن كان جميع ما بيده أخذه من الناس بغير حق : ...مثل أن يغصب مال قوم بافتراء يفتريه عليهم... فهذه الأموال مستحقة لأصحابـها، ومن اكتسب بـهذه الأموال بتجارة ونحوها ، فقيل : الربح لأرباب الأموال ، وقيل: له إذا اشترى في ذمته ، وقيل: بل يتصدقان به ؛ لأنه ربح خبيث ، وقيل : بل يقسم الربح بينه وبين أرباب الأموال كالمضاربة ، كما فعل عمر بن الخطاب في المال الذي أقرضه أبوموسى الأشعري لابنيه دون العسكر ، وهذا أعدل الأقوال " (36).

القول الخامس :
أن الغاصب إن كان موسراً فالربح له، وإن كان معسراً فالربح للمالك صاحب المال.
وهو قول لبعض المالكية (37).

أدلة الأقوال :
دليل القول الأول:
استدل من قال بأن الربح للغاصب:
قالوا: إن الخراج بالضمان والغنم بالغرم، والغاصب ضامن لما غصب، فيكون ربح الدراهم له مقابل ضمانه لها، سواء أنفقها أم اتجر بـها (38).
المناقشة:
نوقش بأن هذا ليس على إطلاقه؛ وذلك لأن العين المغصوبة إذا لم تتغير ردها وبرئ من ضمانها، والعين لا تضمن إلا إذا هلكت أو تغيرت، و إلا فلا (39).

دليل القول الثاني :
استدل من قال بأن الربح لمالك الأثمان (المغصوب منه) :
قالوا: إن الربح نماء ملك صاحب الدراهم، فيستحقها دون الغاصب؛ لأنه ظالم بغصبه فيهدر عمله .
المناقشة:
يناقش بما يلي:
أولاً: نسلم أن الغاصب ظالم بغصب العين، وذلك يقتضي ضمان ما غصب بلا زيادة؛ لعموم قوله_صلى الله عليه وسلم_" على اليد ما أخذت حتى تؤديه " (40).
ثانياً : أرباح المال حاصل بالمال المغصوب وبجهد الغاصب المبذول فلا يحرم منها مطلقاً ولا يفوز بـها مطلقاً ، بل يشتركان في ربح المال كالمضاربة .

دليل القول الثالث:
استدل من قال بأن الربح يتصدق به بما يلي:
قالوا: هذا الربح كسب خبيث؛ إذ هو ربح مال مغصوب فلا يطيب للغاصب، وإذا لم يطب له لزمه التخلص منه، وذلك بالصدقة به.
المناقشة:
يناقش بأن الصدقة تُفَوِّت الربح عليهما جميعاً ، وأثر الغصب إنما هو في ضمان العين لصاحبها إن وجدت، أو مثلها إن كانت مثلية، أو قيمتها إن لم تكن مثلية ، والعدل في الربح أن يشترك فيه صاحب المال وصاحب العمل .

دليل القول الرابع:
استدل من قال بأن الربح بينهما مناصفة بما يلي:
ما جاء عن زيد بن أسلم عن أبيه أنه قال : "خرج عبد الله وعبيد الله ابنا عمر بن الخطاب في جيش إلى العراق ، فلما قفلا مرا على أبي موسى الأشعري، وهو أمير البصرة، فرَّحب بـهما وسهَّل، ثم قال: لو أقدر لكما على أمر أنفعكما به لفعلت ، ثم قال: بلى ها هنا مال من مال الله، أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين، فأسلفكماه ، فتبتاعان به متاعاً من متاع العراق ، ثم تبيعانه بالمدينة ، فتؤديان رأس المال إلى أمير المؤمنين ، ويكون الربح لكما، فقالا: وددنا ذلك ففعل ، وكتب إلى عمر بن الخطاب، أن يأخذ منهما المال ، فلما قدما باعا فأُربِحا، فلما دفعا ذلك إلى عمر ، قال أكلُّ الجيش أسلفه مثل ما أسلفكما؟ قالا : لا ، فقال عمر بن الخطاب : ابنا أمير المؤمنين فأسلفكما، أديا المال وربحه ، فأما عبد الله فسكت ، وأما عبيد الله ، فقال: ما ينبغي لك يا أمير المؤمنين هذا ، لو نقص هذا المال أو هلك لضمناه ، فقال عمر: أدياه ، فسكت عبد الله وراجعه عبيد الله ، فقال رجل من جلساء عمر : يا أمير المؤمنين لو جعلته قراضاً ، فقال عمر : قد جعلته قراضاً ، فأخذ عمر رأس المال ونصف ربحه ، وأخذ عبد الله و عبيد الله ابنا عمر بن الخطاب نصف ربح المال"(41).

وجه الدلالة من الأثر:
أن عمر أعطاهما نصف الربح ، وأخذ لبيت المال رأس المال ونصف الربح الآخر، مع أنـهما قد ضمنا المال، فلم يجعل لهما الربح كله مقابل الضمان ، ولم يسلبهما الربح كله نظير اختصاصهما بمال المسلمين دون بقية الجيش، بل جعله بينهما كالمضاربة، وهو مقتضى العدل، فكذا في أرباح المال المماطل فيه، يضمن الغاصب رأس المال، والربح بينهما مناصفة، للمالك نصفٌ مقابل ماله، وللغاصب نصفٌ مقابل جهده المبذول.

دليل القول الخامس :
استدل من قال بأن الربح للغاصب إن كان موسراً، وللمالك إن كان معسراً بما يلي:
قالوا: قياساً على ولي اليتيم -عند بعضهم- إذا اتجر بمال اليتيم لنفسه، فإن كان موسراً فهي له؛ لقبول ذمته الضمان ، وإن كان معسراً فهي لليتيم؛ لعدم قبول ذمته الضمان(42).
المناقشة:
يناقش بأنه قياس مع الفارق فلا يصح ، والفرق بينهما اختلاف اليد في كل منهما، إذ وليُّ اليتيم أمين، ويده على المال يد أمانة، أما الغاصب فمعتدي، ويده يد ضمان (43).

