اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/arabic/768.htm?print_it=1

أحلا وأسوأ ما في الفكر القبَلي...!

د.حمزة بن فايع الفتحي


بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم


كم هو رائع التداعي الى تجمعات قبلية تخدم وتعين وتبني، وفق روية شرعية ووطنية متزنة، لاسيما وقد ربط الاسلام الدية بالعاقلة اي القبيلة، كما في حديث ابي هريرة رضي الله عنه، في جنين امرأة بني لحيان،(( وقضى أن العقل على عصَبتها )) وشاور رسولنا الكريم القبائل، واحتفى بها، وجعل عليهم عرفاء ونقباء،،،!
وذلك لن يتم الا في اجواء من التقارب والتواصل والسؤال ،،! ثم ان التواصل طبيعة إنسانية لا ينفك عنها المرء، ويشعر معها بالقوة والالتحام،،،(( وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا )) سورة الحجرات .

فالإسلام لم يلغ القبيلة، ولكن هذبها ورشدها، وجعلها تحت النطاق الاسلامي العام،،،! فاذا حصلت اتصالات واجتماعات منظمة ، فلها محاسن تحمد ويشاد بها، ولذلك يحلو فيها ويطيب ما يلي:


1/ التجمع: وهو مقصد اسلامي، يسهم في تقليل الفرقة والتباعد، بحيث لا يحصل تجاف وتشرذم، وهذا شكل هام من فلسفة القبيلة وتطلعاتها،،،! قال تعالى : (( وتعاونوا على البر والتقوى )) سورة المائدة . وهذا التجمع لا يلغي التجمع تحت مظلة الوطن، ولا يلغي الثقافة العامة للوطن وتراثه وفكره،،،!!
2/ التشاور: تنمية لعقولهم، وتبجيل لآرائهم ، وتربية على التعاون الفكري بما يهم القبيلة وتطويرها، وحل مشاكلها، وقد كانت القبائل سابقا بمثابة الدول الحديثة من حيث مجلس للحل، والإقدام والاستنفار، والتعاون في الزاد والبناء، قال تعالى(( وأمرهم شورى بينهم )) سورة الشورى .
3/ التعاضد: لا سيما في الملمات الحقيقية، وليس في العصبيات الجاهلية، كما قال الجاهل الاول:
لا يسألون أخاهم حين يندبهم// في النائبات على ما قال برهانا !! وفي الحديث (( ليس منا من دعا الى عصبية )) !
اما في النهج الاسلامي، فيسألون ويستثبتون، هل النصرة في محلها، ام لشنار وتعادٍ وفساد،،،؟!!
ولذلك من صور التعاضد الرائعة، الإعانة في الدية، وتحمل المسؤولية في ذلك كما تقدم .
والمشاركة في دفع الظلم، وإعانة المحتاج، وتخفيف آلام الفقير والغارم،،،! قال تعالى(( ولولا رهطك لرجمناك)) يقولها قوم شعيب عليه السلام، تخوفا من قومه،،،!
4/ التحاب: هو مقدمة المحبة والتآلف، وصناعة الاخاء، الذي عظّمه الاسلام وأشاد به(( إنما المؤمنون اخوة )) سورة الحجرات . وأولى الناس بسن ذلك سادة الناس وزعماوهم، يغضون ويغفرون، ويتوددون كما قال القائل :

ولا احملُ الحقدَ القديم عليهمُ// وليس رئيسُ القوم من يحمل الحقدا!


