اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/arabic/799.htm?print_it=1

بقرة غاندي .. وأحداث القطيف

سلطان العثيم
@sultanalothaim


بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم


في عز مرحلة الاستعمار للهند كانت جهود الزعيم الوطني غاندي والشخصيات الوطنية تعمل في اتجاه استقلال الهند وتخلصها من الاستعمار والإذلال والتدخل في شؤونهم الداخلية وتعطيل البلاد ونهب مقدراتها، ولاحظ الهنود في تلك الفترة أن كل ما اتحد الهنود من جميع الطوائف والاتجاهات والأعراق جاء الاستعمار في الخفاء ليذبح بقرة -هي محل قداسة لدى الهندوس- ويقذف بها في مناطق التماس بين الهندوس والمسلمين؛ فيتفجر الموقف بين الطرفين، ويحدث الصراع والشتائم والتقاتل، ويرتاح المستعمر وينفذ مخططه بكل تركيز، فلقد صنع صراعات داخلية أوقفت عنه الضغط، وحولت التركيز إلى الصراع الداخلي المفتعل، إلى أن جاء الزعيم غاندي بحنكته السياسية وشرح هذه الفكرة للناس، وطلب منهم العودة إلى مقاومة المستعمر والوحدة الوطنية، بعيداً عن هذه المسرحيات العبثية.

وفعلاً زاد وعي الناس، وحررت الهند من الاستعمار واستقلت، وأصبحت من أعظم القوى الصناعية والاقتصادية والسياسية في العالم هذا اليوم، بفضل وحدتها وقوتها، على رغم أنها البلد الوحيد الذي يعيش فيه أكثر من 4 آلاف طائفة وعرق ومذهب ودين، إلا أنهم اختاروا التعايش على الصراع، وقطعوا الطريق على العدو المتربص بهم.

ما يحدث في عالمنا العربي ليس بعيداً عن هذه التصورات، فكل ما جاء الناس وصناع القرار يريدون التركيز على القضايا الكبرى للأمة والتنمية والبناء، يأتي العدو ليصنع الفتن ويخلق الاحتقان ويبدد الطاقات، ويحول طاقة البناء والتنمية والإعمار والنهوض، إلى طاقة حروب وصراع وجدل واستنزاف وحفلة شتائم لا تتوقف.

العدو لن يفرق بين سني من بريدة أو شيعي من القطيف، لن يفرق بين حنبلي من نجد أو شافعي من الحجاز أو مالكي من الأحساء، لن يفرق بين أحد؛ لأنه يريد أن تحصل الفوضى؛ فيتحقق الضعف؛ فتحصل له فرصة التسلل وتحقيق طموحاته السياسية الصرفة، والتي يُستخدم الدين والعاطفة فيها بشكل احترافي ومتقن، والخطاب هنا يكون إلى جميع الطوائف بقصد التجنيد والاصطفاف.

علَّمنا التاريخ أن الحروب الطائفية والدينية حروب مفتوحة تأكل الأخضر واليابس ولا تنتهي؛ لأنها عناقيد حقد وغضب وتأجيج. أما الحروب السياسية فتنتهي على طاولة التفاوض وتقاسم الصلاحيات والمصالح، ولهذا فالحروب الطائفية أو الصراعات القبلية أو العرقية هي خير ورقة يلعب بها عدو أي أمة أو شعب؛ فهي ورقة الاستنزاف والتقسيم والتضعيف وتضييع الثروات والطاقات وعلى عتباتها تنكسر الوحدة التي هي مصدر القوة، وهذا ما لا يريده العدو المتربص.

إن وعينا العميق بأهمية الحكمة والرشد من أهم الأمور، ولاسيما في هذا الوقت، وعلى المؤثرين في كل تيار أن يعووا أنهم يخدمون عدو الأمة والوطن حين يكون خطابهم مليئاً بالتحريض والشتائم والتأجيج، وعلى صانع القرار أن يسن القوانين التي تحمي الوحدة الوطنية، وتمنع العنصرية والطائفية والمناطقية والقبلية، وتوقف حفلة الشتائم وسرادق التحريض، وإلا سنرى ما لا يسرنا في قادم الأيام.

* كاتب سعودي.
sultan@alothaim.com
 

مقالات الفوائد