صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







الكلام الأخّاذ ليحيى بن معاذ

د . علي بادحدح


1- لست ابكي على نفسي إن ماتت ، إنما أبكي على حاجتي إن فاتت .
2- كيف أمتنع بالذنب من رجائك ، ولا أراك تمتنع للذنب من عطائك .
3- إلهي ، ذنبي إلى نفسي فأنا معناه ، وحبي لك هو لك فأنت معناه ، والحب أعتقده لك طائعاً والذنب آتيه كارهاً ، فهب كراهة ذنبي لطواعية حبي إنك أرحم الراحمين .
4- إلهي ، إن لم ترحمني رحمة الكرامة عليك ، فارحمني رحمة الإيقاع إليك . إلهي ، بكرمك غداً أصل إليك ، كما بنعمتك دُلِلتُ اليوم عليك .
5- إن وضع عليهم عدله لم تبق لهم حسنة ، وإن أنالهم فضله لم تبق لهم سيئة .
6- مفاوز الدنيا تُقطع بالأقدام ، ومفاوز الآخرة تُقطع بالقلوب .
7- يا ابن آدم لا يزال دينك متمزقاً ما دام القلب بحجب الدنيا متعلقاً .
8- ما ركن إلى الدنيا أحد إلا لزمه عيب القلوب ، ولا ممكن الدنيا من نفسه أحد إلا وقع قفي بحر الذنوب .
9- ورأى يوماً رجلاً يقلع الجبل في يوم حار ، وهو يغني ، فقال : مسكين ابن آدم قلعُ ألأحجار أهون عليه من ترك الأوزار .
10- من لم يرض عن الله في الممنوع لم يسلم من الممنوع .
11- طلبوا الزهد في بطن الكتب ، وإنما هو في بطن التوكل لو كانوا يعلمون .
12- ونظر يوماً إلى إنسان وهو يقبّل ولداً له صغيراً فقال : أتحبه ؟ قال : نعم ، قال : هذا حبك له إذ ولدته فكيف بحب الله له إذ خلقته ؟
13- سَبَحُوا في بحار البلايا حتى جاوزوها إلى العطايا ، ثم سبحوا في بحار العطايا حتى جاوزوها إلى رب البرايا .
14- من أشخص بقلبه إلى الله انفتحت ينابيع الحكمة في قلبه وجرت على لسانه .
15- قد غرق في بلائه وهو يريد أن ينجو من ربه بصفائه .
16- أنا في نصب المنابر وتعبية العساكر والناس لا يعلمون
17- الأبدان في سجن النيات ، والناس ثلاثة : رجل تشاغل بالدنيا عن الله مذموماً ، ورجل تشاغل بالآخرة محموداً ، ورجل تشاغل بالله عما دونه مقرباً مرفوعاً .
18- لا يفلح من شُمَت منه رائحة الرياسة .
19- جماع الأمر كله في شيئين : سيكون القلب على رزق هذه الناحية والاجتهاد في طلب رزق تلك الناحية .
20- إن لَقِيني القضاء بكيد ، لقيت القضاء بكيد من الدعاء .

21- لا تستبطئ الإجابة وقد سددت طرقاتها بالذنوب .
22- اترك الدنيا قبل أن تُترك ، واسترض ربك قبل ملاقاته ، واعمر بيتك الذي تسكنه قبل انتقالك إليه - يعني القبر .
- إنما ينبسطون إليه على قدر منازلهم لديه .
23- من كان قلبه مع الحسنات لم تضره السيئات ، ومن كان مع السيئات لم تنفعه الحسنات .
24- لو رأت العقول بعيون الإيمان نزهة الجنة لذابت النفوس شوقاً ، ولو أدركت القلوب كنه هذه المحبة لخالقها لانخلعت مفاصلها إليه ولهاً عليه ، ولطارت الأرواح إليه من أبدانها دهشاً ، فسبحان من أغفل الخليقة عن كنه هذه الأشياء وألهاهم بالوصف عن حقائق هذه الأشياء .
25- أعظم المصيبة على الحكيم في اليوم أن يمضي عنه لا يأتيه فيه هدية من ربه - يعني حكمه جديدة ..
26- الدنيا أميرُ من طلبها ، وخادمُ من تركها ، الدنيا طالبة ومطلوبة ، فمن طلبها رفضته ، ومن رفضها طلبته ، الدنيا قنطرة الآخرة فاعبروها ولا تعمروها ، ليس من العقل بنيان القصور على الجسور ، الدنيا عروس وطالبها ما شِطتها ، وبالزهد يُنتف شعرها ، ويُسَود وجهها ، وتُمزق ثيابها . ومن طلق الدنيا فالآخرة زوجته ، فالدنيا مطلقة الأكياس لا تنقضي عدتها أبداً ، فخل الدنيا ولا تذكرها ، واذكر الآخرة ولا تنسها ،
27- خذ من الدنيا ما يبلغك الآخرة ، ولا تأخذ من الدنيا ما يمنعك الآخرة . تمام المغفرة في ثلاث : حسن القبول ، وتقييد العلم ، وبذل الفضل ، وتفسير حسن القبول أن تسمع بنية الاستفادة ، وتنظر الإرادة ، لا تهز رأسك عالم بما تسمعه ، فهذا يدخله في الكبر ويفسد العمل .
28- عُدِم التواضع من فاته خصال : عِلمُه بما خُلق له ، وما خلق منه ، وما يعود إليه .
29- علامة من اتقى الله ثلاثة خصال : من آثر رضاه ، وقارن نقاه ، وخالف هواه - يعني رضا الله على رضا نفسه ، وقارن تقاه ، وخالف هواه ..
من آثر رضاه : يعني رضا الله على رضا نفسه ، وقارن تقاه : يعني جعل التقى قرينه فلا يزايله في حال عسره ويسره وسروره ورضاه وغضبه ، وخالف هواه : يعني فيما يبعده عن الله وينقصه حظ الجزاء ..
30- لا تطلب العلم رياء ولا تتركه حياء .
31- إن أعرضت عنا بوجهك الكريم استعطفناك بقول : لا إله إلا الله .
32- التائب يبكيه ذنبه ، والزاهد تبكيه غربته ، والصديق يبكيه خوف زوال الإيمان .
33- فكرتك في الدنيا تلهيك عن ربك وعن دينك ، فكيف إذا باشرتها بجميع جوارحك .
34- اتق على جِراب إيمانك لا يقرضه الفأر .
35- إلهي ضَمن أعمالي غَنيمة عقباها ، وامنع نفسي لذاذة دنياها .
36- سبحان الله !! من يبيع الحبيبة بالبغيضة - يعني الدنيا - .
