صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







فوائد منتقاة من : [المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل] للشيخ / عبد السلام الشويعر.

أبو الهمام البرقاوي
@HOOMAAM


بسم الله الرحمن الرحيم

فوائد منتقاة دون تفريغ ٍ حرفي ولا مراجعة من المؤلف].
فوائد من مقدمة «شرح أخصر المختصرات»
للشيخ أحمد القعيمي
 

الفائدة الأولى:«التنقيح المشبع»مُؤلَّف على الراجح من المذهب، وهو آخر كتاب ألَّفه المرداوي، وراجعه أربع مرات، وتُوفِّي وهو راضٍ عنه.
الفائدة الثانية:«زاد المُستَقْنَع» هو الكتاب الوحيد الذي لم يتفرَّع عن «المُنتهى» أو «الإقناع».
الفائدة الثالثة: غاية العلم العمل، ومن سبيل ذلك: الحفاظ على صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم عند الحنابلة، وصيغِ التشهد، والسننِ الرواتب، وصيامِ ثلاثة أيام من كل شهر، وصيامِ الاثنين والخميس، وتجنبِ المحرمات والمكروهات.
الفائدة الرابعة: أنصحك أن تقرأ مقدمة كتاب «المُطلِع» للبعلي، وخاتمةَ «الإنصاف» للمرداوي.
الفائدة الخامسة: القول: إذا اختلف «الإقناع» و«المنتهى» فالمُرجَّح ما في «الغاية». فيه نظر؛ لأنه قد يُرجِّح ما يخالفهما معًا، فكيف يكون هو المذهب؟! وأيضًا فإن البُهوتي وتلميذَه الخلوتيَّ يخالفان ما يقرره الكَرْمي، فكيف يكون هو المذهب؟!
الفائدة السادسة: من كتب المذهب في أدلة الأحكام: «منار السبيل» لابن ضويان، و«السنة والأحكام» للضياء المقدسي، و«شرح العمدة» لابن تيمية، ولا يوازيه حتى «المغني» فيه! و«المُطلِع في أدلة المُقنِع».


فوائد من
«المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل»
للشيخ عبد السلام الشويعر

