(( ذهب الظمأ وابتلت العروق
وثبت الأجـر إن شاء اللـه ))
مرحباً برمضان ، شهر التوبة والرضوان ، شهر
الصلاح والإيمان ، شهر الصدقة والإحسان ، ومغفرة الرحمن ، وتزين الجنان ،
وتصفيد الشيطان .
مرحباً أهلاً وسهلاً بالصيام
*** يا حبيباً زارنا في كل عام
فاغفر اللهم ربي ذنبنا *** ثم زدنا من عطاياك الجسام
هذا شهر العتق والصدق والرفق ، رقاب تعتق ،
ونفوس ترفق ، وأياد تتصدق ، باب الجود في رمضان مفتوح ، والرحمة تغدو وتروح ،
والفوز ممنوح ، فيه ترتاح الروح ، لأنه شهر الفتوح ، هنيئاً لمن صامه ، وترك
فيه شرابه وطعامَه ، وبشرى لمن قامَه ، واتبع إمامَه . القلب يصوم في رمضان ،
عن اعتقاد العصيان ، وإضمار العدوان ، وإسرار الطغيان .
والعين تصوم عن النظر الحرام ، فتغض خوفاً
من الملك العلام ، فلا يقع بصرها على الآثام . والأذن تصوم عن الخنا ، واستماع
الغنا ، فتنصت للذكر الحكيم ، والكلام الكريم . واللسان يصوم عن الفحشاء ،
والكلمة الشنعاء ، والجمل الفظيعة ، والمفردات الخليعة ، امتثالاً للشريعة .
واليد تصوم عن أذية العباد ، ومزاولة الفساد ، والظلم والعناد ، والإفساد في
البلاد. والرِجل تصوم عن المشي إلى المحرّم ، فلا تسير إلى إثم ولا تتقدّم .
والله ما جئتكمو زائراً ***
إلا وجدت الأَرض تُطوى لي
ولا انثنت رجلي عن بابكم *** إلا تعثرت بأذيالي
أما آن للعصاة أن ينغمسوا في نهر الصيام ،
ليطهروا تلك الأجسام ، من الآثام . ويغسلوا ما علق بالقلوب من الحرام .
أما آن للمعرضين أن يدخلوا من باب الصائمين ، على رب العالمين ، ليجدوا الرضوان
في مقام أمين .
إن رمضان فرصة العمر السانحة ، وموسم البضاعة الرابحة ، والكفة الراجحة ، يوم
تعظم الحسنات ، وتكفّر السيئات ، وتُمحى الخطيئات .
إن ثياب العصيان آن لها أن تخلع في رمضان ، ليلبس الله العبد ثياب الرضوان .
وليجود عليه بتوبة تمحو ما كان من الذنب والبهتان .
إن مضى بيننا وبينك عتب ***
حين شطت عنا وعنك الديارُ
فالقلوب التي تركت كما هي *** والدموع التي عهدت غزارُ
في رمضان كانت فتوحاتنا ، وإشراقاتنا ،
وغزواتنا ، وانتصاراتنا .
في رمضان نزل ذكرنا الحكيم ، على رسولنا الكريم ، وهو سر مجدنا العظيم .
في رمضان التقى الجمعان ، جمع الرحمن وجمع الشيطان ، في بدر الكبرى يوم رجح
ميزان الإيمان ، ونسف الطغيان ، وانهزم الخسران . في رمضان فتحت مكة بالإسلام ،
وتهاوت الأصنام ، وارتفعت الأعلام ، وعلم الحلال والحرام .
في رمضان كانت حطين العظيمة ، يوم انتصرت رايات صلاح الدين الكريمة ، وارتفعت
الملة القويمة ، وصارت راية الصليب يتيمة .
صيام النفس في رمضان عزوف عن الانحراف ،
والانصراف والإسراف والاقتراف ، فالنفس تعلن الرجوع ، والقلب يحمل الخشوع ،
والبدن يعلوه الخضوع ، والعين تجود بالدموع .
