صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







الملك جل جلاله

ماجد بن أحمد الصغير


الملك جل جلاله (1)
 

الحمد لله الذي له مافي السموات ، ومافي الأرض ، يحي ويميت ، وهو على كل شيء قدير .
والحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ، ولم يكن له شريك في الملك ، ولم يكن له ولي من الذل ، له ملكوت كل شيء وهو يجير ولايجار عليه .
وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين ، يخفض ويرفع ، ويعطي ويمنع ، وهو بكل شي عليم .
والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على نبينا محمد ، وعلى آله ، وأصحابه ، وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين ، وسلم تسليماً كثيراً .
أما بعد .
فإن الله سبحانه هو الملك ، الذي له غاية الجلالة والمهابة ، وهو صاحب الملك ومالك الملك ، الذي ينفذ أمره في ملكه ؛ وله الملك والملكية جميعاً . وهو صاحب الملك التام .قال الله تعالى : {هو الله الذي لا إله إلا هو الملك }.وهو المالك : صاحب الملك الذي ينفذ أمره على المالكين حتى يمنعهم من التصرف في ملكهم . وهو المالك للمُلك .قال الله سبحانه : {قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء} وهو سبحانه المليك المقتدر يعنى : الرب والمالك ، فهو الَملك العظيم المُلك .

قال أمــيَّـة بن أبي الصلت :

لك الحمدُ والنَّعْماءُ والفضْلُ ربَّنا *** ولا شيْءَ أعلَى منكَ جِداً وأمْجدُ .
مليْكٌ على عرْشِ السَّمَاءِ مهيْمنٌ *** لعـزَّته تعْـنُو الوجـوهُ وتسْجُدُ .

وكل هذه الأسماء قريبة المعاني تدل بمجموعها على اتصافه سبحانه بالملك التام الشامل المحيط الذي لايند منه شيء ، ولا يخرج عنه حي .
وإن من يتأمل خطاب القرآن – كلام الله - يجد الرب سبحانه وتعالى ملكاً له الملك كله ، وله الحمد كله . أزمة الأمور كلها بيده ، ومصدرها منه ، ومردها إليه . مستوياً على سرير ملكه لا تخفى عليه خافية في أقطار مملكته عالماً بما في نفوس عبيده ، مطلعاً علي أسرارهم وعلانيتهم ، منفرداً بتدبير المملكة ، يسمع ، ويرى ، ويعطي ، ويمنع ، ويثيب ، ويعاقب ، ويكرم ، ويهين ، ويخلق ويرزق ، ويميت ويحيي ، ويقدر ويقضي ، ويدبر الأمور نازلة من عنده دقيقها وجليلها وصاعدة إليه لا تتحرك ذرة إلا بإذنه ولا تسقط ورقة إلا بعلمه [1] .
يُذِّكرُ عباده فقرهم إليه ، وشدة حاجتهم إليه ، وأنهم لا غنى لهم عنه طرفة عين ويَذكرُ غناه عنهم .. وأنه الغني بنفسه عن كل ما سواه ، وكل ما سواه فقير إليه بنفسه ، وأنه لا ينال أحد ذرة من الخبر فما فوقها إلا بفضله ورحمته ، ولا ذرة من الشر فما فوقها إلا بعدله وحكمته ... وأنه مع ذلك مقيل عثراتهم وغافر زلاتهم[2].
هو الملك الحق المبين القاهر ، الذي قد دانت له الخليقة ، وعنت له الوجوه ، وذلت لعظمته الجبابرة ، وخضع لعزته كل عزيز .
مليكٌ على عرش السماء مهيمنٌ *** لعزته تعنو الوجوه وتسجد .
يرسل إلى أقاصي مملكته بأوامره فيرضى على من يستحق الرضا ، ويثيبه ، ويكرمه ، ويدنيه ، ويغضب على من يستحق الغضب ، ويعاقبه ، ويهينه ، ويقصيه فيعذب من يشاء ويرحم من يشاء ويعطى من يشاء ويقرب من يشاء ويقضى من يشاء له دار عذاب وهي النار وله دار سعادة عظيمة وهي الجنة [3].

