اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/alminbar/11.htm?print_it=1

وجهة نظر في خطب الاستسقاء

د.عمر بن عبدالعزيز السعيد
أستاذ الفقه المشارك بكلية الشريعة بالأحساء


جاءت شريعتنا المباركة بربط الخلق بخالقهم في السراء والضراء، فإذا بُشّر المسلم بما يسره شُرع له سجود الشكر، وإذا أصاب ذنبًا أو اقترف معصية شُرع له التوبة والاستغفار وصلاة التوبة.

ومما جاءت به الشريعة صلاة الاستسقاء حال تأخر نزول اﻷمطار، وهي صلاة وخطبة مشتملة على الدعاء والاستغفار والاستغاثة بالله تعالى.

ومع تشابه صلاة الاستسقاء مع صلاة العيد في وقت الصلاة وصفتها إلا أن ثمة فرقًا في هيئة خروج المسلم لهما فيخرج للاستسقاء متواضعًا متبذلاً [غير لابس لثياب الزينة] متخشعًا متذللاً اقتداء بهدي النبي صلى الله عليه وسلمكما رواه الترمذي، وهذه الهيئة تتناسب مع حال المصلين من الدعاء والسؤال والاستغاثة بالله تعالى.

والذي ينبغي على الخطيب هو أن يفتح للمصلين باب الرجاء وقبول الدعاء وحسن الظن بالله جل في علاه، والتفاؤل بتغيّر الحال من الشدة إلى الرخاء، ومن القحط إلى العشب والنماء، وقد التمس الفقهاء من تحويل النبي صلى الله عليه وسلم لردائه وقلبه له حال الخطبة والدعاء أن هذا من باب التفاؤل بتغير الحال.

ولا يخفى أن الخطيب في الغالب يخاطب الحاضرين للصلاة -وقد يقصد معهم غيرهم إن كانت الخطبة تنقل لغيرهم- فتجد بعض الخطباء يتهم الحاضرين للخطبة بالتفريط والتقصير، والوقوع في المعاصي، واﻵثام، واقتراف الموبقات، وعندما تلتفت يمنة ويسرة لتنظر من يحضر لهذه الصلاة غالبًا تجدهم نخبة المجتمع: من أهل العلم والفضل، وأهل الدين والصلاح، والدعوة إلى الله تعالى، والمحافظة على الصلاة -وهم كغيرهم ليسو معصومين من الخطأ والمعصية صغيرة كانت أو كبيرة- لكن كيل هذه الاتهامات بشكل مباشر في مواطن السؤال يضعف لديهم باب الرجاء في استجابة الدعاء، ويولد لديهم اليأس من روح الله تعالى والقنوط من رحمته عزّ وجل.

والذي أقترحه على الخطباء وفقهم الله تعالى أن يذكروا جملة من اﻵيات التي فيها رحمة الله تعالى بعباده بإنزال الغيث كقوله تعالى:﴿وَهُوَ الَّذي يُنَزِّلُ الغَيثَ مِن بَعدِ ما قَنَطوا وَيَنشُرُ رَحمَتَهُ وَهُوَ الوَلِيُّ الحَميدُ﴾[الشورى: ٢٨]، وقوله تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذي يُرسِلُ الرِّياحَ فَتُثيرُ سَحابًا فَيَبسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيفَ يَشاءُ وَيَجعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الوَدقَ يَخرُجُ مِن خِلالِهِ فَإِذا أَصابَ بِهِ مَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ إِذا هُم يَستَبشِرونَ﴾ [الروم: ٤٨] .

كما يذكر جملة من اﻵيات واﻷحاديث التي استجاب الله تعالى لدعاء عباده وأوليائه سواء لدعواتهم العامة أو للاستسقاء خاصة، فقد جاء في الصحيح عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ جُمُعَةٍ مِنْ بَابٍ كَانَ نَحْوَ دَارِ الْقَضَاءِ ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ يَخْطُبُ ، فَاسْتَقْبَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمًا ، ثُمَّ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , هَلَكَتِ الأَمْوَالُ ، وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ ، فَادْعُ اللَّهَ تَعَالَى يُغِثْنَا ، قَالَ : فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ أَغِثْنَا ,( اللَّهُمَّ أَغِثْنَا , اللَّهُمَّ أَغِثْنَا. قَالَ أَنَسٌ : فَلا وَاَللَّهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ وَلا قَزَعَةٍ ، وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ بَيْتٍ وَلا دَارٍ . قَالَ : فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ . فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ ، ثُمَّ أَمْطَرَتْ , قَالَ : فَلا وَاَللَّهِ مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سَبْتًا ...) الحديث.

وروى اﻹمام أحمد في مسنده : " أن سليمان عليه السلام خرج يستسقي فرأى نملة مستلقية على ظهرها رافعة قوائمها إلى السماء، وهي تقول: اللهم إنّا خلق من خلقك، ليس بنا غنى عن سقياك ورزقك..( فقال: ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم " ورواه الحاكم وقال صحيح اﻹسناد ووافقه الذهبي.

وبذكر هذه المواقف يعظم الرجاء في إجابة الدعاء، ويزول اليأس والقنوط.

كما يحسن به أن يذكّر بآداب الدعاء، ومنها: أن يوقن المسلم باستجابة الدعاء، ويظهر الحاجة والافتقار والتذلل لله الواحد القهار.

كما يحثهم على فعل الخيرات واﻹقبال على الطاعات، ويحثهم على ملازمة تقوى الله تعالى بامتثال أوامره، واجتناب معاصيه، والتوبة من الكبائر والصغائر، والحذر من شؤمها، وأن ذلك سبب نزول الخيرات والبركات؛ ﴿وَلَو أَنَّ أَهلَ القُرى آمَنوا وَاتَّقَوا لَفَتَحنا عَلَيهِم بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالأَرضَِ﴾ [الأعراف: ٩٦].

كما أن حضورهم للصلاة والدعاء من أعظم أسباب نزول اﻷمطار والخيرات؛ كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما خرج للاستسقاء فاستجاب الله لهم، وسقى البلاد والعباد.

أسأل الله الكريم أن يغيث البلاد والعباد باﻷمطار النافعة إنه سميع مجيب.
 

منبر الجمعة
  • إعداد الخطبة
  • فقه الخطيب والخطبة
  • فن الإلقاء
  • نصائح وتوجيهات
  • مكتبة الخطب
  • الخطباء 1
  • الخطباء 2
  • المواسم المناسبات
  • أحكام يوم الجمعة
  • الصفحة الرئيسية