صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







الشبهة الرابعة : ((ترك الاحتساب خشية الوقوع في الفتنة ))

الدكتور /فضل ألهى

 
يقول بعض الناس : (( لا نقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأننا نخشى الوقوع في الفتة بسبب ذلك )).

كشف حقيقة هذه الشبهة :
سنحاول بتوفيق الله تعالى بيان حقيقة هذه الشبهة تحت العناوين التالية :
1. ترك الاحتساب هو الذي يعرض العبد للفتنة .
2. مشابهة هذا القول بتعليل المنافق الجد بن قيس للتخلف عن الغزوة .
3. تعارض هذا القور مع وصية النبي .
4. منافاة هذا القول لسير الأنبياء والصالحين .
5. تنبيه.

أولاً : ترك الاحتساب هو الذي يعرض العبد للفتنة :
لنا أن نسأل أصحاب هذا القول : هل سلمتم من الفتنة بترككم الاحتساب أم أنكم و قعتم فيها ؟
تؤكد نصوص الكتاب والسنة أن ترك الاحتساب يعرض العبد للفتنة . ومن تلك النصوص قوله تعالى : (( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصّة واعلموا أن الله شديد العقاب)).
يقول عبدالله بن عباس رضي الله عنهما في تفسير الآية : (( أمر الله عز وجل المؤمنين أن لا يقروا المنكر بين أظهرهم فيعمهم الله بعذاب يصيب الظالم وغير الظالم )).
ومنها ما رواه الإمام الطبراني عن العرس بن عميرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله :(( إن الله تعالى لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى تعمل الخاصة بعمل تقدر العامة أن تغيره ، ولا تغيره ، فذاك حين يأذن الله في هلاك العامة والخاصة )).
ومنها ما روى الإمام أحمد عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما : سمعت رسول الله ( يقول : (( إذا رأيتم أمتي تهاب الظالم أن تقول له : إنك أنت ظالم ، فقد تُودَّع منهم )).
يقول القاضي عياض في شرح الحديث: (( أصله من التوديع ، وهو الترك ، وحاصله أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمارة الخذلان وغضب الرب)).

ولا يمكن الوقاية من هذه الفتنة إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . يقول الشيخ جلال الدين المحلي في تفسير الآية :(( و اتقوا فتنة …)) الآية . (( واتقاؤها بإنكار موجبها من المنكر)).

ثانياً : مشابهة هذا القول بتعليل المنافق الجد بن قيس للتخلف عن الغزوة .
مما يؤكد شناعة هذا التعليل لترك الاحتساب أنه عين التعليل الذي علل به الجد بن قيس عند تخلفه عن غزوة تبوك ، فكشف العليم الخبير حقيقة تعليله وذمه في آيات تتلى إلى الأبد . فقد ذكر الإمام الطبري أن رسول الله ( ذكر ذات يوم وهو في جهازه ، للجد بن قيس أخي بني سلمه :(( هل لك ياجد العام في جلاد بني الأصفر ؟ فقال : يا رسول الله ، أو تأذن لي ولا تفتني، فوالله ، لقد عرف قومي ما رجل أشد عجباً بالنساء مني . وإني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر أن لا أصبر عنهن .
فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : (( قد أذنت ذلك )).
ففي الجد بن قيس نزلت هذه الآية :(( ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين )).
ثم يقول الإمام الطبري في تفسير الآية : (( أي : إن كان إنما يخشى الفتنة من نساء بني الأصفر وليس ذلك به ، فما سقط فيه من الفتنة بتخلفه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. والرغبة بنفسه عن نفسه ، أعظم )).
وهكذا من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحجة طلب السلامة من فتنة لم تقع بعد ، قد وقع في فتنة كبرى ، إلا وهي ترك ما أوجبه الله تعالى عليه من الاحتساب .

ثالثاً : تعارض هذا القول مع وصية النبي الكريم صلى الله عليه وسلم :
يتنافي هذا القول مع ما أوصى به النبي الكريم ( أصحابه من قول الحق ، وإن لا يخافوا في الله لومة لائم ، وأن لا يمنعهم خوف على النفس أوالرزق من القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . ومن تلك الأحاديث – على سبيل المثال – ما روى الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( لا يمنعنّ رجلاً منكم مخافة الناس أن يتكلم بالحق إذا رآه وعلمه )).
وفي رواية أخرى : (( فإنه لا يقرِّب من أجل ولا يباعد من رزق أن يقول بحق أو يذكر بعظيم )).

فأين أصحاب هذه الشبهة من هذا الحديث الشريف ومن الأحاديث الأخرى مثلها ؟.

رابعاً : منافاة هذا القول لسير الأنبياء والصالحين :
أين أصحاب هذه الشبهة من سير الأنبياء والمرسلين والصالحين الذين عُذِّبوا ، وأُخرِجوا من ديارهم ، و قُوتلوا ، وقُتِلوا بسبب قيامهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟ أين هم من رجال هذه الأمة الذين تحققت فيهم – بفضل الله تعالى – بشرى رسول صلى الله عليه وسلم : (( سيد الشهداء حمزة بن عبدالمطلب –رضي الله عنه – ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله!)).

تنبيه :
لا يُفهم مما كتبنا أنه لا يُنظر إلى ما يترتب على القيام بالاحتساب ولا يُعبَأ به ، بل إن هذا سيُحسب له حسابه . فإن كانت المفسدة المترتبة عليه أعظم من المصلحة المتوقعة لا يقوم المرء بالاحتساب آنذاك ، وإن كانت المصلحة المرجوة أعظم من المفسدة يجب عليه أن يقوم بالاحتساب إذاً. وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : وإذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم الواجبات أو المستحبات لابد أن تكون المصلحة فيها راجحة على المفسدة ، فحيث كانت مفسدة الأمر والنهي أعظم من مصلحته لم يكن مما أمر الله به ، وإن كانت قد تُرِك واجب وفُعِل محرم .
لكن اعتبار مقادير المصالح والمفاسد ليس بهوى الناس بل – كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – هو بميزان الشريعة .
ولا يعني كلامنا أيضاً أن نفرط بأنفسنا في الاحتساب ، وأن نلقي بأيدينا إلى التهلكة . إن الذي نقصده أن لا يكون الخوف على النفس أو الرزق مانعاً من الاحتساب ، ولكن أخذ الحيطة والحذر أمر مطلوب مثل ما هو الحال في الجهاد بالسيف . وفي هذا يقول الشيخ محمد رشيد رضا : (( ولا نترك الدعوة إلى الخير ولا الجهاد دونه خوفاً على أنفسنا حرصاً على الحياة الدنيا ، ولا نفرِّط بأنفسنا في أثناء دعوتنا وجهادنا فيما لا تتوقف الدعوة و لا حمايتها عليه. وقد يكون أكثر مايصيب الداعي إلى الخير من الأذى ناشئاً عن طريقة الدعوة وكيفية سوقها إلى المدعو، لا سيما إذا كان مسلماً ، وكانت الدعوة مؤيدة بالكتاب والسنة )).
والله أعلم بالصواب .


المصدر : كتاب شبهات حول الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر …. تأليف:
الدكتور /فضل ألهى
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
سفينة المجتمع
  • مسائل في الحسبة
  • شـبـهـات
  • فتاوى الحسبة
  • مكتبة الحسبة
  • حراس الفضيلة
  • الصفحة الرئيسية