اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/Warathah/Alkharashy/h/1.htm?print_it=1

حوارات مع كتاب وكاتبات (1) : ابن زلفه والمناهج ..!

سليمان بن صالح الخراشي

 
هذه حلقة أولى من سلسلة حلقات أنوي نشرها باختصار كحوارات هادفة – إن شاء الله – مع بعض كتاب وكاتبات الصحافة في بلادنا ؛ حول قضايا متنوعة يتعرضون لها في كتاباتهم ولقاءاتهم تحتاج إلى مراجعة . سائلا الله أن ينفع بها .

مع الدكتور آل زلفة :

أجرت مجلة الدعوة في عددها ( 1961) لقاء مع عضو الشورى الدكتور محمد آل زلفة سأله فيها الصحفي : ( كثر الكلام حول مناهج التعليم في المملكة وأنها سبب في وقوع بعض الشباب في أتون التكفير والإرهاب ، ماصحة هذه المقولة من وجهة نظركم ؟ ) . فأجاب الدكتور : ( لا تخلو مناهجنا من بعض ما أوقع شبابنا فيما أشرت إليه ، لكن قد لاتكون هي كل السبب .. الخ ) !!!

قلتُ :
على هذا الكلام تعقبات كثيرة ينبغي أن يعلمها الدكتور ومن هم على طريقته في الرمي بهذا الاتهام ، وقد ذكرتُ كثيرًا منها في رسالة " مغالطات القاسم والسكران " فأنقل منها مايفيد هنا :

1- أن الدكتور لازال يردد ما يردده أعداء مناهجنا السلفية القائمة على الكتاب والسنة ، رغم توضيحات ولاة الأمور وتصريحاتهم المتكررة من نفي ذلك ، وكذلك تصريحات وفتاوى كبار العلماء ! وفي هذا محادة ومشاقة لهم من عضو الشورى ، بل فيه تزهيد وتكذيب لأقوالهم .

2- أن تكفير من كفره الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أمر لابد منه في عقيدة المسلم ، فلايستنكره إلا جاهل ؛ لأنه موجود في الكتاب والسنة . ولكن الذي يُستنكر تنزيله على من لايستحقه ؛ كما يفعل الغلاة .. وهذا لادخل للمناهج به .

3- أن من يطعن في مناهجنا الشرعية فإنما هو يطعن –شاء أم أبى- في الكتاب والسنة! ؛ لأنه ما من أمر تعرضت له المناهج إلا ودليله حاضر من الكتاب أو السنة .

4- أن من يطعن في مناهجنا فإنما هو يطعن ويقوض –شاء أم أبى- الأساسات التي قامت عليها هذه البلاد.

لماذا ؟ لأن مناهجنا الشرعية (أعني مقرر التوحيد) هي من كتب الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب وعلماء الدعوة، وهي الكتب التي قامت عليها هذه البلاد –بعد الله- منذ نشأتها وارتضاها ملوكها -سابقاً ولاحقاً- منهجاً لهم؛ كما مضى في كلماتهم وخطاباتهم.

فمناهج التوحيد للصفوف الابتدائية هي من الرسائل والقواعد القصيرة للشيخ الإمام.

ومناهج التوحيد للصفوف المتوسطة هي كتاب التوحيد للشيخ الإمام.

ومناهج التوحيد للصفوف الثانوية هي من مسائل علماء الدعوة قديماً وحديثاً.

فالطاعن في هذه المناهج إنما هو طاعن في مؤلفيها وواضعيها والراضين بها من أئمة وملوك هذه البلاد.

5- أن ابن زلفة لم يبين ما هي الأمور التي يرى أنها تشجع على تكفير من لايستحق التكفير ، أو تُشجع على الارهاب . إنما هو يردد ما يردده غيره من الحاقدين المغرضين ، ونربأ بالدكتور وهو الذي وثق فيه ولاة الأمور ووضعوه عضوًا للشورى أن ينساق وراء أولئك .

6 - أن مناهجنا لها أكثر من 70 عامًا ؛ فما بالها لم تخرج الإرهابيين إلا هذه السنين القريبة ؟!

7- أن مناهجنا خرجت ملايين من الطلبة والطالبات - ومنهم ابن زلفة نفسه ! - فلماذا لم يصبحوا إرهابيين ؟!

