اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/alsafinh/h28.htm?print_it=1

الدفاع عن حرّاس الفضيلة

محمد بن أحمد الفراج


الخطبة الأولى

(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا قَيِّماً لِّيُنذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَداً وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً). [الكهف: 5- 1].
أحمده سبحانه على إنعامه، وأشكره على إحسانه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته وأفعاله، (ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ). [الأنعام: 103- 102].
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وأمينه ومصطفاه، وعبده ومجتباه، بعثه بالرحمة وبالهدى، والنور والضياء، والإسلام والتقى، بين يدي الساعة بشيراً ونذيرا، وداعي إلى الله بإذنه وسراج منيراً، فأقام الله به الحجة وأوضح المحجة، وأكمل به الدين، وأتم به النعمة، فصلى الله عليه وعلى آله وأصحابه من نبي كريم، وعلى أتباعه والتابعين وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله امتثالا لأمر الله عز وجل، ووصيته إياكم:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ). (آل عمران:102).
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً). [الأحزاب: 71]
اللهم ارزقنا تقواك في السر والعلانية، ومراقبتك في الغيب والشهادة، وخوفك في المنشط والمكره، والسراء والضراء يا حي يا قيوم.

أيها المسلمون:
عوداً على بدء، ويتواصل الحديث، ويتجدد اللقاء عن الهيئات ودورها، ورجالها وأعمالها، وأعدائها وخصومها.
هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ذلك الصرح الشامخ، وتلك المؤسسة العظيمة التي أنعم الله سبحانه وتعالى بها علينا في هذه المجتمعات، فكانت نعمة ورحمة، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يديمها ويزيدها، ويثبت أهلها، ويكبت أعداءها وخصومها، إنّه ولي ذالك والقادر عليه.

أيها المسلمون:
لقد ذكّرتكم بما هو حاصل بالساحة هذه الأيام من الحملة المسمومة، ومن المعركة المحمومة الذي شنت عبر صفحات الإعلام الداخلي والخارجي على هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ورجالها، من خلال ما يشاع حولها من أكاذيب، ويلفق ضدها من تهم.
وحيث أن هذه الحملة المحمومة قد انتقلت عدواها إلى مجالس المسلمين العامة، فأصبحت حديث الناس الحادثة، وشغلهم الشاغل، وأصبحوا يرددون ما يسمعون، ويقرأون عن الهيئات وأهلها، وجدت لزاماً علي أن أعرض جملة من أشهر الشبه الذي يلبّس بها المبطلون على الهيئات وأهلها، والمصلحين والمجاهدين، والآمرين والناهين، لكشف زيفها ودحضها، وإبطالها والرد عليها، وبيان كذبها وافتراء أهلها، فإن المبطلين يفترون على الله الكذب، ويشيعون عن المصلحين والآمرين بأنهم غوغاء، وبأنهم متعصبون متعجرفون، خطر على المنجزات الحضارية، ويقولون عنهم بأنهم يتدخلون في الحريات الشخصية، ويقولون بأنهم ضد التقدم والتحضر والرقي، ويقولون بأنهم ضد الرفاهية الاجتماعية، ويشيعون عنهم بأنهم ضد الاقتصاد المتحضر، وبأنهم ضد الإعلام، وبأنهم ضد تعليم المرأة وعملها، فهذه من أشهر الشبه التي سألقي الضوء عليها وأكشفها بعون الله وتوفيقه.
فالمبطلون يقولون ويروجون في إعلامهم أن المصلحين في المجتمعات الإسلامية متعصبون ومتزمتون، ومتعجرفون وجامدون، وبأنهم أصوليون، إلى غير ذالك مما نسمع من الألفاظ ونقرأها في الإعلام العالمي، وأحيانا المحلي.
فنقول: الله أكبر إنها السنن!.
ما دعا داعٍ لله عز وجل، ولا أمر آمرٌ بالمعروف ولا نهى ناهٍ عن المنكر، ولا سعى ساعٍ لإصلاح الفساد في الأرض إلا أوذي أذىً معنوياً ومادياً!.
وهل هناك أفضل من أنبياء الله عز وجل ورسله؟!.
وهل هناك خير من سيد الأولين والآخرين عليه الصلاة والسلام؟!.

