بسم الله الرحمن الرحيم

 صفة العلو لله سبحانه ، والصلاة خلف من أنكر هذه الصفة
جواب لأهل الكويت


فضيلة الشيخ حمود بن عقلاء الشعيبي حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
ما هو مذهب أهل السنة والجماعة في صفة علو الله على خلقه, واستوائه على عرشه، وما حكم من نفى علو الله واستوائه على عرشه، وهل تصح إمامته في الصلاة، أفتونا وجزاكم الله خيرا .. ونأمل أن يكون الجواب مدعما بالأدلة من الكتاب والسنة ..

الجواب ..
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد ..
فإن أهل السنة والجماعة رحمة الله عليهم مجمعون على اعتقاد أن الله سبحانه وتعالى مستوٍ على عرشه عالٍ على جميع خلقه علوا بذاته، ولم يخالف في ذلك إلا من طمس الله بصيرته من جهمية ومعتزلة وغيرهم من فرق الضلال الذين أعرضوا عن كتاب الله وسنة نبيه وحكموا عقولهم وآراء شيوخهم .

وعلو الله سبحانه ثابت في الكتاب والسنة والعقل والفطرة :
أما كتاب الله : فهو مملوء بالنصوص الدالة على علوه سبحانه وتعالى بذاته فوق جميع مخلوقاته بأساليب مختلفة وصيغ متعددة ..
أولا : التصريح باستوائه على عرشه جاء ذلك في سبعة مواضع في القرآن العزيز ..
ثانيا : التصريح بلفظ العلي والأعلى، قال تعالى {وهو العلي العظيم} [النساء] . وقال تعالى {له ما في السموات وما في الأرض وهو العلي العظيم} [الشورى] . وقال تعالى {سبح اسم ربك الأعلى} [الأعلى] . وقال تعالى {إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى} [الليل] .
ثالثا : التصريح بلفظ الفوقية في عدة مواضع .. قال تعالى {وهو القاهر فوق عباده} [الأنعام] . وقال تعالى {يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون} [النحل] .
رابعا : التصريح بصعود الأشياء إليه سبحانه .. قال سبحانه وتعالى {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه} [فاطر] . وقال تعالى {وإذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلى} [آل عمران] . وقال تعالى {بل رفعه الله إليه} [النساء]. وقال تعالى {تعرج الملائكة والروح إليه} [المعارج] .
خامسا : التصريح بنزول الأشياء من عنده. قال تعالى {حم * تنـزيل الكتاب من الله العزيز العليم} [غافر]. وقال تعالى {حم * تنـزيل من الرحمن الرحيم} [فصلت] .. ووجه الاستدلال بهذين النوعين الرابع والخامس أنه لا يعقل الصعود والرفع إلا من أسفل إلى أعلى، ولا يعقل النزول والتنـزيل إلا من أعلى إلى أسفل ..
سادسا : التصريح بأنه سبحانه وتعالى في السماء .. قال تعالى {ءأمنتم من في السماء} إلى قوله سبحانه {أم أمنتم من في السماء} الملك .

أما السنة : فهي طافحة بالأحاديث الدالة على علو الله على خلقه .. منها أولا : إخباره صلى الله عليه وسلم أن الله في السماء، قال عليه الصلاة والسلام: ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء. وقال عليه والصلاة والسلام للجارية: أين الله؟ قالت في السماء، قال من أنا؟ قالت: أنت رسول الله ، قال اعتقها فإنها مؤمنة .. وجه الاستدلال من هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شهد لها بالإيمان لما قالت الله في السماء .. ثانيا : قال عليه الصلاة والسلام في رقية المريض: ربنا الله الذي في السماء .. ثالثا : لما خطب صلى الله عليه وسلم في المجمع العظيم في الحج قال: هل بلغت؟ قالوا نعم . فرفع إصبعه إلى السماء فقال : اللهم اشهد .

أما العقل : فإنه يدل على أن الله سبحانه وتعالى في العلو وذلك عن طريق السبر والتقسيم، بأن يقال لمنكر علو الله : إما أن يكون الله سبحانه موجودا وإما أن يكون غير موجود - تعالى الله عن ذلك - وعلى كلا التقديرين يُلزم منكر العلو ببطلان قوله، لأنه لا يخلو إما أن يكون الله في العلو أو في السُفل، وكونه في السُفل باطل لأنه يلزم منه أن يكون الله حالا في مخلوقاته وهذا كفر بإجماع السلف، فلم يبقى إلا القسم الثاني وهو كونه سبحانه وتعالى في العلو، فيتعين اعتقاد العلو .. ثانيا : عن طريق السبر والتقسيم أيضا : بأن يقال لا يخلو الحال من أن يكون الله فوق أو تحت أو يمين أو يسار أو أمام أو خلف فينظر عند السبر أي الجهات أشرف فنجد أن العلو هو الأشرف والله سبحانه وتعالى مستحق للأشرف ، فيتعين كونه في جهة العلو ..

أما الفطرة : فإن العقلاء جميعهم مفطورون على التوجه إلى العلو عند الدعاء واللّجاء والاضطرار، مما يدل قطعا على أن الله في العلو، يشهد لذلك ما جرى بين الهمذاني والجويني حيث جاء الهمذاني إلى مجلس الجويني وهو يدرس تلامذته ويقرر مسألة نفي علو الله على خلقه، فقال الهمذاني للجويني : يا أستاذ أخبرنا عن هذه الضرورة التي نجدها في نفوسنا فإنه ما توجه إنسان إلى الله قط إلا ويجد ضرورة في نفسه أن الله في جهة العلو .. فنـزل الجويني عن كرسيه وضرب على رأسه وقال : حيرني الهمذاني حيرني الهمذاني .

أما الحكم على من أنكر علو الله : فإنه يكفر بذلك إذا لم يكن جاهلا بالنصوص الشرعية الدالة على صفة العلو، وقد حكم بكفر منكر العلو كثير من العلماء، فمنهم الإمام أبو حنيفة حينما سأله أبو مطيِع البلْخي عمن ينفي استواء الله على عرشه وعلوه على خلقه فقال : هو كافر، قال أبو مطيع، قلت له : فإن كان يقول الله مستوي على العرش ولا أدري عرشه في السماء أم في الأرض، قال : هو كافر .. وقال إمام الأئمة محمد ابن خزيمة عمن ينفي علو الله على خلقه فقال : هو كافر يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه وألقيت جثته في المزابل مع جيف الميتات .

أما حكم إمامة من ينكر علو الله : فهي باطلة ولا يصح الائتمام به ولا تنصيبه إماما في الصلاة لما تقدم من أقوال العلماء في تكفيره ..

هذا ما تيسر ذكره في هذه المسألة الخطيرة ولو استقصينا الكلام على بطلان مذهب هؤلاء الجهمية الذين ينفون علو الله على خلقه وعرضنا لتـزييف شبههم لطال بنا الكلام وفيما ذكرناه كفاية لمن أراد الهداية .. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..


أملاه
أ. حمود بن عقلاء الشعيبي
الأستاذ سابقا بجامعة الإمام محمد بن سعود
الإسلامية فرع القصيم
28/4/1421هـ