صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







رضاع الكبير


مسألة رضاع الكبير
سليمان سعود الصقر

ألحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، أما بعد ،، أثيرت في هذا الزمان قضية رضاع الكبير ، واتخذ منها بعض الذين يبحثون عن أي قول غريب أو شاذ ، ليستخدموه للشهرة ولفت الأنظار إلى أنفسهم أو مآرب أخرى ، جاهلين أو متجاهلين أن في الشريعة الإسلامية أقوالا متشابهه ، وأحكاما منسوخة وأخرى مرجوحة عند الجمهور من الصحابة والتابعين ثم من العلماء ،، قال تبارك وتعالى :
(هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ....... الآية ) آلعمران .

فموضوع رضاع الكبير يدور على أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة وكان من أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم كان تبنى سالما الذي يقال له سالم مولى أبي حذيفة (من قراء القرآن الأربعة الذين ذكرهم أنس رض الله عنه )، كما تبنى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ زيد بن حارثة.

وهذا ثابت في كتب الحديث ، وقال مالك في الموطأ :
"فلما أنزل الله في كتابه في زيد بن حارثة ما أنزل، فقال تعالى: (أدعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم } 5 من سورة الأحزاب رد كل واحد من أولئك إلى أبيه فإن لم يعلم أبوه رد إلى مواليه ، فجاءت سهلة بنت سهيل وهي امرأة أبي حذيفة وهي من بني عامر من لؤي إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقالت : يا رسول الله كنا نرى سالما ولدا وكان يدخل علي وأنا فضل ، وليس لنا إلا بيت واحد فماذا ترى في شأنه ؟؟. فقال لها رسول الله صلى الله (فيما بلغنا): ارضعيه خمس رضعات فيحرم بلبنها. وكانت تراه ابنا من الرضاعة فأخذت بذلك عائشة أم المؤمنين فيمن كانت تحب أن يدخل عليها من الرجال فكانت تأمر أختها أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق وبنات أخيها أن يرضعن من أحبت أن يدخل عليها من الرجال وأبى سائر أزواج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يدخل عليهن بتلك الرضاعة أحد من الناس وقلن لا والله ما نرى الذي أمر به رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ سهلة بنت سهيل إلا رخصة من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في رضاعة سالم وحده. لا والله لا يدخل علينا بهذه الرضاعة أحد . فعلى هذا كان أزواج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في رضاعة الكبير" .
قال ابن عبد البر في التمهيد : هذا حديث يدخل في المسند للقاء عروة عائشة وسائر أزواج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وللقائه سهلة بنت سهيل (وأيضا رواه آخرون غير عروه).
والثابت عن علي بن أبي طالب أن لا رضاع بعد الفطام ، وكذلك عبد الله بن مسعود وأيضا أبو موسى الأشعري (رجع إلى قول عبد الله بن مسعود).
وأجاز رضاعة الكبير عطاء بن أبي رباح ، ورواية عن الليث بن سعد ( عبد الله بن صالح عنه ) بينما روى عبد الله بن وهب (لا اختلاف على أمامته) أن الليث قال أنه لا يحل من رضاعة الكبير شيئا .....
كيفية إرضاع الكبير
قال أبو عمر ابن عبد البر : "هكذا إرضاع الكبير كما ذكر، يحلب له اللبن ويسقاه . أما أن تلقمه المرأة ثديها كما تصنع بالطفل فلا، لأن ذلك لا يحل عند جماعة العلماء . وقد أجمع فقهاء الأمصار على التحريم بما يشربه الغلام الرضيع من( لبن ) المرأة وإن لم يمصه من ثديها وإنما اختلفوا في السعوط به وفي الحقنة والوجور.... (أنظر شرح حديث 12 لمالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير – التمهيد).

أما من قال أن كلمة " الرضاعة " تعني المص من الثدي بالضرورة، فالحقيقة أنه كلام لا معنى له ....فليس المقصود هنا المصطلح اللغوي المجرد ولكن المصطلح الشرعي من الرضاعة ، لدخول اللبن في جسد المرضع ، . والأهم أنه قول يخالف جماعة العلماء ، كما ذكر ابن عبد البر... !!

