اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/Warathah/Alkharashy/m/141.htm?print_it=1

( تسلسل الحوادث ) بين الشيخ الألباني .. والشيخ سفر الحوالي

سليمان بن صالح الخراشي

 
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

تُعد مسألة " قِدَم العالم ، أو حدوثه " من المسائل المهمة التي طال فيها التنازع بين أهل السنة وأهل البدعة - بأنواعهم - ، فنزع الفلاسفة إلى القول بقِدمه ، منازعين الله في خلقه ، وذهب أهل الكلام إلى حدوث النوع والأفراد، ملتزمين لأجل هذا لوازم شنيعة ؛ من أهمها تعطيل بعض صفات الله الفعلية ، فجاء شيخ الإسلام - رحمه الله - ، مسفهًا رأي الطائفتين المبتدعتَين ؛ مبينًا لوازم أقوالهم الشنيعة ، فضلا عن مخالفتها للنصوص ، ولما عُلم من دين الله بالضرورة ، مبينًا حقيقة قول أهل السنة ، مُفرقًا بين النوع والآحاد - كما يأتي - . فمن لم يفهم شيخ الإسلام رماه بما هو بريئ منه ؛ من موافقة الفلاسفة ! الذين هدّ الشيخ مذهبهم في مواضع كثيرة من كتبه ، ولكن ! لم ترها عيون الشانئين أو الجاهلين .

ومن الكتب التي جلّت حقيقة قول شيخ الإسلام ، وردت على مناوئيه ، وغيرهم ؛ كتاب الفاضلة : كاملة الكواري - وفقها الله - " قِدَم العالم وتسلسل الحوادث بين شيخ الإسلام والفلاسفة " ، وقدّم له الشيخ سفر الحوالي - وفقه الله وشفاه - . قال في مقدمته ( ص 17 - 22 ) :
( إن هذه الأمور العظيمة والأصول الكبرى إنما جلاها وفصّلها وتعمق في معقولها ومنقولها ، ونقَد وقارن وفصل بين الطوائف المختلفة فيها ، في كلياتها وجزئياتها : العالم الفرد والعلم الفذ شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله- ، الذي قيضه الله لهذه الأمة .
والناس في هذه الأصول ثلاث طرق:
الأولى: المتكلمون الذين سلموا ببعض أصول الفلسفة، وأصّلوا ذلك الأصل الأفسد في حدوث العالم، وأهملوا ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، حتى إنهم في مؤلفاتهم عن الأقوال والفرق لا يكادون يذكرون ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم أصلاً. وعلى أيديهم حدثت الفتن الجسام ؛كفتنة القول بخلق القرآن ، وفتنة القول بوجوب التأويل ، وغيرها. وبقيتهم في المتأخرين الكوثري وتلامذته.
والطائفة الثانية: الفلاسفة المثبتون لقِدم العالم، وعمدتهم هو نقض ما قرره أولئك المتكلمون ؛ إذ شغبوا على أهل الكلام قائلين: كيف تحول الأمر من الامتناع الذاتي إلى الإمكان أو الوجوب الذاتي؟ وكيف ترجح الفعل بلا مرجح؟ وغير ذلك من اللوازم ؟ فليس لهم على الحقيقة حجة إلا فساد قول أولئك !
والطائفة الثالثة: المنتسبون للسنة والحديث بلا خبرة في العقليات ، فكانوا فتنة للطائفتين السابقتين ، وغرضاً لسهام الفريقين، ومن تفريطهم دخلتا ، وعلى أكتافهم تسلقتا ، وهم الذين عبر عنهم شيخ الإسلام بقوله: "من انتحل مذهب السلف مع الجهل بمقالهم أو المخالفة لهم بزيادة أو نقصان.....". وبقاياهم في زماننا على ثلاثة أصناف:
1- من أعرض عن هذه المسائل بالكلية - مع أنها لا تزال تُقرر في كثير من معاهد العلم الشرعي في أنحاء المعمورة – وتُعلل بالنهي عن الخوض في علم الكلام، وهذا حق ولكن مسألة على هذا القدر من الأهمية بلوازمها واشتهار الكلام فيها ؛ لا ينبغي الجهل بها ولا تجاهلها ، وترك أهل البدع يثلمون عرض الشيخ ، ويفرون أديمه ، ويفتنون العامة بل طلبة العلم من أهل السنة.
2- من تجرأ فخطأ شيخ الإسلام وصرح برفض قوله ، وجعله مخالفاً لما اتفق عليه العلماء .
3- من ادعى أن هذا ليس مذهب شيخ الإسلام ! وجعل ذلك تبرئه لساحته ودفاعاً عنه ، فكابر عقول قراء الشيخ كلهم ، ولزمه تخطئة من خالف الشيخ ومن وافقه سواء، فابن القيم – عنده - مثلاً مخطئ حين وافق الشيخ على ما ليس مذهبه ، والألباني مثلاً مخطئ حين خالف الشيخ فيما ليس مذهبه. وصدق من قال : عدو عاقل خير من صديق جاهل.
ولا ريب أن المسألة بتفصيلاتها ولوازمها دقيقة المنـزع ، وعرة المسلك ، بعيدة الغور ، إلا أننا نذكر خلاصة ما يجب على المسلم - لاسيما طالب العلم- معرفته في هذا الشأن ، وهو هذه الأمور:
1- أن الله تعالى هو الأول الذي ليس قبله شيء.
2- أن الله تعالى متصف بصفات الكمال أزلاً وأبدًا ، ومنها كونه خالقاً لما يشاء متى شاء ، فعالا لما يريد ، فلم يأت عليه زمن كان مُعَطلاً عن الخلق أو الكلام ، أو غير ذلك من صفات كماله ، ونعوت جلاله.
3- أن كل ما سوى الله تعالى مخلوق له ، مربوب ، كائن بعد أن لم يكن.
وبعد هذا إن أمكنه أن يفهم الفرق بين النوع والآحاد ، وبين حكم الواحد وحكم المجموع ؛ فقد انكشف له أصل المسألة، وإن لم يفهمه ؛ فلا يضيره الوقوف بالساحل ، وإنما الضير في التخبط بلا هدى، وأسوأ منه الجهل المركب الذي اشترك فيه من كفروا الشيخ !! أو خطأوه ، ومن دافع عنه بنفي ما يعلم كلُ مطلع على كتبه أنه من مشهور أقواله ) .