الدرس الأول

الفائدة الأولى: الخلاف شرٌّ، والاختلاف خيرٌ، ولما سمَّى أحدُهم كتابَ «الاختلاف»، قال: سمِّه كتاب «الرحمة».
الفائدة الثانية: لا إنكار في مسائل الخلاف الاجتهادية، أي: الخلافية التي لها حظٌّ من النظر، والإنكار الممنوع هنا الفعليُّ، وأما القوليُّ فجائز.
الفائدة الثالثة: كان الفقه يُنسب لأهل البُلدان: ذهب أهل العراق، وذهب أهل الشام، ثم لما كَثُر تواردُ أصحاب كل بلد إلى الآخر، وتعددت المدارس، صار الانتساب للأئمة الأربعة الذين أراد الله لهم القبول؛ لربما لسريرة.
الفائدة الرابعة: كل خلاف بين الصحابة وتابعيهم أو تابعي التابعين، وكان القول شاذًّا وله مستند معتبر، أو مشهورًا أو راجحًا = إلا وهو موجود عند الأئمة الأربعة، ما لم يكن ملغيًّا، وهو مستند من حرَّم الخروج عنهم، فلا بد أن يكون وجهًا أو روايةً أو قولًا في أحد المذاهب، قال بذلك أبو عمرو بن الصلاح وابنُ تيمية وابنُ رجبٍ.
الفائدة الخامسة: منذ القرن الرابع ما شُهِر فقيهٌ ولا عُرِف عالمٌ إلا وقد تمذهب.
الفائدة السادسة: الناظر في الفرع الفقهي: إما لأجل التفقُّه، وإما لأجل الفُتيا، وإما لأجل عمله في خاصَّة نفسِه، فإن كان للتفقُّه فلا يمكن أن يكون إلا بالتمذهب، وباب الإفتاء باب آخر، لا يَحِلُّ لمن حَفِظ أو فَقُه مذهبًا أن يُفتي حتى تجتمع فيه أوصافٌ، وأما العمل فقد يُخالِف، كالنووي في ترجيحه نقض الوضوء من لحم الإبل، مع أن مذهبه في عدم النقض، لكن باب العمل شيء آخر.
الفائدة السابعة: ثمَّة تميُّزٌ في المذهب الحنبلي؛ اعتناءٌ بحفظ نصوص الحديث، وبعلم الحديث، فالإمام أحمد له أجزاء في العِلل، وكذا تلميذه الخلَّال، وكذا المُوفَّق ابنُ قُدامَة له جزء، والضياء المقدسي مُفضَّل على كتاب الحاكم.
الفائدة الثامنة: القول بالنسخ هو الأقل وجودًا في المذهب الحنبلي، الأكل من لحم الجزور مثالًا، و«أفطر الحاجم والمحجوم» مثالٌ آخر.
الفائدة التاسعة: يقول شيخ الإسلام: إن غالب مفاريد الإمام أحمد عن الجمهور هو الالتزام بظواهر النصوص.
الفائدة العاشرة: النكرة في سياق الإثبات تعمُّ عموم أوصاف، والنكرة في سياق النفي تعمُّ عموم أشخاص.
الفائدة الحادية عشرة: مذهب أحمد من أوسع المذاهب القائل باختلاف التنوُّع، مثاله: السَّدْل بعد الركوع؛ لتنازعه أمرين: أصلَ الصلاة وما قبل الصلاة، والنهيُّ عن السَّدْل يحتمل أمرين: سَدْلٌ حالَ القيام في ابتداء الصلاة، ويحتمل بعد الرفع، فهو احتمالٌ، فالقول بالإباحة لكلا الفعلين.
ومع تميزهم بهذا يختارون الأفضل في باب التنوع، فالأفضل في الإبراهيمية: «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد ....»، ومثلها في: «بارك ...»، والأفضل في الكسوف بركوعين، وفي الدعاء بين السجدتين: «رب اغفر لي»، وفي الركوع والسجود: «سبحان ربي العظيم» دون: «وبحمده»، وفي الاستفتاح حديث عمر: «سبحانك اللهم وبحمدك ..».
الفائدة الثانية عشرة: الإجماعُ عزيزٌ عند الإمام أحمد، وكأنه يَردُّ على أبي ثورٍ في سهولة الإجماع عنده، وكان يحب إجماعات الزُّهرِي؛ لإدراكه أنسًا وكبارَ التابعين، وفي القياس كان يحب أقيسة إبراهيم النَّخَعِي، والقياس قياس أصل وقياس فصل وقياس وصل.