5/ التنسيق: تحسبا لكل موقف او حدث، او كرب، يستحق الاجتماع، وتوزيع المهام، والصدور عن رأي موحد، لتضيق نطاقات الخلاف ،،،! ويستطاب ذلك بانتخابات عاجلة، يختار فيها مجلس تنسيقي، له رئيس، وأمين، ومقرر وأمين صندوق، وما شاكله، ويُحدد بفترة زمنية معقولة،،،!
6/ التراحم : وهو نتيجة طبيعية للتجمع والتحاب، ان يحصل تراحم بين البيت الواحد، والفريق الواحد، لما بينهم من اخوة الاسلام والتقارب والرحم(( ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء)) كما في الحديث المشهور .وحديث الجسد الواحد كذلك مشهور.
7/ التواصل: حيث سيعقب ذلك تزاور وسؤال وتفقد للأحوال ومشاركة في الأفراح والأتراح وفي الحديث الصحيح عند الترمذي وغيره قال عليه الصلاة والسلام :(( من عاد مريضا او زار أخا له في الله ناداه مناد ان طبتَ وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلا )).
8/ التمويل: والمراد صناديق الديات والدماء، وما قد يضم لذلك كاللقاءات السنوية وليالي المعايدة، ومناسبات الضيافة، والتي ينبغي ان تدار من مجالس منتخبة موثوقة، ترعاها بصدق وعناية،،!
وغالبا تتوحد القبائل لهذه الصناديق والديات، لكننا نأمل ان تحقق ما هو اكبر من ذلك، وتتحول الى صناديق استثمارية، تخدم أبناء القبيلة وثقافة المنطقة،،،!
9/ التناصح : لقوله تعالى(( وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر )) وحينما يتولاها الأكفاء، سيحصل من ورائها التناصح، كرفع الفضائل، وإزالة المناكر، وإصلاح الشئون الداخلية، وقد صح قوله(( الدين النصيحة )) كما في صحيح مسلم،
وخير وأولى من ينصح المسلم له قبيلته وعشيرته، قال تعالى(( وأنذر عشيرتك الأقربين )) سورة الشعراء. ولا ارتياب انه سيعقب ذلك انضباط اجتماعي، لا سيما عند اتحاد الأعيان، وسمو المشيخة الى حد المهابة والتأثير، كما صنع سيد الأوس سعد بن معاذ رضي الله عنه في قصة اسلام قومه، وتطوير بنود العقبة في غزوة بدر، وكذلك الخندق،،،،!!

وأسوأ ما في الفكر القبلي ما يلي :
1/ التعنصر: بهدف الغلبة والطغيان، والتحدي لأطراف اخرى، وإظهار الفخر والخيلاء،،،! وأننا اجتمعنا وقررنا، وفعلنا مالم تفعله القبائل الاخرى ،،،! وهذا منبوذ مرفوض،،،! وليستذكر الجميع ان المخرج لبني آدم واحد، والمآل واحد،،،! كما قيل:

النَّاسُ من جهة التمثيل أكفاءُ //أبوهم آدم، والأم حواءُ
فإن يكن لهم من اصلهم نسبٌ //يفاخرون به، فالطين والماءُ !!

2/ المعاندة : بسبب تشوش النية من البداية، وأنهم ما قصدوا الا التعاند، وتسجيل موقف من طبعه العرقلة، والندية والضدية،،،!
4/ التخاصم : وذلك حينما ينعدم التنسيق والترتيب الجيد، وتنتفي القيادة الراشدة ذات الوعي الأخوي والاجتماعي، تطفو على السطح مجادلات وخصومات، وتحقيقات ماضوية لا حد لها،،،! فتخسر القبيلة هدف الاجتماع والحضور المبدئي،،!
5/ التحزب : القائم على تشغيل أطراف دون اخرين، وتقريب أفخاذ، واستبعاد اخرى، فهذا هو الفكر الحزبي والشللية، التي من شانها ان تفسد، وتقطعنا وصلات،،! بل الواجب إشراك الجميع، واشعارهم بالتكتل الواحد، وفضيلة التعاون والتآزر، وان الكل محتاج اليه،،،!
6/ التخالف: حينما لا يحكم الشرع والمنطق، ويستأثر كل متحدث برأيه، ويُعجب بنفسه، وبالتالي نئول لميدان الاختلاف، وتتقطع نقاط الاتفاق ، بل نبيت من اصحاب التنازعات، وفي القران (( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ))سورة الأنفال .
وما ينفع القبيلة بعد ذهاب الريح يومئذ، والريح هي القوة...؟!
7/ التزعم: أي حب السلطة والاستئثار بالقرار والحديث، لا سيما من أناس تظن ان لها فضلا على أخواتها، بسبب العلم، او المال، او النسب والمنصب،،،! والفيصل في ذلك هو الانتخاب والشورى،،،!
8/ التناسب: اي المفاخرة بالأنساب، ومحاولة التقليل من الجهات الاخرى، فتُحيا مآثر الجاهلية، ويُبالغ في الأصول والمعادن، وتُحتكر المزايا لهم ولاتباعهم، وهذا خطا محض، فقد قال تعالى في آية التعارف، السالفة الذكر(( إن أكرمكم عند الله اتقاكم )) واعتبر صلى الله عليه وسلم ذلك من اعمال الجاهلية، وقد جاء عند ابي داود "لينتهين أقوام يفتخرون بآبائهم أو ليكونن أحقر عند الله من الجُعلان" وحسنه الألباني .
كذا هي غالبا مقاصد الفكر القبلي، إما ان تكون إيجابية او سلبية ، والعاقل بكل حال، يؤيد السلوك الإيجابي للقبيلة، الذي لا يشتت ولا يفرق، بل علاء وبناء ونماء، يخدم الامة والوطن،،،، والسلام.


 

مقالات الفوائد