8 - أن من يطعن في مناهجنا ويتهمها بهذه التهمة فإنما يطعن في ملوك آل سعود الذين نصروا هذه المناهج ونشروها ، وآمنوا بها وارتضوها ، وأعزهم الله بها . وأقوالهم في هذا كثيرة جدًا ، أكتفي منها بملوك الدولة السعودية الثالثة المعاصرة ؛ ليعلم الدكتور ومن يوافقه أن الاعتزاز بهذه المناهج السلفية مستمر في أحفاد أئمة آل سعود كما كان عليه أسلافهم - ولله الحمد - :

يقول الملك عبدالعزيز -رحمه الله- في رسالته لأهل القصيم: "ثم تفهمون أن الله سبحانه منَّ علينا وعليكم بدعوة شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب –رحمه الله- وإظهاره لدين الإسلام، وإيضاح ذلك بالأدلة والبراهين من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم".
ويقول –رحمه الله-: "قد أظهر الله في آخر الأمر شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم ثم من بعدهم الشيخ محمد بن عبدالوهاب –رحمهم الله تعالى- ونفع بهم الإسلام والمسلمين.
ولما ندرت أعلام الإسلام وكثرت الشبهات والبدع، خصوصاً أيام الشيخ محمد بن عبدالوهاب، قام أسلافنا بأقوالهم وأفعالهم بما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، قبلوا ذلك وقاموا به وأظهره الله على أيديهم. ونحن إن شاء الله على سبيلهم ومعتقدهم، نرجو أن يحيينا الله ويميتنا على ذلك".
ويقول -رحمه الله- في رسالته لفيصل الدويش- مبيناً ضرر أهل البدع: "ولا يقطع عقلك يا فيصل يا أخي أن على الإسلام وأهله أضر من أهل الجهل والبدع إذا صاروا في قلب المجتمع".
ويقول –أيضاً-: "إنني رجل سلفي، وعقيدتي هي السلفية التي أمشي بمقتضاها على الكتاب والسنة" .
ويقول -رحمه الله- في خطاب صريح وواضح: "يسموننا "الوهابيين"، ويسمون مذهبنا "الوهابي" باعتبار أنه مذهب خاص.. وهذا خطأ فاحش نشأ عن الدعايات الكاذبة التي كان يبثها أهل الأغراض.. نحن لسنا أصحاب مذهب جديد أو عقيدة جديدة، ولم يأت محمد بن عبدالوهاب بالجديد، فعقيدتنا هي عقيدة السلف الصالح التي جاءت في كتاب الله وسنة رسوله وما كان عليه السلف الصالح.
ونحن نحترم الأئمة الأربعة ولا فرق عندنا بين مالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة.. كلهم محترمون في نظرنا.
هذه هي العقيدة التي قام شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب يدعو إليها. وهذه هي عقيدتنا، وهي عقيدة مبنية على توحيد الله عز وجل خالصة من كل شائبة منـزّهة من كل بدعة، فعقيدة التوحيد هذه هي التي ندعو إليها، وهي التي تنجينا مما نحن فيه من محن وأوصاب".
قلت: وهكذا سار أبناؤه من بعده إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد -حفظه الله-. الذي كان أول وزير للمعارف ، يفخرون بحمل هذه العقيدة السلفية، ولا يفكرون بالتفريط بها -ولله الحمد-.
يقول خادم الحرمين الشريفين: "قد سعد المسلمون بشريعة الإسلام حين حكموها في حياتهم وشؤنهم جميعاً. وفي التاريخ الحديث قامت الدولة السعودية الأولى منذ أكثر من قرنين ونصف: على الإسلام؛ حينما تعاهد على ذلك رجلان صالحان هما: الإمام محمد بن سعود، والشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمهما الله- قامت هذه الدولة على منهاج واضح في السياسة والحكم والدعوة والاجتماع. هذا المنهاج هو الإسلام: عقيدة وشريعة" .
ويقول –حفظه الله-: "إن التربية الإسلامية موجودة في كل بيت في هذه البلاد؛ وهي التربية الصحيحة التي لا تمنعنا من أي شيء فيه فائدة لنا ديناً ودنيا" .
ويقول –سلمه الله- في خطاب صريح: "لقد وجدت من المناسب ولو أن الموضوع الذي سوف أقوله للإخوة ليس له علاقة بمؤتمركم، إلا أنها مناسبة طيبة لإيضاح أمر يتردد، ورأيت أن من المفيد إذا سمح الإخوة وسامحوني في نفس الوقت أن أتحدث عنه، رغم أنه لا يتعلق بعملهم.
لقد درجت كثير من الصحافة في عالمنا الإسلامي أو في عالمنا العربي أو العالم الغربي أو العالم الشرقي على نعت هذه الدولة بأنها "وهابية".
إن منهم من يعتبر هذا مديحاً إذا رضي، ويعتبره ذماً إذا غضب، ويرى أن "الوهابية" مذهب يخالف مذهب أهل السنة والكتاب، ويخالف مذهب السلف الصالح.
هذا الأمر قد لا يعنيكم كثيراً، ولكن إذا سمحتم لي أن أعتبر هذه المناسبة فرصة لكي يعلم إخواننا الإعلاميون أو كتابنا ويدركوا تماماً، أنه ليس هناك شيء اسمه "وهابية".
إذا أراد أحد يهين هذه البلاد وأهلها، فإنه يطلق عليهم "وهابيين".
وهذا معناه إذا تقبلناه أن لنا مذهباً آخر يختلف عن العقيدة الإسلامية.
أولاً: ليس هناك شيء اسمه "وهابية"، وإذا أراد أحد أن يكيل لنا شيئاً لا يوجد فينا أو يهين كرامة إمام من أئمة المسلمين، هو الإمام الشيخ محمد بن عبدالوهاب، فإنه يلصق بهذه الدولة اسم "وهابية"، وأنا أقول ليس هناك شيء اسمه "وهابية" في هذه البلاد.
ومن اطلع على مؤلفات شيخنا الكبير في هذه البلاد الإمام محمد بن عبدالوهاب يجد أنه درّس في صغره الأئمة في هذه البلاد، ثم انتقل للدراسة في الحرمين الشريفين. وبعد ما تشبّع بالدراسة على أيدي العلماء المسلمين الذين كانوا موجودين آنذاك هنا، أو ممن يفدون إلى بيت الله الحرام سواء للعمرة أو للحج، ذهب إلى البصرة واستفاد من كثير من العلماء الأفاضل.
وبعدها ذهب إلى الإحساء، واستفاد كذلك من طلاب العلم الموجودين في ذلك الوقت، ثم عاد إلى وسط المملكة العربية السعودية.
كانت العقيدة الإسلامية موجودة، ولكن كانت تشوبها شوائب كثيرة، وأدخلت عليها بعض الأمور التي لا تتفق مع نص العقيدة الإسلامية الصحيحة.
فكان تفكير الإمام محمد بن عبدالوهاب ينصب على اختيار الوسيلة التي يستطيع أن يوضح بها هذا الإمام الجليل، لشعب هذه الجزيرة في ذلك الوقت، المفهوم الصحيح للعقيدة الإسلامية."
ويقول –حفظه الله- راداً على أهل البدع: "العقيدة الإسلامية –والحمدلله- أبانت الأمور بشكل غير قابل للنقاش؛ إلا من أراد أن يوهم بأشياء أخرى. والدين الإسلامي وسط، فلا رهبنة في الإسلام، وقد يعتقد البعض أن التصوف أو بعض النواحي الأخرى البعيدة عن منطق الإسلام هي الإسلام. إنه على العكس؛ فالإسلام فيه المرونة والمحبة والتقوى والعمل والجد والنشاط، ولم تأمر العقيدة الإسلامية بالكسل أو التكاسل أو التصوف على غير معنى " .