وقال الشيخ سفر - رعاه الله - في الهامش : ( انظر تعليق الشيخ الألباني -رحمه الله- في السلسلة الصحيحة ( حديث رقم 133 ) ، وقد أوردته الباحثة الفاضلة هنا ص 167.
وللشيخ رحمه الله تعليق آخر على متن العقيدة الطحاوية ص 53 طبعة المكتب الإسلامي الثانية هذا نصه : " قلت : ذكر الشارح هنا أن العلماء اختلفوا : هل القلم أول المخلوقات، أو العرش؟ على قولين لا ثالث لهما ، وأنا وإن كان الراجح عندي الأول، كما كنت صرحت به في تعليقي عليه ..... فإني أقول الآن: سواء كان الراجح هذا أم ذاك، فالاختلاف المذكور يدل بمفهومه على أن العلماء اتفقوا على أن هناك أول مخلوق، والقائلون بحوادث لا أول لها، مخالفون لهذا الاتفاق، لأنهم يصرحون بأن ما من مخلوق إلا وقبله مخلوق، وهكذا إلى ما لا أول له، كما صرح بذلك ابن تيمية في بعض كتبه، فإن قالوا: العرش أول مخلوق، كما هو ظاهر كلام الشارح، نقضوا قولهم بحوادث لا أول لها ، وإن لم يقولوا بذلك خالفوا الاتفاق ! فتأمل هذا فإنه مهم والله الموفق " اهـ.