الترجيح :
الراجح _والله أعلم_ هو القول الرابع ، وهو أن الربح يقسم بين مالك المال والغاصب، وهو قول ابن تيمية؛ وذلك لقوة دليله، ولما لحق الأقوال الأخرى من المناقشة، ولأنه يحقق العدل، إذ الربح تحقق من وجود المال وحصول العمل، فيقسم بينهما، وأما أصل المال المعتدى عليه بالغصب، فهو مضمون مطلقاً.

الحالة الثانية : ألا يتجر بـها الغاصب .
إن لم يتجر الغاصب بالنقود المغصوبة بل حبسها، فإنه لا يضمن الربح المفترض عند جمهور أهل العلم، وبيان ذلك ما يلي :
سبق أن جمهور العلماء يرون أن الأرباح المحققة من التجارة بالمال المغصوب هي للغاصب، وأن مالك الدراهم لا يستحق شيئاً منها ، ومن باب أولى ألا يضمنوا الغاصب ربحاً مفترضاً لم يحصل عليه الغاصب .
أما الحنابلة القائلون بأن الربح المحقق للمالك ، وهو من مفردات مذهبهم ، فإنـهم نصوا على عدم ضمان الربح الفائت إذا لم يتجر الغاصب بالمال .

قال البهوتي : " ولا يضمن ربح فات على مالك بحبس غاصب مال تجارة مدة يمكن أن يربح منها، إذا لم يتجر فيه غاصب " (44).
وقال في مجلة الأحكام الشرعية على مذهب الإمام أحمد : " لا يضمن الغاصب ما فوته على المالك من الربح بحبسه مال التجارة " (45).
ولم أجد من قال بأن ربح المال يضمن، سواء اتجر الغاصب به أو لم يتجر إلا قولاً لبعض المالكية، قال الخرشي : " وشمل قوله "وغيرهما بالفوات" من غَصَب دراهم ودنانير لشخص، فحبسها عنده مدة، فإنه يضمن الربح لو اتجر ربُّها بـها " (46).
ونسبه القرافي إلى ابن سحنون(47).
وقد خالفهم ابن رشد فنقل اتفاق المذهب على أن الربح للغاصب ، إذ قال : "ما اغتل منها – أي العين المغصوبة- بتصريفها، وتفويتها، وتحويل عينها، كالدنانير يغتصبها فيغتلها بالتجارة فيها ...فالغلة له قولاً واحداً في المذهب" (48).

والراجح _والله أعلم_ هو عدم تضمين الغاصب أرباح المال المفترضة ؛ لما يلي:
أولاً: عموم قوله_صلى الله عليه وسلم_ :"على اليد ما أخذت حتى تؤديه "(49).
ثانياً: أنه لو استحق التعويض عن ربحه المفترض لنقل خصوصاً مع كثرة حوادث الغصب.
ثالثاً: أن القول بتضمين الأرباح المفترضة قول مخالف لما عليه عامة أهل العلم، فلا يصح اعتباره أصلاً يُعتمد عليه في التعويض عن ضرر المطل بسبب فوات الربح، ولو كان محققاً.

المبحث الرابع : الضرر الأدبي الناتج عن المماطلة في الديون .
تمهيد :
الضرر الأدبي مصطلح قانوني يطلق على ما يقابل الضرر المادي، ويسمى أيضاً الضرر المعنوي (50).
والضرر الأدبي يعني : الاعتداء الذي يصيب الإنسان في شعوره، أو عاطفته، أو كرامته، أو شرفه، ويجعله يظهر بمظهر غير لائق، وما يصيبه من ألم نتيجة الاعتداء على حق من حقوقه المالية وغير المالية (51).
وقيل هو: إلحاق مفسدة في شخص الآخرين لا في أموالهم (52).
وقيل هو : الضرر الذي يصيب مصلحة غير مالية (53).
وهذا الضرر الأدبي قد يكون ضرراً أدبياً محضاً لا يقترن به ضرر مادي ، ومثاله الضرر الذي يصيب الشخص في عاطفة الحنان والمحبة، أو الحزن الذي يجده المرء بسبب سوء الخلق ونحوه .

و قد يكون الضرر الأدبي ضرراً أدبياً غير محض ، أي قد يترتب عليه ضرر مادي ، ومثاله: الضرر الذي يشوه الجسم، أو يؤثر في أداء العامل و إنتاجه وقدرته على الكسب، أو الفرية التي تجعل المرء يطرد من عمله، أو لا يحصل عليه أصلاً (54).
ومن أمثلة الأضرار الأدبية التي ما يلي (55):
1) الضرر الذي يصيب الإنسان نظراً لاتـهامه في دينه .
2) الضرر الذي يصيب الإنسان في عرضه وسمعته وأمانته .
3) الضرر الذي يلحق مكانة الإنسان ويمس كرامته .
4) الألم الذي يحصل للإنسان نتيجة ضرب أو جرح وليس له أثر.
وقد تقرر في الشريعة تحريم الاعتداء على الناس وإيذائهم بغير حق، سواء كان هذا الاعتداء في أنفسهم، أو في أموالهم، أو في مشاعرهم، قال _تعالى_: "وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً" (56).
وقال_صلى الله عليه وسلم_ :" إن الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا" (57).

وجاءت الشريعة بعقوبات رادعة وزاجرة لدرء هذا الضرر المعنوي ورفعه ، وتكلم الفقهاء في فروع من هذا الضرر، منها ما يلي(58):
1) القذف بالزنا أو اللواط أو بنفي النسب ، وجاء في عقوبته حد القذف ومنع قبول الشهادة .
2) الرمي بما لا يستوجب القذف ، ويشمل كل أذى بالكلام والفعل ما لم يصل للقذف، وفيه التعزير الزاجر.
3) ما يصيب الجسم من ألم، نتيجة ضرب أو جرح لم يترك أثراً ولم يفوت منفعة، وفيه التعزير الزاجر.