الفائدة الثالثة عشرة: تخريج المناط، ثم تنقيح المناط، ثم تحقيق المناط، وتخريجه هو الاستقراء وهو حُجَّة، وكان يقال: شارك أحمد في علمه بالحديث والرجال الكثيرُ، ولم يشاركه أحدٌ في معرفة أقوال الصحابة هو وتلميذه محمد بن نصر المروزي، واطلع على «السنن» للأثرم، و«السنن» لسعيد بن منصور.
الفائدة الرابعة عشرة: رأيُ الإمامِ ابنِ عبد البرِّ أن احتجاج الإمام أحمد بالأثر يقتضي التصحيح.
الفائدة الخامسة عشرة: الاستحسان عند الإمام أحمد ليس هو مخالفة قياسٌ لقياسٍ أقوى منه، وإنما يعنون به تخصيص العلة، فلا يمكن أن يأتي حديث يخالف القياس، وإن كان فلا بُدَّ من تخصيص عِلَّته.
الفائدة السادسة عشرة: يقول أبو المعالي ابن المنجَّى: كل أقوال المذاهب الأربعة في مذهب أحمد. ويقول الطُّوفِي: مذهب أحمد مذهب اجتهاد.
الفائدة السابعة عشرة: حُكي الإجماع على أن الراجح دليلًا في المذهب يُقدم على المشهور فيه، وقيل: لم يخالف إلا التَّسُولي من المتأخرين.
الفائدة الثامنة عشرة: من خصائص مذهب أحمد «المفردات»، وألَّف فيها ابنُ أبي يَعلى وأبو الوفاء تلميذا القاضي أبي يعلى، والبرهانُ ابن القيم، وابن مُفلِح، والعمري.
الفائدة التاسعة عشرة: لكل رُبُع من الفقه قواعدُ خاصَّة بالمذهب، فمثلًا في العبادات يأخذون بالحديث الضعيفِ الذي ليس بشديد، ويستحبون العمل به احتياطًا، ويكرهون العمل به احتياطًا إن كان نهيًا، فمثلا وقت العصر ثمة حديثان: ينتهي إلى الاصفرار، وإلى ظل كل شيء مِثْلَيْه، والعشاء: إلى النصف وإلى الثلث، فأخذوا بالأحوط، ويحتاطون باعتبار الحال في العبادات، فلا عبرة بوقت الوجوب ولا وقت الأداء، إنما بالأحوط من الحالين.
وفي باب المعاملات: الأصل الإباحة، وعَمَلُ المسلمين شرقًا وغربًا على مذهب أحمد في معتمده أو رواية من رواياته = جواز الشرط والشرطين والثلاثة، جواز اشتراط عقد على عقد في رواية، جواز الشروط الجعلية، التوسع في خيارات الشرط كالبيع والتدليس، وفي باب الجنايات توسطوا؛ فمذهب مالك التشديد، ومذهب أبي حنيفة التيسير، وأيضًا من مسائل الفروع: التوسع في العذر بالجهل والنسيان، تفريقًا بين المأمور والمنهي عنه.
الفائدة العشرون: مذهب أحمد يتميز بقلة الحشو في المسائل، فهناك مسائل نصف مجلد؛ كما في كتاب أبي محمد الجويني في «الدَّوْر» والتي أساسها الجبر، وأيضًا المسائل المُحيِّرة في كتب الأحناف وهو ابن مازة، والتي ليس لها حلٌّ، وألَّف الدَّارِمي الشافعيُّ مجلدًا في «المستحاضة المتحيرة»، وكذلك قلة الفَرَضِيَّات.
الفائدة الواحدة والعشرون: مذهب الإمام أحمد أيضًا مختصٌّ بكثرة الكتب في الآداب، فهو من أكثر المذاهب تأليفًا، والآداب «كبرى» و«وسطى» و«صغرى» لابن مُفلِح، وهناك رواية أن ما جاء في باب الآداب فهي للوجوب، وهناك رواية أخرى توافق قول الجمهور أنها للندب وللكراهة.
الفائدة الثانية والعشرون: اختصاص مذهب أحمد بسنة الاعتقاد، حتى إن يحيى بن أبي الخير العِمراني صاحب كتاب «البيان» ثلاثة عشر مجلدًا، وله «الانتصار للحنابلة»أوقفه أبناؤه وأحفادُه على الحنابلة، وكان يُسمَّى بالحنبلي؛ ردًّا على المعتزلة الذين كانوا في زمانه، وأغلب كتب الحنابلة في أولها الاعتقاد، وأيضًا في السلوك؛ فقد كان أحمد ومَن بعده لا يأتون الرياسة، يلبسون ثوب الزُّهد والخمول.

