اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/Minute/809.htm?print_it=1

الخطأ وتصحيح المسار والتراجع في الرأي والقرار

محمد بن محه الغويدي
( ‏@m_ghwidi )


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ


الخطأ وتصحيح المسار والتراجع في الرأي والقرار
"
لذا أعترف بخطيئ "

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى وسلم وبارك عليه الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد ..
فإن الإنسان مهما علا شأنه وطال به زمانه؛ لا بد وأن يقع منه الخطأ؛ لأنها طبيعة البشر؛ 

من ذا الذي ما ساء قط   ----  ومن له الحسنى فقط

والإنسان العاقل هو الذي يستفيد من خطأه ولا يستمر في عناده , لهذا جاءت فكرة كتابة هذه الخاطرة علَّ الله أن ينفعني والقارئ الكريم بها والله تعالى من وراء القصد ..

إن العاقل الذي إذا وقع في خطأ سارع بالاسترجاع ، وحاول تصحيح الخطأ الذي وقع فيه سواءٌ كان ذلك الخطأ لفظي أو كتابي  ،مع أنه - في الغالب- عزيز على النفس ، ويبقى الواحد منا في صراع نفسي بين التصحيح أو الاستمرار في الخطأ؛ وهو بلا شك عناد  بتحريضٍ شيطاني - إن صحت التسمية -؛ لأن الخطأ قد بان ولا يمنعه من التراجع سوى العناد والكبرياء , لهذا لا يقوم بالاعتذار والتصحيح  -كما ذكرت آنفاً - سوى العاقل الذي وفقه الله لذلك .

ودعوني أضرب لذلك مثالاً واقعياً من خلال مواقع التواصل وليكن ذلك مثلاً بـ " 
تويتر " :

قد أكون أو تكون ممن تبنى فكرةً أو رأياً معيناً أو قضيةً ما وتم تصعيدها على "
تويتر" وأخذت انتشاراً واسعاً بإعادة تغريدها وأيدها وناصرها كثيرون وازداد عدد الأتباع؛ وأصبحت ممن يُشار إليهم في هذه الوسيلة " تويتر " بالبنان ،وقضيت زمناً تدافع وتقاتل من أجلها؛ وقد يصل الأمر بك إلى اتهام أشخاص وتعدي على آخرين ،وفي ظنك أنك على صواب؛ ثم تبين لك بعد ذلك كله أنك على خطأ ..!

ما أنت فاعل حينها ..؟

وهذا يعيدنا للقول السابق - أنه صراع نفسي - فقد تتنصر لرأيك الخطأ - الذي بسببه قد تفسد أفكاراً ويضل بها آخرون - وخشيةً من فقد الشهرة والأتباع المناصرين لرأيك وتكون ممن حذرهم رسولنا صلوات ربي وسلامه عليه حين قال: (
وَيْلٌ لِلْمُصِرِّينَ الَّذِينَ يُصِرُّونَ عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ]رواه أحمد في مسنده والبخاري في الأدب المفرد[ أو تكون ممن وفقه الله وعدّل خطأه، وصحح مساره؛ ولا عيب في ذلك , بل هي عزة النفس الحقيقية لا كما يُزيّنها - العناد الشيطاني - بأن العزة في الثبات على الرأي - وإن كان خطأً - وكن كقاضي البصرة عبيد الله بن الحسن بن حصين التميمي العنبري حين أخطأ في مسألة جانب فيها الصواب وقال كلمته الشهيرة التي أصبحت حكمة عظيمة تتناقلها الأجيال ولم يمنعه من قولها كونه قاضياً فأنظر ماذا قال: (لأن أكون ذنَباً في الحق ، أحب إلي من أن أكون رأساً في الباطل) وإن كنت أنا وأنت ممن يعز عليه تخلي الأتباع تأمل معي هذا الموقف: " لما أصبح حماد بن أبي سليمان من المرجئة بعد أن كان من أهل السنة قال له معمر: كنت رأسا وكنت إماماً في أصحابك فخالفتهم فصرت تابعا؟
قال حماد: إني أن أكون تابعا في الحق خير من أن أكون رأسا في الباطل
 "]سير الأعلام ج5 ص 233[.

ثم إنه ليس غريباً البتة أن يكون الواحد منا مناصراً لقضيةٍ ما ويدافع عنها بكل ما أُوتي من قوة ثم ما يلبث إلا أن يتراجع عن ذلك بعد أن يتبين له , ونظر إليه بنظرة الناقد البصير؛ واستوضحت له دلالات توضح له أنه كان على خطأ , وهذا هو التعديل السليم الذي لا يفعله إلا من - سدده الله عز وجل لذلك - وأرجو أن نكون منهم .


ثم مالذي يمنعنا من تغيير مواقفنا أو آراءنا الخاطئة إن تبين لنا الخطأ ..؟


بل هو التغير الإيجابي للأفضل .

إن العاقل - أيها العقلاء - هو الذي إذا وقع في خطأ سارع لتصحيحه وتعديله والاعتراف به دون خوف أو خجل من البشر بل الرجوع لرب البشر ( 
إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ )]الأعراف:201[ وهي فرصة ومنحة من الله أن نُراجع كتاباتنا بين الفينة والأخرى فقد نكون ممن وقع في خطأ فنسارع لتصحيحه والتبرؤ منه؛ ومن فعل فقد وصفه خير الخلق عليه الصلاة والسلام بالخير حيث قال : ( كل بني آدم خطاء و خير الخطائين التوابون )]صححه الألباني في صحيح الجامع[ ولا تحزن ولا تكترث بمن يصفك بالتقلب أو بتغير الرأي فالأسلم والأنقى هو أن نبادر بالاعتراف بالخطأ قبل أن نغادر هذه الدنيا ونحن مُصرون على الخطأ الذي قد بان له عواره وخصوصاً إذا كان متعلقاً باتهامات أو تشويه وتحريض وغيرها من الأخطاء الجِسام؛ ولنتأمل قول الباري جلَّ في عُلاه ( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ).

أخيراً : لنكن أقوياء بالحق ولا نكن أعداء له بثباتنا على الخطأ ولنعترف بخطأنا حال الخطأ 

وكما قيل 
ليس هناك خطأ أكبر من عدم الاعتراف بالخطأ..
وقيل أيضاً من يقع في الخطأ فهو إنسان ومن لا يعترف به فهو شيطان

وغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

 

منوعات الفوائد