وممن روى حديث سهلة هذا، عبد الله بن أبي مليكة عن عروة بن الزبير،قال ابن أبي مليكة : " فمكثت سنة أو قريبا منها لا أحدث به رهبة له، ثم لقيت القاسم فقلت له لقد حدثتني حديثا ما حدثته بعد ، قال: "ما هو فأخبرته. قال حدث به عني أن عائشة أخبرتنيه".
وهذا يوحي أن رضاعة الكبير لم تكن معروفة عن جماعة التابعين من أهل المدينة ، وقد كانت معرفتهم بالفقه حجة آنذاك ولأنهم الأقرب عهدا بالنبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين وباقي الصحابة . ذلك أن ابن أبي مليكة من علماء التابعين من أهل المدينة ولقي الكثير من الصحابة وحدث عنهم ( فحدث عن عائشة أم المؤمنين وأختها أسماء أبنة ابي بكر الصديق ، وأم سلمة وأبي محذورة وابن عباس وعبد الله بن عمرو وابن عمر وابن الزبير والمسور بن مخرمة وغيرهم – سير أعلام النبلاء – المجلد 5 صفحة 88 ) ومع ذلك لم يحدث بحديث إرضاع سالم مولى أبي حذيفة عاما كاملا رهبة لذلك . وهذا يدل على أن موضوع إرضاع الكبير كان مستغربا للغاية عندهم .!!
قال أبن عبد البر : " هذا يدلك على أنه حديث ترك قديما، ولم يعمل به ولم يتلقه الجمهور بالقبول على عمومه بل تلقوه على أنه مخصوص والله أعلم".
وهناك حقيقة أخرى : وهي أن الذي خالف أهل المدينة هو من أهل المدينة ، وهي عائشة رضي الله عنها،ولا يختلف إثنان على ذلك. لأنه لو كان أحدا من أصحاب محمدا صلى الله عليه وسلم الذين خرجوا إلى الأمصار، لربما قلنا أنه حفظ شيئا لم يحفظه الآخرون ..
(وبالمناسبة ، هذا هو الذي جعل مالك رحمه الله ، يأبي أن يجيب أبا جعفر المنصور ، في جمع المسلمين على الموطأ، ذاكراً له أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تفرقوا في الأمصار وعند كل منهم علم، وليس من الرأي أن يحمل الناس على كتاب ما إلا كتاب الله )

وأيضا قال ابن عبد البر : "وممن قال أن رضاع الكبير ليس بشيء ( ممن رويناه لك عنه وصح لدينا ) ، عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وابن عمر وأبو هريرة وابن عباس وسائر أمهات المؤمنين غير عائشة وجمهور التابعين وجماعة فقهاء الأمصار منهم الثوري ومالك وأصحابه والأوزاعي وابن أبي ليلى وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي وأصحابه وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد والطبري ومن حجتهم قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إنما الرضاعة من المجاعة (أيضا : عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها:
" أنظرن إخوتكن من الرضاعة ، إنما الرضاعة من المجاعة - متفق عليه ). وقوله صلى الله عليه وسلم : "لا رضاع إلا ما أنبت اللحم والدم"
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يُحِّرم من الرضاعة إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام " . رواه الترمذي ، وقال : هذا حديث حسن صحيح .
فهذا أصل ثابت أن الرضاعة لا تكون إلا للصغير قبل الفطام !!!
وجاء رجل إلى ابن مسعود فقال : إنها كانت معي امرأتي فحُصر لبنها في ثديها فجعلت أمصه ثم أمجُّه فأتيت أبا موسى فقال ما أفتيت هذا ؟ فأخبره بالذي أفتاه فقال ابن مسعود ، وأخذ بيد الرجل : أرضيعاً ترى هذا ؟ إنما الرضاع ما أنبت اللحم والدم ، فقال أبو موسى : لا تسألوني عن شيء ما كان هذا الحَبْر بين أظهركم . رواه الإمام أحمد في المسند و عبد الرزاق في المصنف واللفظ له .
لاحظ هنا أخي القارئ ، أن السلف الأول من الصحابة والتابعين ، قالوا عن حديث سالم أنه خاص بسالم وحده ، ولم يقولوا " له ولمن كان مثله أو بمثل حالته أو ما أشبه ذلك .