انتهى
####
الدرس الثاني

الفائدة الأولى: الوجه أقوى من التخريج، لأن الوجه مبنيٌّ على تحقيق مناطٍ وقاعدةٍ، وأما التخريج فهو قياس الشَّبَه عند الأصوليين، فإذا كان الوجه والتخريج احتمالًا فهو جائز.
وإذا أطلق لفظ «الرواية» فطريقة المتقدمين أنها تُطلق على المنصوصِ والإيماءِ والوجهِ والتخريجِ، فيقولون : أربع روايات، ويفعلون ذلك. (هل ما قيس في مذهبه يكون مذهبًا له؟) وأما المتأخرون فلا يُسمُّون الروايةَ إلا ما كان نصًّا أو إيماءً.
الفائدة الثانية: مميزات الطبقة الأولى: أنهم جمعوا كلام الإمام أحمد، وهي من بعد الإمام أحمد إلى القاضي أبي يَعلى، وكان لهم في الجمع ثلاثة طرق:
النقل المباشر: كمسائل إسحاق بن منصور الكوسج، ومسائل ابن هانئ، ومسائل ابنيه صالح وعبد الله، والسنن للأثرم، ورواية البغوي وابن أبي داود السجستاني وحرب بن إسماعيل الكَرْمي، وعدَّهم في «الإنصاف» نحوًا من مائة وثلاثين راويًا رواة فقهٍ، وأما رواة الحديث فجاوز الخمسمائة.
ومن ألف تأليفًا خاصًّا فجمع الروايات: أبو بكرٍ الخلالُ في أربعين مجلدًا، ومجلد المتقدمين تساوي أربع مجلدات من الآن، والثاني أبو بكر عبد العزيز غلام الخلال، وإذا أطلق أبو بكر فهو المراد، وله ثلاثة كتب: «زاد المسافر» وهو مطبوع، و«الشافي» و«التنبيه» ولا يُعلم عنهما شيءٌ، ورتَّب الروايات ونسب كل رواية لصاحبها.
وأما من كتب متنًا فقهيًّا آخذًا من الروايات فهو «مختصر الخرقي»، إلا مسائل معدودة ألَّف فيها تلميذ الخلال، وبيَّن أنها ليست من منصوصه، وكذا أبو عبد الله ابن حامد.
ومما فعله المتقدمون: توضيحهم لكلام أحمد صاحب الوجه الواحد والوجوه؛ وذلك راجع إلى دلالات المعنى، هل هو صريح أو غير صريح؟
فإذا قال: «أرجو» فهو صريح وجهًا واحدًا في الإباحة، وإذا قال: «أستقبحه» فعند المتقدمين وجه واحدٌ في الحرمة.
وأما غير الصريح فممن ألَّف: ابن حَمدان في كتابه «تهذيب الأجوبة»، ثم في كتبه «الرعاية الصغرى» و«الرعاية الكبرى»، و«صفة المفتي والمستفتي» فسَّر ووجَّه فيه عبارات الإمام أحمد، وأيضا كتاب «الحاوي» لأبي طالبٍ الضرير العبدلياني.
تعددت روايات مذهب الإمام أحمد كثرةً؛ لأن أصحابه جعلوا قواعدَ من نصوص الإمام أحمد فكثُر الخلاف، وأيضًا فقد عُنُوا بالجمع بين الروايات المنقولة عنه، فطريقة الشيخ تقي الدين وقبله القاضي أبي يعلى: أنهم لا يجعلون من الروايتين في قول «لا ينبغي» قولين، بل يجعلون الروايةَ الواحدة دالةً على شيء واحد، ويبحثون في القرائن والروايات الأخرى المقوية لظاهر الرواية، فـ «لا ينبغي» للتحريم، وإن دلت على الكراهة فبقرائن أخرى.
وحتى الرواية الواحدة التي بالإيماء يُفهم منها قولان، يجمعون ولا يجعلونها قولين، وطريقة الأَزَجِي وكثيرِ من المتقدمين والمتوسطين حال الجمع: أنهم يجعلون كل رواية قولًا مستقلًّا، والطريقة الأولى هي عند المتأخرين.
وعُنُوا بالجمع بين الروايات المتعارضة، فقد ذكروا أكثر من أربعين قاعدة في الجمع كـ:
- معرفة الراوي إن كان متقدمًا أو متأخرًا، فابن الحكم مات في حياة أحمد، والبغوي روى عن أحمد في آخر سنة أو سنتين من حياته.
- والرواية المرجوع عنها هل تُلغى؟ رجَّح المجدُ وتلميذُه أنها تبقى قولًا في المذهب.
- وإذا لم يُعرف المتأخر، فأقربهما إلى الكتاب والسنة والأثر، أو قواعد المذهب، أو قواعده هو، أو مقاصده، أو أدلته.
- وقد يكون الترجيح برواية الأكثر؛ كما يقال: «رواه الجماعة».
- وأيضًا بعض الرواة أوثق من بعض، فمثلًا: مُتكلَّم على رواية حنبل بن إسحاق ابن أخي الإمام أحمد إذا تفرد، فطريقة الخلَّال وغلامِه تضعيفُ ما انفرد به إذا خالفه غيره، ويرى تقي الدين أنها صحيحة، وأنه قد يصيب ويخطئ.