إننا نجد في الكتاب العزيز كيف تجرأ المبطلون وأطلقوا على النبيين خيرة خلق الله ألفاظ الشماتة والكذب والبذاءة، لأنهم أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، هذا نبينا صلى الله عليه وسلم الذي كان بشهادة الكفار خصومه كان الصادق الأمين، صلوات الله وسلامه عليه، وهم الذين سمّوه بهذا الاسم وأطلقوه عليه.
ولما كان ساكتاً ومعرضاً عنهم، كانوا يصفونه بالحكمة والرزانة والتعقّل، فلما أمرهم ونهاهم، صلوات الله وسلامه عليه، ما تركوا لفظاً من قاموس السب والشتم إلا وصموه ووصفوه به، عليه الصلاة والسلام، فقالوا عنه: إنه كذّاب، وقالوا عنه: إنه مجنون، وقالوا عنه: ساحر، وقالوا عنه: إنه مريد، وقالوا عنه: كذا وكذا، إلى غير ذالك مما نقرأ في كتاب الله عز وجل.

أيها المسلمون:
إننا في زمان انقلبت فيه الموازين، وانتكست المقاييس، فهذا الذي يغار على دين الله عزّ وجل، فيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويصلح الفساد في الأرض، يُطلقُ عليه: أنه رجعي، وأنه أصولي، وأنه خطر على المنجزات الحضارية، أما المواطن الصالح فهو الساذج الذي يساير الناس على أوضاعهم، ويوافقهم على أهوائهم، لا يقول في شيء فعلوه: لما فعلتموه؟!، ولا يقول في شيء لم يفعلوه: هلا فعلتموه، هذا هو المواطن الصالح، وهذا هو صاحب الحكمة والرزانة والتعقل عندهم، ولو كان غافلاً ساذجاً، بل ولو كان منافقاً فاجراً، ولو كان علمانياً مارقاً هو مواطن صالح.
فعجباً، والله عجباً!
وبمثل هذا وُصف الرسلُ، ألم تسمع في كتاب الله عز وجل كيف وصف فرعون موسى عليه الصلاة والسلام؟! فقال عنه: (إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ). [غافر: 26]. وقال فرعون عن نفسه: (وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ). [غافر: 29].
عجبا والله! فأيّ رشاد عند فرعون؟!. وأي فساد عند موسى؟!.
لكنه الكذب والتزييف وقلب الحقائق.

سلام على الدنيا، سلام على  الورى *** إذا أرتفع العصفور وانخفض النسر.
ولما رأيت الجهل في الناس فاشياً ***  تجاهلت حتى ظُنِّ أني جاهل.
فواعجباً؛ كم يدعي الفضل ناقص! *** وواعجباً، كم يرتضي النقص كامل.

ومما يطلقه المبطلون على المصلحين الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، ويصفونهم به: أنهم يتدخلون في حريات الناس الشخصية!.
وجواباً على ذلك نقول:
إن الحرية الشخصية للمسلم مكفولة بكتاب الله عز وجل، ومضمونة بسنة رسوله صلي الله عليه وسلم، ومحمية بشرع الله عز وجل، والمصلحون بهذا المفهوم أول من يفهم الحرية الشخصية، بل ويطبقها ويدافع عنها، فهم يسعون لردع الذين يعتدون على حريات المسلمين، فيعتدون على أموالهم بالنهب والسرقة، والابتزاز والرشوة والأكل بالباطل، ويقاومون الذين يعتدون على أعراض المسلمين بالدياثة والدعوة للفاحشة، وبالمعاكسات وغير ذلك.
هذه هي الحرية الشخصية التي نجدها في كتاب الله وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم، لكن القوم يريدون حرية شخصية من نوع أخر، يريدون حرية شخصية متفلتة لا ضابط لها ولا قيود، متفلتة من كل دين، متحررة من كل قيمة وشيمة، يريدون فوضى أخلاقية واجتماعية، كتلك الحريات الموجودة في أمم الغرب والشرق من دول اليهود والنصارى، فالبارات والداعرات، ومؤسسات الفجور، تفتح أبوابها على المصاريع، والرجل يخرج عارياً جهاراً نهاراً؛ يشرب الخمر، والمرأة تخرج متحللة متبرجة، متعرية يحتضنها الرجل ويقبلها، ويلثمها أمام الناس، وكل عشيق وعشيقته، وكل صديق وصديقته، وكل خليل وخليلته!.
هذه هي الحرية التي يريدها أولئك الناعقون، الذين ينعقون بالصحف الداخلية والخارجية، شنشنة نعرفها من أخزم، وهذا الأمر كما قاله أسلافهم الذين وقفوا في وجه الأنبياء والمصلحين: (قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ). [هود: 87].
إن الحرية بهذا المفهوم مرفوضة رفضاً باتاً، وكلنا حرب عليها، وكلنا ضدها.
إنها ليست حرية، إنها فوضى وتحلّل، فوضى أخلاقية واجتماعية.
إنها استئسار لعادات اليهود والنصارى، استئسار لمبادئ أمم الغرب والشرق، والكفر والضلال.
إنها اعتداء على حرية المجتمع المسلم بأسره.
نعم، فهذا الذي يشرب الخمر يعتدي على المحارم والأموال، لأنّه سكران، وهذه المرأة التي تخرج متهتّكة متخلّعة متعرية، تفتن الرجال، فيحدث من الفساد والفوضى ما الله به عليم، وكل هؤلاء يسعون في جلب العذاب الأليم للأمة وللمجتمع بأسره.
هؤلاء يستفتحون عقوبة عاجلة تحيق بالمجتمع كله، لأنه لم يأمر بالمعرف ولم ينه عن المنكر، فواجب علينا أن نقف في وجوه هؤلاء جميعاً.