37- الجنة حبيبة المؤمن فكيف يبيعها منه بالبغيضة ؟
38- ربما رأيت أحدهم يقول : عشرين سنة أطلب ربي ، ويحك اطلب نفسك حتى تجدها ، فإذا وجدتها فقد وجدت ربك .
39- الدنيا لا تعدل عند الله جناح بعوضة وهو لا يسألك منها جناح بعوضة .
40- من الدنيا لا ندرك آمالنا ، وللآخرة لا تقدم أعمالنا ، وفي القيامة غداً لا تدري ما حالنا !!.
41- الناس ثلاثة : فرجل شغله معاده عن معاشه فتلك درجه الصالحين ، ورجل شغله معاشه لمعاده فتلك درجة الفائزين ، ورجل شغله معاشه عن معاده فتلك درجة الهالكين .
42- لا تسكن إلى نفسك وإن دعتك إلى الرغائب .
43- الدنيا بحر التلف والنجاة منها الزهد فيها .
44- يا جهول يا غفول ، لو سمعت صرير القلم حين يجري في اللوح المحفوظ بذكرك لَمت طرباً .
45- استشعرت الفقر فاتهمتَه ، ووثقتَ بعبد مثلك فقير فائتمنتَه ، ثم صرخ وقال : واسوءتاه منك إذا شاهدتني وهمتي تسبق إلى سواك ، أم كيف لا أضنى في طلب رضاك . قلب المحب يهم بالطيران ، وتَكمُله لدغات الشوق والخفقان .. إلهي ، إن كانت ذنوب عظمت في جنب نهيك فإنها قد صغرت في جنب عفوك .. إلهي ، لا أقول لا أعود لما أعرف من خلقي وضعفي .. إلهي إنك إن أحببتني غفرت سيئاتي ، وإن مقتني لم تقبل حسناتي ثم قال : أواه قبل استحقاق قول أواه .
46- لو سمع الخلق صوت النياحة على الدنيا في الغيب من ألسنة الفناء لتساقطت القلوب منهم حزناً ، ولو سمعت الخليقة دمدمة النار على الخليفة لتصدعت القلوب فرقاً .
47- لا تجعل الزهد حرفتك لتكتسب بها الدنيا ، ولكن اجعلها عبادتك لتنال بها الآخرة ، وإذا شكرك أبناء الدنيا ومدحوك فاصرف أمرهم على الخرافات .ترى الخلق متعلقين بالأسباب ، والعارف متعلق بولي الأسباب ، إنما حديثه عن عظمة الله وقدرته وكرمه ورحمته ، يحترف بهذا دهره ويدخل به قبره.
48- من كانت الحياة قيده كان طلاقه منها موته .
49- الدنيا لا قدر لها عند ربها وهي له ، فما ينبغي أن يكون قدرها عندك وليست لك .
50- وسئل عن الوسوسة فقال : إن كانت الدنيا سجنك كان جسدك لها سجناً ، وإن أنت الدنيا روضتك كان جسدك لها بستاناً .
51- وقيل له : كيف يتعبد الرجل من غير بضاعة تعينه على العبادة ؟ قال : أولئك بضاعتهم مولاهم ، وزادهم تقواهم ، وشغلهم ذكراهم ، ومن اهتم بعشائه لم يتهن بغدائه
52- من أراد تسكين قلبه بشيء دون مولاه لم يزد استكثاره من ذلك إلا اضطراباً
53- لو لم يكن للعارفين إلا هاتان النعمتان لكفاهم مِنة : متى رجعوا إليه وجدوه ، ومتى ما شاءوا ذكروه.
54- من صفة العارف جسم ناعم ، وقلب هائم ، وشوق دائم ، وذكر لازم .
55- عبادة المعارف في ثلاثة أشياء : معاشرة الخلق بالجميل ، إدامة الذكر للجليل ، وصحة جسمٍ بين جنبيه قلب عليل .
56- سبحان من طيب الدنيا للعارفين بمعرفته ، وسبحان من طيب لهم الآخرة بمغفرته ، فتلذذوا أيام الحياة بالذكر في مجالس معرفته ، وغداً يتذللون في رياض القدس بشراب مغفرته ، فلهم الدنيا زرعُ ذِكِر ، ولهم في الآخرة ربيع بِر ، ساروا على المطايا من شكره حتى وصلوا إلى العطايا من ذُخرِه ، فإنه ملك كريم .
57- العارف قد يشتغل بربه عن مفاخرة الأشكال ومجالس العطايا ، وعن منازعة الأضداد في مجالس البلايا .
58- أوثق الرجاء رجاء العبد ربه ، وأصدق الظنون حسن الظن بالله .
59- طوبى لعبد أصبحت العبادة حرفته ، والفقر مُنيته ، والعزلة شهوته ، والآخرة هِمته ، وطلب العيش بُلغَتُه ، وجعل الموت فكرته ، وشغل بالزهد نيته ، وأمات بالذل عزته ، وجعل إلى الرب حاجته ، يذكر في الخلوات خطيئته ، وأرسل على الوجنة عبرته ، وشكا إلى الله غربته ، وسأله بالتوبة رحمته . طوبى لمن كان ذلك صفته ، وعلى الذنوب ندامته . جأر الليل والنهار ، وبكاء إلى الله بالأسحار ، يناجي الرحمن ، ويطلب الجنان ، ويخاف النيران .
60- الكيس من فيه ثلاث خصال : من بادر بعلمه وتسوف بأمله ، واستعد لأجله .
61- المغبون يوم القيامة من فيه ثلاث خصال : من قرض أيامه بالبطالات ، وبسط جوارحه على الحسرات ، ومات قبل إفاقته من السكرات .
62- ليس ما أتى به الذنب عصياناً أكثر مما أتى به من التوحيد إيماناً .
63- إن العبد على قدر حبه لمولاه يُحببه إلى خلقه ، وعلى قدر توقيره لأمره يوقره خلقه ، وعلى قدر التشاغل منه بأمره يشغل به خلقه ، وعلى قدر سكون قلبه على وعده يطيب له عيشه ، وعلى قدر إدامته لطاعته يحليها في صدره ، وعلى قدر لهجته بذكره يديم ألطاف بره وعلى قدر استيحاشه من خلقه يؤنسه بعطائه ، فلو لم يكن لابن آدم الثواب على عمله إلا ما عجل له في دنياه لكان كثيراً سوى ما يريد أن يصير إليه من جزيل جزائه وعظيم عطائه ما لا يحيط به إحصاء ، ولا تبلغه مُنى ، إذ كان يعطي على قدر ما هو أهله ، إنه ملك كريم .