أما القول (برضاعة الموظفين) لتفادي الخلوة المحرمة ، فهذا قول مبتدع ، نسأل الله العافية ......
ولما ذكرنا من الأدلة أعلاه أن رضاعة الكبير ليس بشيء عند الصحابة، باستثناء عائشة رضي الله عنهم أجمعين ... وقولها مرجوح مستغرب عندهم .. وأهل العلم من التابعين كما ذكرنا من قول ابن مليكة ..
وهناك أقوال لكثير من الصحابة مخالفة لما كان عليه باقي الصحابة ، وهي بالتالي متروك العمل بها ، مثلا : عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال عمر علي أقضانا وأبي أقرأنا وإنا لندع من قول أبي وأبي يقول أخذت من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم والله يقول ما ننسخ من آية أو ننسها.
ومثالا آخر : أن أبا طلحة الأنصاري كان صائما في يوم أمطرت به السماء في المدينة بردا، فأكل البرد وهو صائم وقال لا أجده طعاما ولا شرابا، فليس بحرام أكله على الصائم !! وقد خالفه باقي من سمع بذلك من الصحابة – أو نحو ذلك وهو أثر صحيح الإسناد عنه -أنظر سيرة أبي طلحة رضي الله عنه في سير أعلام النبلاء.
ومن ناحية أخرى أيضا أن الموظف الواحد ربما ترضعه نساء كثر (حسب تنقلات الموظفين ، وذهابهم ومجيء غيرهم .....) وأيضا هذا أمر فيه من المفاسد العظيمة المخالفة لهدي النبي صلى الله عيه وسلم ،ما لا يعلمه إلا الله ، (لو صح الأصل الذي يبنون عليه ) . ومن مفاسده العظيمة : انتشار الأخوة والآباء والأمهات والأعمام والأخوال من الرضاعة ... حتى ربما الناس سوف ينكحون محارمهم وهم لا يدرون ، وحيث قال صلى الله عليه وسلم : يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة ...
(ولأصبح الأمر مثل ما هو جاري عند الرافضة والعياذ بالله، من إباحة السفاح والفجور بأنواعه تحت مسميات مختلفة !!!).

وحيث تفتقت عن هذا القول عقول بعضا من المشتغلين بالشريعة في هذا العصر فلم يقل بها أحد من أئمة وعلماء الفرقة الناجية من ذي قبل هذا مع أن الاختلاط كان موجود ، وقد أخطأ من ظن أنه لم يكن موجودا !! ولكنه انتشر في هذا العصر انتشارا عجيبا وفاحشا بصورة غير مسبوقة من ذي قبل .........

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
سليمان سعود الصقر
Alsaqer58@hotmail.com
 