مناهجنا : هل تشجع على التكفير والإرهاب كما يزعم ابن زلفة ؟!

بما أن مناهجنا الشرعية -ولله الحمد- نابعة من عقيدة أهل السنة والجماعة عقيدة السلف الصالح التي ارتضاها الله لعباده المؤمنين؛ فإنها كانت وسطاً بين الغالين والجافين في جميع مسائل العقيدة، وعلى رأسها مسألة التكفير؛ فهي وسط بين الغلاة من الخوارج الذين يكفرون المسلمين بالذنوب والكبائر، وبين المفرطين من المرجئة والعصريين الذين لم يكفروا من كفره الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

وجاءت محذرة من التهاون في إطلاق الكفر على من ثبت إسلامه، وعدم التساهل في هذا الأمر الخطير.

ثم جاءت أخيراً بالحث على لزوم جماعة المسلمين، والسمع والطاعة لولاة الأمر، والزجر والتخويف لمن نازع الأمر أهله.

فإليك نماذج وأمثلة تبين هذا من مناهجنا؛ ليتضح لك مقدار الجناية والجرم والافتراء الذي خطته يدا كاتبي البحث عندما زعما زوراً أن مناهجنا ذات نزعة تكفيرية !:

المثال الأول : جاء في مادة (الحديث) للصف الأول المتوسط الحديث التالي تحت عنوان: النهي عن تكفير المسلم: "عن عبدالله بن عمر –رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما امرئ قال لأخيه: يا كافر! فقد باء بها أحدهما، إن كان كما قال وإلا رجعت عليه".

إرشادات الحديث:

1- التحذير الشديد من تكفير المسلم بدون سبب يكفره.