###
الدرس الثالث


الفائدة الأولى: تبدأ الطبقة المتوسطة من عند القاضي أبي يعلى، والسبب أن له جاهًا وتأليفًا وطُلَّابًا، وله طريقة تباين طريقة أبي علي بن أبي موسى صاحب «الإرشاد»، وكتبه التي ألَّفها في أول عمره غير التي ألَّفها في آخره، فإنه كان متأثرًا بطريقة الخراسانيين، وآخرًا تأثر بالعراقيين في مسلك التعليل، ولما سُجِن ابنُ تيمية طلب جزءًا من «التعليقة» للقاضي أبي يعلى؛ لما فيها من الخلاف النازل والخلاف العالي، وفي «الروايتين والوجهين» ذكر ما فيه خلاف وأهمل ما فيه رواية واحدة، وله «الجامع الصغير»، وعليه بنى السَّامُرِّي في كتابه «المُستوعِب».
وتلاميذ أبي يعلى كانوا أئمةً كبارًا ولهم تواليف؛ فأبو الخطاب له «الانتصار في المسائل الكبار» زاد على ما في «التعليقة»، وله كتاب «الهداية»، وعليه اعتمد المتوسطون بعده، وعليه مختصرات وشروح، وله «رءوس المسائل»، وذكر تقي الدين عن جده أبي البركات شارح «الهداية» أنَّ ظاهر المذهب يُعرف بما رجَّحه أبو الخطاب في «رءوس المسائل».
ومن تلاميذه ابن الزاغوني، وله «الواضح»، وهو من أصحاب الترجيح في المذهب، وأيضًا ابن عَقِيل، وكان يتوسع كثيرًا في التخريج والتصحيح، وهو دون أبي الخطاب وابنِ الزاغوني، ولكنه من أصحاب الوجوه.
وأيضًا ابنه أبو الحسين، له كتاب «التمام» تمَّم «الروايتين والوجهين»، ومن تلاميذه أبو علي الحسن بن البنا، له «المقنع في شرح الخرقي»، وأيضًا أبو جعفر ابن أبي موسى ابنُ أخي أبو علي ابن أبي موسى، هؤلاء هم أصحاب القاضي أبي يعلى.
وممن قد يلحق بهم الإمام عبد القادر الجيلاني، وهو لم يدرك أبا يعلى، إلا أن له «الغنية» على نمط أصحاب أبي يعلى.
الفائدة الثانية: كيف نستفيد من هذه الطبقة؟
أولًا: كثرة النقل للنصوص.
وثانيًا: كثرة النقل للوجوه، كالعُكبَرَيْن وابن بطة وابن شاقْلا، ولكن كانوا يختصرون الرواية والوجه لا كأهل الطبقة الأولى.
الفائدة الثالثة: أيضًا بَدَأ التأليف الأصولي في هذه المرحلة، فألَّف القاضي «العُدَّة»، وألف أبو الخطاب «التمهيد»، وقيل: إنه استفاد من «المعتمد» لأبي الحسين البصري، وأيضًا في آخر «الروايتين والوجهين».
الفائدة الرابعة: ألَّف ابن أبي يعلى وأبو الخطاب وأبو جعفر «رءوس المسائل»، وهي المسائل التي وافقوا أو خالفوا فيها المذاهب الأخرى، وألَّف السَّامُرِّي «المُستوعِب» فحوى كُلَّ كتب الطبقة الوسطى، وفعل مثله ابن حَمدان في كتابيه «الحاوي الكبير»و«الحاوي الصغير»، ولكن في كتب ابن حَمدان أوهامٌ، وكذلك كتاب «المختصر» لابن تميم الحَرَّاني، لكنه وصل إلى «الزكاة»، ومثل هؤلاء ممن جاء بعد «الفروع» لابن مفلح فقد جمع الأقوال والروايات والأوجه والإجماعات والخلاف مع المذاهب الأخرى.
الفائدة الخامسة: بعد مرحلة القاضي وتلاميذه بدأ الجمع بين أقوالهم ووجوههم وروايات من تقدمهم، وتُدمج في كتاب بحيث لا يُنسب لكل واحد قولُه، على جهة الاختصار، مرتَّبًا ترتيبًا دقيقًا.
ثم جاء بعد تلاميذ القاضي وتلاميذ تلاميذه رجلان نفع الله بهما، وصارا المرجع في المذهب، وهما: المَجْد (625هـ) والمُوفَّق (620هـ) وشيخها واحد وهو ابن الـمَنِّي نصر بن فتيان البغدادي، فالمَجْد شرح «الهداية» لأبي الخطاب، وفيه من القواعد والتحرير للمذهب ما عند حفيده في شرح العمدة، إلا أنه لم يصلنا، وألف «المحرر» وقد وصلنا، وللآدمي البغدادي «المُنوَّر في معرفة الراجح من المُحرَّر»، وله - أي: «المُحرَّر» - شروح كثيرة؛ ثمة شرح لابن تيمية، ولا يوجد إلا نقولات، وشرح لعبد المؤمن القَطِيعي، وشرح لابن نصر الله، وحاشية لابن قندس، بل ألَّف ابن عبيدان «زوائد الكافي والمُحرَّر على المُقنِع».