أيها المسلمون:
إنّ الحرية بهذا المفهوم والفوضى بالأصح مرفوضة، حتى عند أولئك الناعقين المبطلين.
أرأيت لو أن أحداً اعتدى عليهم فأخذ شيئاً من مالهم، أو اعتدى على أعراضهم، ألا تثور ثائرتهم؟! وإن جاءهم بطريق الحرية، فالحرية المطلقة لا يعترف بها شرع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

أيها المسلمون:
ومما يشاع ويروّج ضد الآمرين والناهين المصلحين رجال الهيئات، أنهم: يقفون حاجزاً أمام التقدم والرقي الحضاري.
وكشفاً لهذه الشبهة وجواباً على هذا الأمر نقول: إنّ المصلحين أول من يدعون إلى الحضارة والتقدم، لكن الحضارة عندنا حضارة عامة وشاملة.
إننا نريد حضارة في الفكر، وحضارة في الأخلاق، وحضارة في السلوك، ونريد حضارة في الاقتصاد والعمران والهندسة، والمعامل والفضاء، وحضارة في الطب والصناعة، والتقنية وغير ذلك.
إننا ندعوا إلى الحضارة بمفهومها الشامل، وأن توفر الأموال لا أن تبدد باللعب والرياضة والسفه، وخير ما تبذل الأموال فيه بعد الدعوة إلى الله عز وجل في هذه المجالات.
إن المصلحين يريدون أن تكون الأمة المسلمة أمة رائدة قائدة، سائدة، بيدها خزائن الأرض بعد الله عز وجل، حتى تقود الأمة والبشرية بأسرها إلى الخير والسلام، يريدون أن تكون لهم الريادة والصدارة في الفكر وفي الاقتصاد، وفي الاجتماع وفي الصناعة، وفي الفضاء وفي كل المجالات.
إن الحضارة الكاملة بهذا المفهوم نحن أول من يدعوا لها، والدليل على ذلك أنك ترى الصالحين بحمد الله، بل المصلحين سباقون إلى كل مجال، فالطلبة النابهون والتلاميذ النابغون والمثاليون في الطب والكيمياء، وفي الصناعات والحاسبات الآلية، غالبهم بحمد الله ممن تزين وجوههم اللحى، ومن أهل المساجد وأهل الطاعات من جند محمد صلي الله عليه وسلم، أما أولئك العابثون اللاهون فهمّهم إشباع الغرائز والحاجات الشهوانية.
أما الحضارة التي يُنظَرُ إلى حضارة الغرب كنموذج لها فليست عندنا حضارة!.
إنها انحطاط وارتكاس في الحضيض.
إنها حضارة ناقصة عرجاء، لأنها تمجد الصناعة والآلة، وتمسخ العقائد والأخلاق، تمسخها وتمسحها بالتراب.
إننا لا نرى الحضارة عبارة عن كتلة طين أو نفق أو جسر، أو صناعة أو صاروخ، أو بندقية، أو بئر معطلة و قصر مشيد، لا نرى الحضارة هذه الصناعات فقط، بل الحضارة عندنا مفهومها كامل وشامل، أما تلك فهي حضارة ناقصة، فلا يفرح بها أهلها: (أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ * وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ). [الشعراء: 131- 128].