المطلب الأول: صورة الضرر الأدبي الناتج عن المماطلة في الديون .
قد يتأخر المدين في وفاء دينه، ويطالبه الدائن فيماطل في الوفاء، فيلحق بالدائن أضرار معنوية بسبب ذلك، من صورها ما يلي :
1- أن يكون الدائن من أشراف الناس الذين يغض من قدرهم ، وينقص من مكانتهم، التردد على المحاكم، ومراكز الشرط، وجهات التنفيذ الأخرى .
2- ضرر الدائن من كثرة الاتصالات على المدين، والذهاب إليه، وملاحقته، وانتظاره، وما ينتج عن ذلك من هم وحزن، وخوف من ضياع الحق، مما قد يعود بالضرر الصحي على بدنه .
3- ضرر ما يلحق سمعة الدائن عند الناس إذا علموا بمطالبته للمدين، إذ قد يظنون أنه ظالم بالمطالبة، وذو قسوة وغلظة على مدينيه الذين يدعون الإعسار، ولا يعلمون حقيقة ملاءتـهم .
4- ضرر عدم طمأنينة العملاء الجدد للدائن أو للشركة الدائنة، إذا كانت تعاني من ديون متعثرة لدى عملاء آخرين مدينين، فيحمل هذا على نقدها عبر وسائل إعلامية مما يعود على استثماراتـها وإقبال الناس عليها بالضعف .

فهل يستحق المتضرر بمثل هذه الأضرار الأدبية المعنوية تعويضاً مالياً عن ضرره أم لا ؟

المطلب الثاني : حكم التعويض عن الضرر الأدبي الناتج عن المماطلة في الديون .
لبيان حكم التعويض عن الضرر الأدبي لا بد من تحرير محل النزاع، ومعرفة حكم التعويض عن الضرر الأدبي، ثم بناء حكم التعويض عن الضرر الأدبي فيما يخص المماطلة في الديون عليه، وينتظم ذلك في ثلاث فروع :

الفرع الأول : تحرير محل النزاع في الضرر الأدبي .
سبق أن الضرر الأدبي: إما أن يكون ضرراً أدبياً محضاً، أو ضرراً أدبياً غير محض، فإن كان الضرر أدبياً غير محض أي ينطوي عليه ضرر مادي كمن كُذِب عليه ظلماً، فساءت سمعته، ومن ثَمَّ فُصِلَ من عمله لسوء السمعة، أو حُرِمَ من ترقيته بناء على ذلك، فهذا النوع له حكم التعويض عن الضرر المادي الفعلي، وقد سبق تفصيله.
ومحل النزاع هو في النوع الآخر، وهو الضرر الأدبي المحض الذي لا يترتب عليه ضرر مادي .

الفرع الثاني : حكم التعويض المالي عن الضرر الأدبي.
لم أجد فيما اطلعت عليه أن أحداً من الفقهاء السابقين تكلم عن الضرر المعنوي أو الضرر الأدبي بهذا المسمى، وقد جاء في الموسوعة الفقهية ما نصه :" لم نجد أحداً من الفقهاء عبَّر بـهذا –الضرر الأدبي أو المعنوي- وإنما هو تعبير حادث ، ولم نجد في الكتب الفقهية أن أحداً من الفقهاء تكلم عن التعويض المالي في شيء من الأضرار المعنوية " (59).

أما المعاصرون فقد اختلفوا في حكم التعويض عن الضرر الأدبي على قولين :
القول الأول :
عدم جواز التعويض المالي عن الضرر الأدبي -المعنوي- .
وهذا مقتضى قول عامة الفقهاء السابقين ، واختارته بعض المجامع والمجالس الشرعية، وقال به بعض المعاصرين (60).
وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم 109/(3/12) بشأن موضوع الشرط الجزائي ما نصه:
"خامساً: الضرر الذي يجوز التعويض عنه يشمل الضرر المالي الفعلي.....ولا يشمل الضرر الأدبي أو المعنوي" (61).
وقال الشيخ علي الخفيف: " ليس فيهما –أي الضرر الأدبي والمعنوي- تعويض مالي على ما تقضي به قواعد الفقه الإسلامي ، وذلك محل اتفاق بين المذاهب" (62).
وقال الشيخ مصطفى الزرقا: "خلاصة القول: إننا لا نرى مبرراً استصلاحياً لمعالجة الأضرار الأدبية بالتعويض المالي ، ما دامت الشريعة قد فتحت مجالاً واسعاً لقمعه بالزواجر التعزيرية" (63).

القول الثاني :
جواز التعويض المالي عن الضرر الأدبي – المعنوي - .

وقال به بعض المعاصرين(64)،
وهو ما عليه العمل في القوانين الوضعية المعاصرة (65).

الأدلة :
أدلة القول الأول :
استدل المانعون للتعويض المالي عن الضرر الأدبي المحض بما يلي :
الدليل الأول :
الضرر الأدبي المعنوي ليس فيه خسارة مالية، فلا يمكن تقديره بالمال بحال ، والتعويض المالي لا يكون إلا عن ضرر مالي واقع فعلاً يمكن تقديره بالمثل أو بالقيمة ، لذا شرع في مقابل مال فائت أو بدلاً عن قصاص تعذر استيفاؤه؛ لفقد شرط القصد في الجناية، أولعفو المجني عليه، أو وليه، ونحو ذلك، إذ هي أشياء محسوسة يمكن تقديرها ، وفي الغالب يترتب عليها خسارة مالية، أما الضرر الأدبي فيمكن إزالته بالتعزير والعقوبة الرادعة، فيقتصر عليها.
قال الشيخ على الخفيف :" ليس فيهما – أي الضرر الأدبي والمعنوي- تعويض مالي على ما تقضي به قواعد الفقه الإسلامي ، وذلك محل اتفاق بين المذاهب ، وأساس ذلك فيهما أن التعويض بالمال يقوم على الجبر بالتعويض ، وذلك بإحلال مال محل مال فاقد مكافئ لرد الحال إلى ما كانت عليه، إزالة للضرر، وجبراً للنقص، وذلك لا يتحقق إلا بإحلال مال محل مال مكافئ له ليقوم مقامه ويسد مسده، وكأنه لم يضع على صاحب المال الفاقد شيء، وليس ذلك بمتحقق فيهما " (66).