64- من سعادة المرء أن لا يكون لخصمه فهماً وخصمي لا فهم له قيل له : من خصمك ؟ قال : خصمي نفسي لا فهم لها ، تبيع الجنة بما فيها من النعيم المقيم والخلود فيها بشهوة ساعة في دار الدنيا .
65- لا تعرفه حتى تعمى عن الخلق .
66- يا بن آدم إنك لا تشتاق إلى ربك إلا بالاستيحاش من خلقه
67- للتائب فخر لا يعادله فخر في جميع أفخاره : فرح الله بتوبته .إذا اصطفاهم لنفسه ، وأمكنهم من أنسه ، حجهم عن خلقه بالمعروف من رفقه . قيل له وكيف يحجبهم ؟ قال : يحجبهم عن أبناء الدنيا بأستار الآخرة ، وعن أبناء الآخرة بأستار الدنيا .
68- لو لم يُسكنهم ببِلواه لطارت بهم نُعماه ، ولم يصل إليه من لم يرض بِقَسمِه ، ولم يعرفه من لم يتمتع بنعمة ، ولم يحبه من لم يَتِه في كرمة .
69- حين خاطروا بالنفوس اقتربوا ، وهذا طعم الخبر فكيف طعم النظر .
70- أفواه الرجال حوانيتها ، وشفتاها مغاليقها ، وأسنانها مخاليبها فإذا فتح الرجل باب حانوته تبين لك العطار من البيطار .
71- قد دعاك إلى دار السلام فانظر من أين تجيبه ؟ أمن الدنيا أم من قربك ؟ إنك إن أجبته من دنياك دخلتها ، وإن أجبته من قبرك منعتها .
72- إن الدرهم عقرب ، فإن لم تُحسن رُقيته فلا تأخذه بيدك ، فإنه إن لدغك قتلك.
73- الدنيا سُم الله القتال لعباده ، فخذوا منها حسب ما يؤخذ السم في الأدوية لعلكم تسلمون .
74- أولياؤه أسراءُ نعمته ، وأصفياؤه رهائن كرمه ، وأحباؤه عبيد مننه ، فهم عبيد محبه لا يُعتقلون ، ورهائن كرم لا يفكون وأسرى نعم لا يطلقون .
75- أهل المعرفة وحش الله في الأرض لا يأنسون إلى أحد ، والزاهدون غرباء في الدنيا ، والعارضون غرباء في الآخرة .
76- ابن آدم ما لك تأسف على مفقود لا يرده عليك الغوث ؟ وما لك تفرح بموجود لا يتركه في يديك الموت ؟
77- عجبت لمن يصبر عن ذكر الله وأعجب منه من صبر عليه كيف لا ينقطع ؟ ثم قال :
ندافع عيشنا بالجهد جهداً *** مدافعة إلى جهد المنايا
78- من صفة العارف خصلتان : ألا يذيع حاله لأحد ، ولا يفتش أحد عن حاله ، ومن علامة المريد الرضا بالقضاء والثقة بالوعد ، والعمل بالإخلاص ، والشكر على البلاء والتوبة من كل ذنب ، وامتحان الإرادات .
79- سبحان من جعل الأرواح روحانية نورانية ، والأنفاس نورانية ، والأنفس جولانية ، فالأرواح تحن إلى عليين معادنها ، والأنفس تحن إلى سجين محبسها .
80- قوم على فرش من الذكر في مجلس من الشوق ، وبساتين من المناجاة ، بين رياض الأطراب ، وقصور الهيبة ، وفناء مجال الأنس ، مُعانقو عرائس الحكمة بصدور الأفهام ، يتعاطون بينهم كؤوس حُبِه تجري في الأكباد ، تديم عليهم ذكر الحبيب ويبلبلهم معها هيمان الوجود .
81- القلوب كالقدور في الصدور في تغلي بما فيها ، ومغارفها ألسنتها ، فانتظر الرجل حتى يتكلم ، فإن لسانه يغترف لك ما في قلبه ، من بين حلو وحامض وعذب وأجاج ، يخبرك عن طعم قلبه اغترافُ لسانه .
82- إنما صار الفقراء أسعد على الذكر من الأغنياء لأنهم في حبس الله ، ولو أطلقوا من حصار الفقر لوجدت من ثبت منهم على الذكر قليلاً .
83- ألق حسن الظن على الخلق وسوء الظن على نفسك ، لتكون من الأول في سلامة ، ومن الآخر على الزيادة .
84- أبناء الدنيا يجدون لذة الكلام ، وأبناء الآخرة يجدون لذة المعاني .
85- الدرجات التي يسعى إليها أبناء الآخرة سبعة : التوبة ثم الزهد ثم الرضا ثم الخوف ثم الشوق ثم المحبة ثم المعرفة ، فبالتوبة تطهروا من الذنوب وبالزهد خرجوا من الدنيا ، وبالرضا ألبسوا حُلل العبودية ، وبالخوف جاوزا قناطر النار ، وبالشوق إلى الجنة استوجبوها ، وبالمحبة عقلوا النعيم ، وبالمعرفة وصلوا إلى الله .
86- الدنيا خزانة الله ، فما الذي يُبغض منها وكل شيء من حجر أو مدر أو شجر يسبح الله فيها ، قال تعالى : { وإن من شيء إلا يُسبح بِحمده } ، وقال تعالى : { ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين } . فالمجيب له بالطاعة لا يستحق أن يكون بغيضاً في قلوب المؤمنين ، ليعلم أن الذنب والذم زائلان عنها إلى بني آدم لو كانوا يعلمون .
87- اعلموا أنه لا يصح الزهد والعبادة ولا شيء من أور الطاعة لرجل أبداً وفيه للطمع بقية ، فإن أردتم الوصول إلى محض الزهد والعبادة فأخرجوا من قلوبكم هذه الخصلة الواحدة ، وكونوا – رحمكم الله – من أبناء الآخرة ، وتعاونوا واصبروا وأبشروا تظفروا إن شاء الله ، واعلموا أن ترك الدنيا هو الربح نفسه الذي ليس بعده أمر أشد منه ، فإن ذبحتم لتركها نفوسكم أحييتموها ، وغن أحييتم أنفسكم بأخذها قتلتموها ، فارفضوها من قلوبكم تصيروا إلى الروح لراحة في الدنيا والآخرة ، وتصيبوا شرف الدنيا والآخرة ، وعيش الدنيا والآخرة إن كنتم تعلمون .