أيها المسلمون:
ومما يلفّق ضد رجال الحسبة والأمرين بالمعروف والناهين عن المنكر والمصلحين أنهم لا يريدون الرفاهية، وأنهم ضد الملاعب وأماكن الترفية، وأنهم ويريدون أن يحجروا على الأمة وعلى المجتمع.
وهذا وأيم الله كذب وافتراء، كذب صارخ، فإن المصلحين لا يمانعون، بل يرون أن من حق المجتمعات المسلمة أن لها حق في الترفيه البريء المنضبط، وفق تعاليم كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
إنهم لا يمانعون من الرياضة، لكن بحيث لا تعطى أكبر من حجمها، ولا تعتبر غاية تفسد بها عقول الشباب وأخلاقهم، إنهم لا يمانعون من وجود المتنزّهات والحدائق، لكن مع توفر الحشمة وفصل الرجال عن النساء وهكذا.
أمّا السواحل وغيرها، فلا يمانعون في الترفيه إذا ألتزم الناس بتعاليم كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
أمّا أنّ يُجعل الترفيه ذريعة إلى الفساد والإفساد كما يريده المبطلون، وسيلة إلى إفساد الشباب، وسيلة إلى شغلهم عن قضاياهم، وسيلة إلى تبديد الثروات، وسيلة إلى الاختلاط، وسيلة إلى العري والتجرد، فهذا كلنا ضده، ولا يرتضيه عاقل فضل عن مسلم مؤمن، لأنه خطر على الأخلاق والقيم والشيم.
إن العري والتجرّد كلنا يجب أن نحاربه، كذلك الذي رأيته على بعض الشواطئ وفي بعض البحار، إذ أخذنا بعض الشباب الغيورين على دين الله من رجال الحسبة فماذا رأينا أيها المسلمون؟!.
والله، مشاهد مخازيه، تنذر بسيل عذاب قد أنعقد غمامه، وادلهم ظلامه.
ما أحلم الله على خلقه؟!.
ماذا رأينا؟! عري المرأة تلبس اللباس الذي لا يستر ربع الفخذ، ثم تجلس على ما يسمى بالشاليه أمام الرجال في البحر، تجلس جلسة القرفصاء فتبين ملابسها الداخلية، هذا ما رأيناه أيها المسلمون والذي لا إله غيره.
وأين؟! في شواطئ هذه البلاد المسلمة، والفتاة تلبس السروال إلى نصف الفخذ، وتمتطي القوارب البخارية، ثم ترى المطاردات والصراخ والمعاكسات، والحركات بين الفتيات والشباب، ولسن بصبايا، بل كبيرات عاقلات، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
أو يرضى هذا مسلم؟!.
أين الرقابة؟!.
أين سلطة الهيئات؟!.