وقال الشيخ مصطفى الزرقا: " مبدأ التعويض المالي عن الأضرار الأدبية له محذور واضح ، وهو أن مقدار التعويض اعتباطي محض لا ينضبط بضابط ، بينما يظهر في أحكام الشريعة الحرص على التكافؤ الموضوعي بين الضرر والتعويض، وهذا متعذر هنا ، وكثيراً ما نسمع فنندهش في أخبار الدعاوى والأقضية الأمنية أرقاماً بالملايين لقاء مزاعم أضرار أدبية في منتهى التفاهة" (67).
الدليل الثاني :
أن أبرز صور الضرر الأدبي المعنوي القذف ، وشرع فيه الحد ثمانون جلدة، وهي عقوبة بدنية زاجرة، ولذا لا يجوز الصلح عنه بمال؛ إذ لا يحتمل المعاوضة ؛ لأن التعويض يخرجه عن موضوعه، مع أن القذف حق خالص للمقذوف ، ومثل القذف غيره من الأضرار المعنوية فلا تعوض بالمال .
قال الحطاب : " ومن صالح من قذف على شقص أو مال لم يجز، ورد، ولا شفعة فيه، بلغ الإمام أو لا...-لأنه من- باب الأخذ على العرض مالاً" (68).
وقال ابن قدامة : " لو صالح سارقاً ليطلقه، أو شاهداً ليكتم شهادته، أو شفيعاً عن شفعته، أو مقذوفاً عن حده، لم يصح الصلح "(69)، قال في الإنصاف : "بلا نزاع" (70).

الدليل الثالث :
أن الضرر الأدبي المعنوي لا يجبره التعويض المالي، فهو يجحف في حق الفقير، ولا يردع الغني، أما العقوبة البدنية: فهي زاجرة للمعتدي فقيراً كان أم غنياً ، ولذا شرع لهذا الضرر ما يناسبه من الحد، والتعزير الزاجر، والتأديب الرادع ، وهو كافٍ في شفاء غيظ المتضرر، وإزالة ضرره ، وزوال العار عنه، وإعادة الاعتبار له (71).
الدليل الرابع :
عمل أهل العلم على عدم تعويض المتضرر ضرراً أدبياً معنوياً غير مادي ، فقد نصوا على تنكيل من آذى غيره ، وأن الضمان لا يجب إلا في ما كان مثلياً أو قيمياً ، ومن أقوالهم في ذلك ما يلي :
قال السيوطي: " الأصل أن ضمان المثل بالمثلي ، والمتقوم بالقيمة" (72).
وقال ابن نجيم :" من آذى غيره بقول أو فعل يعزر ...ولو بغمز العين " (73).
وجاء في المدونة فيمن قذف المحدود في الزنا :" أرأيت من افترى على رجل مرجوم في الزنا، أيحد حد الفرية أم لا في قول مالك ؟ قال : قال مالك : لا حد عليه.....قال : فهل ينكل في قذفه هؤلاء في قول مالك؟ قال : إذا آذى مسلماً نُكِّل" (74).

وقال في تبصرة الحكام :" من قام بشكيةٍ بغير حق أو ادعى باطلاً، فينبغي أن يؤدب، وأقل ذلك بالحبس؛ ليندفع بذلك أهل الباطل واللدد"(75).
وقال في الإقناع : " وإذا ظهر كذب المدعي في دعواه بما يؤذي به المدعى عليه، عزر؛ لكذبه وأذاه" (76).

أدلة القول الثاني :
استدل المجيزون للتعويض عن الضرر الأدبي المحض بما يلي :
الدليل الأول :
استدلوا بما جاء عن أبي يوسف صاحب أبي حنيفة في الشجة إذا عادت فالتحمت بأن فيها أرش الألم.
جاء في تبيين الحقائق :" وإن شج رجلاً فالتحمت ولم يبق أثر، أو ضرب فجرح فبرأ وذهب أثره، فلا أرش ، وهذا قول أبي حنيفة _رحمه الله_ ، وقال أبو يوسف _رحمه الله_ : عليه أرش الألم ، وهو حكومة عدل؛ لأن الشين الموجب إن زال فالألم الحاصل لم يزل ، وقال محمد _رحمه الله_ : عليه أجرة الطبيب ؛ لأن ذلك لزمه بفعله، فكأنه أخذ ذلك من ماله وأعطاه الطبيب" (77).
فأبو يوسف قرر التعويض المالي مقابل الألم ، والألم ضرر أدبي ، وعليه فيقاس على الألم غيره من الأضرار الأدبية المحضة ، فيجوز التعويض المالي عن الضرر الأدبي (78).

المناقشة:
نوقش بأن قول أبي يوسف لا يصلح دليلاً على مشروعة التعويض عن الضرر الأدبي بالمال؛ لأنه ليس حجة في نفسه ، ولأنه اجتهاد مقابل بمثله ، ثم إن قوله خارج عن محل النزاع ؛ لأن الضرر هنا ليس ضرراً أدبياً محضاً، بل هو ضرر نتج عنه ضرر مادي ، فيسوغ التعويض فيه باعتباره يؤدي إلى خسارة مالية ، لأنه قد يعطله عن الكسب والعمل ، ويتحمل فيه أجرةً للطبيب وثمناً للدواء .