وأما المُوفَّق فقد ذكر ابن غَنَّام أن به انتهت الطبقة الثانية، وألَّف خمسة كتب: «المغني» فـ «الكافي» فـ «المُقنِع» فـ «الهادي» فـ «العمدة»؛ فـ «المغني» فيه الخلاف العالي، ثم «الكافي» يَذكر الروايتين ومناطات المسائل وأدلتها، و«الهادي» أو «عمدة الحازم» جمع فيه زوائد «الهداية» على «مختصر الخرقي».
وأما كتابه «المُقنِع» فقد رجَّح فيه الروايتين من المذهب، ولكن فيه عيبٌ: أنه أطلق الخلاف في كثير من المسائل، فألَّف شمس الدين النابلسي «تقييد مطلق الخلاف»، وأيضًا «التنقيح المُشبِع» لعلاء الدين المرداوي، و«تصحيح المُقنِع» لابن نصر الله البغدادي.
وشروح «المقنع»: أوَّلُها لبهاء الدين المقدسي؛ فقد شرح «العمدة» وشرح «المقنع» دليلًا، وأيضا «الممتع في شرح المُقنِع» لزين الدين ابن المُنجَّا حفيدِ أبي المعالي، وأيضًا كتاب «الشافي» والمُسمَّى «الشرح الكبير» لشمس الدين ابنِ أبي عمر، فقد أخذ «المغني» وجعله على «المُقنِع»، وهو أهم الشروح وأوسعها، وزاد على «المغني» تخريجاته، وبيَّن مخالفة المُوفَّق للمذهب، وزاد زيادات ليست كثيرة، ورتبه على ترتيب المتأخرين، وأيضًا: «الوجيز» للدُجَيلي من علماء العراق فقد شرحه بقيود هامة، وبدأ العلماء لا يزيدون عن فلك ما في «المُقنِع».
ثم جاء جماعةٌ من الحنابلة فبدأوا يَرجعون إلى المنهل الأول؛ إلى كتب الطبقة المتقدمة والمتوسطة، وصارت لهم اتجاهات وآراء وتصحيح للروايات، وأول من أنشأها : تقي الدين ابن تيمية، ثم تلميذه ابن القيم، وتلميذه ابن مُفلِح، ومنهم ابن قاضي الجبل، وابن رجب، والزركشي، فكل قول يقوله شيخ الإسلام فإما أن يذكر ما هو المذهب، وإما أن يذكر المشهور ويخالفه فهو اختيار، وإما أن لا يكون سبقه أحد فيكون وجهًا في المذهب، ولذا ذكر ابن القيم أن شيخه أولى أن يكون من تلاميذ أبي يعلى وأن يكون له وجه؛ لأنه أدرى بروايات وأصول وقواعد المذهب!.
ثم جاء مجموعة وبدأوا يضعون اختيارات تقي الدين، كابن نصر الله وابن قندس وابن اللَّحام والجَرَّاعي.
الفائدة السادسة: سمات هذه المرحلة:
فأولًا: انتشار المذهب في الشام بعد أن كان في العراق، ثم بعد ذلك بقليل بمصر، ثم الحجاز وجزيرة العرب.
وثانيًا: كثرة التأليف في الفقه والأصول والقواعد الفقهية؛ كما ألف ابن رجب والطُّوفي وابن قاضي الجبل.
وثالثًا: تميزوا في نوعية المؤلفات؛ فألَّفوا في المفردات، وألفوا في أحاديث الأحكام كما في كتاب «التحقيق» لابن الجوزي و«كفاية المستقنع لأدلة المُقنِع» لجمال الدين المرداوي والد زوجة محمد بن مفلح، وابن أبي المجد «المُقرَّر في أدلة المُحرَّر»، وأحمد بن عبد الهادي في «المُحرَّر»، وقبلهم المَجْد ابنُ تيمية في «المنتقى»، وأيضًا في المنظومات؛ كمنظومة «المفردات» للعمري، ومنظومة «عقد الفرائد» لابن عبد القوي، و«نظم الوجيز» لنصر الله التُسْتَري والد ابن نصر الله، واستفاد أبو يعلى في «الأحكام السلطانية» من كتاب الماوردي، وفي كتاب «التعليقة» من كتاب أبي الطيب الطبري، كما استفاد أبو الخطاب في «التمهيد» من أبي الحسين البصري.