2- من كفّر مسلماً بدون سبب فإن التكفير قد يرجع عليه.

3- تحريم الإسلام لجميع الأمور التي تفرق بين المسلمين ومنها نسبة المسلم إلى الكفر.

4- دل الحديث على تحريم عرض المسلم والاعتداء عليه بأي وصف من الأوصاف التي تخرجه عن دينه.

5- وجوب تطهير اللسان والمحافظة عليه من الألفاظ والكلمات التي توقع في الكفر.

6- على المسلم أن ينصح أخاه المسلم إذا رأى منه أمراً يخل بالدين، بدل أن يسارع إلى رميه بالكفر".

المثال الثاني : جاء في مادة (التوحيد) للصف الثالث الثانوي: "التكفير: التكفير هو الحكم على شخص بأنه كافر.

أحوال الناس في الحكم عليهم: الإنسان، إما أن يكون كافراً أصلياً كاليهود والنصارى والوثنيين وتكفير هؤلاء واجب بل إن من لم يكفرهم أو شك في كفرهم فهو كافر، وإما أن يكون مسلماً فهذا لا يجوز تكفيره إلا إذا توفرت الشروط وانتفت الموانع.

خطورة تكفير المسلم: تكفير المسلم أمر عظيم وخطير لا يجوز الإقدام عليه إلا إذا توفرت الشروط وانتفت الموانع، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً تبتغون عرض الحياة الدنيا) .

وقال صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله" وعن أسامة رضي الله عنه قال: "بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية فصبّحنا الحرقات من جهينة فأدركت رجلاً فقال: لا إله إلا الله فطعنته، فوقع في نفسي من ذلك فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقال لا إله إلا الله وقتلته؟ قال: قلت: يا رسول الله إنما قالها خوفاً من السلاح، قال: أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا ؟! فما زال يكررها عليّ حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ"، فأجرى صلى الله عليه وسلم أمرهم في هذه الدنيا على الظاهر وهو ما أقروا به من الإسلام، وهذا هو الأصل بقاء المسلم على إسلامه حتى يأتي ما ينقله عنه ببرهان صحيح، وقد ورد في السنة التشديد في تكفير المسلم لأخيه المسلم. قال صلى الله عليه وسلم: "إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء به أحدهما".

التكفير حق لله: فلا نكفر إلا من كفّره الله ورسوله. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فلهذا كان أهل العلم والسنة لا يكفرون من خالفهم وإن كان ذلك المخالف يكفرهم لأن الكفر حكم شرعي، فليس للإنسان أن يعاقب بمثله، كمن كذب عليك وزنى بأهلك ليس لك أن تكذب عليه وتزني بأهله، لأن الزنا والكذب حرام لحق الله تعالى، وكذلك التكفير حق لله فلا نكفر إلا من كفره الله ورسوله".

أنواع التكفير: للتكفير أنواع ثلاثة؛ تكفير بالعموم، وتكفير أوصاف، وتكفير أشخاص وسنعرض لهذه الأنواع بالتفصيل التالي:

‌أ- التكفير بالعموم: ومعناه تكفير الناس كلهم عالمهم وجاهلهم من قامت عليه الحجة ومن لم تقم. وهذه طريقة أهل البدع وقد برأ الله أهل السنة منها.

‌ب- تكفير أوصاف: وهذا كقول أهل العلم في كتب العقائد في باب الردة من كتب الفقه: من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويتوكل عليهم ويسألهم كفر، ومن سب الله أو رسوله صلى الله عليه وسلم كفر، ومن كذب بالبعث كفر. وإطلاق أهل العلم هذا يقصدون به أن هذا الفعل كفر يخرج من الإسلام أما صاحبه فلا يكفرونه حتى تتوفر الشروط وتنتفي الموانع، فليس من لازم كون الفعل كفراً أن يكون فاعله كافراً .

‌ج- تكفير المعين: والمقصود به الحكم على الشخص الذي وقع في أمر يخرج من الملة بالكفر.

ومذهب أهل السنة والجماعة في ذلك وسط بين من يقول: لا نكفر أحداً من المسلمين ولو ارتكب ما ارتكب من نواقض الإسلام.. وبين من يكفر المسلم بكل ذنب دون النظر إلى أن هذا الذنب مما يكفر به فاعله أم لا ودون النظر إلى توفر شروط التكفير وانتقاء موانعه.

شروط التكفير : يشترط للتكفير شرطان :

أحدهما : أن يقوم الدليل على أن هذا الشيء مما يكفر به فاعله.