الدليل الثاني :
قالوا: الواجب في الضرر المعنوي الأدبي هو التعزير، ومن أنواعه: التعزير بالمال، وهو مقرر شرعاً، والتعويض بالمال عن الضرر الأدبي لا يخرج عن التعزير بالمال المقرر شرعاً (79).
المناقشة:
نوقش بأن هذا خارج عن محل النزاع ، إذ النزاع في تعويض المتضرر ضرراً أدبياً بالمال ، واستدلالكم في التعزير بالمال يختلف عن التعويض المالي ، إذ إن مورد التعزير بالمال لبيت المال، ومصرفه مصالح المسلمين، بخلاف التعويض فهو للمتضرر مقابل ما لحقه من ضرر مادي يمكن أن يقابل بمثله أو قيمته، والسمعة والشرف ليست من الأشياء المتقومة بالمال(80).
قال الشيخ مصطفى الزرقا : " الأسلوب الذي اتبعته الشريعة في معالجة الأضرار الأدبية إنما هو التعزير الزاجر، وليس التعويض المالي ، إذ لا تَعُدُ الشريعةُ شرفَ الإنسان وسمعته مالاً متقوماً يعوض بمال آخر إذا اعتدي عليه" (81).

الترجيح :
بعد عرض القولين وأدلتهما يظهر _والله أعلم_ أن القول الراجح هو القول الأول وهو عدم جواز التعويض المالي عن الضرر الأدبي المحض ، وذلك لما يلي :
1. قوة أدلة القول الأول ، وضعف أدلة القول الآخر بالمناقشة الواردة عليها .
2. أن العلماء بنوا قولهم بالتعويض المالي في الضرر الحقيقي الفعلي على ما يتكبده المضرور من خسارة مالية بسبب ذلك الضرر، وهذا مخالف للضرر الأدبي إذ لا يكبده خسارة مالية.
3. العقوبة البدنية من جنس الضرر الأدبي إذ الضرر حاصل بأذى المضرور ، وهذا يمكن إزالته بمثله، وذلك بالتعزير والتأديب الذي يشفى غيظ المضرور ويؤذي الضار في شعوره وكرامته ويلحق به الأذى .
4. أن هذا فعل الصحابة ومن بعدهم من العلماء ، ولو كان التعويض بالمال جائزاً لنقل إلينا ، وعدم النقل مع كثرة الحوادث دليل على أن المتقرر عندهم هو عدم التعويض المالي مقابل الضرر الأدبي .
ومن أفعال الصحابة : ما جاء أن عمر وعثمان _رضي الله عنهما_ كانا يعاقبان على الهجاء (82).
وجاء أن علياً _رضي الله عنه_ قال: في الرجل يقول في الرجل : يا خبيث ، يا فاسق ، قال :" ليس عليه حد معلوم ، يعزر الوالي بما رأى " (83).

الفرع الثالث : التعويض عن الضرر الأدبي المحض الناتج عن المماطلة في الديون
مما سبق يظهر رجحان القول بعدم التعويض المالي مقابل الضرر الأدبي ، وعليه فإن ما يترتب على المماطلة من ضرر أدبي لا تعويض فيه، لما تقدم ، ولما يلي:
أولاً : عدم تقوم هذا الضرر، وقد سبق أن من شروط التعويض عن الضرر أن يكون متقوماً، أي يمكن تقويمه بما يعادل الضرر، ولا يمكن تقويم ضرر المطل الأدبي.
ثانياً: أن الديون يتشدد فيها مالا يتشدد في غيرها؛ منعاً للوقوع في المحذور، فيمنع التعويض عن الضرر الأدبي في المماطلة في الديون؛ سدَّاً للذريعة.

ثالثاً: أن صاحب الحق داخل في عقد المداينة على بصيرة من أمره، وهو يدرك احتمال وقوع مطل أو إفلاس ونحوه، ويمكنه أن يحتاط لنفسه بما شاء من التوثيقات التي تحفظ له حقه، فإن فرط فما لحقه من ضرر فبسبب تقصيره، فلا يتحمله المماطل ، وغالباً ما يزيد الدائن في ثمن سلعته المؤجل بما يطمعه في دخول تلك المخاطرة ، وهذا واقع أكثر المؤسسات المالية المتعاملة بعقود المداينات؛ إذ ترفع من هامش الربح لتوقعها مثل هذه الأضرار الحقيقية والأدبية .
علماً بأن هذه الأضرار المادية والمعنوية لا تذهب هدراً على من وقعت عليه بل يتحملها المماطل في الآخرة ما لم يتحلل من أصحابـها في الدنيا ، وقد ذكر بعض الفقهاء في كتاب الغصب : أن ألم منع المال عن صاحبه لا يزول إلا بالتوبة، ومثله المماطل.
قال البهوتي في شرح المنتهى: "ولو ندم غاصب على فعله، وقد مات المغصوب منه، وردَّ ما غصبه على الورثة برئ من إثمه، أي المغصوب لوصوله لمستحقه ، ولا يبرأ من إثم الغصب؛ لما أدخل على قلب مالكه من ألم الغصب، ومضرة المنع من ملكه مدة حياته، فلا يزول إثم ذلك إلا بالتوبة، ولو رده أي المغصوبَ ورثةُ غاصبه بعد موته، وموت مالكه إلى ورثته، فلمغصوب منه مطالبته أي الغاصب بما غصبه منه في الآخرة، لأن المظالم لو انتقلت لما استقر لمظلوم حق في الآخرة، ولأنـها ظلامة عليه قد مات ولم يتحلل منها برد ولا تبرئة، فلا تسقط عنه برد غيره لها إلى غير المظلوم" (84) .

