بسم الله الرحمن الرحيم

 تحذير أهل التوحيد من فتنة التجسيد ! !

 
: : فتنة التجسيد . ! ! : :

حقاً إنها فتنة . ! !
لقد صار المسلمون إلى زمن بعدوا فيه عن منهج الوحي - إلا من رحم ربك وقليل ما هم ! -
فصرت ترى المتمسك بالمنهج الحق غريباً بين الناس - بله - غريباً بين جملة أهل الحق ! !
لقد مرّت الأمة الإسلامية - وخاصة في هذا العصر - بنكبات وبلايات - من عند أنفسهم - أثرت هذه النكبات على سلوك كثير من
الغيورين أيأستهم عن التغيير وأقعدتهم عن العمل ، وأنشأت فيهم هذه الفتنة .. فتنة التجسيد !
فتنة التجسيد التي جعلت للمتقاعس مخرجا ومبرراً للقعود والكسل !
وبحق صارت فتنة ..!
لأنك تجد أن من جملة الواقعين فيها ذلك الحليم الذي لم يعد حيران حتى وقع فيها!
وبحق هي فتنة . .
لأنها في صورتها تصور وجه للحق ..!
لكنها ليست هي الحق كله !
فما ترى هي فتنة التجسيد ؟؟!
إنها : تجسيد المبادئ في أشخاص !!
أو في جماعات !!
أو في وسائل !!
وبعيدا عن مسميات الأشخاص أو وصف الجماعات أو تعداد الوسائل ، فإننا نجد اليوم من الناس - الغيورين - من ليس له في الواقع
إلا أنه من محبي فلان وفلان ، أو من طائفة الجماعة الفلانية وهكذا .. وهو مع هذا لا يقبل عليهم قولا ولا همساً ! !
والأخطر من هذا أن يبرر لهم أخطاءهم وأفعالهم ! !
إن الأصل في العملية التربوية - وفي دعوة الناس عموماً - أن تتركز الجهود في الدعوة والتربية على توثيق الصلة برب العالمين وبمنهجه القويم وأن لا نعلق الناس ببشر أو بطائفة أو وسيلة ! !
فإن الأشخاص مهما يكونوا عظماء فهم غير معصومين .
والوسائل مهما كانت ناجحة فهي محدودة بحدود الزمان والمكان .
والذي يتأمل نصوص الشرع ومصائر الأمم يدرك أن الخلط بين المبادئ والأشخاص، أوالمبادئ والوسائل، من أسوإ الأدواء الفكرية والعملية. !!!
ولذلك نقرأ في المنهج الرباني قول الله تعالى : ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ) ! !
فهذا هو الرسول محمد صلى الله عليه وسلم الذي أرسله الله تعالى ليبلغ هذا المنهج الرباني ، ومع ذلك فإن الله جل وتعالى يوجّه العباد إلى ترك التعلق به وأن الواجب هو اقتفاء أثره ! !
هذا المنهج نجده واضحا جلياً في توجيهات المصطفى صلى الله عليه وسلم أحرص الناس على أمته وأرحمهم بها يقول :
( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي ) : : أبو داود ح / 3991 ، والترمذي ح / 2600 وقال حديث حسن صحيح . : :
فتأمل هذا الأمر المطلق باتباع سنته بإطلاق لأنه معصوم: "عليكم بسنتي"، ثم أمر باتباع سنة الخلفاء من بعده، لكنه قيدها بالرشد:
"وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي".
وفي ذلك درس ثمين في التمييز بين الشخص والمبدأ، حتى ولو كان ذلك الشخص أحد الخلفاء الراشدين.!!
وههنا سأسرد جملة من النصوص النبوية التي تؤصل هذاالمعنى :
- في حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لتأخذوا عني مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد عامي هذا ) !
- جمعه الناس بماء بين مكة والمدينة يسمى " خمّا " وخطبهم فقال : ( يا أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب )
ثم أمرهم بالتمسك بالكتاب ووصى بأهل بيته : : مسلم ح / 4425 : :
- وعن ابن عمرو رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج عليهم يوما كالمودع فقال : ( أنا محمد النبي الأمي - قال ذلك ثلاثاً - ولا نبي بعدي أوتيت فواتح الكلم وخواتمه وجوامعه
وعلمت كم خزنة النار وحملة العرش وتُجوِّز بي وعوفيت وعوفيت أمتي فاسمعوا وأطيعوا ما دمت فيكم ، فإذا ذُهب بي فعليكم بكتاب الله أحلوا حلاله وحرموا حرامه ) : : أحمد ح / 6318 : :
وعلى هذا المنهج الرباني تربى السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم ، وعليه ربّوا من بعدهم :
- قولة أبي بكر الصديق رضي الله عنه ( من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ) ! !
-- وفي غزوة أحد لمّا أشيع مقتل النبي صلى الله عليه وسلم فألقى بعض الصحابة ما في أيديهم حتى جاء أنس بن النضر فرآهم على هذه الحال فقال : ما يجلسكم ؟!
قالوا : قتل رسول الله ! !
قال: فما تصنعون بالحياة بعده ، فقوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ! !
- ونجد في السيرة أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه في غزوة من الغزوات عزل خالد بن الوليد رضي الله عنه عن قيادة الجيش وجعلها لأبي عبيدة رضي الله تعالى عنه وذلك لمّا أحس في الناس
تعلّقاً بخالد بن الوليد البطل الهصور ! !
وذلك والله يعلمنا اليوم درساً عظيماً ، نفتقر إليه في هذا الزمن في موقفنا من عظماء التاريخ وطوائفه !
وللأسف اليوم ما بقي عند بعض الناس إلا التسمي بأسماء العظماء ، وتعليق صورهم ، والتغني بعباراتهم وأشعارهم ! !
وإبرازهم إبرازاً يكون معه التعلق المذموم ، والقعود عن العمل .