88- عذبوا أنفسكم في طاعة الله بترك شهواتها قبل أن تلقي الشهوة منها أجسامكم في ديار عاقبتها ، واعلموا أن القرآن قد ندبكم إلى وليمة الجنة ، ودعاكم إليها ، فأسرع الناس إليها أتركُهم لدنياه ، وأوجدُكم لذة لطعم تلك الوليمة : أشدهم تجويعاً لنفسه ، ومخالفة لها ، فإنه ليس أمر من أمور الطاعة إلا وأنتم تحتاجون أن تخرجوه من بين ضدين مختلفين بجهد شديد ، وسأظهر لكم هذا الأمر : فإني وجدت أمر الإنسان أمراً عجيباً ، قد خلاف ما كُلِف سائر الخلق من أهل الأرض والسماء فأحسن النظر فيه ، وليكن العمل منك فيه على حسب الحاجة منك إليه ، واستعن بالله فنعم المعين ، واعلم أنك لم تسكن لتنعم فيها جاهلاً ، وعن الآخرة غافلاً ، ولكنك أسكنتها لتتعبد فيها عاقلاً وتمتطي الأيام إلى ربك عاملاً ، فإنك بين دنيا وآخرة ، ولكل واحدة منهما نعيم وفي وجود أحدهما يطول الآخر ، فانظر أن تحسن طلب النعيم ، فقد حكي عن إبراهيم بن آدم أنه قال : غلط الملوك طلبوا النعيم فلم يحسنوا.
89- وعلى حسب اقتراب قلبك من الدنيا يكون بعدك من الله ، وعلى حسب بعد قلبك من الدنيا يكون قربك من الله ، وكما كان معدوماً وجود نفسك في مكانين فكذلك معدوم وجود قلبك في دارين ، فإن كنت ذا قلبين فدونك اجعل أحدهما للدنيا وأحدهما للآخرة . وإن كنت ذا قلب واحد فاجعله لأولى الدارين بالنعيم والمقام والبقاء والإنعام .
90- واعلم أن النفس والهوى لا تقهران بشيء أفضل من الصوم الدائم ( أي صوم النفس عن الهوى ) وهو بساط العبادة ومفتاح الزهد ، وطلع ثمرات الخير ، وأجساد العمال من شجراته دائم الجذاذ دائم الإطعام ، وهو الطريق إلى مرتبة الصديقين ، وما دونه فمزرعة الأعمال ، فثمر غرسها وربيع بذرها في تركها ، وفقدها في أخذها ، وليس معنى الترك لا لخروج من المال والأهل والولد ، ولكن معنى الترك العمل بطاعة الله وإيثار ما عند الله عليها مأخوذة متروكة ، فهذا معنى الترك لا ما يدعيه المتصوفة الجاهلون .
91- أنت من الدنيا بين منزلتين فإن زويت عنك كفيت المؤنة وأن صرفت إليك ألزمتها طاعة مولاك ، وإن كانت طاعتك لله في شأنها تصلحها ، ومعصيتك لله في أمرها يفسدها ، فدع عنك لوم الدنيا واحفظ من نفسك وعملك ما فيه صلاحها ، فإن المطيع فيها محمود عند الله ، إنما تلزمه التهمة وعيب الأخذ لها إذا خان الله فيها ، لأن الدنيا مال الله ، والخلق عباد الله ، وهم في ها المال صنفان .
92- خونة وأمناء ، فإذا وقع المال في أيدي الخائنين فهو سبب دمارهم ، ولا عتب على المال إنما العتب على فعلهم بالمال . وإذا وقع في أيدي الأمناء كان سبب شرفهم وخلاصهم ، ولا معنى للمال إنما كسب لهم الشرف عند الله فعلهم بالمال ، أدوا أمانة الله في أموالهم فلحق بهم نفع المال . لا ذنب للمال الذنب لك ، الذنوب إنما تكتسب بالجوارح ، وليس للضيعة والحانوت جوارح ، إنما الجوارح لك وبها تكتسب الذنوب ، فعلك بما لك أسقطك من عين ربك لا مالك ، وفعلك بما لك يصحبك إلى قبرك لا مالك ، وفعلك بما لك يوزن يوم القيامة لا مالك .
93- يا من أقام لي غرس ذكرى ، وأجري إلي أنهار نجوى ، وجعل لي أيام عيد في اجتماع الورى ، وأقام لي فيهم أسواق تقوى ، أقلبت إليك معتمداً عليك ممتلئ القلب من رجائك ورطب اللسان من دعائك ، في قلبي من الذنوب زفرات ، ومعي عليها ندامات ، إن أعطيتني قبلت ، وإن منعتني رضيت ، وإن تركتني دعوت ، وإن دعوتني أحببت ، فأعطني إلهي ما أريد فلئن لم تعطني ما أريد فصبرني على ما تريد .
94- من أكثر ذكر الموت لم يمت قبل أجله ، ويدخل عليه ثلاث خصال من الخير : أولها المبادرة إلى التوبة ، والثاني القناعة برزق يسير ، والثالث النشاط في العبادة . ومن حرص على الدنيا فإنه يأكل فوق ما كتب الله له ، ويدخل عليه من العيوب ثلاث خصال : أولها أن تراه أبداً غير شاكر لعطية الله له ، والثاني لا يواسي بشيء مما قد أعطي من الدنيا ، والثالث يشتغل ويتعب في طلب ما لم يرزقه الله حتى يفوته عمل الدين.
95- الصبر على الناس أشد من الصبر على النار .
96- تأبى القلوب للأسخياء إلا حباً وإن كانوا فجاراً وللبخلاء إلا بعضاً وإن كانوا أبراراً .
97- ليس على وجه الأرض أحد إلا وفيه فقر وحرص ، ولكن من أخلاق المؤمنين أن يكونوا حرصاء على طلب الجنة قراء إلى ربهم ، والمنافق حريص على الدنيا فقير إلى الخلق .
98- قال بعض الحكماء : من أصبح لم يكن معه هذه الخصال الثلاث لم يصب طريق العزم : أولها كما أن الله لم يعط رزقك اليوم غيرك فلا تعمل لغيره ، وكما أن الله لم يشارك فيما أعطاك أحد فلا تشارك في العمل الذي تعمل له - يعني الرياء - وكما أن الله لم يكلفك اليوم عمل غد فلا تسأله رزق غد على جور حتى إذا لم يعطك شكوته .
إذ لاحظت الأشياء منه كان لها طعم آخر
99- ليس بصادق من ادعى حبه ( أي حب الله تعالى ) ولم يحفظ حده .
سقوط رجل من درجةٍ : ادعاؤها .
100- إذا عملوا على الصدق انطلقت ألسنتهم على الخلق بالشدة ، وإذا عملوا في التفويض انكسرت ألسنتهم عن الخلق مبهوتين ، الأول من صفة الزاهدين ، والثاني من صفة العارفين .

121- حبك للحبيب يذللك، وحبه لك يدللك.