والله سبحانه مالك الملك فـ(لامالك إلا الله) واستحقاق الله للملك لأمرين :

أولاً : لأنه خلق الخلق ، وصنعه ، وأبدعه ، وأنشأه وحده - سبحانه - ، وملوك الدنيا لا يقوم لهم ملك إلاَّ بأعوان .. ، وأما الله سبحانه فلا أحد يساعده على إنشاء الخلق ، ولا أحد يعاونه على استقرار الملك ، ولا أحد يمسك معه السماء أن تقع على الأرض إلاَّ بإذنه .
وثانياً : لأنه دائم الحياة ، بخلاف غيره من الملوك يموتون فينتقل ملكهم إلى وراثهم ، وكل أولئكم يؤول ملكهم إلى الله سبحانه ، يقول الحق سبحانه ω كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ω سورة الرحمن ،آية رقم :26 ، ويقول عز وجل ω وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ω سورة آل عمران ، آية رقم : 180 ، ويقول عز وجل يوم القيامة ω لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ω سورة غافر ، آية رقم :16 . فالملك في ابتداء الأمر لله ، والملك عند زوال الأرض ، وانتهاء الأمر ليس لأحد عداه .
فالله هو الملك الحق الذي أنشأ الملك ، وأقامه بغير معونة من الخلق ، وصرف أموره بالحكمة والعدل .
وملك الله وملكوته هو سلطانه وعظمته وعزه وسلطانه ، والملكية المطلقة ، والملك لله وحده لا يشركه أحد فإنه : « لا مالك إلاَّ الله » في الدنيا ، ويوم يقوم الأشهاد ، قال سبحانه : ω يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ω .سورة غافر،آية رقم :16 يقول صلى الله عليه وسلم : " يطوي الله السموات يوم القيامة ثم يأخذهن بيمينه ، ثم يطوي الأرض يوم القيامة ثم يأخذهن بشماله ، ثم يقول : أنا الملك ، أين ملوك الدنيا ؟ " [رواه البخاري (6515) ومسلم (2787)].

الآثـار الإيمـانية :
أدب الوقوف بين يدي الملك : إن من أعظم مقاصد الصلاة التواضع للملك العظيم ، فاطر السموات والأرض ، واستشعار عظمته وكبريائه وسعة ملكه .
وقد كان صلى الله عليه وسلم يفتتح صلاته بالثناء على الله الملك ، فاطر السموات والأرض ،ويسأله العفو عن التقصير في حقه ، والقصور في مايكون من أداء واجبه ، ويسأله المباعدة عن الذنوب والخطايا مباعدة المشرق والمغرب وأن ينقي قلبه من المأثم وأن يغسله من الذنوب بالماء والثلج والبرد . يقول صلى الله عليه وسلم إذا افتتح صلاته قال :( اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد ) رواه البخاري رقم 744 مسلم رقم 598 .
وكان يقول أحيانا : ( وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين سورة الأنعام / الآيتان 162 و 163 اللهم أنت المــلك لا إله إلا أنت ربي وأنا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا لا يغفر الذنوب إلا أنت وأهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت لبيك وسعديك والخير كله في يديك والشر ليس إليك إنا بك وإليك تباركت وتعاليت أستغفرك وأتوب إليك ). رواه مسلم رقم 771 . وكان عليه الصلاة والسلام يركع بين يدي الملك العظيم مالك الملك – ولا يُركعُ إلا له - فيقول في ركوعه الذي هو موضع تعظيم الملك العظيم -: ( اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت وعليك توكلت أنت ربي خشع قلبي وسمعي وبصري ودمي ولحمي وعظمي وعصبي لله رب العالمين ) رواه مسلم رقم 771 .
وكان يجول بقلبه في ملكوت الله ، وعظمته ، وسعة ملكه ، وسلطانه فيقول :( سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة ) رواه النسائي رقم 1049 .
وإذا فرغ من صلاته عاد ليعتذر من ربه سبحانه ويدعوه ويثني عليه بأنه لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع ولا ينفع ذا الجد منه الجد .
إنه لا ينفع ذا الغنى عند الله غناه ، ولا ينفع ذا الملك عند الله ملكه .لا ينفع عند الله ولا يخلص من عذابه ولا يدني من كرامته جُدودُ بني آدم وحظوظُهم من الملك والرئاسة والغنى وطيب العيش وغير ذلك إنما ينفعهم عنده التقريب إليه بطاعته وإيثار مرضاته [4].