الثاني: انطباق الحكم على من فعل ذلك بحيث يكون عالماً بذلك قاصداً له مختاراً، فإن كان جاهلاً أو متأولاً أو مخطئاً أو مكرهاً فقد قام به مانع من موانع التكفير فلا يكفر على حسب التفصيل الآتي في موانع التكفير.

موانع التكفير: (أ) الجهل: والجهل يكون مانعاً من موانع التكفير في حالات دون حالات وإليك تفصيل ذلك فيما يأتي:

1- من كان حديث عهد بالإسلام أو من نشأ ببادية بعيدة عن أهل العلم والإيمان فأنكر شيئاً مما هو معلوم من الدين بالضرورة كالصلاة أو تحريم شرب الخمر وكذا من نشأ في بلاد يكثر فيها الشرك ولا يوجد من ينكر عليهم ما يقعون فيه من الشرك فلا يكفرون إلا بعد أن تقام عليهم الحجة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: بعد أن ذكر بعض أنواع الشرك "... وإن ذلك من الشرك الذي حرمه الله ورسوله لكن لغلبة الجهل وقلة العلم بآثار الرسالة في كثير من المتأخرين لم يمكن تكفيرهم بذلك حتى يتبين لهم ما جاء به الرسول مما يخالفه" وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب: "... وإذ كنا لا نكفر من عبد الصنم الذي على قبر عبد القادر والصنم الذي على قبر أحمد البدوي وأمثالهما لأجل جهلهم وعدم من ينبههم"

2- من أنكر الأمور المعلومة من الدين بالضرورة كوجوب الصلاة والزكاة وتحريم شرب الخمر مع كونه في دار إسلامٍ وعلمٍ، ولم يكن حديث عهدٍ بإسلام فإنه يكفر بمجرد ذلك.

3- هناك أحكام ظاهرة متواترة مجمع عليها ومسائل خفية غير ظاهرة لا تعرف إلا من طريق الخاصة من أهل العلم كإرث بنت الابن السدس مع بنتٍ وارثة النصف تكملة للثلثين. فمن أنكر شيئاً من هذه الأحكام من العامة فلا يكفر إلا بعد أن تبين له ثم يصر على إنكاره، أما من أنكرها من أهل العلم فيكفر إذا كان مثله لا يجهلها.

(ب) الخطأ : بأن يعمل عملاً أو يعتقد اعتقاداً يكون مخالفاً للإسلام كمن حكم بغير ما أنزل الله مخطئاً وهو يريد أن يحكم بما أنزل الله أو فعل شيئاً من الشرك يظنه جائزاً أو أنكر شيئاً من الدين ظاناً أنه ليس منه والدليل قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر". قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وليس لأحد أن يكفر أحداً من المسلمين وإن أخطأ وغلط حتى تقام عليه الحجة وتبين له المحجة، ومن ثبت إسلامه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة".

(ج) التأويل: وهو صرف اللفظ عن ظاهره الذي يدل عليه إلى ما يخالفه لدليل منفصل، وهو قسمان:

القسم الأول: قسم يعذر صاحبه بتأويله، وهو ما كان مبنياً على شبهة، بأن كان له وجه من لغة العرب، وخلصت نية صاحبه؛ كمن تأول في صفات الله تعالى وكان تأويله مبنياً على شبهة وخلصت نية صاحبه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن سبب عدم تكفير الإمام أحمد وغيره لمن قال بخلق القرآن بعينه: "إن التكفير له شروط وموانع وقد تنتفي في حق المعين، وإن تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع، يبين هذا أن الإمام أحمد وعامة الأئمة الذين أطلقوا هذه العمومات لم يكفروا أكثر من تكلم بهذا الكلام بعينه". وقال في موضع آخر عن نفس المسألة: "فالإمام أحمد رضي الله عنه ترحم عليهم واستغفر لهم لعلمه بأنه لم يتبين لهم أنهم مكذبون للرسول ولا جاحدون لما جاء به، ولكن تأولوا فاخطاؤا وقلدوا من قال ذلك لهم".

والقسم الثاني: تأويل لا يعذر أصحابه كتأويلات الباطنية والفلاسفة ونحوهم ممن حقيقة أمرهم تكذيب للدين جملة وتفصيلا أو تكذيب لأصل لا يقوم الدين إلا به كتأويل الفرائض والأحكام بما يخرجها عن حقيقتها وظاهرها. فهذا كفر مخرج عن الإسلام.