رضاع الكبير
 د . أبو بكر خليل


ثارت من جديد في مصر و في غير مصر مسألة رضاع الكبير – ليس من ناحية اعتباره أو عدم اعتباره في ثبوت المحرمية – و لكن من ناحية التشكيك في وقوعه ، و في صحة حديثه ، و كذا من ناحية تشكيك المبطلين الكارهين في صحة الشرع الحنيف . حديث رضاع الكبير حديث صحيح لا مطعن فيه ، و ثابت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم - رواه الإمام مسلم في " صحيحه " من حديث الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَة رضي الله عنها:
( َأنَّ سَالِمًا مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ كَانَ مَعَ أَبِي حُذَيْفَةَ وَأَهْلِهِ فِي بَيْتِهِمْ ، فَأَتَتْ تَعْنِي ابْنَةَ سُهَيْلٍ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : إِنَّ سَالِمًا قَدْ بَلَغَ مَا يَبْلُغُ الرِّجَالُ وَعَقَلَ مَا عَقَلُوا وَإِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْنَا ، وَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّ فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " َأرْضِعِيهِ تَحْرُمِي عَلَيْهِ ، وَيَذْهَبْ الَّذِي فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ " ، فَرَجَعَتْ فَقَالَتْ : إِنِّي قَدْ أَرْضَعْتُهُ ، فَذَهَبَ الَّذِي فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَة ) .
و صدق الله العظيم القائل في حق رسوله الكريم : " وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) " . [ سورة النجم ]
و سالم هذا كان قد تبناه صغيرا أبو حذيفة ( قبل تحريم التبني ) ؛ فكان يعامل معاملة الابن من النسب من حيث دخوله و اختلاطه بأهل البيت كواحد منهم ؛ فلما كبر و بلغ سألت سهيلة رسول الله صلى الله عليه و سلم عما استشعرته من الحرج و الضيق ؛ فأشار عليها بإرضاعه من لبنها ؛ كي تصير أمه من الرضاع ؛ فتكون بمنزلة أمه من النسب ؛ ففعلت .
و لا تعارض و لا إشكال في الحديث ؛ إذ الرضاع هنا كان بشرب اللبن المحلوب في كوب أو إناء ، و لم يكن بمصّ الثدي بحال من الأحوال ،
و هذا بدهي ؛ إذ لا يحل للرجل مس ثدي المرأة الأجنبية عنه ( أي غير زوجته ) و لو كانت أخته - أو أمه - من النسب أو من الرضاع ؛ فلا يحل له ذلك منها قبل ان تكون أختا له من الرضاع من باب أولى .
و لم يقل باشتراط التقام الثدي في الرضاع المعتبر - سواء في الصغر أو الكبر ، و الذي تثبت به حرمة النكاح بعد - إلا الظاهرية فقط ، و خالفهم في هذا أئمة المذاهب الفقهية الأربعة ، إذ اعتبروا وصول اللبن إلى الحلق بأي طريق كان ( مثل صب اللبن في الفم من غير التقام الثدي ، و شربه ) رضاعا .
فالظاهرية لا يعدّون وصول لبن المرأة - إلى جوف المرتضع - بغير التقام الثدي و مصه رضاعا معتبرا شرعا يثبت به التحريم ؛
فلا يعدّون شرب لبن المرأة المحلوب في كوب أو إناء ( الوجور و اللدود ) رضاعا تثبت به حرمة النكاح و حل الخلوة بضوابطها - و هذا عندهم يشمل الصغير و الكبير ،
و رتبوا على أصلهم هذا : لزوم التقام الثدي في تفسيرهم لرضاع الكبير . و هو تفسير فاسد عقلا و نقلا ؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"لأن يطعن في رأس أحدكم بمخبط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له " .
رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح . [ مجمع الزوائد للحافظ الهيثمي ]
و ( المسّ ) هو اللمس باليد و بغير اليد ، و لا يصرف عن حقيقته إلا بصارف من قرينة و سياق كلام ؛ لأن الأصل في الكلام : الحقيقة لا المجاز .
و عليه : فلا يحل للرجل أن يمس بدن امرأة أجنبية عنه - غير زوجته - و لو كانت أخته من الرضاع ؛ قلا يحل له ذلك منها قبل ان تكون أختا له من الرضاع بطريق الأولى
و إذا كان هذا في البدن عامة فهو أشد حرمة في الثدي خاصة من باب الأولى و الأغلظ ؛ لأنه عورة .
و عليه : فرضاع الكبير - المعتبر في تحريم النكاح و غيره - يكون بشربه اللبن المحلوب من المرأة في كوب أو إناء ، و ليس بمص الثدي بحال .
و هذا مذهب أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في اعتبار رضاع الكبير ، و هو مذهب لا يجوز إنكاره أو إهماله .
نعم : مذهب الجمهور بخلافه ، و هذا الخلاف موجود و معتبر في كثير غير ذلك
و لم تقله و تأخذ به عائشة رضي الله عنها وحدها - كما يشاع - بل أخذت به أيضا أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها و روي عنها بإسناد صحيح ؛ ذكرهذا الحافظ ابن حجر في " الفتح " ، و قال إنه تخصيص لعموم حديث أم سلمة رضي الله عنها إن سائر أزواج النبي صلى الله عليه و سلم أبين الأخذ بمذهب عائشة ( رضي الله عنه) .
و عليه : فلم تصح دعوى تخصيص رضاع الكبير بسالم .
و مما يؤيد أن ذلك الرضاع للكبير إنما كان بشرب اللبن المحلوب : ما رواه ابن سعد في " الطبقات الكبرى " ؛ قال :
( أخبرنا محمد بن عمر، حدثنا محمد بن عبد الله بن أخي الزهري عن أبيه قال : كان يحلب في مسعط أو إناء قدر رضعة فيشربه سالم كل يوم ، خمسة أيام. وكان بعد يدخل عليها وهو حاسر. رخصة من رسول الله لسهلة بنت سهيل . ( أهـ
* و أيا كان القول في اعتبار رضاع الكبير أو عدمه لكونه رخصة خاصة ؛ فالمهم في المسألة هنا : أن رضاع الكبير لم و لا يكون بمص الثدي بحال ؛ مما يرتب عليه المبطلون عدم صحة الحديث الموجود في الصحيحين أو عدم صحة الشرع الحنيف - و هذا و ذاك باطل و بهتان
خاب خطاهم ، و ضل مسعاهم ، و ردّ الله كيدهم في نحورهم .