يتبع في الحلقة القادمة بإذن الله ....
* / كلية الشريعة وأصول الدين - جامعة القصيم - الدراسات العليا
22/5/1428

________________________________________
[1] ينظر : الفوائد ، للإمام ابن القيم ص 28 . بتصرف .
[2] ينظر: الفوائد ص 28 .
[3] الصلاة وحكم تاركها ، للإمام ابن القيم ص 204 .
[4] ينظر : الصلاة وحكم تاركها ، للإمام ابن القيم 1/ 207 بتصرف كثير واختصار.
 



الملك جل جلاله (2)
* بقلم / ماجد بن أحمد الصغير


الحمد لله رب العالمين ، الإله الحق ، والرب الحق ، والملك الحق .
والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ، وعلى آله ، وصحبه ، وسلم تسليماً كثيراً . أما بعد .
ففي الحلقة الماضية كان الحديث عن معرفة اسم الله الملك ، وشيء من معانيه وآثار معرفة ذلك .والحديث يتواصل في هذه الحلقة عن بقية الآثار الإيمانية .
فمن الآثار الإيمانية : اليقينُ الكامل والاعتقاد الجازم بأن الله مالك كل شئ - يدفعُ المؤمن أن يتوجه ، ويفزع إليه في حاجاته ، ورغائبه ، فهو سبحانه المالك لخزائن السموات والأرض ، وخزائنه لا تنقضي من العطاء ، وهو مع ذلك لا يتبرم بالدعاء ، بل يحب من عباده أن يدعوه ، ويرغبوا إليه ليعطيهم ؛ بل إنه يستحي سبحانه أن يرد السائل خائباً صفراً ؛ إنه سبحانه يحب إجابة الدعوات ، وتفريج الكربات ، ومغفرة الزلات ، وتكفير السيئات ، ونصرة المظلوم ، وجبر الكسير . إن من عرف ذلك عرف أين يتجه ، وممن يطلب ، وعلى من يعتمد ، فهو سبحانه على كل شيء قدير ، يخلق مايشاء ، ويفعل مايريد والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لايعلمون .
ومن الآثار الإيمانية : أن ملوك الدنيا - على جلالتهم ، وإحاطتهم بأسباب القوة - ، والمنعة يستغنون عن كل شيء ، لكنهم لايستغنون عن الله طرفة عين ؛ لأنهم فقراء إلى الله ،فقراء إلى رحمته ، وتوفيقه ومغفرته ؛ لهذا ترى الموفق منهم يضع جبهته لصاحب الملك الحقيقي - الله جل جلاله- الذي خضعت له الجباه ، وذلت له الأنوف ، وانحنت له الرقاب . ومنهم من اغتر بملكه وسلطانه وبات في ملكه مسروراً به وإنما بات بالأحلام مغروراً كما قيل عن الأول :

من بات بعدك في ملك يسرُ به *** فإنما بات بالأحلام مغروراً .

ومن الآثار الإيمانية : أن على المؤمن بالله إذا عرف أن ربه هو الملك الحق كان عليه أن يتقدم بين يديه بكل طاعة وتوقير ، وأن يحذر من كل تجاوز وتقصير ؛ فإن الملك لا يرضي أن يقترب من حماه قال صلى الله عليه وسلم « ألا وإن لكل ملكٍ حمى ، ألا وإن حمى الله محارمه»رواه البخاري ومسلم . فإذا كان الملوك يحمون الأرض التي لهم بسياج ويحيطونها بحمى ، فلا يدنو منها أحد ، فمن اقترب منها أو تجاوزها فقد عرض نفسه للعقوبة البالغة إذ كيف يتجاوز حدود الملك ويُستهان بملكه . والله سبحانه هو الملك الحق أحاط حرماته بحدود من تجاوزها فقد ظلم نفسه، وقد خاب من حمل ظلماً فليحذر المؤمن من تجاوز حدود الله ، أو الاقتراب من حماها ، فإن من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه .

ومن الآثار الإيمانية : أن من عرف ربه المتفرد بالملك ، أبى أن يذل لمخلوق ، وأن يتوجه إليه بالقصد ؛ لأن إظهار الافتقار إلى الله والتبرؤ من الحول والقوة هو سمة العبودية واستشعار الذلة البشرية ، وهي لا تليق إلا لمن له الملك الحقيقي . فمن كانت له حاجة عند مخلوق فليجأ إلى الله ليسيرها ويقضيها فإنه سبحانه مالك الأرواح وبيده النواصي زمامها وخطامها في يديه ، وتدبيرها ومرجعها إليه .

ومن الآثار الإيمانية : أن أشد ما يغضب الرب سبحانه الكبرياء من العبيد فإن ( الكبر بمنزلة منازعة الملك ملكه فإن لم يهلكك طردك عنه )[1]. ولذا غضب الله على إبليس وطرده من ملكوته الأعلى ولعنه لكبريائه وتمرده .

ومن الآثار الإيمانية : أن المال ملك الله ، أعطاه للإنسان ؛ ليختبره ويبتليه ؛ فعليه ألا يتصرف فيما أعطاه من مال ، ونفس إلا بأمر الملك كما لا يتصرف العبد إلا بإذن سيده فإن الإنسان ناصيته بيد الله ونفسه بيد ربه وسيده ... وقلبه بين أصبعين من أصابعه ، وموته وحياته ، وسعادته وشقاوته ، وعافيته وبلاؤه ، كله إليه سبحانه بل هو في قبضة سيده أضعف من مملوك ضعيف حقير ناصيته بيد سلطان قاهر مالك له تحت تصرفه وقهره ، بل الأمر فوق ذلك ، بل نواصي العباد كلها بيد الله وحده يصرفهم كيف يشاء ، عندها لا يخاف المخلوقين ولم يرجهم ولم ينزلهم منزلة المالكين بل منزلة عبيد مقهورين مربوبين المتصرف فيهم سواهم والمدبر لهم غيرهم فمن عرف هذا صار فقره وضرورته إلى ربه ومتى عرف الناسَ بذلك لم يفتقر إليهم ولم يعلق أمله ورجاءه بهم . قال هود لقومه :( إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم ) [هود 56 ]. [2]

ومن الآثار الإيمانية: أنه إذا أكثر المؤمن من التفكر في ملك الله وملكوته أعطي اليقين ، ووهب حياة القلب ؛ قال في حق خليله إبراهيم ( وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين ) [الأنعام 75 ] وإذا باشر القلب اليقين امتلأ نوراً ، وانتفى عنه كل ريب وشك ، وعوفي من أمراضه القاتلة ، وامتلأ شكراً لله ، وذكراً له ، ومحبةً ، وخوفاً [3].
ولما كان القلب لهذه الأعضاء كالملك المتصرف في الجنود الذي تصدر كلها عن أمره ، ويستعملها فيما شاء ، فكلها تحت عبوديته وقهره وتكتسب منه الاستقامة والزيغ وتتبعه فيما يعقده من العزم أو يحله قال النبي صلى الله عليه وسلم : { ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ) رواه البخاري ومسلم .فهو ملكها وهي المنفذة لما يأمرها به القابلة لما يأتيها من هديته ؛ لذا كان الاهتمام بتصحيحه وتسديده أولى ما اعتمد عليه السالكون . والنظر في أمراضه وعلاجها أهم ما تنسك به الناسكون ، ولما علم عدو الله إبليس أن المدار على القلب ، والاعتماد عليه ؛ أجلب عليه بالوساوس ، وأقبل بوجوه الشهوات إليه ، وزين له من الأحوال ، والأعمال ما يصده به عن الطريق ، وأمده من أسباب الغي بما يقطعه عن أسباب التوفيق ، ونصب له من المصايد ، والحبائل ما إن سلم من الوقوع فيها لم يسلم من أن يحصل له بها التعويق ، فلا نجاة من مصايده ، ومكايده إلا بدوام الاستعانة بالله تعالى ، والتعرض لأسباب مرضاته ، والتجاء القلب إليه ، وإقباله عليه في حركاته وسكناته ، والتحقق بذل العبودية ، الذي هو أولى ما تلبس به الإنسان ليحصل له الدخول ضمان (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان )[ الحجر : 42 ] [4] .