* خطورة التعلق ( التجسيد ) !

- اختصار الأمة في شخص !
- ضعف العبودية الحقة لله جل وتعالى ، قال الفضيل بن عياض : والله ! ما صدق الله في عبوديته من لأحد من المخلوقين عليه ربّانيّة ! !
- ترك العمل والاستقامة بمجرد غياب الشخص المتعلق به ( موت ، قتل ، سجن ، تغريب ) ! !
- التقليد في الصفات المذمومة .( عشوائية ، تهور ، عجلة ، فوضوية ) ! !
- الإنصدام بواقع الشخص المتعلق به إذا حصل منه خطأ أو زلة مما يسبب للمتعلق النكوص ، فيجعل زلة هذا الشخص ( عالما كان أو مجاهدا أو مربياً أو ....) سبباً في الإبتعاد عن الحق .
ومرّة لاحظ بعض طلبة سفيان بن عيينة عليه شدّة وغلظة فتجرأ أحدهم وقال له : إن قوماً يأتونك من أقطار الأرض تغضب عليهم يوشك أن يذهبوا ويتركوك !
فقال سفيان : هم حمقى إذن مثلك إن يتركوا ما ينفعهم لسوء خلقي ! !
- تبرير الأخطاء والسعي إلى بحث المسوّغات لها .
- العجز والكسل والقعود عن العمل ، يظن أن حبه لفلان أو تعليق صوره أو المعرفة بخطبه ومقالاته والتغنّي بالمجد يكفيه مؤونة السعي والعمل ! !
- المبالغة في الإطراء والمدح ، والرسول صلى الله عليه وسلم قد قال لرجل سمعه يمدح فلاناً : ( لقد أهلكتم - أو قطعتم - ظهر الرجل ) : : البخاري ح / 6060
قال ابن حجر : قال ابن بطال : حاصل النهي أن من أفرط في مدح آخر بما ليس فيه لم يأمن على الممدوح العجب لظنه أنه بتلك المنزلة ؛ فربما ضيّع العمل والازدياد من الخير اتكالاً على ما وصف به أ.هـ الفتح 10 / 477
هذه جملة من خطورة هذه الفتنة العظيمة ، التي كانت هي بداية دخول الشرك على الخلق ، وهي اليوم تأخذ صوراً واشكالاً ومظاهر في قيادات أو جماعات أو وسائل دعويه ! !
وإنك تجد اليوم هذا أمراً ظاهرا في الواقع يجسّده واقع الناس على شبكة الانتر نت ! !

* اسبابها .

لعل من أهم أسباب ظهور هذه الفتنة :
- اليأس من واقع الحال ، والعجز عن العمل ، والهزيمة النفسية عند كثير من المسلمين ، الذي اكتفى أن ينتسب إلى فلان أو الجماعة الفلانية !
- غياب القدوة والموجّه المؤثر الذي يقود الأمة إلى الله جل وتعالى لا إلى نفسه أو طائفته ومذهبه ومنهجه !
- الشعور بالنقص !
- تسويف الدعاة والمربين في التحذير من هذه الفتنة ، واذكر أني مرّة كنت بمجلس ، فذكرت أن بعض الناس قد غلى في التعلق بفلان وفلان ، !!
وأنه ينبغي على الدعاة والمربين أن يوجهوا من تحت أيديهم إلى خطورة هذا الأمر ! !
فقام أحد الحضور - وهو من أهل الفضل ولا أزكيه على الله - فقال : يا أخي إذا لم نجعل الأمة تفتخر بعظمائها ، فبمن نجعلهم يفتخرون ؟! !
قلت : لكن الأمر لم يعد فخراً . . قد أصبح تعلّقاً مذموماً ! !
أمّا بعد . . .
فإن الأمر لم يعد أمراً عابراً ، بل صار متحتماً على أهل الديانة والغيرة أن يعودوا بالأمة إلى روحها وحياتها في ظل الوحي ..
ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها ! !
وبالله التوفيق .

مهذب : أبو أحمد

الصفحة الرئيسة