اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/arabic/258.htm?print_it=1

يقولون : حرية إعلامية

ماجد بن جعفر الغامدي


مشهد يتكرر أمامنا على شاشة التلفاز , تمتد يد بشكل مفاجئ وحازم لتسد عدسة الكاميرا من تصوير واقعة ما , وقد تتحول اليد إلى عمل قسري لتحطيم الكاميرا ومنعها من الحضور في الزمان والمكان , وهو شاهد على ما يحدث ، وبموازاة ذلك فقد تتجه رصاصة مباشرة إلى عدسة الكاميرا .. أو إلى قلب المصور .

وبالمقارنة مع القرار الشهير للجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 59 الصادر في 14 ديسمبر 1946م حول الحرية الإعلامية الذي نص على أن :
"حرية تداول المعلومات من حقوق الإنسان الأساسية , وهي المعيار الذي تقاس به جميع الحريات التي تكرس الأمم المتحدة جهودها لحمايته ، وأن حرية الإعلام تتطلب بالضرورة ممن يتمتعون بمزاياها أن تتوافر لديهم الإرادة والقدرة على عدم إساءة استعمالها , فالالتزام الأدبي بتقصي الحقائق من دون انحياز , ونشر المعلومات من دون تعمد , أمر يشكل أحد القواعد لحرية الإعلام "

كذلك ما جاء في الاتفاقية الأوروبية للحفاظ على حقوق الإنسان وحريته الأساسية لعام 1950م حيث نصت المادة العاشرة فيه على أن :
" لكل فرد الحق في حرية الرأي والتعبير بما في ذلك حرية اعتناق الآراء , واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت , وذلك من دون أي تدخل من السلطات العامة , ومن دون تقييد بالحدود الجغرافية".

إذن هل تم إغفال تلك المواثيق عن عمد , أم هل تم إحلال قواعد عمل أخرى لا تستند إلى أية شرعية دولية سوى شرعية القوة التي يقررها المحتل في سعيه نحو إخفاء الشاهد على جرائمه حتى لو اضطر إلى قتل الشاهد ؟

في مقابلة مع رويترز بتاريخ 14/9/2005م أشار وزير العدل في الحكومة العراقي إلى أن الجيش الأمريكي في العراق يقوم بعمليات اعتقال مقصودة للصحافيين عند قيامهم بتغطية الأحداث , وأن عمليات الاعتقال تدوم فترات طويلة .

وهذا ما دعا لجنة حماية الصحافيين التي تتخذ من نيويورك مقراً لها إلى التنديد بما أسمته " التقاعس المستمر من جانب الجيش الأمريكي عن التحقيق في قتل صحافيين في العراق بأيدي قوات أمريكية " وقالت اللجنة أن البنتاجون يفقد مصداقيته نتيجة ذلك .
وما حدث من إغلاق لمكتب قناة الجزيرة بالضفة الغربية بفلسطين خير مثال على أن الحرية الإعلامية تخدم أجندة القوة الصلبة ، بعيداً عن الطموح لإفساح المعلومة وحرية النقد الإعلامي للكل ، وقد أزعجنا بعض مثقفينا العرب بالحرية المطلقة في الغرب ، نعم هي موجودة هناك بنسبة أكبر مما نعيشه في عالمنا العربي ، ولكن لا نبالغ في الحرية التي يعيشونها فهي حرية مُسيّسة وموجهة حسب ما يخدم مصالحهم ..

ومن هذه الأمثلة :
صادرت السلطات السويسرية بعض كتب روجيه جارودي .. فأين حرية الفكر إذاً ؟
صادرت السلطات البريطانية كتاب عن «مارجريت تاتشر» و فيلم عن المسيح رأت أنه مغرض ومسيء .
صادرت السلطات الفرنسية كتب سيد قطب وأحمد ديدات ، ثم تراجعت عن بعض ذلك ، وموقف فرنسا من الحجاب ومن استعمال كلمات غير فرنسية للمحلات كل ذلك معروف .

وكذلك سجل تهديد وضرب من يبثون الفكر وعلى رأسها المؤسسات الإعلامية يحفل بالكثير من الوقائع وخاصة الحروب , والآن ما نعيشه في إغلاق مكتب قناة الجزيرة بالضفة الغربية في فلسطين خير مثال وذلك عندما يتعارض مع توجه سياسي معين فالأولى المصلحة السياسية الخاصة والإغفال التام للقوانين الدولية التي تُنفذ في حال الرخاء .
فقد سبق أن قُصفت بالطائرات والصواريخ الموجهة عن بعد مراكز إعلامية في العراق عام 1991م ، وخلال الحرب التي قادت إلى احتلال العراق قامت الطائرات الأمريكية بتدمير موقع تلفزيون العراق الرسمي الفضائي , كذلك موقع الإذاعة والتلفزيون ومحطات وأبراج الإرسال في مختلف أنحاء العراق , بل أعادت أيضاً ضرب تلك المواقع أكثر من مرة خلال فترة الحرب ، وفي الأيام الأخيرة من الحرب قامت دبابة أمريكية بتدمير موقع قناة الجزيرة في بغداد ، وفي الحرب على كوسوفو قامت الطائرات بتدمير التلفزيون الصربي وتدمير محطة البث المجاورة له , أما في الحرب على أفغانستان فقد تم تدمير الموقع الذي كانت تبث منه إذاعة حكومة طالبان , وهو مبنى متواضع في أطراف مدينة كابول ، وفي الرحب على غزة تم قصف مبنى قناة الأقصى لأنه يُعبّر عن فكر حماس وينشر الأخبار والصور وهذا ما لا يريده الآخر .
وأخيراً أختم بنظرة متفحصة على تقرير "الحريات الصحافية" في العالم العربي , ( تقرير منظمة مراسلون بلا حدود, 25 تشرين الأول/أكتوبر2007م )
وأن البلدان العربية في ترتيب مستوى الحريات الصحافية في العالم تحتل المواقف من 85 إلى 162 من مجموع الدول البالغ عددها 167, أي أنها تتخلى عن نصف القائمة الأول , وتقف في إطار النصف الثاني .

الحريات الصحافية :

الدولة

الترتيب العربي

الترتيب العالمي

الكويت

1

85

قطر

2

90

الأردن

3

96

الإمارات

4

100

لبنان

5

108

المغرب

6

119

البحرين

7

123

الجزائر

8

129

فلسطين

9

132

السودان

10

133

اليمن

11

136

مصر

12

143

سوريا

13

145

تونس

14

147

المملكة العربية السعودية

15

154

العراق

16

157

ليبيا

17

162

وللتأمل : العنف : ليس الفعل المادي المباشر , وإنما هو فعل الاندماج والتراضي مع الوقائع اليومية لمشاهد القتل والتدمير .


ماجد بن جعفر الغامدي
إعلامي سعودي
17/7/2009م
mmjaafr@hotmail.com

 

مقالات الفوائد