وبالرجوع إلى أصل كلام الشارح نجد:
1-**إنه قال "على قولين ذكرهما الحافظ أبو العلاء..... " فجمله " لا ثالث لهما" من كلام الشيخ ناصر !
2- أنه لم يقل : إن العرش أول مخلوق بل قال " أصحهما أن العرش قبل القلم " .
3- أن هذا الكلام إنما هو في الفقرة الخاصة بالإيمان باللوح والقلم ، أما في الفقرة التي تعرض فيها الشارح للموضوع نفسه أي : هل للحوادث أول ؟ فكلامه صريح في التقييد بهذا العالم المشهود لا جنس المخلوقات ، وذلك في جمل كثيرة منها: -
‌أ-**قوله : " واختلفوا في أول هذا العالم ما هو ؟ " .
‌ب- قوله عن حديث كتابة المقادير : " فأخبر *أن تقدير هذا العالم المخلوق في ستة أيام كان قبل خلقه السموات بخمسين ألف سنة " .
‌ج- قوله عن حديث عمران بن حصين : " وقد أجابهم النبي *عن بدء هذا العالم المشهود لا عن جنس المخلوقات".
وأوضح من هذا كله وأهم : أن الشارح إنما نقل كلامه عن شيخ الإسلام من منهاج السنة 1/360- 362 ، والشيخ أجل من أن يتناقض بل صرح بأن المراد هو هذا العالم لا جنس الخلق.

وإنما أوردنا هذا لأن شبهة أهل البدع في تكفير شيخ الإسلام أو تضليله هي دعوى مخالفة الإجماع ، وربما اعتضدوا بكلام الشيخ الألباني –رحمه الله- كما فعل السقاف.
ويبدو لي أن الشيخ الألباني لم يقرأ كلام شيخ الإسلام ، فهو يحيل عموماً إلى كتبه عموماً ، وأجزم أنه لو قرأه مع ما أوتي من التجرد ودقة الفهم لأقره وأيده ، لا سيما شرحه حديث عمران بن حصين. وعلى أي حال ؛ فالشيخ الألباني نقل ص 41 من الكتاب نفسه قول الشارح "...... أنه تعالى لم يزل متكلماً إذا شاء ومتى شاء وكيف شاء ..... وأن نوع الكلام قديم وإن لم يكن الصوت المعين قديماً وهذا المأثور عن أئمة السنة والحديث" ، وقد أقر الشيخ هذا القول ، وهو حق ، وهذا بعينه قول شيخ الإسلام عن صفة الخلق ، فنوع المخلوقات قديم قدم نوع الكلام ، وإن لم يكن شيء من المخلوقات المعينة قديماً ، ومخلوقاته هي أثر كلماته ، قال تعالى: "إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون " ، وقال : " ألا له الخلق والأمر" ، فمن سلم بمذهب أهل السنة في الكلام فليُسلم بكلامهم في الخلق ، كما ذكره شيخ الإسلام مؤيداً كلامه بأقوال أئمة السنة فيه ؛كالإمام أحمد والبخاري وابن المبارك والدارمي ومن قبلهم من الصحابة والتابعين.
ومما يجلي ذلك : أن شيخ الإسلام قد نص على أن اشتباه النوع بالعين وقع لكثير من الناس في الخلق كما وقع في الكلام ، انظر : مجموع الفتاوى 12/184- 191 و 154- 157 وكذلك منهاج السنة 1/195 وغيرها. والشيخ الألباني - رحمه الله- لم يقع له الاشتباه في الكلام ، بل نقل قول الشارح كما ذكرنا عارفاً بمضمونه مقراً له ، لكن وقع له الاشتباه في الخلق ؛ كما رأيت ، فلعل الشيخ زهيراً الشاويش الذي أعد الكتاب وقدم له يستدرك هذا ) . انتهى كلام الشيخ سفر .


قلت :
وأفضل من بيّن قول شيخ الإسلام وأوضحه : الأستاذ خالد السنوسي في رده على البوطي ، والدكتور عبدالله الغصن في رسالته " دعاوى المناوئين لشيخ الإسلام " . وهو موجود على هذا الرابط
http://saaid.net/monawein/taimiah/9.htm
. والله الموفق .


 

سليمان الخراشي
  • كتب ورسائل
  • رسائل وردود
  • مطويات دعوية
  • مـقــالات
  • اعترافات
  • حوارات
  • مختارات
  • ثقافة التلبيس
  • نسائيات
  • نظرات شرعية
  • الصفحة الرئيسية