###
الدرس الرابع

الفائدة الأولى: مميزات طبقة المتأخرين:
أولًا: تبيين المعتمد، وقلة إطلاق الخلاف، وبيان المشهور من الأقوال، والمعتمد من المسائل والروايات.
وثانيًا: قلة الاجتهاد؛ سواءٌ في التخريج على المسائل أو على القواعد.
وثالثًا: الاعتناء بظواهر العبارات دون الاعتبار بالمناطات.
الفائدة الثانية: للمرداوي ثلاثة كتب: «الإنصاف» و«تصحيح الفروع» و«التنقيح المشبع»، والأخير صار عمدة المتأخرين؛ إذ قد حرر ما أطلق فيه ابنُ قدامة الخلافَ أو أغفل شرطًا أو حُكمًا أو استثناء، وزاد مسائل عليه، وترك «المُحرَّر» من «المُقنِع»، فصار الحنبلي محتاجًا للكتابين، حتى جمع بينهما أربعة، أولهم: العُسكري في «الجمع بين المقنع والتنقيح» ولم يكمله، وثانيهم: الشويكي في «التوضيح»، وهو سهلٌ مُيسَّر، إلا أنه أطلق الخلاف في مسائل، أو يذكر ترجيحًا، وهو يورد خلافًا أكثر من غيره، ويستظهر مسائل، والثالث ممن جمع بينهما «الإقناع» لموسى الحجاوي، والرابع «منتهى الإرادات» لابن النجار الفتوحي، واعتمدوا على «الإقناع» و«المنتهى» وتركوا ما سواهما، كما صار المعتمد عند الشافعية في القرن العاشر: «النهاية» للرملي (1008) و«التحفة» لابن حجر الهيتمي (973هـ).
الفائدة الثالثة:«الإقناع» أيسر وأسلس عبارةً، و«المنتهى» أغمض، وكان الغموض مقصودًا عند أهل العلم؛ ليَثْبُت ولو كان يسيرًا لسرعة نسيانه، ولئلا يتسوَّر عليه من ليس أهلًا له.
وأيضًا: «الإقناع» مُرتَّب ومُقسَّم ومُنوَّع؛ لعل ذلك لأخذه كثيرًا من «المُستوعِب»، فإن «المُستوعِب» أخذ ونقل كثيرًا من «خصال القاضي» و«خصال ابن البنا»، وهما معنِيَّان بالتنويع والتقسيم والترتيب.
و«الإقناع» أكثر فروعًا ومسائل من «المنتهى»، ومادة «الإقناع» واسعة جدًّا، مما جعل البعض يستدرك عليه فيأخذ من «التنقيح» و«الإنصاف»، بخلاف «المنتهى» فإنه مأخوذ من «التنقيح»، لذا جُعل المعتمد في الخلاف هو «المنتهى»، وأيضا فإن في «الإقناع» مسائل من الخلاف العالي خلافِ الشافعية، وكثيرًا من الخلاف النازل، أما في «المنتهى» فهو قليل، ومن الخلاف النازل في «الإقناع» ذِكرُه أقوالَ شيخ الإسلام.
وأيضًا: فصاحب «المنتهى» كان قاضيًا، وأما صاحب «الإقناع» فكان مفتي دمشق، وكان ابن النجار آخر قضاة مصر من العرب ثم جاء العثمانيون، وقال في كتابه: إنه خالف في «التنقيح» و«المُقنِع» ما عليه العمل، وبيَّن مقصوده بالعمل عمل القُضاة والحُكَّام.
وأما من جمع بين الكتابين فمرعي الكَرْمِي في «غاية المنتهى»، والشرح الموجود لا غير «للإقناع»: «كشَّاف القِناع»، وهو مليء بالأدلة، وأكثرها مأخوذ من «المُبدِع شرح المُقنِع» لبرهان الدين ابن مُفلِح، وعُني بالمقارنة بين «الإقناع» و«المنتهى»، وعُني بتفريع مسائل ليست في الأصل.
الفائدة الخامسة:
فائدة الشروح: حلُّ العِبارة، والتفريع على الأصل، وذكر الأدلة.
وفائدة الحواشي: ضبط العبارة، أو الاستدراك عليها، أو الاستدراك على المتون بتصحيح الأخطاء وتبيين ما يحتمل، فـ«للإقناع» حاشية وهي للشيخ منصور، وهي أفضل وأعمد حاشية من حواشي المتأخرين، وللبُهوتِي فيها كلام ليس في غيره، والحاشية الثانية للخَلْوَتِي.
وأما «المُنتهى» فله شرح للمؤلف نفسه، وهو أعلم بمقصود كتابه، وشرحه منصور البُهوتِي وهو أدقُّ من شرح المؤلف، وله حواشٍ منها: حاشية للشيخ منصور وهي أول كتبه، وحاشية للخَلْوَتِي وهي كثيرة الاستدراك على المؤلف، وتُعنى ببيان الفروق في المسائل، وحاشية للشيخ عثمان النجدي وهي أنفَسُها، وأجاب عن استشكالات شيخه، وهي تُعنى بالتقسيم والتنويع، وهناك حاشية لابن غنَّام، وحاشية لمحمد بن حميد إمام الحرم، وهناك حاشيتان جمعتا الحواشي المتقدمة، وهي: حاشية شيخ شيوخنا عبد الله العنقري، وحاشية ابن قاسم.
«دليل الطالب» له شرح لابن ابن أخيه عبد الله المقدسي، وحاشية لابن عوض، وحاشية الذنَّابي تلميذ منصور، و«نيل المآرب» للتغلبي وعليه حاشية للِّبدي، وحاشية لابن غبَّاش من علماء الإمارات.
الفائدة السادسة: إذا اختلف «الإقناع» و«المنتهى» فطريقة أهل الحجاز ونجد وشرق الجزيرة أن المعتمد ما رجَّحه صاحب «المنتهى»، وعند الشاميين ما رجحه مرعي الكَرْمي في «غاية المنتهى».