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم . بسم الله الرحمن الرحيم :
( قل أعوذ برب الناس * ملك الناس * إله الناس * من شر الوسواس الخناس * الذي يوسوس في صدور الناس * من الجنة والناس ) .
ومن الآثار الإيمانية : أن الله سبحانه هو الملك الآمر الناهي ، والذي يعيش في مملكته ، ويأكل من خيراته ، ولا يخرج عن قدرته وحكمه وسلطانه عليه أن يخضع لأمره ، ويكون تبعاً لشرعه ، وحكمه ، وإذا كان الله هو الخالق ولا يَخلق غيرُه ، والرازق فلا يُطلب سواه ؛ فهو كذلك الملك الذي لا يطاع غيره ولا يصدر ولا يورد إلا عن أمره . والقرآن أنزله الله ليحكم بحكم الملك الحق سبحانه أنزله الله لينظم حال الإنسان ، فرداً ، وأسرة ، ومجتمعاً ، ودولة ، وجحد هذا الحق دليل عدم الإيمان باسم الله الملك وما يتضمنه ؛ فلا يجوز أن يكون مع الله أربابٌ يشرعون بغير شرعه ، ولا قياصرة يحكمون بغير حكمه ؛ لأن الله سبحانه هو الملك المطاع الذي يدين الناس له ويتحاكمون بحكمه عقيدة وشريعة وسياسة واقتصاداً .وكما تكون الطاعة له واجبة في الشعائر كذلك تكون فريضة في الشرائع ، وكما يكون الخلق له فكذلك يكون الأمر من عنده ( ألا له الخلق والأمر )
فلا يصلح عند أهل الإسلام – وإن صلح عند غيرهم - أن يكون الإسلام في المسجد ثم هو ينحى عن حياة الناس في الاقتصاد ، والإعلام ، والسياسة ، والاجتماع ، والثقافة ، والآداب ، والشعر،(تلك إذاً قسمة ضيزى) [النجم 22] والله سبحانه ينكر على هذا الصنف من النيا بقوله سبحانه وتعالى ( أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ! فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب )[البقرة 85].
ولقد رأى هؤلاء خزي الدنيا بتسلط عدوهم عليهم وهوانهم على الناس وسوف يرون يوم القيامة أشد العذاب .وقد أمر الله سبحانه وتعالى نبيه أن يحذر هذا الصنف من الناس أن يفتنوه ولو عن بعض الأمر : ( واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك ) [المائدة 45] ؛ وذلك أن حكم الله هو الأصلح والأكمل ولا يعدوه إلى حكم الجاهلية إلا قوم لا إيمان ولا يقين عندهم قال سبحانه وتعالى : (أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون ) [المائدة 50 ].وقد استطاع الاستعمار أن يغرس في قلوب نفر من المسلمين أن ما (لله لله وما لقيصر لقيصر ) وليس في الإسلام هذا المبدأ ، بل إن كسرى وقيصر وغيرهم لابد أن يكونوا عباداً لله طائعين يرجون رحمته ويخافون عذابه ؛ إن عذاب ربك كان محذوراً .
إن الله لايقبل من أحد إلا الإسلام الكامل - الإسلام الذي هو : روح الحياة ، وحياة الروح - ؛ لأن الإسلام هو : ( رسالة الحياة كلها ، والإنسان كله ، روحه وقلبه وجسده ، وهو رسالة العالم كله ، والزمن كله ) [5].

* / كلية الشريعة وأصول الدين - جامعة القصيم - الدراسات العليا
29/5/1428

________________________________________
[1] ينظر : الفوائد ، للإمام ابن القيم ص 159 .
[2] ينظر : الفوائد للإمام ابن القيم ص27 . بتصرف واختصار كثير .
[3] ينظر : مفتاح دار السعادة للإمام ابن القيم 1/154 .بتصرف واختصار .
[4] إغاثة اللهفان ، للإمام ابن القيم 1/ 5 .
[5] ينظر : شمول الإسلام ، للدكتور يوسف القرضاوي ص 45 .

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
بحوث علمية
  • بحوث في التوحيد
  • بحوث فقهية
  • بحوث حديثية
  • بحوث في التفسير
  • بحوث في اللغة
  • بحوث متفرقة
  • الصفحة الرئيسية