لشهر رمضان وقار فلا سباب ، ولا اغتياب ، ولا نميمة ، ولا شتيمة ، ولا بذاء ،
ولا فحشاء ، وإنما أذكار واستغفار ، واستسلام للقهار ، فالمسلمون في رمضان كما
قيل :
هينون لينون أيسـار بنو
يُسْرٍ *** أهل العبادة حفاظون للجارِ
لا ينطقون عن الفحشاء إن نطقوا *** ولا يمارون إن ماروا بإكثارِ
مردة الشياطين في رمضان تصفد بالقيود ، فلا
تقتحم الحدود ، ولا تخالط النفوس في ذلك الزمن المعدود .
إذا سابّك أحد في رمضان فقل إني صائم ، فليس عندي وقت للخصام ، وما عندي زمن
لسيء الكلام ، لأن النفس خطمت عن الخطيئة بخطام ، وزمّت عن المعصية بزمام .
إذا قاتلك أحد في رمضان فقل إني صائم فلن أحمل السلاح ، لأنني في موسم الصلاح ،
وفي ميدان الفلاح ، وفي محراب حي على الفلاح .
اغسل بنهر الدمع آثار الهوى
*** تنسى الذي قد مر من أحزانِ
كان السلف إذا دخل رمضان ، أكثروا قراءة
القرآن ، ولزموا الذكر كل آن ، ورقعوا ثوب التوبة بالغفران ، لأنه طالما تمزق
بيد العصيان .
هذا الشهر هو غيث القلوب ، بعد جدب الذنوب ،
وسلوة الأرواح بعد فزع الخطوب .
رمضان يذكرك بالجائعين ، ويخبرك بأن هناك بائسين ، وأن في العالمين مساكين ،
لتكون عوناً لإخوانك المسلمين .
فرحة لك عند الإفطار ، لأن الهم ذهب وطار ،
وأصبحت على مائدة الغفار ، بعد أن أحسنت في النهار .
وفرحة لك عند لقاء ربك ، إذا غفر ذنبك ، وأرضى قلبك .
بعض السلف في رمضان لزم المسجد ، يتلو
ويتعبد ، ويسبح ويتهجد .
وبعضهم تصدق في رمضان بمثل ديته ثلاث مرات ، لأنه يعلم أن الحسنات ، يذهبن
السيئات . وبعضهم حبس لسانه عن كل منكر ، وأعملها في الذكر ، وأشغلها بالشكر .
هذا شهر الآيات البينات ، وزمن العظات ، ووقت الصدقات ، وليس لقراءة المجلات ،
والمساجلات ، وقتل الأوقات ، والتعرض للحرمات .
سلام على الصائمين إذا جلسوا في الأسحار ،
يرددون الاستغفار ، ويزجون الدمع المدرار . وسلام عليهم إذا طلع الفجر ، وطمعوا
في الأجر ، تراهم في صلاتهم خاشعين ، ولمولاهم خاضعين .
وسلام عليهم ساعة الإفطار ، بعد ذلك التسيار ، وقد جلسوا على مائدة الملك
الغفار ، يطلبون الأجر على عمل النهار .
سبحان من جاعت في طاعته البطون ، وبكت من
خشيته العيون ، وسهرت لمرضاته الجفون ، وشفيت بقربه الظنون .
ما أحسن الجوع في سبيله ، ما أجمل السهر مع قيلة ، ما أبرك العمل بتنـزيله ، ما
أروع حفظ جميلة .
لها أحاديث من ذكراك تشغلها
*** عن الطعام وتلهيها عن الزاد
لها بوجهك نور تستضيء به *** ومن حديثك في أعقابها حادي
إذا تشكت كلال السير أسعفها *** شوق القدوم فتحيا عند ميعاد
شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ، هداية
للبشرية ، وصلاحاً للإنسانية ، ونهاية للوثنية . القرآن حيث أصلح الله به
القلوب ، وهدى به الشعوب ، فعمت بركته الأقطار ودخل نوره كل دار .
سمعتك يا قرآن قد جئت
بالبشرى *** سريت تهز الكون سبحان الذي أسرى
************
عائض بن عبدالله
القرني