اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/Warathah/Alkharashy/h/4.htm?print_it=1

حوارات مع كتاب وكاتبات (4) : محمد بن عبداللطيف آل الشيخ وخبران باطلان!

سليمان بن صالح الخراشي

 
كتب الأستاذ محمد بن عبداللطيف آل الشيخ مقالا في جريدة الجزيرة اليوم ( 18/1/1426هـ ) بعنوان " شيئ من المرأة والانتخابات البلدية " يدعو فيه إلى مشاركة المرأة في الانتخابات ( ناخبة ومرشحة ) مستدلا على دعواه بخبرين باطلين ؛ لو ثبتا فلا تعلق لهما بما يُطالب به . وقد أحببتُ توضيح ذلك في هذا المقال ؛ لأني وجدتُ تتابع عدد من الكتاب والكاتبات على الاستشهاد بهما في كثير من المواضيع المتعلقة بالمرأة ؛ بمناسبة وبغير مناسبة ! وينقل بعضهم عن بعض ! إلى أن يصل سندهم إلى بعض الكتب المنحرفة ؛ كتحرير المرأة لقاسم أمين ، أو تحرير المرأة في عصر الرسالة لأبي شقة ، أو غيرها من الكتب التي أخذ مؤلفوها على عاتقهم مهمة إخراج المرأة عما أراده الله لها ، مما يناسب طبيعتها وفطرتها ، وإقحامها فيما يظنونه يُفيدها .

فإن كان البعض قد يعذر الدعاة الأولين لهذه الفكرة ممن قد لايتبين لهم ما فيها من إفساد للمرأة وللمجتمع .. فما بال من رأى نتيجة تلك الدعوات والأفكار التغريبية عيانًا على أرض الواقع ؟! فهل جنت المرأة في الدول التي انساقت خلف ذلك عشرات السنين شيئًا يُغري نساء المؤمنين بمتابعة خطواتها ؟! الجواب يعرفه العقلاء ممن يتعظون بمصائب ومشاكل غيرهم .

=======================

يقول آل الشيخ - والتعجب مني - : ( وإذا كان من أهم وظائف (المجالس البلدية) الرقابة على المهام المناطة بالبلديات كمراقبة الأسواق مثلاً، فإن هذه المهام كانت في صدر الإسلام مهمات (حسبوية) ان جاز الاشتقاق، أي من المهام المناطة بالحسبة تحديداً، ومن الثابت ( ! ) تاريخياً أن امرأة (صحابية) اسمها (الشفاء بنت عبدالله العدوية) كان قد ولاها عمر بن الخطاب رضي الله عنه مراقبة أسواق المدينة كما ذكر الإمام ابن حزم -رحمه الله- في (المحلى) . كما ذكر الإمام ابن عبدالبر -رحمه الله- في (الاستيعاب) أن (سمراء بنت نهيك الأسدية) كانت تتولى مراقبة الأسواق و(تأديب) المخالفين. معنى ذلك أننا عندما نسمح للمرأة بعضوية المجالس البلدية فإننا في الواقع لا نتجاوز عاداتنا غير الحضارية فحسب، وإنما نحيي سنة من سنن صدر الإسلام كادت تندثر.
والمرأة في كل المجتمعات هي نصف المجتمع عددياً كما هو معروف، وهي في بلادنا ربما أكثر، وبعد مسيرة تعليمها في المملكة التي تجاوزت الآن أكثر من أربعين سنة، لا يمكن إطلاقاً تهميشها، والمطالبة بإبقائها في البيت لا تبرحه قيد أنملة كما يطالب بذلك بعض المتشددين .. ) .

إلى أن قال في خاتمة مقاله : ( وطالما أننا في المملكة محكومون بالشريعة الإسلامية في كل شؤوننا، وطالما أن الشريعة الغراء لا تمانع من مشاركة المرأة في الشؤون العامة كما شاركت الشفاء بنت عبدالله في الرقابة على سوق المدينة وكما كانت سمراء بنت نهيك أيضاً، فما الذي يمنعنا إذن من التأسي بعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ونعيد السيرة العمرية؟ ) انتهى .

=======================

قلتُ : على كلامه ثلاثة تعقبات :

أولا : خبر " الشفاء بنت عبدالله " لم يذكر له ابن حزم سندًا أو درجة ، ولذا قال ابن العربي في أحكام القرآن ( 3/1457) عنه : ( لم يصح ، فلا تلفتوا إليه ، فإنما هو من دسائس المبتدعة في الأحاديث ) .

وقال الدكتور محمد أبو فارس : ( وما ذكره ابن حزم رحمه الله من أن عمر ولى الشفاء – فلا يصلح حجة في هذا المقام ، فالخبر لم يثبت ؛ فقد ساقه غير مسند وبصيغة التمريض ، وهذه الصيغة لا تؤهل النص ليحتج به ) .

ثم إنه لو صح وثبت فيفهم منه أن عمر اختارها لتقاوم المنكرات المتعلقة بالنساء في السوق وتأمر بالمعروف .

ويؤيد هذا : ماثبت من غيرة عمر رضي الله عنه على نساء المسلمين ؛ ومن ذلك أنه كان سببًا في نزول آية الحجاب - كما عند البخاري - . ومنه قوله صلى الله عليه وسلم له : ( رأيتني دخلت الجنة .. ورأيت قصرًا بفنائه جارية ، فقلت : لمن هذا ؟ فقال : لعمر . فأردت أن أدخله فأنظر إليه ، فذكرت غيرتك ) ( أخرجه البخاري ) .