و يؤيده أن مطل الغني ظلم ، والمماطل ظالم ، والواجب على الظالم أن يسعى في التخلص من الظلم في الدنيا قبل أن يحاسب عليه في الآخرة ، ويشهد له ما جاء عن أبي هريرة _رضي الله عنه_ أن النبي_صلى الله عليه وسلم_ قال:" من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء، فليتحلله منه اليوم قبل ألا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أُخِذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أُخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه" (85).
وإذا بادر المماطل بتقديم زيادة مالية على أصل الدَّين عند السداد، وهي غير مشروطة عليه في العقد أو بعده ، ولم تفرض عليه بحكم أو إلزام ، و لم يجر بـها عرف أو تواطؤٌ عليها ، بل بذلها من تلقاء نفسه وباختياره، فإنه لا مانع شرعاً من قبول هذه الزيادة ، إذ تعد هذه الزيادة من حسن القضاء وتطييب القلب ، وهي من الدائن لطلب رفع الظلم الواقع منه بالمطل ، ولزوال الإثم بسبب حبسه لمال المضرور بغير حق، وفي قوله_صلى الله عليه وسلم_ : "فليتحلله منه اليوم قبل ألا يكون دينار ولا درهم " إشارة إلى أن المؤمن إذا وقع في ظلم أخيه، فعليه أن يبادر في التحلل منه ولو بالدينار والدرهم ، وقد كان النبي_صلى الله عليه وسلم_ أحسن الناس قضاء، وأثنى على من كان بـهذه الصفة ، كما جاء في حديث أبي هريرة _رضي الله عنه_ " أن رجلاً أتى النبي_صلى الله عليه وسلم_ ليتقاضاه ، فأغلظ ، فهَمَّ به أصحابه ، فقال رسول الله_صلى الله عليه وسلم_: دعوه فإن لصاحب الحق مقالاً ، ثم قال: أعطوه سناً مثل سنِّه ، قالوا : يا رسول الله إلا أَمْثَلَ من سِنِّه ، فقال : أعطوه، فإن من خيركم أحسنكم قضاءً "(86).

وجاء في معيار المدين المماطل المعتمد من المجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية ما نصه: " لا مانع من قبول ما يقدمه المدين المماطل عند السداد من زيادة على الدَّين على أن لا يكون هناك شرط مكتوب، أو ملفوظ، أو ملحوظ، أو عرف، أو تواطؤ على هذه الزيادة " (87).