 


حديث ( رضاع الكبير ) بين الجرأة على السنة والفهم المغلوط لها
 أشرف عبد المقصود

بين الحين والآخر نرى ضجة مثارة حول حديث من الأحاديث النبوية الصَّحيحة وسرعان ما يتحول الأمر لمعركة تدور رَحَاهَا ما بين مؤيِّدٍ ومنافح ، و معترض وساخر ، وما بين مدافع بغير علم – يفسد أكثر مما يصلح - ومغرض مُسْتَغِلّ يُوَظِّف المسألة لإلحاده ونشر باطله إمعانًا في تشويه صورة الإسلام والمسلمين . ثم ينتهي الأمر بعد ذلك لفوضى فكرية يضيع فيها الحق وسط ركام هائل من الباطل .
وحديث ( رضاع الكبير ) خير مثال على ما نقول ؛ فقد تابعت منذ فترة اللغط المثار حول الحديث في بعض برامج الفضائيات وتعجبت وقتها من جرأة المكذبين والطاعنين والمستهزئين ومن تهاون بعض المتصدِّين لدفع الشبهات عن الحديث وتنازله عن وقار العلماء وقبوله لحضور هذه البرامج الإثارية المغرضة التافهة التي تصبُّ في نهاية الأمر لصالح أعداء الإسلام ! فالناظر للمواقع التبشيرية والإلحادية يرى أنها لا هَمَّ لها إلا الكلام على مثل هذه الأحاديث المُشْكِلة لتصد الناس عن دينهم وتصرفهم عما ينفعهم وكأن دين الله على سعته وامتداده قد توقف عند هذه القضية الجزئية الخاصة أو الحديث الخاص بواقعة محددة .
ولما كان هناك نفر - ممن ينسب نفسه للعلم – يفسِّر الحديث على وجه مغلوط ؛ مما يعزز جرأة هؤلاء الطاعنين ويفتح الباب على مصراعيه للإفساد في الدين ؛ رأيت من واجبي كمسلم أن أدفع عن الحديث طعن المكذبين وتحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين . فأقول وبالله التوفيق :

أولا : الحديث ثابت وصحيح ولا ريب فيه . وهو في الصحيحين : البخاري ( 4000 ، 5088 ) ومسلم ( 1453 ) ، وهو على العين والرأس . وثبت في غيرهما من كتب السنة المطهرة . ولكنه مُشْكِل ويحتاج لإيضاح ، لأن الكثيرين ممن خاضوا فيه لم يعلموا سبب وروده ولا تصريف أهل العلم لوجوه الفهم فيه التي تتسق مع الثابت المستفيض من السنة النبوية المطهرة .
وقصة الحديث تتلخص في : أن أبا حذيفة كان قد تبنى سالما قبل أن يبطل التبني يعني اتخذه ابنا له وصار كابنه تماما يدخل البيت وزوجة أبي حذيفة لا تحتجب عنه لأنه ابنها . فلما أبطل الله تعالى التبني صار سالم ـ وقد كبر ـ أجنبيا من " سهلة " امرأة أبي حذيفة التي جاءت تشتكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وتقول : إنَّ سالما كان أبو حذيفة قد تبناه يدخل علينا ونكلمه ، وقد بَطَلَ التبني ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : (( أرْضِعيه تَحْرُمِي عَلَيه )) . ولا شك أن سالما لم يرضع مباشرة من ثدي امرأة أبي حذيفة ، كما يُصَوّر أهل الأفك ..

