صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







الشبهة الأولى : (( وجوب ترك الاحتساب بحجة تعارضه مع الحرية الشخصية ))

الدكتور /فضل ألهى

 
يقول بعض الناس :
" يجب علينا أن نترك الناس وشأنهم ولا نتدخل في شؤونهم الخاصة بأمرهم بالمعروف الذي لا يرغبون في فعله ، ونهيهم عن المنكر الذي يرغبون فيه ، لأن هذا يتعارض مع الحرية الشخصية الثابتة في الإسلام " .
ويستدلّ هؤلاء على صحة رأيهم بقوله عز وجل :( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم ) .

كشف النقاب عن حقيقة هذه الشبهة :
سنبيّن بعون الله تعالى حقيقة هذه الشبهة ضمن العناوين التالية :
عدم وجود الحرية الشخصية المزعومة .
المفهوم الإسلامي للحرية الشخصية .
الخطأ في فهم الآية : (( لا إكراه في الدين )).
ثبوت وجوب الحسبة بنصوص الكتاب والسنة .
قيام الرسول بالاحتساب .
تشريع الحدود والتعزيرات ينقض الشبهة .

أولاً: عدم وجود (( الحرية الشخصية )) المزعومة .
لنا أن نسأل أصحاب هذا القول : أين تلك (( الحرية الشخصية )) المزعومة ؟ . أفي مشارق الأرض أم في مغاربها ؟هل وجدتموها في أنظمة شرقية أم في أنظمة غربية ؟ كلا ، لا عند هؤلاء ، ولا عند أولئك . يُطالب المرء بالخضوع والامتثال لقواعد و أنظمة على رغم أنفه حيثما حل وارتحل.
هل يُسمح لأحد في الشرق أو الغرب أن يعبر التقاطع والإشارة حمراء ؟ هل يُعطى في الغرب لأحد حق بناءبيت بماله الذي اكتسبه بكد جبينه على الأرض التي اشتراها بخالص ماله كيفما شاء من غير مراعاة الضوابط التي وضعتها أمانة تلك المدينة التي هو فيها ؟ و الأمر في الشرق أدهى وأمرّ ، ليس له أن يملك بيتاً .

ثانياً : المفهوم الإسلامي للحرية الشخصية :
الحرية الشخصية التي منحها الإسلام للعباد هي أنه أخرج العباد من عبودية العباد ، ولا يعني هذا إخراجهم من عبودية رب العباد ، ما أحسن ما عبر القرآن الكريم عن هذا : ((ضرب الله مثلاً رجلاً فيه شركاء متشاكسون ورجلاً سلماً لرجل هل يستويان مثلا الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون )) .
فالمطلوب في الإسلام أن يتحرر العبد من كل من سوى الله ويصير عبداً منقاداً مطيعاً مستسلماً لله الواحد الخالق المالك المدبر . وهذا ما عبّر عنه سيدنا ربعي بن عامر ( مجيباً على سؤال رستم بقوله : (( الله ابتعثنا ، والله جاء بنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله )).
ومن النصوص التي تدلّ على أن المؤمنين مطالبون بالاستسلام لله تعالى والعمل بجميع أوامره وترك جميع نواهيه قوله تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة )).
يقول الحافظ ابن كثير في تفسير الآية : (( يقول الله تعالى آمراً عباده المؤمنين به المصدقين برسوله أن يأخذوا بجميع عرى الإسلام وشرائعه ، والعمل بجميع أوامره ، وترك جميع زواجره ما استطاعوا من ذلك )).
وبيّن المولى عز وجل أنه لا يبقى لمؤمن ولا مؤمنه أدنى خيار بعد مجيء أمر الله تعالى و أمر رسوله ، قال تعالى: (( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضلّ ضلالاً مبيناً )).
وصوّر لنا السميع البصير مبادرة المؤمنين إلى امتثال أوامره وأوامر رسوله حيث يقول عز من قائل (( إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا و أولئك هم المفلحون )).
فأين أصحاب (( الحرية الشخصية )) المزعومة من أولئك؟.

ثالثا: الخطأ في فهم الآية : (( لا إكراه في الدين )) :
ليس معنى الآية بأن للناس كلهم فعل ما يشاؤون وترك ما يشاؤون ، وليس لأحد إلزامهم على فعل الخير الذي تركوه أو اجتناب الشر الذي فعلوه ، بل المراد بالآية – والله أعلم بالصواب – كما يقول الحافظ ابن كثير : (( أي لا تكرهوا أحداً على الدخول في الإسلام)).
وحتى هذا ليس لغير المسلمين كلّهم بل رجّح كثير من المفسرين بأن هذا الحكم خاص بأهل الكتاب ومن شابههم. وأما عبدة الأوثان من مشركي العرب ومن شابههم فلا يُقبَل منهم إلاّ الإسلام أو القتال معهم . وفي هذا يقول الإمام ابن جرير الطبري بعد نقله أقوالاً مختلفة في تفسير الآية : (( وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال : نزلت هذه الآية في خاص من الناس ، وقال : عني بقوله تعالى ذكره : (( لا إكراه في الدين )) أهل الكتاب والمجوس وكل من جاء إقراره على دينه المخالف دين الحق ، وأخذ الجزية منه )).
ثم يقول مبيّناً سبب ترجيح هذا القول : (( وكان المسلمون جميعاً قد نقلوا عن نبيّهم ( أنه أكره على الإسلام قوماً فأبى أن يقبل منهم إلا الإسلام ، وحكم بقتلهم أن امتنعوا منه، وذلك كعبدة الأوثان من مشركي العرب ، وكالمرتد عن دينه دين الحق إلى الكفر ومن أشبههم ، وأنه ترك إكراه آخرين على الإسلام بقبوله الجزية منه ، وإقراره على دينه الباطل ، وذلك كأهل الكتابين ومن أشبههم )).
قد آن لنا أن نسأل أصحاب هذه الشبهة : أيهود أنتم أم نصارى ، فيُكتُفى بقبول الجزية منكم ، فلا يأمركم أحد بمعروف تتركونه ولا ينهاكم عن منكر تفعلونه ؟.