122- لو أن مؤمناً مات من حب ملك أو نبي لم يكن عجباً منه، فكيف من حب الله؟
123- العيش في حبه أعجب من الموت في حبه.
124- مسكين ابن آدم لو خاف النار كما يخاف الفقر دخل الجنة.
125- من استفتح باب المعاش بغير مفاتيح الأقدار وكُل إلى المخلوقين.
126- العبادة حرفة، وحوانيتها الخلوة، ورأس مالها الاجتهاد بالسنة، وربحها الجنة.
127- الصبر على الخلوة من علامات الإخلاص.
128- الدُنيا دار الأشغال، والآخرة دار الأهوال، ولا يزال العبد متردداً بين الأشغال والأهوال حتى يستغفر به القرار، إما على جنة وإما إلى نار.
129- الذي حجب الناس عن التوبة طول الأمل، وعلامة التائب إسبال الدمعة، وحب الخلوة، والمحاسبة للنفس عند كل همة.
130- اللهم لا تجعلنا ممن يدعوا إليك بالأبدان ويهرب منك بالقلوب، يا أكرم الأشياء علينا لا تجعلنا أهون الأشياء عليك.
131- عمل كالسراب، وقلب من التقوى خراب، وذنوب بعدد الرمل والتراب، ثم تطمع في الكواعب الأتراب، هيهات أنت سكران بغير شراب، ما أجملك لو بادرت أملك، ما أجملك لو بادرت أجلك، ما أقواك لو خالفت هواك.
132- كيف امتنعت بالذنب من الدعاء، ولا أراك تمتنع بذنبي من العطاء.
133- ذنب أفتقر به إليه أحب إلي من طاعة أفتخر بها عليه.
134- ليكن حظ المؤمن منك ثلاثاً: إن لم تنفعه فلا تضره، وإن لم تفرحه فلا تغمه، وإن لم تمدحه فلا تذمه.
135- على قناطر الفتن جازوا إلى خزائن المنن.
136- إلهي، كيف أفرح وقد عصيتك، وكيف لا أفرح وقد عرفتك، وكيف أدعوك وأنا خاطئ، وكيف لا أدعوك وأنت كريم.
137- ليكن بيتك الخلوة، وطعامك الجوع، وحديثك المناجاة فإما أن تموت بدائك أو تصل إلى دوائك.
138- مصيبتان للمرء لم يسمع الأولون والآخرون بمثلهما في ماله عند موته قيل: ما هما؟ قال: يؤخذ منه كله، ويسأل عنه كله.
139 الكيس من عمال الله يلهج بتقويم الفرائض، والجاهل يُعنى بطلب الفضائل، وتقويم الأعمال في تصحيح العزائم.
140- هلم يا ابن آدم إلى دخول جوار الله - تعالى -: لا عمل ولا نصب ولا عناء أنت بين ما مضى من عمرك وما بقي، فالذي مضى تصلحه بالتوبة والندم، وليس شيئاً عملته بالأركان فإذا أنت إنما هو أمر نويته وتمتنع فيما بقي من الذنوب وامتناعك إنما هو شيء نويته، وليس شيئاً عملته بالأركان فإذا أنت نجوت بغير عمل مع القيام بالفرائض، وهذا ليس بعمل، وهو أكبر الأعمال: لأنه عمل القلب، والجزاء لا يكون إلا على عمل القلب.
141- دواء القلب خمسة أشياء: قراءة القرآن بالتفكر، وخلا البطن، وقيام الليل، والتضرع عند السحر، ومجالسة الصالحين.
142- إذا كنت لا ترضى عن الله، كيف تسأله الرضا عنك؟
143- لولا أن العفو من أحب الأشياء إليه ما ابتلى بالذنب أكرم الخلق عليه.
144- كم من مستغفر ممقوت، وساكت مرحوم، ثم قال: هذا استغفر الله وقلبه فاجر، وهذا سكت وقلبه ذاكر.
145- حقيقة المحبة أنها لا تزيد بالبر، ولا تنقص بالجفاء وأنشد:
لم ُسلِم النفس للأسقام تتلفها *** إلا لعلمي بأن الوصل يحييها
نفس لمحب على الآلام صابرة *** لعل إسقامها يوماً يداويها
146- ليس بعارف من لم يكن غاية أمله من ربه العفو.
147- يا بن آدم طلبت الدنيا طلب من لا بد له منها، وطلبت الآخرة طلب من لا حاجة له إليها، والدنيا قد كفيتها وإن لم تطلبها، والآخرة بالطلب منك تالها فا عقل شأنك. لا يزال دينك متمزقاً ما دام قلبك بحب الدنيا متعلقاً.
148- الليل طويل فلا تقصره بمنامك، والنهار نقي فر تدنسه بآثامك.
149- حفت الجنة بالمكاره وأنت تكرهما، وحفت النار بالشهوات وأنت تطلبها، فما أنت إلا كالمريض الشديد الداء إن صبر نفسه على مضض الدواء اكتسب بالصبر عافية، وإن جزعت نفسه مما يلقى طالت به علة الضنا.
150- ألا إن العاقل المصيب من عمل ثلاثاً: ترك الدنيا قبل أن تتركه، وبنى قبره قبل أن يدخله، وأرضى ربه قبل أن يلقاه.
151- الدنيا خراب، وأخرب منها قلب من يعمرها، والآخرة دار عمران وأعمر منها قلب من يطلبها.
152- أخوك من عرّفك العيوب، وصديقك من حذّرك من العيوب.
153- عجبي ممن يحزن على نقصان ماله، كيف لا يحزن على نقصان عمره!
154- على قدر خوفك من الله يهابك الخلق، وعلى قدر حبك لله يحبك الخلق، وعلى قدر شغلك بالله يشغل الخلق بأمرك.
155- إن قال لي يوم القيامة: عبدي ما غرك بي؟ قلت: إلهي برّك بي.
156- استسلم القوم عندما فهموا.
157- من قوة اليقين ترك ما يرى لما لا يرى.
158- أيها المريدون إن اضطررتم على طلب الدنيا فاطلبوها ولا تحبوها، أشغلوا بها أبدنكم وعلقوا بغيرها قلوبكم، فإنها دار ممر وليست بدار مقر، الزاد منها والمقيل في غيرها.
159- رضي الله عن قوم فغفر لهم السيئات، وغضب على قوم فلم يقبل منهم الحسنات.
160- التوحيد في كلمة واحدة ما تصور في الأوهام بخلافه.
161- طاعة لا حاجة بي إليها لا تمنعني مغفرة لا غنا بي عنها .
162- ذنب أفتقر به إليه أحب إلي من عمل أدل به عليه .