--------------------------
(1) ينظر: تعليق زكي الدين شعبان على بحث الزرقا ص (198) .
(2) ينظر: تعليق زكي الدين شعبان على بحث الزرقا ص (198) .
(3) الاختيارات العلمية للبعلي ص (201) ، وينظر: الفتاوى (30/24-25) .
(4) تبصرة الحكام (1/371) .
(5) (4/116-117) .
(6) (3/441)، وفيه قياس تحميل المماطل نفقات الشكاية على تحميل الغاصب أجرة رد المغصوب إلى موضعه بجامع التسبب في غرم هذا المال بغير حق .
(7) (7/148) .
(8) (2/276) .
(9) (15/127) .
(10) أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الإجارة، باب الرقبى (3/296) برقم(3561) والترمذي في السنن ، كتاب البيوع ، باب ما جاء أن العارية مؤداة ، (3/566) ، وابن ماجة في سننه ، كتاب الصدقات ، باب في العارية (2/802) ورقمه(2402) ، والبيهقي في السنن الكبرى كتاب العارية ، باب العارية مضمونة (6/90؛) وأحمد في المسند (5/8-12) ، والنسائي في السنن الكبرى ، كتاب العارية ، باب المنيحة ، (3/410) والحاكم في المستدرك في كتاب البيوع (2/55) ، والدارمي في سننه ، كتاب السير ، باب العارية مؤداة (2/342) ورقمه(2596) ، والروياني في مسنده (2/41) ورقمه(784) وابن الجارود في المنتقى ص (256) والحديث من رواية الحسن عن سمرة ، وقد اختلف في سماع الحسن البصري من سمرة ، و أعل الحديث بذلك الحافظ في التلخيص (3/60)، وضعفه الألباني في إرواء الغليل (5/348) .
(11) (15/127) .
(12) (4/122) .
(13) فتاوى ورسائل الشيخ (13/54-55).
(14) ينظر: التعويض عن أضرار التقاضي للدكتور عبد الكريم اللاحم ص(33).
(15) ينظر: التعويض عن أضرار التقاضي ص(33).
(16) ينظر: التعويض عن أضرار التقاضي ص (34) ، وص (157) من هذا البحث.
(17) المعايير الشرعية ص (34) .
(18) وهو مقتضى قول من منع ولم يفصل، ونص عليه من المعاصرين :
- الدكتور تقي العثماني كما في بيع التقسيط له في كتابه بحوث في قضايا فقهية معاصرة ص(40).
- والدكتور نزيه كمال حماد كما في بحثه المؤيدات الشرعية لحمل المدين المماطل على الوفاء ص (295) وقضايا فقهية معاصرة في المال والاقتصاد ص(351).
- والدكتور محمد شبير كما في الندوة الرابعة لبيت التمويل الكويتي ص(282).
- الشيخ عبدالله بن بيه كما في تعليقه على بحث الزرقا في مجلة دراسات فقهية إسلامية ص (54).
- والدكتور رفيق المصري كما في مجلة المجمع العدد السادس (1/334)، وتعليقه على بحث الزرقا في مجلة دراسات اقتصادية إسلامية ص (75).
(19) قرارات المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي ص(268).
(20) مجلة المجمع ، العدد السادس (1/ 447-448) .
(21) المعايير الشرعية ص(34).
(22) وهو مقتضى قول من أجاز التعويض عن ضرر فوات الربح المفترض، و نص عليه من المعاصرين – ممن منع التعويض عن الربح المفترض-:
- الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير، في فتواه لدار المال الإسلامي بالسودان وهي منشورة في مجلة أبحاث الاقتصاد الإسلامي (م :3 ع :1) عام 1405هـ بعنوان : الاتفاق على إلزام المدين الموسر بتعويض ضرر المماطلة، ص (111- 113).
- والدكتور زكي عبد البر كما في تعليقه على فتوى الضرير في مجلة جامعة الملك عبد العزيز ( م :3) 1411هـ ص (61) .
- والشيخ زكي الدِّين شعبان كما في تعليقه على بحث الزرقا في مجلة جامعة الملك عبد العزيز ( م :1) 1409هـ ص (199) .
(23) الاتفاق على إلزام المدين الموسر بتعويض ضرر المماطلة ص (112)، والشيخ في نظري لا يقول بتعويض ضرر فوات الربح المفترض كما هو ظاهر تأصيله؛ إذ يدل على اختياره للتعويض عن الضرر الفعلي ، ويُدْخِل في الضرر الفعلي: الربح المؤكد الفائت على صاحبه، وقد نسب له القول بالتعويض عن ضرر فوات الربح المفترض وليس بصحيح، وقد تراجع الضرير أخيراً عن فتواه هذه، فقال : "البنك الذي أصدرت له الفتوى لم يستطع تنفيذها التنفيذ الصحيح الذي قصدته؛ لأنه أراد أن يعتمد على الربح التقريبي وليس الفعلي في تقدير الضرر، فوجهت بوقف العمل بالفتوى خوفاً من أن يؤدي تنفيذها إلى ما يشبه الفائدة (الربا)". [ينظر: مجلة جامعة الملك عبدالعزيز- الاقتصاد الإسلامي، المجلد:(5) 1413هـ ص(70)]، وقد ذكر الدكتور أحمد بن علي بن عبد الله الأمين العام للهيئة العليا للرقابة الشرعية للجهاز المصرفي والمؤسسات المالية في السودان : أنه بناء على فتوى الضرير، والشيخ محمد خاطر، والشيخ عبد الله بن منيع، تم العمل بهذه الفتوى في بنك البركة، ودار المال الإسلامي، وبعض المصارف في السودان، ومن خلال تطبيق المصارف اتضح للشيخ الضرير أن معالجات الضرر الفعلي المادي عن المطل أصبح شبيها بالفائدة الربوية، وسداً لذريعة الربا منع المصارف التي يتولى فيها مسؤولية الرقابة الشرعية من العمل بتكلم الفتوى. [ينظر: الإجراءات المفترضة لمواجهة المماطل ص(5) ] .
(24) مجلة دراسات فقهية إسلامية (م :3) العدد الثاني ص(54)، وعليه مدار الأدلة السابقة في ص(359-391).
(25) ينظر: ص(233) وص(339) من هذا البحث.
(26) ينظر: مجمع الضمانات ص (130) .
(27) ينظر: الرسالة ص(233)، الذخيرة (8/317)، الخرشي مع العدوي (6/143)، وحكاه قولاً واحداً في مذهب المالكية ابن رشد في المقدمات الممهدات(2/498).
(28) فيما إذا اشترى في ذمته ونقد الثمن المغصوب، ينظر: المهذب (14/248)، روضة الطالبين (5/59).
(29) فيما إذا اشترى في ذمته ونقد الثمن المغصوب، ينظر: المغني (7/399).
(30) ينظر: روضة الطالبين (5/59) ، تكملة المجموع للمطيعي (14/248-250) .
(31) ينظر: المغني (7/399) ، الفروع (4/494) ، الإنصاف (15/277) .
(32) حاشيته على المقنع (2/251) .
(33) ص (130) .
(34) لابن أبي زيد القيرواني ص(233) .
(35) (7/399) .
(36) مجموع الفتاوى (30/328-329) .
(37) ينظر: الذخيرة (8/317) ، حاشية العدوي على الخرشي (6/143) .
(38) ينظر: الأشباه والنظائر للسيوطي ص (255) .
(39) ينظر: الذخيرة (8/318) .
(40) سبق تخريجه ص(396).
(41) أخرجه مالك في الموطأ في كتاب القراض ، باب ما جاء في القراض (2/687) ، والشافعي في مسنده ص (252)، البيهقي في كتاب القراض (6/110)، والدارقطني في سننه (3/63) وصحح الحافظ إسناده في التلخيص (3/57)، وقال الألباني في إرواء الغليل (5/291): "وهو على شرط الشيخين".