رابعاً : ثبوت وجوب الحسبة بنصوص الكتاب والسنة :
إن هؤلاء أخذوا آية واحدة وحاولوا تأويلها وفق أهوائهم وتجاهلوا تلك النصوص الكثيرة الصريحة الواضحة التي لا تترك مجالاً للشك والتردد في فرضيّة الحسبة . أين هؤلاء من تلك النصوص التي وردت فيها صيغة أمر للقيام بالاحتساب ، وصيغة نهي للمنع عن تركه ؟ وذلك مثل قوله تعالى: (( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ))، ومثل قوله : (( مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوا فلا يُستجاب لكم )). ومثل قوله : (( لا يمنعن رجلاً منكم مخافة الناس أن يتكلّم بالحق إذا رآه وعلمه )).
وكيف يؤول هؤلاء النصوص التي قُرِن الإيمان فيها بالاحتساب ، فحُكِم فيها بقوة الإيمان وضعفه مع قوة الاحتساب وضعفه ؟ وذلك مثل قوله : (( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، وإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان )).
وبماذا يفسر هؤلاء تلك النصوص التي تجعل (( التواصي بالحق )) من شروط نيل الفوز والفلاح ؟ وذلك مثل قوله تعالى : (( والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)).
وكيف يتجرأ هؤلاء على تحريف النصوص التي وعد الله تعالى ورسوله ( فيهما بالعذاب على ترك الاحتساب ؟ وذلك مثل قوله تعالى : (( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب )).
إلا يستحي هؤلاء من تكذيب ما أخبر به من هو أكبر شيء شهادة وأصدق قيلا عن نزول اللعنة على ترك الاحتساب ؟ وذلك في قوله عز من قائل : (( لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون )).
أليس في هذا وذلك ما يمنع هؤلاء من القول : (( إن الاحتساب يتعارض مع الحرية الشخصية الثابتة في الإسلام ؟ )) فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً ؟

خامساً : قيام الرسول الكريم بالاحتساب :
لنا أن نسأل أصحاب هذا القول : على من أنزلت الآية : (( لا إكراه في الدين ))؟ أعليكم أنزلت أم على سيّد الأولين والآخرين إمام الأنبياء وقائد المرسلين ؟ أأنتم أعلم بمرادها أم هو الذي أسند إليه أمر بيان المنزل ؟ ، يقول تعالى : (( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزِّل إليهم ولعلهم يتفكرون )).
وهل أمر عليه الصلاة والسلام الناس بالمعروف ونهاهم عن المنكر أم تركهم وشأنهم مراعياً مبدأ الحرية الشخصية المخترعة ؟ لقد قام ( بالاحتساب في البيت والشارع ، وفي المسجد والسوق ، وفي الحضر والسفر ، وفي الحرب والسلم . ويغنينا في هذا المقام عن ذكر أمثلة احتسابه وصف أصدق القائلين اللطيف الخبير له بقوله : (( يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر )).
ونستفسر أصحاب هذه الشبهة أيضاً : أُمِرنا باقتداء من ؟ أ أُمِرنا باقتداء من اتخذ إلهه هواه أم أُمِرنا بالتأسي بمن كان آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر . تعالوا ، فلنقرأ جميعاً قول الباري سبحانه وتعالى : (( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً )).

سادساً : تشريع الحدود والتعزيرات ينقض هذه الشبهة :
ماذا سيكون موقف هؤلاء من الحدود والتعزيرات التي شُرِعت لمعاقبة مرتكبي بعض الجرائم ؟ أيردون تلك النصوص الثابتة الصريحة التي جاء فيها بيانها ؟ .
ومن تلك النصوص- على سبيل المثال – ما جاء فيها من عقوبة الزاني : (( البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة ، والثّيب بالثيب جلد مائة والرجم )).
وما جاء فيها عمن تزوج امرأة أبيه عن معاوية بن قرة عن أبيه –رضي الله عنه – قال : (( بعثني رسول الله ( إلى رجل تزوج امرأة أبيه أن أضرب عنقه ، وأصفي ماله )).
وما جاء عمن عَمِل عَمَل قوم لوط عليه السلام : (( من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به )).
وما بينه الناطق بالوحي الأمين الصادق المصدوق ( عن حكم من ارتد عن الإسلام بقوله : (( من بدّل دينه فاقتلوه )).
ولو كان لمبدأ الحرية الشخصية المختلفة أساس في الإسلام كما يدعي أولئك ما كان مرتكبو هذه الجرائم ليُجْلَدُوا ويُغَرَّبوا أو يُجْلَدُوا ويُرْحَمُوا ، أو يُقتَلوا ، وكان لهم أن يحتجوا: (( هذا مايخصنا نحن ، وليس لأحد حق التدخل في شؤوننا الخاصة )).
بهذا يتضح بعون الله تعالى بطلان رأي من قال بترك الاحتساب بحجة منافاته للحرية الشخصية .


المصدر : كتاب شبهات حول الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر …. تأليف:
الدكتور /فضل ألهى
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
سفينة المجتمع
  • مسائل في الحسبة
  • شـبـهـات
  • فتاوى الحسبة
  • مكتبة الحسبة
  • حراس الفضيلة
  • الصفحة الرئيسية