(د‌) الإكراه : من أكره على الكفر بأن ضُرب وعذب، بأن يرتد عن دينه أو يسب الإسلام.. أو هدد بالقتل والمهدِّد قادر على فعل ما هدد به، فكفر ظاهراً مع اطمئنان قلبه بالإيمان فهذا معذور ولا يكفر بفعله ذلك، قال تعالى: (من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضبٌ من الله ولهم عذاب عظيم)

كيفية قيام الحجة : لا يحكم على معين بالكفر إلا بعد قيام الحجة عليه وإصراره على الكفر الذي وقع منه، وإقامة الحجة يختلف من بلد إلى آخر ومن زمان إلى آخر ومن شخص إلى آخر ومن كونه كلاماً نظرياً إلى تطبيق على شخص معين ويتلخص ذلك: ببلوغ الحجة للمعين وثبوتها، وتمكنه من معرفتها وكل ذلك لا يتم إلا بوجود من يحسن إقامة الحجة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "... وهكذا الأقوال التي يكفر قائلها: قد يكون الرجل لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحق، وقد تكون عنده ولم تثبت عنده، أو لم يتمكن من فهمها، وقد يكون عرضت له شبهات يعذره الله بها، فمن كان من المؤمنين مجتهداً في طلب الحق وأخطأ فإن الله يغفر له خطأه كائناً ما كان". وقال الشيخ سليمان بن سحمان: "الذي يظهر لي والله أعلم أنها لا تقوم الحجة إلا بمن يحسن إقامتها وأما من لا يحسن إقامتها كالجاهل الذي لا يعرف أحكام دينه ولا ما ذكره العلماء في ذلك، فإنه لا تقوم به الحجة" .

المثال الثالث : جاء في كتاب (التوحيد) للصف الثالث الثانوي فصل عن (الفتنة) ورد فيه في بيان موقف المسلم من الفتنة:

((ج) لزوم جماعة المسلمين وإمامهم إذا وقعت الفتنة، فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام فيعتزل تلك الفرقة كلها.

عن حذيفة رضي الله عنه قال: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم. قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: "نعم وفيه دخن" قلت: وما دخنه؟ قال: "قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر"، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: "نعم، دعاةٌ على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها": قلت: يا رسول الله صفهم لنا، قال: "هم من بني جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا". قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: "تلزم جماعة المسلمين وإمامهم" قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: "فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك".

(د) الصبر على جور الولاة وعدم الخروج عليهم إلا إن وقع منهم كفر بواحٌ، فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه فقال فيما أخذ علينا: "أنْ بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان".

(هـ) ترك السعي في الفتنة بأي طريق وكلما كان الإنسان أبعد منها كان أسلم من الوقوع فيها:

فعن أبي بكر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنها ستكون فتن ألا ثُمَّ تكون فتنةٌ القاعدُ فيها خير من الماشي إليها والماشي فيها خير من الساعي إليها. ألا فإذا نزلت أو وقعت فمن كان له إبل فليلحق بإبله، ومن كانت له غنم فليلحق بغنمه، ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه"، قال: فقال رجل: يا رسول الله! أرأيت من لم يكن له إبل ولا غنم ولا أرض؟ قال: "يعمد إلى سيفه فيدق على حده بحجر، ثم لينج إن استطاع النجاء. اللهم! هل بلغت؟ اللهم! هل بلغت؟ اللهم! هل بلغت؟" قال: فقال رجل: يا رسول الله أرأيت إن أكرهت حتى ينطلق بي إلى أحد الصفين أو إحدى الفئتين فضربني رجل بسيفه أو يجئ سهم فيقتلني ؟ قال: "يبوء بإثمه وإثمك ويكون من أصحاب النار" ) .

المثال الرابع : جاء في كتاب (الحديث) للصف الثاني الثانوي: فصل بعنوان (حقوق الراعي والرعية) ورد فيه:

(1-السمع والطاعة:

والمراد بها الانقياد له والتنفيذ لأمره، والانتهاء عما ينهى عنه ما لم تكن في معصية الله تعالى. وقد جاءت النصوص الكثيرة في ذلك، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) . وهذه الطاعة تكون في جميع أحوال الإنسان، من العسر واليسر، والمنشط والمكره، وفي حال المحبة والكره، ومهما كان الوالي .

أخرج البخاري وغيره عن أنس بن مالك –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة".

وأخرج مسلم وغيره، عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك، ومنشطك ومكرهك، وأثرة عليك".

وروى الشيخان عن عبد الله بن عمر –رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة".

وهذه الطاعة لها أجر وثواب، إذ هي من طاعة الله تعالى وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، روى الشيخان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني".

