اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/Minute/867.htm?print_it=1

الابتلاء بالموت وفقد الأحبة

عبدالهادي بن صالح محسن الربيعي


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين
وبعد،،،
فقد جعل الله تعالى هذه الدنيا دار فناء وزوال، لا تصفوا لأحد، ولا تدوم على حال، ولا تبقى لأحد، إن أضحكت أبكت، وإن سرّت أحزنت، وإن أراحت أتعبت، زينتها سراب، وعمرانها إلى خراب، كل حي فيها يموت، وكل مخلوق فيها يفنى، قال سبحانه: ((كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ)) سورة الرحمن (27).

كُلُّ ناعٍ فَسَيُنعى --- كُلُّ باكٍ فَسَيُبكى
كُلُّ مَذخورٍ سَيَفنى --- كُلُّ مَذكورٍ سَيُنسى
لَيسَ غَيرَ اللَهِ يَبقى --- مَن عَلا فَاللَهُ أَعلى

إنها الحقيقة التي لا ينجوا منها مخلوق، ولا ينكرها أحد، الكل سيذوق كأس الموت، الجميع سيموت، الكل سيرحل يوما ما ويفارق هذه الدنيا، الصغير والكبير، الغني والفقير، ولو دامت لغيرنا لما وصلت إلينا، أليس قد مات أشرف الخلق، مات الأنبياء والمرسلون، والأولياء والصالحون.
ولو كانت الدنيا تدوم لأهلها لكان رسول الله حيا وباقيا
قال سبحانه: ((وَ مَاْ جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الخُلْدَ أَفَإِنْ مِّتَّ فَهُمُ الخَاْلِدُونَ )) سورة الأنبياء (34).
لا يستطيع أحد أن يفر من الموت، فقد قهر الجبابرة، وأدرك أصحاب البروج المشيدة، قال سبحانه : ((أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمْ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ..)) سورة النساء ( 78).

وكل من حان أجله، وانقضى عمره فلن يتأخر ساعة ، ولو اجتمع عليه أطباء العالم كله قال سبحانه: ((وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ )) سورة الأعراف (34).
أيها الأحبة في الله..
هذه الدنيا دار ابتلاء وامتحان، يمتحن فيها الإنسان بالمصائب، والأقدار المؤلمة، ومن أعظم المصائب التي يصاب بها الإنسان مصيبة الموت، وفقد الأحبة، ويشترك في هذه المصيبة المسلم والكافر والبر والفاجر، ولكن شتان بين المؤمن والكافر، وفرق بين الصابر والساخط، فَعَنْ صُهَيْبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ» رواه مسلم في صحيحه (2999).
هنيئا لمن صبر فله بشارات من الله، قال سبحانه: ((وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ )) سورة البقرة(157).
قال عبد الله بن مطرف رحمه الله عندما مات ولده: والله لو أن الدنيا وما فيها لي، فأخذها الله عز وجل مني، ثم وعدني عليها شربة من ماء لرأيتها لتلك الشربة أهلاً، فكيف بالصلاة والرحمة والهدى؟.


فيا من ابتلي بفقد حبيب، أو قريب، اصبر واحتسب الأجر من الله وارض بقضاء الله، واعلم أننا كلنا لله وأننا إليه راجعون، وعن هذه الدنيا راحلون، وردد إنا لله وإنا إليه راجعون وأبشر بالخير، فسيعوضك الله خير مما فقدت، فقد ثبت عن أم المؤمنين أم سلمة قالت : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " مَا مِنْ عَبْدٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ، فَيَقُولُ: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} ، اللهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا أَجَرَهُ اللهُ فِي مُصِيبَتِهِ، وَأَخْلَفَ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا "، قَالَتْ: فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ، قُلْتُ: كَمَا أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْلَفَ اللهُ لِي خَيْرًا مِنْهُ، رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) رواه مسلم (918).
والمعنى أن الله أكرمها بأن تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأبشر أيها المبتلى إن صبرت واحتسبت الأجر، فأجر الصابرين بلا حساب، ألم يقل ربنا سبحانه: ((إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ )) سورة الزمر(10).
يا من ابتليت فصبرت إعلم أن البلاء والحزن والألم الذي أصابك تكفير للسيئات، ورفعة للدرجات، في الجنات، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((«مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ، وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حُزْنٍ وَلاَ أَذًى وَلاَ غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ» رواه البخاري في صحيحه 5641. وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بصبي لها، فقالت: يا رسول الله! ادعُ الله له؛ فلقد دفنت ثلاثة قبله. فقال صلى الله عليه وسلم: "دفنت ثلاثة؟!" -مستعظمًا أمرها- قالت: نعم، قال:" لقد احتظرت بحظار شديد من النار ". أي: لقد احتميت بحمى عظيم من النار.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يقول الله عز وجل: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صَفِّيَه من أهل الدنيا، ثم احتسبه إلا الجنة". صحيح الجامع.

أيها المبتلى يا من فقد حبيبا له، أعلم أنك لست وحدك من ابتليت بهذه المصيبة، فغيرك قد ابتلي بأعظم من مصيبتك، من الناس من فقد ابنا أو أكثر، ومن الناس من فقد حبيبه وأنيسه، ومن الناس من حلت عليه مصائب كثيرة وهموم متتالية، وما من أحد إلا وقد أصيب بمصائب، والفراق في الدنيا لا بد منه فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:
( جاءني جبريل فقال يا محمد عش ما شئت فإن ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك ملاقيه ) صححه الألباني في صحيح الجامع .
فهذا نبينا صلى الله عليه وسلم: ابتلي بموت جميع أبنائه وبناته في حياته ماعدا فاطمة رضي الله عنها، تخيل يا عبد الله ستة من الأبناء والبنات، منهم الصغير ومنهم الكبير فما أشد هذا البلاء، عاش يتيما ، وكفله جده ومات جده الذي كان له بمثابة الأب، وماتت في حياته زوجته خديجة التي كان يحبها كثيرا، وكانت التي تشد أزره في زمن عصيب.

ثمانيـة لابد منها على الفتى --- ولابد أن تجري عليه الثمانية
سرور وهم واجتماع وفرقة --- وعسر ويسر ثم سقم وعافية


ولا تنس ياعبد الله أن هذا الفراق ليس فراقا إلى الأبد، بل هو فراق مؤقت بإذن الله، فالمؤمن يلقى أهله وذريته أحبابه من المؤمنين، في الجنة فأبشر فسيجمعك الله بمن فقدت في اجتماع أبدي لا فراق بعده ، قال سبحانه :( وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ) الطور/ 21
وقال سبحانه:( جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ) الرعد/23.
رزقنا الله وإياكم الصبر والرضا والتسليم لقضاء الله وقدره، وجمعنا وإياكم وجميع أحبابنا في دار كرامته.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.

 

منوعات الفوائد