أيها المسلمون:
ومما يوصف ويوصم به رجال هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمصلحون والغيورون: أنهم ضد الاقتصاد.
وهذه كذبة أخرى، وافتراء آخر، فإننا نرى، وإن المصلحين يرون أن من أوجب الواجبات أن توفر الأموال وتحفظ، وأن يبنى للأمة المسلمة اقتصاد قوي يكفيها عن الاحتياج للغرب والشرق، ويلبي طموحاتها التنموية، ويلبي رغبتها التقدمية والصناعية.
إننا نريد اقتصاداً منضبطاً بكتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فلا ربا ولا ابتزاز، ولا غشّ ولا سرقة، ولا نهب للثروات.
أما المبطلون فإنّهم يريدون اقتصاداً حرّاً من كل دين وخلق، اقتصاداً لا بأس فيه بالربا، ولا بأس فيه أن يؤخذ بقوانين الغرب والشرق، والتي يسمونها القوانين المثالية.
فهل يرضى بهذا مسلم؟!.
إنهم يريدون كذلك الاقتصاد الذي قال عنه الكفار محاجّين لرسلهم: (قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ). [هود: 87].
ومما يلفقه المبطلون ضد المصلحين: أنهم لا يريدون الإعلام.
وهذا كذب أخر، وتسفيه للعقول، وتلاعب بها، فإن الأمة المسلمة بحاجة إلى إعلام قوي، إعلام ناضج، إعلام مخلص يديره العلماء الصالحون الغيورون، ولا يديره أعداء الأمة.
يريدون إعلاماً يعكس رغبة المجتمع، يعكس هموم المجتمع المسلم، وهموم المجتمعات المسلمة، يريدون إعلاماً يدعو إلى دين الله عز وجل وشرعه.
أما الإعلام الذي يدعو إلى الرذيلة، ويشيع الفاحشة في الذين أمنوا، فما يرضاه إلا زنديق أو كافر أو فاسق مجرم، أما المسلم فلا يريده ولا يرضاه، أن تسخر أموال المسلمين وأن يجعل الإعلام داعياً إلى الرذيلة، وأن يجعل ساحة لكل فاجر وفاجرة، الصور العارية، الدعايات التمثيليات المسرحيات التي تفسد عقول شباب الأمة رجالها ونسائها، فمن يرضى بهذا إلا ديوث على أخلاق المسلمين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه غفور رحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيرا طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، أحمده سبحانه وأشكره، وأثني عليه وأستغفره.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه وسلم، تسليما كثيرا،
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ غَنِيّاً حَمِيداً). [النساء: 131].

أيها المسلمون:
ومما يطلقه هؤلاء المبطلون المجازفون في حق المصلحين الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر: أنهم يقفون حاجزاً أمام تعليم الفتاة، وأمام عملها!.
وكشفاً لهذه الشبهة الداحضة نقول:

النقطة الأولى :
إن المرأة مكانها بيتها، وخير للمرأة أن تبقى في بيتها، رضي من رضي وأبى من أبى، والذي قال ذاك وبينّه، وحكم به هو ربنا سبحانه وتعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى). [الأحزاب: 33].
فمن أعترض على هذا أو سخط عليه، أو كرهه بقلبه، ولم يتلفظ بلسانه، فهو كافر بعد الإسلام، خارج بعد الإيمان، لأنه سخط شيئاً مما أنزله الله عز وجل، والله سبحانه وتعالى يقول: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ). [محمد: 9].

النقطة الثانية:
أيها المسلمون:
إننا نقول: إن التعليم حق لكل أفراد الأمة رجالها ونساءها، فالمرأة المسلمة والفتاة المؤمنة لها حقها في التعليم كما بيّن صلى الله عليه وسلم، وجعل يوماً يجتمع فيه النساء، فيخرج إليهن صلوات الله وسلامه عليه، واعظاً ومذكراً، فالفتاة لها حقها في التعليم.
لكن: ما نوع هذا التعليم؟! تبينه النقطة الثالثة.