2-الاجتماع على الوالي:

من أهم الحقوق: الاجتماع على الوالي، وعدم الفرقة والاختلاف عليه، فالاجتماع رحمة، والفرقة شر، وكلما اجتمعت الأمة على الوالي قويت شوكتها، وشاع الأمن فيها، واطمأن الناس، وهابها أعداؤها، واستقام أمرها.

عن حذيفة رضي الله عنه قال: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم. قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: "نعم وفيه دخن" قلت: وما دخنه؟ قال: "قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر"، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: "نعم، دعاةٌ على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها": قلت: يا رسول الله صفهم لنا، قال: "هم من بني جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا". قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: "تلزم جماعة المسلمين وإمامهم" فقلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: "فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك".

3-النصرة والجهاد معه والدعاء له :

وهذا من حقوق الوالي، إذ إنه من مقتضى السمع والطاعة، والاجتماع عليه أن يجاهدوا معه ولا يخذلوه، وأن يدعوا له بالصلاح والتوفيق والتسديد، ففي ذلك مصلحة الأمة بأفرادها ومجموعها، قال الطحاوي رحمه الله: "والحج والجهاد ماضيان مع أولي الأمر من المسلمين، برّهم وفاجرهم، إلى قيام الساعة، لا يبطلهما شيء ولا ينقضهما".

وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: "لو أن لي دعوة مستجابة لجعلتها للإمام؛ لأن به صلاح الرعية، فإذا صلحت أمن العباد والبلاد".

4-النصيحة له :

وهذه من أجل الحقوق، إذ بها يكمل الخير، ويتعاون الجميع على البر والتقوى، أخرج مسلم وغيره، عن تميم بن أوس الداري –رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الدين النصيحة" ثلاثاً، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: "لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم".

وعن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يرضى لكم ثلاثاً، ويسخط لكم ثلاثا، يرضى لكم: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً، وأن تناصحوا من ولاّه الله أمركم..." الحديث.

5-عدم الخروج عليه :

ولا شك أن مقتضى الاجتماع عليه والطاعة له: عدم الخروج أو منابذته بالسيف وغيره. ولو كان جائراً؛ لما يترتب على الخروج عليه من المفاسد العظيمة كالتفرق والتشتت، وعدم الأمن والطمأنينة، وغير ذلك، وقد تقدم ما يدل على ذلك من حديث حذيفة وغيره.

وعن ابن عباس –رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر، فإن من فارق الجماعة شبراً فمات فميتته جاهلية".

وروى مسلم عن عوف بن مالك –رضي الله عنه- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم، ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم" فقلنا: يا رسول الله، أفلا ننابذهم بالسيف عند ذلك؟ قال: "لا، ما أقاموا فيكم الصلاة ألا من ولي عليه والٍ فرآه يأتي شيئاً من معصية الله، فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينـزعنّ يداً من طاعته" ) .

المثال الخامس : جاء في كتاب (الفقه) للصف الأول الثانوي: فصل بعنوان (حد قطاع الطرق: الحرابة) ورد فيه:

(ويدخل في الحرابة: ما يقع من ذلك في طائرة أو سفينة، أو سيارة، وسواء كان تهديداً بسلاح، أو زرعاً لمتفجرات، أو نسفاً لأبنيه".

وورد فيه –أيضاً-: "ومن صور الحرابة التي مُنِيَتْ بها الأمة في العصر الحاضر ما يسمى بـ(الاختطاف) الذي كثر وقوعه وتفنن المجرمون في أسالبيه.

لذا فإن جرائم الخطف لانتهاك الحرمات على سبيل المجاهرة من الحرابة والفساد في الأرض، ويستحق فاعلها العقاب الذي ذكره الله تعالى في آية المائدة وسبق بيانه.

وسواء في ذلك أن يكون الخاطف قد قتل، أو جنى جناية دون القتل، أو أخذ المال، أو انتهك العرض، أو لم يكن منه إلا الإخافة والتهديد. وسواء كان الخطف في المدن والقرى أو في الصحاري، في السيارات أو الطائرات أو القطارات أو غيرها، وسواء كان تهديداً بسلاح أو وضعاً لمتفجرات أو أخذاً لرهائن أو احتجازاً لهم في أماكنهم والتهديد بقتلهم أو نحو ذلك".

وورد فيه –أيضاً- : "وجوب السمع والطاعة لإمام المسلمين في غير معصية الله:

إن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين وضرورياته، بل لا قيام للدين ولا للدنيا إلا بها، فإن بني آدم لا تتم مصالحهم إلا باجتماعهم، ولابد عند الاجتماع من أمير، وقد أوجبه الشارع في الاجتماع القليل العارض كالسفر تنبيهاً بذلك على ما هو أهم وهو اجتماع الناس تحت إمام واحد.