ثانيا : الفريق الذي يَرُدُّ الحديث ويكذّبه . يُقَال له : الاتباع للنبي صلى الله عليه وسلم كما يقول الإمام السمعاني : (( الأخذ بسنته التي صَحَّت عنه والخضوع لها والتَّسليم لأمره صلى الله عليه وسلم )) . ومن تمام ذلك : أن لا تُعَارِض حديثه صلى الله عليه وسلم بخيال باطل أو تسارع لتكذيب الحديث بمجرد توارد إشكال على ذهنك أو لمجرد أن رأيت من يُفَسّره بصورة خاطئة أو من يستهزئ به لجهله العميق وغرضه اللئيم ، وإنما تبحث عن الفهم السليم له والذي يتسق مع الثابت المستفيض في قضيته في أبواب السنة .
وإذا كان الحديث مشكلا بالنسبة لنا فينبغي أن نرده للمحكم الواضح . والإشكال في الحديث هو الالتباس والخفاء . فقد يشكل على بعض الناس ويلتبس عليهم الأمر فيظنون أن حديثا يناقض حديثا آخر أو يخالف القرآن أو اللغة أو العقل أو الحس .. إلخ . وهنا تظهر براعة المحدثين والفقهاء برفع هذا الإشكال بالتوفيق بين الحديثين المتعارضين ، وذلك في علم خاص أطلقوا عليه اسم " علم مختلف الحديث " أو " علم مشكل الحديث " .كما ينبغي الرجوع إلى المختصين في الكلام على الأحاديث المشكلة فما عرفناه عملنا به وما جهلناه رددناه إلى عالمه وسألنا بأدب أهل الاختصاص للاستيضاح وإزالة الإشكال .

ثالثًا : وإليك القول الفصل لحل الإشكال عن الحديث ، وبيان الفهم السديد لمراد النبي صلى الله عليه وسلم منه .
(1) فيقال لمن زعم : " أن من كانت حاله وحاجته مثل حاجة سالم جاز له الأمر " : إن حالة سالم مولى أبي حذيفة حالة نادرة ومرتبطة بلحظة تشريعية لن تتكرر . ومن سوى بين الحاجتين فقد أخطأ بدليل أن حاجة سالم غير ممكنة ولن تنطبق على أحد بعده ، فسالم حضر إباحة التبني وكان ابنا بالتبني لأبي حذيفة وحضر بطلان التبني !! وإلى هذا التوجيه السَّديد أشار شيخنا العلامة ابن عثيمين رحمه الله ، فقال في ( الشرح الممتع 13 / 436 ) : (( ليس مطلق الحاجة بل الحاجة الموازية لقصة سالم والحاجة الموازية لقصة سالم غير ممكنة لأن التبني أبطل فلما انتفت الحال انتفى الحكم )) اهـ . فمَنْ مِن الناس اليوم له مثل حكم سالم في التبني ؟ لا أحد . ثم بعد بطلان التبني احتاج سالم لهذا الحكم فكان جواب النبي صلى الله عليه وسلم لحاجته هذه التي لا تنطبق على غيره ، فهي حالة خاصة انتهت بانتهاء أطرافها .
(2) ومما يؤكد هذا الجواب - كما يبين ابن عثيمين - أن رضاع الكبير مُحَرَّم ولا يجوز : أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال : (( إيَّاكُم والدُّخول على النِّساء )) قالوا يارسول الله ، أرأيت الحمو – وهو قريب الزوج كأخيه مثلا – قال : (( الحمو الموت )) رواه البخاري ( 5232 ) ومسلم ( 2172 ) . وكلنا يعلم أن الحمو في حاجة لأن يدخل بيت أخيه إذا كان البيت واحدا ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم : " الحمو ترضعه زوجة أخيه " مع أن الحاجة ماسة لدخوله . فدل هذا على تحريمه للغير من باب أولى !

(3) إننا لو فتحنا الباب للقول بهذا الفهم - مع ما يُتَرَبَّص بالسنة من أحقاد الطاعنين على اختلاف صورهم وأشكالهم - لكان فيه مفسدة عظيمة . ولذا قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله : (( والخلاصة : بعد انتهاء التبني نقول لا يجوز إرضاع الكبير ، ولا يؤثر إرضاع الكبير بل لا بد إما أن يكون في الحولين وإما أن يكون قبل الفطام وهو الراجح )) اهـ ، أي أن الرضاعة المحركة لا تكون إلا مع الطفل الذي لم يتجاوز العامين فقط . وقال الشيخ ابن باز رحمه الله : (( حديث سالم مولى أبي حذيفة خاص بسالم كما هو قول الجمهور لصحة الأحاديث الدالة على أنه لا رضاع إلا في الحولين وهذا هو الذي نفتي به )) اهـ (( مجموع فتاوى ابن باز 22 / 264 ) .