163- إلهي كيف لا أرجوك تغفر لي ذنباً رجاؤك ألقاني فيه .
164- إن الحكيم يشبع من ثمار فيه .
165- كيف أحب نفسي وقد عصيتك ، وكيف لا أحبها وقد عرفتك ؟
166- إن غفرت فخير راحم ، وإن عذبت فغير ظالم .
167- إلهي ، ضيعتُ بالذنب نفسي فارددها بالعفو علي .
168- إلهي ، ارحمني لقدرتك عليّ أو لحاجتي إليك .
169- مسكين من عِلمُه حجيجه ، ولسانه خصيمه ، وفهمه القاطع لعذره .
170- ذنوب مزدحمة على عافية مبهمة ، ثم قال : إلهي ، سلامة إن لم تكن كرامة.
171- يا من رباني في الطريق بنعمه ، وأشار لي في الورود إلى كرمه ، معرفتي بك دليل عليك ، وحبي لك شفيعي إليك .
172- يا من أعطانا خير ما في خزائنه ، الإيمان به قبل السؤال لا تمنعنا عفوك مع السؤال .
173- إلهي إن إبليس لك عدو ، وهو عدو ، وإنك لا تغيظه بشيء هو أنكى له من عفوك فاعف عنا يا أرحم الراحمين .
174- يا من يغضب على من لا يسأله لا تمنع من قد سألك .
175- لا تقع للمؤمنين سيئة إلا وهو خائف أن يؤخذ بها ، والخوف حسنة فيرجو أن يعفى عنها والرجاء حسنة .
176- إلهي لا تنس لي دلالتي عليك ، وإشارتي بالربوبية إليك ، رفعت يداً بالذنوب مغولة ، وعيناً بالرجاء مكحولة ، فاقبلني لأنك ملك لطيف ، وارحمني لأني عبد ضعيف .
177- هذا سروري بك خائفاً ، فكيف سروري بك آمناً ، هذا سروري بك في المجالس ، فكيف سروري بك في تلك المجالس ، هذا سروري بك في دار الفناء فكيف يكون سروري بك في دار البقاء .
178- من أحب زينة الدنيا والآخرة فلينظر في العلم ، من أحب أن يعرف الزهد فلينظر في الحكمة ، ومن أحب أن يعرف مكارم الأخلاق فلينظر في فنون الآداب ، ومن أحب أن يستوثق من أسباب المعايش فليستكثر من الإخوان ، ومن أحب أن لا يؤذي فلا يُؤذَين ، من أحب رفعة الدنيا والآخرة فعليه بالتقوى .
179- من خان الله – عز وجل – في السر هتك سره في العلانية .
180- لست آمركم بترك الدنيا ، آمركم بترك الذنوب . ترك الدنيا فضيلة ، وترك الذنوب فريضة ، وأنتم إلى إقامة الفريضة أحوج منكم إلى الحسنات والفضائل .
181- لا تكن ممن يفضحه يوم موته ميراثه ويوم حشره ميزانه .
182- الدنيا خمر الشيطان من سكر منها لا يفيق إلا في عسكر الموتى نادماً بين الخاسرين .
183- كيف يكون زاهداً من لا ورع له ؟ تورع عما ليس لك ، ثم ازهد فيما لك .
184- اللهم إن كان ذنبي قد أخافني ، فإن حسن ظني بك قد أجارني . اللهم سترت علي في الدنيا ذنوباً أنا إلى سترها في القيامة أحوج ، وقد أحسنت بي إذ لم تظهرها لعصابة من المسلمين ، فلا تفضحني في ذلك اليوم على رؤوس العالمين ، يا أرحم الراحمين .
185- الزهد يورث السخاء بالملك ، والحب يورث السخاء بالروح .
186- لا يبلغ أحد حقيقة الزهد حتى يكون فيه ثلاث خصال عمل بلا علاقة ، وقول بلا طمع ، وعز بلا رياسة .
187- الورع : الوقوف على حد العلم من غير تأويل .
188- الورع على وجهين : ورع في الظاهر ، وورع في الباطن . فورع الظاهر : أن لا يتحرك إلا الله ، وورع الباطن : هو أن لا تدخل قلبك سواه .
189- من لم ينظر في الدقيق من الورع لم يصل إلى الجليل من العطاء .
190- يكاد رجالي لك مع الذنوب يغلب رجالي لك مع الأعمال : لأني أجدني أعتمد في الأعمال على الإخلاص ، وكيف أصفيها وأحرزها وأنا بالآفات معروف ؟ وأجدني في الذنوب أعتمد على عفوك ، وكيف لا تغفرها وأنت بالجود موصوف ؟
191- إلهي ، أحلى العطايا في قلبي رجاؤك ، وأعذب الكلام على لساني ثناؤك ، وأحب الساعات إلي ساعة يكون فيها لقاؤك .
192- سئل يحيى : متى يكون الرجل متوكلاً ؟ فقال : إذا رضي بالله وكيلاً .
193- صبرت المحبين أشد من صبر الزاهدين . واعجباً ! كيف يصبرون ؟ وأنشد:
والصبر يجمل في المواطن كلها *** إلا عليك ، فإنه لا يجمل
194- قيل ليحيى : متى يبلغ العبد إلى مقام الرضا ؟ فقال : إذا أقام نفسه على أربعة أصول فيما يعامل به ربه ، فيقول : إن أعطيتني قبلت ، وإن منعتني رضيت ، وإن تركتني عبدت ، وإن دعوتني أجبت .
195- من أستحيى من الله مطيعاً استحيى الله منه وهو مذنب .
196- سبحان من يذنب عبده ويستحيي هو .
197- أشد شيء على المريد : معاشرة الأضداد .
198- إذا ترك العارف أدبه مع معروفه فقد هلك مع الهالكين .
199- من تأدب الله صار من أهل محبة الله .
200- علامة الشوق فطام الجوارح عن الشهوات .
201- « العارف كائن بائن » وهذا يفسر على وجوه :
منها : أنه كائن مع الخلق بظاهره ، بائن عنهم بِسِرُه وقلبه .
ومنها : أنه كائن بربه بائن عن نفسه .
ومنها : أنه كائن مع أبناء الآخرة ، بائن عن أبناء الدنيا ..
ومنها : أمه كائن مع الله بموافقته ، بائن عن الناس في مخالفته .
ومنها : أنه داخل في الأشياء خارج منها ، فإن من الناس من هو داخل فيها لا يقدر على الخروج منها ، ومنهم من هو خارج عنها لا يقدر على الدخول فيها ، والعارف داخل فيها خارج منها ، ولعل هذا أحسن الوجوه .