ولأن الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والجهاد، والعدل، ونصر المظلوم، وإقامة الحدود، ولا يتم ذلك إلا بالقوة والإمارة.

وقد أمر الله جل وعلا بطاعة ولاة الأمر فقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) .

وأمر به المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال: "من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله ومن أطاع الأمير فقد أطاعني، ومن عصى الأمير فقد عصاني" متفق عليه. وهذا ما لم يأمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا يطاع فيها.

عن عبد الله بن عمر –رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "على المرء السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة" متفق عليه.

والسمع والطاعة لولاة الأمر في غير معصية الله أمر مجمع عليه عند أهل السنة والجماعة، وأصل من أصولهم التي باينوا بها أهل البدع والأهواء.

تحريم الخروج عليه: إذا تمت البيعة للإمام بأن بايعه أهل الحل والعقد ثبتت ولايته ووجبت طاعته ويكفي عامة الناس أن يعتقدوا دخولهم تحت طاعة الإمام، وأن يسمعوا ويطيعوا، فمن مات وليس في عنقه بيعةٌ مات ميتة جاهلية، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية" رواه مسلم.

ولا يجوز الخروج على ولي الأمر، ولا نزع يدٍ من طاعته ولو جار وظلم، ولا الدعاء عليه، وإنما الواجب على المسلم أن يكره ظلمه ومعصيته، ويصبر عليه ويناصحه، ويجب على أهل العلم والفضل الاجتهاد في مناصحته سرّاً، من غير إثارة فتنة، أو تحريض عليه.

فعن عوف بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، ويصلون عليكم وتصلون عليهم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم" قلنا: يا رسول الله؛ أفلا ننابذهم بالسيف؟ فقال: "لا ما أقاموا فيكم الصلاة، وإذا رأيتم من ولاتكم شيئاً تكرهونه فاكرهوا عمله، ولا تنـزعوا يداً من طاعة" رواه مسلم.

وعن ابن عباس –رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات فميتته جاهلية" متفق عليه.

ولذا أمر صلى الله عليه وسلم الأنصار بالصبر لما أخبرهم أن الأمراء سيستأثرون عليهم ويمنعونهم حقوقهم. أما الخروج على الإمام فلا يجوز إلا إذا أتى كفراً صريحاً.

عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه، فكان مما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، قال: "إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان" متفق عليه) .

المثال السادس: جاء في كتاب (الحديث) للصف الثالث الثانوي فصل بعنوان "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" ورد فيه: تحت شروط إنكار المنكر: (أن يكون ظاهراً دون تجسس، فإن كان إنكار المنكر متوقفاً على التجسس فلا يجوز الإنكار؛ لقوله تعالى (ولا تجسسوا) ولأن للبيوت وما شابهها حرمة لا يجوز انتهاكها بغير مبرر شرعي) .

قلت: هذه مجرد نماذج وأمثلة واضحة وسهلة لبعض ما ورد في مناهجنا الشرعية مما يتعلق بأمور التكفير والسياسة الشرعية وإنكار المنكر أوردتها لتكون حاضرة في ذهن قارئ هذه الرسالة يتبين له من خلالها مدى الجناية والرمي بالباطل والبهتان الذي قام به الباحثان –هداهما الله-.

وليتبين له أن مناهجنا ومن وضعها من العلماء الأفاضل ليست زاداً مناسباً للغلاة في التكفير، ودعاة التفجير والتخريب، فلهذا لجأوا إلى غيرها مما يوافق تشددهم.

بل كان علماؤنا -خلال مسيرتهم- يقفون بالمرصاد لكل تيار يغلو أو يتشدد فيخالف هذه المناهج السلفية الواضحة.

وما مواقفهم تجاه فتنة "الإخوان" زمن الملك عبدالعزيز -رحمه الله- ، وفتنة "جهيمان"، وفتنة "دعاة التهييج"، وفتنة "غلاة التكفير بين المعاصرين" إلا شاهد على هذا.

فما مثل من يرميهم ومناهجهم -بعد هذا- بالتكفير إلا كما قيل: "رمتني بدائها وانسلت".

تنبيه : الهوامش موجودة في رسالة المغالطات .


 

سليمان الخراشي
  • كتب ورسائل
  • رسائل وردود
  • مطويات دعوية
  • مـقــالات
  • اعترافات
  • حوارات
  • مختارات
  • ثقافة التلبيس
  • نسائيات
  • نظرات شرعية
  • الصفحة الرئيسية