وأخيرا : فليتق الله من يجترئ على تكذيب حديث النبي صلى الله عليه وسلم بجهله ورعونته ، وليتق الله كذلك من يحرّف حديث النبي ويؤوله على هواه فيفتن الناس في دينهم ، ولنحذر ممن يُدْخل أنفه في غير فنه ؛ فقديما قال ابن حجر العسقلاني رحمه الله : (( من تحدَّث في غير فنه أتى بالعجائب )) .
أسأل الله تعالى أن يفقهنا في ديننا وأن يحفظنا من الفتن ما ظهر منها وما بَطَن . والحمد لله رب العالمين .
 


رضاع الكبير
د. ناصر بن محمد الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

السؤال
ممكن تشرح الحديث؛ لأنه التبس عليَّ رضاع الكبير، حدثنا أبو سلمة يحيى بن خلف، حدثنا عبد الأعلى عن محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة وعن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت:"لقد نزلت آية الرجم ورضاعة الكبير عشراً، ولقد كان في صحيفة تحت سريري، فلما مات رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وتشاغلنا بموته دخل داجن فأكلها".

الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الحديث الذي يشير إليه السائل قد أخرجه ابن ماجة (1944) والدارقطني (4/181) وأحمد (36316) وأبو يعلى (8/64)، وهو ضعيف؛ لأن إسناده يدور على محمد بن إسحاق وقد عنعن، كذلك الحديث في متنه نكارة؛ لأن ما ثبت عن عائشة –رضي الله عنها- فيما رواه مسلم (1452) وغيره ليس فيه تخصيص الرضاعة بالكبير، فقد أخرج مسلم (1452) وغيره عنها أنها قالت:"كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وهن فيما يقرأ من القرآن" قال النووي –رحمه الله- يوضح المعنى:"وقولها: فتوفي رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وهن فيما يقرأ" هو بضم الياء، ومعناه: أن النسخ بخمس رضعات تأخر إنزاله جداً حتى أنه توفي رسول الله –صلى الله عليه وسلم- توفي وبعض الناس يقرأ خمس رضعات ويجعلها قرآناً متلواً لكونه لم يبلغه النسخ لقرب عهده، فلما بلغهم النسخ بعد ذلك رجعوا عن ذلك وأجمعوا على أن هذا لا يتلا" وعلى هذا فلا يشكل أن يكون الداجن –لو ثبت- قد أكل تلك الصحيفة؛ لأنها من القرآن المنسوخ تلاوته.
والحديث فيه دلالة على أن رجم المحصن الزانـي قد نزلت فيه آية من القرآن الكريم كانت تتلا، ومما يدل على نزولها ما أخرجه الشيخان البخاري (6830) ومسلم (1691) وغيرهما عن عمر –رضي الله عنه- أنه قال: إن الله قد بعث محمداً –صلى الله عليه وسلم- بالحق وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل عليه آية الرجم قرأناها ووعيناها وعقلناها فرجم رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ورجمنا بعده" الحديث، ثم إن آية الرجم قد نسخت تلاوتها من المصحف وبقي العمل بما دلت عليه بإجماع الأمة، وإلى هذا المعنى يشير عمر –رضي الله عنه- في الأثر السابق.
ودل الحديث –أيضاً- على أن رضاع الكبير يؤثر في نشر المحرمية كرضاع الصغير، وهو قول عائشة –رضي الله عنها- وعطاء بن أبي رباح والليث بن سعد، وأطال ابن حزم الكلام في نصرته، ومن أظهر أدلتهم ما أخرجه مسلم (1453) وغيره من قصة سالم مولى أبي حذيفة وقد كان تبناه وعده ولداً له، فلما نزل القرآن بتحريم التبني شق ذلك على أبي حذيفة وامرأته سهلة بنت سهيل، فجاءت إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- كما روى مسلم (1453) وغيره- فقالت: إن سالماً قد بلغ ما يبلغ الرجال وعقل ما عقلوا وإنه يدخل علينا وإني أظن أن في نفس أبي حذيفة من ذلك شيئاً، فقال لها النبي –صلى الله عليه وسلم-:"أرضعيه تحرمي عليه ويذهب الذي في نفس أبي حذيفة" فرجعت فقالت: إني قد أرضعته فذهب الذي في نفس أبي حذيفة.