النقطة الثالثة:
لا بد أن يكون هذا التعليم الذي يُوفّر للفتاة المسلمة، لا بد أن يكون ملتزماً بشرع الله عز وجل، وأن يكون ملتزماً كيفاً ومكاناً وزماناً.
أما الكيف: فيجب أن تكون المناهج مناهج إسلامية، تعلم العقيدة وترشد إلى الفضيلة، وتصوغ الأفكار المؤمنة، وتحذر من الرذيلة، وتحذر الفتاة عن الفساد والإفساد.
يجب أن يكون التعليم خادماً لشرع الله عز وجل، أن تعلم الفتاة المسلمة كتاب الله عز وجل، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لا أن تعلم سير الكفار والكافرات، أن تعلم الفتاة المسلمة قصص الصحابة والتابعين، والمصلحين والأئمة والمجددين، لا أن تعلم قصص شكسبير وتوليستوي، وغيرهم من أئمة الكفر والضلال، وأن تعلم الفتاة المسلمة سير الصحابيات والتابعيات والمصلحات، والعالمات والفاضلات، لا أن تعلم سير الكافرات، سيرة كريستوفر كولومبس أو غيره من الكفار، كما حدث في أول هذا الفصل، عُمّم على الطالبات، وألزمت الطالبات أن تكتب كل طالبة عن سيرة مكتشفي أمريكا كريستوفر كولومبس!.
وماذا تستفيد المرأة المسلمة من هؤلاء الكفار؟!.
ماذا تستفيد من سيرة هؤلاء الكفار؟!.
أليس خيراً لها أن تعلم سيرة الصحابة والتابعين، والصحابيات والتابعيات؟! لا أن تعلم سيرة هؤلاء الكفار، ولا طريقة حياتهم، ولا تأليفهم، كـ: ( فرويد، و دور كايم، ودعاة الجنس والاختلاط).
إننا نريد أن تكون المناهج صالحة مصلحة، منضبطة وفق تعاليم كتاب الله عز وجل، ووفق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما زماناً: فأن يجعل للمرأة زمان محدد تعلمُ فيه، لا أن تخرج من بيتها كل يوم، فليس من شريعة الله أن تخرج المرأة كل يوم غالب النهار، أو إلى منتصف النهار، ليس هذا من شريعة الله.
وما خرجت امرأة من بيتها كل يوم وعادت، إلا عادت ببعض حيائها أو بدون حيائها، إلا ما رحم الله عزّ وجل.
والرسول صلى الله عليه وسلم، بيّن للنساء وحدد يوماً يجتمعن فيه، أو أيّاما يجتمعن فيها، صلوات الله وسلامه عليه، والخير كل الخير في اتباع سنة رسوله، صلى الله عليه وسلم.
وأما مكاناً: فأن تجعل الأماكن النزيهة المحافظة لتعليم الفتيات في المساجد، وفي الأماكن التي تحفظها عن اختلاط الرجال في الأماكن المحافظة، لا أن تعرض الفتاة المسلمة للاختلاط.
فهذا لا نريده، ولا يريده المصلحون، ولا يريده الغيورون، فضلاً أن تبتعث الفتاة المسلمة إلى دول الكفر والضلال!.
أيّ جريمة أعظم، وأي دياثة أكبر من أن يسمح للفتاة المسلمة بالسفر إلى بلاد اليهود والنصارى؟!.

أيها المسلمون:
والله، إنّ القلب ليحزن، والعين لتدمع، والفؤاد لينفطر مما نراه في تلك البلاد الكافرة.
الرجل المسلم المحافظ يخاف والله على إيمانه وعقيدته ودينه وأخلاقه، يخشى والله من الفتنة في بلاد لا تعرف الحلال من الحرام.
الرجل ببعض ثيابه يحتضن المرأة وعليها سراويل قصيرة، يلتصق جسده بجسدها أمام الناس، وهذا شيء عادي عندهم، ويقبل المرأة ويدلك جسمه بجسمها أمام الناس، عفواً على هذا التصريح أيها المسلمون.
هذا نراه في المطارات، ونراه في المجتمعات، فما ظنكم بالفتاة المسلمة ترى هذه المشاهد؟!.
ما ظنكم بها تعيش بين هؤلاء الكفار؟!.

أيها المسلمون:
أين ديننا وعقيدتنا ؟!!، والفتاة المسلمة زميلها يهودي أو نصراني يجلس معها في الصالة ، في الدراسة، يشاركها في المادة، فتى يهودي أو نصراني أو ملحد أو متحلل يلبس سرواله القصير لأن ذلك مشروع عندهم، ويجلس أمام المرأة المسلمة في الكلية في أمريكا أو بريطانيا، ويأتي بعد ذلك من يشرع سفر البنت المسلمة وابتعاثها إلى الخارج، تذهب مع محرمها كما رأينا ويعود المحرم، وتبقى وحدها تتنقل من ولاية إلى ولاية وا حسرة على العباد!.
إنها مصائب تعيشها الأمة المسلمة.
ما ظنّكم بهذه الفتاة المسلمة إذا رجعت إلى بلادها وقد بقيت سبع سنوات وسط هذه المشاهد والمخازي، تدرس مع شباب اليهود والنصارى، تشاهد الرجال يحتضنون النساء؟!، هذا إن سلمت هي من الوقوع في هذه الأمور.
وكم عانينا من هؤلاء الساخطات اللاتي جئن بهذه الأفكار بعد أن درسنَ في الخارج، فجئنا متمرّدات يطالبن بالحرية المطلقة، وما حادثة القيادة عنا ببعيد، فلا يغالط المغالطون.
إنها دياثة والله، من يسمح بسفر الفتاة المسلمة إلى تلك البلاد؟!.
إنها دياثة على أعراض المسلمين، وعلى أخلاقهم وعوراتهم، من يقر هذا ومن يرضاه؟!.
ثم إذا تكلم الغيورون قالوا: أنت لا تريد تعليم الفتاة، تريد أن تحرمها من حقها في التعليم!.
من قال هذا؟!، تبّاً لكم وخسراً وبواراً.
إننا نريد تعليم المرأة لكن تعليما ملتزما بدين الله عز وجل، تعليما منضبطا وفق شرع الله سبحانه وتعالى، وأما غير ذلك فلا وألف لا، وكلا وألف كلا.
وهذا ما يقال أيضاً في عمل المرأة، نريد أن تعمل عملاً منفصلاً عن الرجال، عملاً يناسب فطرتها وما خلقها الله سبحانه وتعالى لأجله، بعيداً عن الاختلاط برائحة الرجال، فضلا عن أشخاصهم وعن أشكالهم، حتى لا تكون فتنةً ولا تفسد الأخلاق، ولا تتهدم القيم والمبادئ، ولا يحدث فساد كبير.
أمّا أن نجعل المرأة بين الرجال، ترأس أقسامهم الإدارية كما هو حاصل في بعض الأمكنة، وتجتمع معهم في الاجتماعات العامة مع المدراء، فمن يريد هذا أيها المسلمون؟!.
ومن يقر هذا ومن يرضاه؟!.