###
الدرس الخامس

الفائدة الأولى: طبقات الفقهاء كثيرة:
أولها: من يُقعِّد القواعد وإحداث ضوابط لم يُسبق إليها، وهم قِلَّة؛ كابن أبي موسى والقاضي وابن تيمية.
والثاني: صاحب الوجه، وهو المُستقِلُّ بتقرير الدليل، ولا يتعدى الأصول والقواعد مع إتقانه، كامل الفقه وأصوله وأدلته ومسائله، وتام الرياضة، وهؤلاء سبق ذكرهم من تلاميذ القاضي أبي يعلى.
والثالث: من له الترجيح، وهو الحافظ للفقه، الذي هو تام النفس، عارف بالأدلة.
والرابع: الناقل، وهو الحافظ للمسائل، يجيزون له الفتوى ولا يجيزون له الترجيح.
والطبقة الخامسة: من كان عالمًا في عِلم مُعيَّن، كالعالم بالفرائض المتقن له دون غيره.
والطبقة السادسة: من كان عالمًا في مسألة أو مسألتين، بناء على القول بتجزؤ الاجتهاد.
الفائدة الثانية: الترجيح إما باعتبار النقل؛ وهي للمتقدمين والمتوسطين والمتأخرين، أما المتقدمون فباعتبار الأسماء، والمتأخرون باعتبار مَن مِن الأسماء، وإما الترجيح بالقاعدة، وهو المستقر أخيرًا.
ويُعرف المذهب حال الخلاف النازل باعتبارات:
أولًا: نص الإمام، فيقولون: هذه المسألة أنصُّ. ومنه كتاب «الوجيز» للدُّجَيْلي.
ثانيًا: باعتبار الكتاب والسنة والإجماع، وهو مُقدَّم على الأول، كما قال جميع الأئمة: «اضربوا بكلامي عُرض الحائط»، وهناك أربعة كتب في الخلاف رَجَّحت باعتبار النص، وهي «مجمع البحرين» لابن عبد القوي، ونظمه «للمقنع»، و«التذكرة» لابن عبدوس و«عمدة الفقه» لابن قُدامة، وكلها معتمدة في «الإنصاف».
ثالثًا: باعتبار القواعد، ولهم في ذلك مسلكان؛ مسلك يُسبِر القاعدة ويُخرجها بعد تنقيحها، وهم أهل الطبقة الأولى، وبعضهم يأخذ القاعدة التي سبق تنقيحها ويُرجِّح باعتبارها، وهم أهل الطبقة الثانية والثالثة، مثلًا: الشك في الطلاق؛ فأهل الطبقة الثانية والثالثة يُرجِّحون وقُوعَه لقاعدة الاحتياط في العبادات، وأما أهل الطبقة الأولى فتقي الدين لا يرى وقوعه؛ لئلا تتزوج غيره بشك، فاليقين إمساك النكاح مع الأولى.
رابعًا: باعتبار الأكثر.
الفائدة الثالثة: الترجيح باعتبار الألفاظ والدلالات، إذا قالوا: «أنصُّ» فمعناه نص الإمام، أو: «مشهور» باعتبار الأكثر، أو: «الأصح» فباعتبار القواعد، (وخالف الجرَّاعي في ذلك؛ فعنده: ما اتفق عليه الشيخان المَجْد والمُوفَّق)، أو: «المعتمد» فباعتبار كل ما مضى، و: «الأظهر» عند المتوسطين ما رجحه أبو البركات، والمتأخرين ما رجَّحه المُوفَّق، إلا صاحب «غاية المطلب» فيَعنِي به ما رجَّحه ابن حَمدان، أو: «الأقوى» أي قاعدةً، إلا صاحب «غاية المطلب»، ما رجَّحه المَجْد وانفرد به، و: «الأرجح» باعتبار الدليل، وبعض المتأخرين يعني ما رجَّحه الدُّجَيْلي في «الوجيز»، ومن أصعب صيغ الترجيح «التقديم»، فإذا قدَّمه فهو المُرجَّح وغيره مرجوحٌ.
الفائدة الرابعة: مصطلحات المذهب:
له مصطلحات أصولية وفقهية، وفي الأعلام والكتب، فمثلًا: الاستحسان عند الحنابلة تخصيص العلة، غير الاستحسان المُنكِر له الشافعي، والحاجة والضرورة عند الغزَّالي والجُويْنِي وغيره غير التي عند فقهائنا؛ فعندهم الضرورة: ما يترتب عليه فوات أحد المقاصد الخمس الكلية، والحاجة: ما ترتب على عدم فعلها مَشقَّةٌ خارجةٌ عن العادة، وعند فقهائنا: الضرورة الحاجةُ لعين الشيء، والحاجة لصفته.
مَظِنَّة المصطلحات الأصولية: مقدمة «الواضح» لابن عقيل، ومقدمة «التحرير»، فمن الكتب المُفردَة في المصطلحات: «المُطلِع على ألفاظ المُقنِع» لابن أبي الفتح البَعْلِي، و«الدرُّ النَّقِيُّ» لابن عبد الهادي، و«المصطلحات الفقهية واستعمالاتها» لعلي الهندي، وهناك كتاب «لغة الفقهاء»، وأول من ألَّف: ابن جِني في لغة مذهب الإمام مالك؛ شرح «غريب المدونة».

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
بحوث علمية
  • بحوث في التوحيد
  • بحوث فقهية
  • بحوث حديثية
  • بحوث في التفسير
  • بحوث في اللغة
  • بحوث متفرقة
  • الصفحة الرئيسية