وقد ذهب جماهير الأمة من السلف والخلف إلى أن الرضاع المحرم ما كان في الصغر، ومن أدلتهم ما رواه الشيخان البخاري (2647) ومسلم (1455) عن عائشة –رضي الله عنها- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- دخل عليها وعندها رجل فكأنه تغير وجهه كأنه كره ذلك، فقالت: إنه أخي، فقال:"انظرن من إخوانكن فإنما الرضاعة من المجاعة"، قال ابن حجر:"وقوله:"من المجاعة" أي: الرضاعة التي تثبت بها الحرمة وتحل بها الخلوة، هي حيث يكون الرضيع طفلاً لسد اللبن جوعته؛ لأن معدته ضعيفة يكفيها اللبن، وينبت لحمه فيصير كجزء من المرضعة" ا.هـ، ومن أدلتهم: حديث ابن مسعود عند أبي داود (2059) مرفوعاً وموقوفاً قال:"لا رضاع إلا ما شد العظم وأنبت اللحم"، ومنها: ما رواه الدارقطني (4/174) وغيره عن ابن عباس قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-:"لا رضاع إلا ما كان في الحولين".
وأصل الخلاف في قصة سالم وإرضاع سهلة بنت سهيل له، فجمهور أهل العلم قالوا: هي قضية عين لا تعارض الأحاديث الصريحة الدالة على أن الرضاع المؤثر ما كان في الصغر بحيث يؤثر في إنشاز العظم وإنبات اللحم مما يصير به الرضيع كجزء من المرضعة، ومن ثمَّ حملوا تلك الواقعة على الخصوص واستندوا في ذلك إلى فهم زوجات النبي –صلى الله عليه وسلم- عدا عائشة –رضي الله عنها-، فقد روى مسلم (1454) وغيره من حديث أم سلمة –رضي الله عنها- قالت:"أبا سائر أزواج النبي –صلى الله عليه وسلم- أن يدخلن عليهن أحداً بتلك الرضاعة، وقلن لعائشة: والله ما نرى هذا إلا رخصة أرخصها رسول الله –صلى الله عليه وسلم- لسالم خاصة فما هو بداخل علينا أحد بهذه الرضاعة ولا رائينا"، وأما الذين ذهبوا إلى القول بجواز رضاع الكبير وأنه مؤثر، فقد استدلوا بظاهر قصة سالم وعدم وجود ما يخصصها، وأيدوا قولهم بفهم عائشة –رضي الله عنها- وعملها بذلك حتى بعد وفاة النبي –صلى الله عليه وسلم- كما في الحديث الذي أخرجه أبو داود (2061) وغيره، وفيه:"فبذلك كانت عائشة –رضي الله عنها- تأمر بنات أخواتها وبنات إخوتها أن يرضعن من أحبت عائشة أن يراها ويدخل عليها وإن كان كبيراً خمس رضعات ثم يدخل عليها".
وقد سلك شيخ الإسلام ابن تيمية طريقة أخرى في التوفيق بين الأدلة، فقال: إن حديث سهلة –رضي الله عنها- رخصة لمن لا يستغنى عن دخوله على المرأة ويشق احتجابها عنه كحال سالم مع امرأة أبي حذيفة، وهو مسلك قد أشار إلى قريب منه ابن المواز من المالكية، والله أعلم.
 


رضاع الكبير للشيخ رفاعي سرور جمعة

أثر رضاع الكبير في تحليل الخلوة و تحريم النكاح .. للدكتور / أحمد عبد الكريم نجيب

رضاع الكبير..  لعبدالله زقيل

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
بحوث علمية
  • بحوث في التوحيد
  • بحوث فقهية
  • بحوث حديثية
  • بحوث في التفسير
  • بحوث في اللغة
  • بحوث متفرقة
  • الصفحة الرئيسية