202- بئس الصديق صديق يحتاج أن يقال له : اذكرني في دعائك ، وبئس الصديق صديق يحتاج أن يعتذر إليه ، وبئس الصديق صديق يحتاج أن يعيش معه بالمداراة .
203- من كان غناه في كسبه لم يزل فقيراً ، ومن كان غناه في قلبه لم يزل غنياً ، ومن قصد بحوائجه المخلوقين لم يزل محروماً .
204- إذا أحب القلب الخلوة أوصله حب الخلوة إلى الأنس بالله ، ومن أنس بالله استوحش من غيره .
سلم على الخلق وارحل نحو مولاكا == واهجر على الصديق الإخلاص دنياكا
عساك في الحشر تعطى ما ترمله == يكرم الله ذو الآلاء مثواكا !
204- العارف يخرج من الدنيا ولا يقضي وطره من شيئين بكاؤه على نفسه وثناؤه على ربه .
205- وقال في قوله تعالى : { فقولا له قولاً ليِناً لعلهُ يَتَذّكّرُ أو يخشى } : إلهي ! هذا رفقك بمن يقول : أنا إله ، فكيف بمن يقول : أنت الإله ؟! .
206- وقال له رجل : إنك لتحب الدنيا . فقال : أين السائل عن الآخرة ؟ قال : هأنا ، قال : أخبرني أيها السائل عنها ، أبالطاعة تنال أم بالمعصية ؟ قال : لا ، بل بالطاعة ، قال : فأخبرني عن الطاعة ، أبالحياة تنال أم بالممات ؟ قال : لا ، بل بالحياء ، قال : فأخبرني عن الحياة ، أبالقوت تنال أم بغيره ؟ قال : لا ، بل بالقوت ، قال : فأخبرني عن القوت ، أمن الدنيا هو أم من الآخرة ؟ قال : لا ، بل من الدنيا ، قال : فكيف لا أحب دنيا قُدِر لي فيها قوت أكتسب به حياة أدرك بها طاعة أنال بها الآخرة ؟! فقال الرجل : أشهد أن ذلك معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن من البيان لسحراً ) .
207- ودعني أداري الحب من كل جانب == فليس لها مني سبيل ومهربُ
وحَمَلتني ما لا تطيق جوارحي == فَسِرُك في الأحشاء مني مُغيبُ
208- الجاهل رأى الذنب في الخطيئة ، فنظر بالغلظة إليه ، والعارفُ عرف موقعه منه ، فنظر بالشفقة عليه.
209- إلهي حجتي عندك عَلمي بأن الحجة لك .
210- إذا أحب الله عبداً ابتلاه ، فإن صبر اجتباه ، وإن رضي اصطفاه ، وإن سخط نفاه وأقصاه .
211- أشهد أن السموات آيات بينات ، وشواهد قائمات ، كل يؤدي عنك بالحجة ، ويُقر لك بالربوبية ، وهي موسومة بآثار قدرتك ، ومعالم تدبيرك التي تجليت بها لخلقك ، وأوصلت إلى القلوب من معرفتك ما آنسها من وحشة الفكر ، ورجم الظنون فهي على اعترافها بك ، وَوَلهِها إليك ، شاهدة بأنك لا تُحيط بك الصفات ، ولا تحُدك الأوهام .
212- الاقتصاد في العيش ضيعة لم تتكلف منها : تمتع القلوب في الدنيا غفلتها عن الآخرة ، الزهد حلو مُر ، أما حلاوته فاسمه والمذاكرة به ، وأما مرارتُه فمعالجته .
213- اللهم إني جعلت الاعتراف بالذنب وسيلة لي إليك واستظللت بتوكلي عليك ، فإن غفرت فمن أولى بذلك منك ، وإن عاقبت فمن أعدل في الحكم منك ؟
214- اللهم إني لا أيأس من نظرك ورحمتك بعد مماتي ولم تولي غير الجميل في حياتي ، تَتابع إحسانك إلي يدلني على تفضلك علي ، فكيف يشقى من أسلفته جميل النظر ؟
215- اللهم إن نظرت إلي بالهلكة عيون سُخطك فلم تغفل عن استنقاذي منها عيون كرمك ، اللهم إن كنت غير مستاهلٍ لكرمك ومعروفك فكن أهلاً للتطول ، فإن الكريم ليس يضيع معروفه عن جميع مستحقيه.
216- إلهي إن كان ذنبي عرضني لعقابك ، فقد رجوت الدنو برجائي من ثوابك ، لولا ما اقترفته من الذنوب ما خفت من العقاب ، ولولا ما عرفتُ من الكرم ما رجوتُ الثواب .
217- جاء إلى شيراز يحيى بن معاذ الرازي وله شيبة حسنة ، وقد لبس دست ثياب أسود ، فكان أحسن شيء ، فصعد الكراسي فاجتمع إليه الناس ، وأول ما بدأ به أنشأ يقول :
مواعظ الواعظ لن تقبلا == حتى بعيها لُبُه أولا
يا قوم من أظلم من واعظ == خالف ما قد قاله في الملا
أظهر بين الناس إحسانَه == وبارز الرحمن لما خلا
وسقط عن الكرسي ، وغي عليه ولم يتكلم في ذلك اليوم ، ثم إنه ملك قلوب أهل شيراز بعد ذلك ، حتى إذا أراد أن يُضحكهم ، وإذا أراد أن يُبكيهم أبكاهم .
218- العلماء أرحم بأمة محمد صلى الله عليه وسلم من آبائهم وأمهاتهم .
219- إنما يذهب بها العلم والحكمة إذا طلبت بهما الدنيا .
220- يا صاحب العلم قصوركم قيصرية ، وبيوتكم كسروية ، وأثوابكم ظاهرية ، وأخفافكم جالوتية ، ومراكبكم قارونية ، وأوانيكم فرعونية ، ومآثمكم جاهلية ، ومذاهبكم شيطانية ، فأين الشريعة المحمدية ؟
221- ما أعرف حبه تزن جبال الدنيا إلا الحبة من الصدقة .
222- الطاعة خزانة من خزائن الله إلا أن مفتاحها الدعاء ، وأسنانه لقم الحلال .
223- فقدنا ثلاثة أشياء فما نراها ولا أراها تزداد إلا قلة ، حسن الوجه مع الصيانة وحسن القول مع الديانة ، وحسن الإخاء مع الوفاء .