(42) ينظر: الذخيرة (8/317) .
(43) ينظر: المنثور في القواعد الفقهية للزركشي (2/323-324) .
(44) شرح المنتهى (3/873) .
(45) المادة( 1397) .
(46) الخرشي على خليل (6/143) .
(47) ينظر: الذخيرة (8/317) واستحسن القرافي أن تقسم المسألة إلى أربعة أقسام:
1. إن كان المغصوب منه لا يتجر فيها لو كانت في يده، ولم يتجر فيها غاصب، فرأس المال؛ لعدم تعيُّن تضييع ربح على المغصوب منه.
2. وإن كان المغصوب منه يتجر فيها لو كانت في يده، ولم يتجر فيها الغاصب، فللمغصوب منه ما كان يربحه في تلك المدة؛ لأنه حرمه إياه، وقياساً على ما لو غصب داره وأغلقها إلا أن يعلم أن التجارة تلك المدة غير مربحة.
3. إن كان المغصوب منه لا يتجر فيها، وتَجِر فيها الغاصب وهو موسر بغيرها، ولم يعامَل من أجلها، فالربح له؛ لتقررها في ذمته بالتصرف.
4. إن كان المغصوب منه لا يتجر فيها، وتَجِر فيها الغاصب وهو فقير عومِل لأجلها، فالربح للمغصوب منه؛ لقوة شبهة تحصيله للربح، وإن كان المغصوب منه يتجر فيها فعلى الغاصب الأكثر مما ربح أو ما كنت تربحه.
(48) المقدمات الممهدات (2/497-498).
(49) سبق تخريجه ص(396).
(50) ينظر: نظرية الضمان للدكتور وهبة الزحيلي ص(23) وص(53)، أما الشيخ على الخفيف فقد فرق بين الضرر الأدبي والضرر المعنوي :
فالضرر الأدبي : هو ما يصيب الإنسان في شرفه، وعرضه من فعل أو قول يعد مهانة له، كما في القذف والسب، وفيما يصيبه من ألم في جسمه، أو عاطفته من ضرب لا يحدث فيه أثراً، أو من تحقير في مخاطبته، أو امتهان في معاملته.
والضرر المعنوي : هو تفويت مصلحة غير مالية ملتزم بـها ، كما في التزام امتنع فيه الملتزم عن تنفيذ التزامه ، كالوديع يمتنع عن تسليم الوديعة إلى مالكها ، والمستعير يمتنع من تسليم العارية إلى المعير ، والمستأجر يمتنع عن تسليم العين المستأجرة إلى مؤجرها ، ونحو ذلك من كل ما ليس فيه تفويت مال على صاحب العين ؛ وبيَّن أنـهما لا يستحقان التعويض في الفقه الإسلامي. [ ينظر : الضمان في الفقه الإسلامي ص (44-45) ] .
(51) التعويض عن الضرر الأدبي للدهمشي ص (8)، وينظر: النظرية العامة للالتزام لجميل شرقاوي ص (484) .
(52) نظرية الضمان د. محمد فوزي (92) وينظر: الضرر الأدبي للدكتور عبد الله بن مبروك النجار ص (125) .
(53) الوسيط في شرح القانون المدني للسنهوري (2/981) .
(54) ينظر: الفعل الضار للزرقا ص(121)، الموجز في النظرية العامة للالتزام لأنور سلطان ص (21) ، التعويض عن السحن للدكتور: ناصر الجوفان ص (225) .
(55) ينظر : الضمان في الفقه الإسلامي للشيخ علي الحفيف ص (44) نظرية الضمان د. وهبه الزحيلي ص (23-24-53) ، التعويض عن الضرر الأدبي للدهمشي ص (7) ، التعويض عن السجن (272) .
(56) سورة الأحزاب الآية (58)
(57) أخرجه بـهذا اللفظ البخاري في صحيحه، كتاب الأدب ، باب الحب في الله (10/478) ، رقم الحديث(6043) ، وقد سبق تخرجه ص(37).
(58) ينظر: التعويض عن الضرر للدكتور محمد بوساق ص (30-33)، التعويض عن الضرر الأدبي ص (12-14).
(59) الموسوعة الفقهية الكويتية (13/40) .
(60) وممن قال به من المعاصرين :
الشيخ علي الخفيف كما في كتابه الضمان في الفقه الإسلامي ص (45) .
والشيخ مصطفى الزرقا في كتابه الفعل الضار ص (19-20/ 121-124) .
والدكتور صبحي محمصاني كما في كتابه النظرية العامة للموجبات والعقود (1/172) .
والدكتور الصديق محمد الأمين الضرير كما في بحثه الشرط الجزائي في مجلة المجمع العدد الثاني عشر (2/64-76).
والدكتور محمد الزحيلي كما في بحثه التعويض عن الضرر من المدين المماطل ص(77).
والدكتور محمد بوساق كما في كتابه التعويض عن الضرر ص (34).
(61) مجلة المجمع، (ع :12) (2/306) .
(62) الضمان في الفقه الإسلامي ص (45) .
(63) الفعل الضار ص (124) .
(64) وممن قال به من المعاصرين :
الشيخ محمود شلتوت كما في كتابه المسؤولية المدنية ص (35) .
والدكتور محمد فوزي فيض الله كما في كتابه نظرية الضمان ص (92) .
والدكتور وهبه الزحيلي كما في كتابة نظرية الضمان ص (54) .
والدكتور ناصر الجوفان كما في بحثه التعويض عن السجن ص(277) في مجلة البحوث العلمية المعاصرة، العدد الواحد والستون.
(65) ينظر: التعويض عن الضرر الأدبي ص (35-36) .
(66) الضمان في الفقه الإسلامي ص (45) .
(67) الفعل الضار ص (124) .
(68) مواهب الجليل (6/305) ، ينظر: المبسوط (21/9) ، بدائع الصنائع (6/48) ، والأحكام السلطانية للماوردي(286) ، الفروع (4/271) .
(69) المقنع (13/164) .
(70) الإنصاف (13/164) .
(71) ينظر: التعويض عن الضرر لمحمد بوساق ص(35) .
(72) الأشباه والنظائر ص (571) .
(73) الأشباه والنظائر ص (186) .
(74) المدونة (4/505) .
(75) (1/51) .
(76) (4/250) .
(77) تبيين الحقائق (6/138) ، وينظر : الهداية مع العناية (10/296) ، مجمع الضمانات ص (171) .
(78) ينظر: نظرية الضمان للدكتور وهبة الزحيلي ص (25) .
(79) المرجع السابق، وينظر: ص(340) من هذا البحث .
(80) ينظر: التعويض عن الضرر لأبي ساق ص (38) .
(81) الفعل الضار (124) .
(82) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى ، كتاب الحدود ، باب ما جاء في الشتم دون القذف (8/253) .
(83) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى ، كتاب الحدود، باب ما جاء في الشتم دون القذف (8/253)، وسكت عنه الحافظ في التلخيص(4/90)، وحسنه الألباني في إرواء الغليل (8/54).
(84) شرح منتهى الإرادات (3/897) .
(85) أخرجه البخاري في صحيحه ، كتاب المظالم، باب من كانت له مظلمة عند رجل فحللها له (5/121) رقم الحديث(2449) .
(86) أخرج البخاري في صحيحه – واللفظ له – في كتاب الوكالة ، باب الوكالة في قضاء الديون ، رقم الحديث (2306) (4/564) ، وأخرجه مسلم في الصحيح في كتاب المساقات والمزارعة ، باب جواز اقتراض الحيوان واستحباب توفيقه خيرا مما عليه (11/38) .
(87) المعايير الشرعية للهيئة ص(35) .


المصدر : موقع المسلم

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
بحوث علمية
  • بحوث في التوحيد
  • بحوث فقهية
  • بحوث حديثية
  • بحوث في التفسير
  • بحوث في اللغة
  • بحوث متفرقة
  • الصفحة الرئيسية