فكيف بعد هذا يُزعم أنه قد جعل امرأة تُخالط الرجال ؛ تأمرهم وتنهاهم !!

ثانيًا : وأما خبر سمراء بنت نهيك فقد ذكره ابن عبدالبر - دون سند - في الاستيعاب بغير النص الذي نقله عنه آل الشيخ ! ونصه في الاستيعاب : ( كانت تمر في الأسواق وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ، وتضرب الناس على ذلك بسوط كان معها ) !

فهو - أولا - خبر دون إسناد ؛ فلا يصح . وثانيًا : لو صح لما كان فيه دليلا لما يريده الكاتب لمن تأمل . إنما يدل على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأنه يشمل الرجال والنساء . وقد حمله البعض لو قيل بصحته على مجتمعات النساء .

ثم يلزم الكاتب ثالثًا أن يأخذ بما جاء فيه من ضرب الآمرين بالمعروف الناس بالسياط !! فهل يقول بهذا آل الشيخ ؟!

( وانظر للزيادة في الخبرين السابقين : رسالة " المرأة والحقوق السياسية في الإسلام " لمجيد أبوحجير ، ورسالة " ولاية المرأة في الفقه الإسلامي " لحافظ أنور ) .

ثالثًا : قوله في خاتمة مقاله : ( فما الذي يمنعنا إذن من التأسي بعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ونعيد السيرة العمرية؟ ) . أقول : لن يمنعك أحد إذا ما أردت ! بل هذا مما يُسر به المؤمنون أن نقتدي بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا سيما من أمر بالاقتداء بهم . مع تذكير الكاتب بما سبق أن عمر رضي الله عنه هو سبب نزول آية الحجاب ، وأنه رضي الله عنه هو أول من سن للأمة تأديب دعاة الفتنة والاختلاف ممن يريدون تفريق صف المؤمنين ، وبث الشبهات بينهم ، وإشغالهم بما يصرفهم عما فيه خيرهم ؛ كما في قصته المشهورة مع ( صبيغ بن عسل ) . ( أخرجها الآجري في الشريعة بسند صحيح ) .

وفق الله الكاتب لما يُحب ويرضى ، وجعله ممن يُسخرون قلمهم وجهدهم في نشر الخير .
 


أضيف - أيضًا - لإكمال الكلام عن سمراء بنت نهيك - رضي الله عنها - أن الطبراني في الكبير قد ذكر عن يحيى بن أبي سُليم قال : ( رأيت سمراء بنت نهيك عليها درع غليظ وخمار غليظ ، بيدها سوط تؤدب الناس ، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ) . ( قال الهيثمي رجاله ثقات ) .

فهذا مما يؤكد بطلان ما ذكره آل الشيخ من أنها ( تتولى مراقبة الأسواق ) !! . إنما كانت تأمر وتنهى بالسوط ! وتلبس الحجاب الكثيف ! دون ذكر للسوق .. فتأمل .

===========

ممن تتابع على ذكر الخبرين السابقين ، وبنى عليهما القصور العوالي ! أحمد زكي يماني في كتابه الأخير عن المرأة ؛ وهو الذي يعترف في إحدى مقابلاته أن ابنته تقرأ القرآن وتعزف العود !! جمعًا بين التراث والمعاصرة !

يقول يماني : ( وقد وصل دور المرأة في المجتمع المدني إلى أعلى المستويات. حين ولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه الشفاء بنت عبد الله المخزوميـة على حسبة السوق. والحسبة. في رأينا. تحمل الصفة القضائية والتنفيذية معاً. كما هي تجسيد للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. والسوق بمعاييرنا المعاصرة هو المركز الرئيس للنشاط التجاري. فكيف تمارس المرأة المسلمة ذلك النشاط المهم لو كانت حبيسة الدار؟
كما أعطى ابن الخطاب رضي الله عنه سمراء بنت نهيك الأسدية. التي تولت المنصب نفسه على سوق مكة. سوطاً تضرب به من يغش في البيع أو الكيل ، وهي بذلك قد جمعت بين ما يشبه السلطة القضائية وما يشبه السلطة التنفيذية ) !

أرأيت اتباعًا للهوى يفوق هذا ؟! حيث تُترك الآيات والأحاديث الصحيحة ، ثم تُضخم الحكايات والأخبار الباطلة ، وتُجعل هي الأصل والأساس . نعوذ بالله من الهوى واتباعه .

وقال شيخ الأزهر في عصره / محمد الخضر حسين - رحمه الله - : ( وما نُسب لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - من أنه ولى امرأة الحسبة ؛ فإنه قول ليس صحيح وموضوع عليه ) . " مقالة بعنوان : موقف الشريعة الإسلامية من المرأة ، جريدة الأهرام ، 27/2/1953 " نقلا من فتاوى وكلمات .. ، للدكتور عبدالرزاق الشايجي ، ص 158 ) .

 

سليمان الخراشي
  • كتب ورسائل
  • رسائل وردود
  • مطويات دعوية
  • مـقــالات
  • اعترافات
  • حوارات
  • مختارات
  • ثقافة التلبيس
  • نسائيات
  • نظرات شرعية
  • الصفحة الرئيسية