أيها المسلمون:
وإذا تكلم الغيورون، قالوا: هؤلاء متزمتون، هؤلاء كذا وكذا، وفيهم، وفيهم.
أرأيتم أيها المسلمون ماذا يدبر للفتاة المسلمة؟!.
قبل فترة من الزمن يتكلم مسئول عن غرفة تجارية ، عبر صحيفة المدينة، ويطالب بالخط العريض بالمزيد من ابتعاث المرأة المسلمة والفتاة السعودية، ويطالب بأن يوفر للفتاة السعودية وظائف في الخطوط السعودية، وفي البريد والهاتف، وغير ذلك بالخط العريض.
فماذا فعلنا؟! وماذا قلنا أيها المسلمون؟!.
يريدون أن تمثّل الفتاة المسلمة في هذه البلاد، مضيفةً تعرض لحمها وجسمها على الناس وعلى الرجال!.
يريدون أن تقف أمام الكمبيوتر لتقطع التذاكر، وأن تقود السيارة لتسعى في البريد!.
يصرحون بهذا ولا من ينكر، ولا من يسمع، ولا من يجيب!، فمن يرضى بهذا أيها المسلمون؟!.
ثم تشن الحملات المسمومة على رجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهل فهمتم هذا أيها المسلمون؟!.
هذه دعوتنا، وهذه مبادؤنا وهذه مطالبنا.
هذه دعوتنا حتى لا يلبّس الملبسون، وحتى لا يدحضوا الحق بالباطل، ولا يخلطوا الحق بالضلال.
اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، ابرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر يا سميع الدعاء.
اللهم ولِّ علينا خيارنا، اللهم ولِّ علينا خيارنا، اللهم اكفنا شر شرارنا، اللهم اكفنا شر شرارنا.
اللهم أي مسئول صغيراً كان أو كبيرا علمت في وجوده خيراً فثبته ووفقه يا رب العالمين، وأي مسئول صغيراً كان أو كبيراً كان وجوده شراً على المسلمين، اللهمّ عجل بزواله وهلاكه، اللهم عجل بزواله وهلاكه.
اللهم عوّض المسلمين خيراً منه يا حي يا قيوم.
اللهم هيئ لهذه الأمة المنكوبة أمر رشد يعز فيها لطاعتك، وهيئ لها قائداً ربانياً يقودها إلى الخير، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم عليك بالمفسدين، اللهم عليك بالمفسدين.
اللهم إنّه طال ليلهم ونما زرعهم، وطال شررهم، واستطال شرهم، ولم يجدوا رادعاً ولا آمراً ولا ناهياً، اللهم عليك بهم يا حي يا قيوم.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
اللهم صلي وسلم على محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.
وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.


المصدر : شبكة نور الإسلام
 

سفينة المجتمع
  • مسائل في الحسبة
  • شـبـهـات
  • فتاوى الحسبة
  • مكتبة الحسبة
  • حراس الفضيلة
  • الصفحة الرئيسية