224- جاهد نفسك بأسياف الرياضة ، والرياضة على أربعة أوجه : القوت من الطعام ، والغمض من المنام ، والحاجة من الكلام ، وحمل الأذى من جميع الأنام ، فيتولد من قلة الطعام موت الشهوات ، ومن قلة المنام صفو الإرادات ، ومن قلة الكلام السلامة من الآفات ، ومن احتمال الأذى البلوغ على الغايات ، وليس على العبد شيء أشد من الحلم عند الجفاء والصبر على الأذى ، وإا تحركت من النفس إرادة الشهوات والآثام وهاجت منها حلاوة فضول الكلام ، جردت سيوف قلة الطعام من غمد التهجد وقلة المنام ، وضربتها بأيدي الخمول وقلة الكلام حتى تنقطع عن الظلم والانتقام ، فتأمن من بوائقها من بين سائر الأنام ، وتصفيها من ظلمة شهواتها فتنجو من غوائل آفاتها ، فتصير عند ذلك نظيفة ونورية خفيفة روحانية ، فتجول في ميدان الخيرات ، وتسير في مسالك الطاعات كالفرس الفاره في الميدان ، وكالملك المتنزه في البستان .
225- أعداء الإنسان ثلاثة : ديناه ، وشيطانه ، ونفسه ، فاحترس من الدنيا بالزهد ، ومن الشيطان بمخالفته ، ومن النفس بترك الشهوات .
226- في سعة الأخلاق كنوز الأرزاق .
227- جوع الراغبين منية ، وجوع التائبين تجربة ، وجوع المجتهدين كرامة ، وجوع الصابرين سياسة ، وجوع الزاهدين حكمة .
228- معاشر الصديقين ! جوعوا أنفسكم لوليمة الفردوس فإن شهوة الطعام على قدر تجويع النفس .
229- الدنيا حانوت الشيطان ، فلا تسرق من حانوته شيئاً فيجيء في طلبه فيأخذك.
230- الدنيا بلغ شؤمها أن تمنيك لما يلهيك عن طاعة الله ، فكيف الوقوع فيها ..
231- الدرهم عقرب فإن لم تحسن رقيته فلا تأخذه ، فإنه إن لدغك قتلك سمه ، قيل : وما رقيته ؟ قال : أخذه من حله ووضعه في حقه .
232- ما في القلب للأسخياء إلا حب ولو كانوا فجاراً وللبخلاء إلا بغض ، ولو كانوا أبراراً .
233- قيل ليحيى بن معاذ : من آمن الخلق غداً ؟ قال : أشدهم خوفاً اليوم .
234- من عبد الله تعالى بمحض الخوف في بخار الأفكار ، ومن عبده بمحض الرجاء تاه في مفازة الاغترار ، ومن عبده بالخوف والرجاء استقام في محجة الادكار .
235- حبك الفقراء من أخلاق المرسلين ، وإثارك مجالستهم من علامة الصالحين ، وفرارك من صحبتهم من علامة المنافقين .
236- قال رجل ليحيى : متى أدخل حانوت التوكل ، وألبس رداء الزهد ، وأقعد مع الزاهدين ؟ فقال : إذا صرت من رياضتك لنفسك في السر إلى حدً لو قطع الله عنك الرزق ثلاثة أيام لم تضعف في نفسك ، فأما ما لم تبلغ هذه الدرجة فجلوسك على بساط الزاهدين جهل ثم لا آمن عليك أن تفتضح .
237- في وجود العبد الرزق من غير طلب دلالة على أن الرزق مأمور بطلب العبد ..
عفوة يستغرق الذنوب فكيف رضوانه ؟ ورضوانه يستغرق الآمال فكيف حبه ؟ وحبه يدهش العقول فكيف ودّه ؟ ووده ينسي ما دونه فكيف لطفه ؟
238- مثقال خردلة من الحب أحب إلي من عبادة سبعين سنة بلا حب .
239- إلهي ! إني مقيم بفنائك ، مشغول بثيابك ، صغيراً خذتني إليك ، وسربلتي بمعرفتك ، وأمكنتني من لطفك ، ونقلتني في الأحوال ، وقلبتني في الأعمال ، ستراً وتوبة ، وزهداً وشوقاً ، ورضاً وحباً ، تسقيني من حياضك ، وتهملني في رياضك ،ملازماً لأمرك ، ومشغوفاً بقولك ، ولما طر شاربي ولاح طائري فكيف أنصرف اليوم عنك كبيراً وقد أعتدت هذا منك صغيراً ، فلي ما بقيت حولك دندنة ، والضراعة إليك همهمة ، لأني محب ول محب بحبيبة مشغوف ، وعن غير حبيبة مصروف .
240- الإخلاص يميز العمل من العيوب كتمييز اللبن من الفرث والدم .
241- من استفتح باب المعاش بغير مفتاح الأقدار وكل إلى المخلوقين .
242- أيها المريدون طريق الآخرة والصدق ، والطالبون أسباب العبادة والزهد ، اعلموا أنه من لم يحسن عقله لم يحسن تعبد ربه ، ومن لم يعرف آفة العمل لم يحسن أن يحترز منه ، ومن لم تصح عنايته في طلب الشيء لم ينتفع به إذا وجده ، واعلموا أنكم خلقتم لأمر عظيم ، وخطر جسيم ، وأن العلم لم يُرد ليُعلم إنما خلقتم لأمر عظيم ، وخطر جسيم .
243- إن العلم لم يُرد ليُعلم إنما أريد ليُعلم ويُعمل به : لأن الثواب على العمل بالعمل يقع على العلم ، ألا ترى أن العلم إذا لم يُعمل به عاد وبالاً وحجة وانظروا ألا تكونوا معشر المريدين ممن قد تركوا لذة الدنيا ونعيمها ، ثم لا يصدق طلبكم الآخرة فلا دنيا ولا آخره ، وفكروا فيما تطلبون فإن من لم يعرف خطر ما يطلب لم يسهل عليه الجهل في جنب طلبه
244- اعلموا أنه من لم يهن عليه الخلق لم يعظم عليه الرب ، ومن لم يكن طلبه في طريق الرغبة والرهبة والشوق والمحبة كان متحركاً في طلبه مخلصاً في عمله لا يجد لذة العبادة ولا يقطع طريق الزهادة ، فاتقوا الله الذي إليه معادكم ، وانظروا ألا تكونوا ممن يعرفهم جيرانهم وإخوانهم بالخير والإرادة والزهادة والعبادة وحالكم عند الله على خلاف ذلك . فإن الله إنما يجزيكم على ما يعرف منكم لا على ما يعرفه الناس ، ولا تكونوا ممن يولع بصلاح الظاهر الذي إنما هو للخلق ولا ثواب له بل عليه العقاب ويدع الباطن الذي هو لله وله الثواب ولا عقاب عليه .


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
بحوث علمية
  • بحوث في التوحيد
  • بحوث فقهية
  • بحوث حديثية
  • بحوث في التفسير
  • بحوث في اللغة
  • بحوث متفرقة
  • الصفحة الرئيسية