صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







مُخَالَفَةُ أَصْحَابِ الجَحِيمِ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالمشْرِكِينَ

بِقَلَمِ/ عِمَاد حَسَن أَبُو العَيْنَيْنِ[1]


أحس شيخ الإسلام ابن تيمية خطر التتار على الأمة الإسلامية؛ لأنهم غلبوا المسلمين في كثير من البقاع وَهَابَهُم القاصي والداني، والمغلوب دائمًا يُقلد غالبه، فأخذ المسلمون يُقلدون من غير وعي هذه الأمة، لذا؛ ألف -رحمه الله- كتابًا أسماه: (مخالفة أصحاب الجحيم) الذي حذر فيه من تشبه المسلمين بغيرهم من أهل الملل والنحل.
 
وقد تشابهت الأيام بين عصر شيخ الإسلام وعصرنا، فالكفار على اختلاف عقائدهم تجمعوا علينا من كل حدب وصوب يريدون أن يستأصلوا الأمة وأنَّى لهم ذلك وأتباع محمد S مازالوا يعبدون الله ويعظمون شريعته، وقد عاون أهل الكفر في طريقهم إلينا أهل النفاق من أمتنا المُتّغَربين النابذين لثياب الإسلام؛ منهم من حارب الإسلام عن قصدٍ ونيَّة، ومنهم من حاربه عن جهل، فهذا أحدهم يقول: "لابد من مواجهة الدعوات الإسلامية في أيامنا مواجهة شجاعة بعيدًا عن اللف والدوران، وأن الإسلام كغيره من الأديان يتضمن قيمًا خلقية يمكن أن تستمد كنوع من وازع الضمير أما ما جاء فيه من أحكام وتشريعات دنيوية فقد كانت من قبيل ضرب المثل ومن باب تنظيم حياة نزلت في تجمع بدائى إلى حد كبير ومن ثَمَّ فهي لا تلزم عصرنا ومجتمعنا"[2].
 
فهذا أفاك أثيم؛ لأننا إذا قارنا الإسلام بمختلف ديانات العالم عرفنا أن عقائدها منعت معتنقيها من التقدم الحضارى عندما استمسكوا بها، ودارس التاريخ يلاحظ أن أهل أوربا والبوذيين في اليابان على سبيل المثال، لما كانوا راسخين في معتقداتهم الدينية كانوا على أسوأ ما يكون من أدوار التخلف، ولما أحرزوا لأنفسهم الرقى والتقدم في حياتهم العلمية والعقلية والمادية نبذوا الدين وراء ظهورهم وما عادوا مؤمنين بهذه المعتقدات التي كانت سببًا في تأخرهم العلمى.
 
أما المسلمون فعندما كانوا أقوياء في إيمانهم بمعتقداتهم صاروا أكثر أمم الأرض تقدمًا وازدهارًا وقوة ومجدًا وما أن دب دبيب الضعف في إيمانهم بها؛ حتى تخلفوا في ميادين العلم وضعفوا في صراعهم للرقى الدنيوي وتحكمت فيهم واستولت عليهم أمم أجنبية وهذا فرق عظيم بين معتقدات الإسلام ومعتقدات الديانات الأخرى في العالم.
 
إن أمتنا خاضت معارك مع الاستعمار حتى أجلته عن ديارنا وكانت معارك هدم وتحطيم، واليوم وقد خلت البلاد من أرجاسهم وأنجاسهم فعلينا -معاشر المسلمين- أن نبنى نهضتنا على أساس من دين الإسلام، لا أن نقلد غيرنا من أهل الملل والنحل الفاسدة التي تحادّ شرع الله؛ فتقليد أوربا وأمريكا صخرة لا ينفجر ماؤها، وشجرة لا يخضر ورقها، وأرض لا ينبت زرعها، وتقليدهم ضعف في الإيمان، وسلوك طريق الذوبان، واقتراف الإثم والعصيان.
 
فعن ابن عمر قال[3]: قال رسول الله S: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» قال ابن كثير[4]: فيه دلالة على النهى الشديد والتهديد والوعيد على التشبه بالكفار في أقوالهم وأفعالهم ولباسهم وأعيادهم وعبادتهم، وغير ذلك من أمورهم التي لم تشرع لنا، فالتشبه بغير أهل الملة قد يكون عنوانًا على الرضا عن دين المرء وخلقه؛ فيكون ذلك مدعاة؛ لأن يُحشر معه يوم القيامة على دينه وملته؛ كما قال S[5]: «الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ» فانظر يا عبد الله إلى من تحب؛ أتحب رسول الله S والصحابة وخيار الناس، أم تحب الأمريكان والأوربيين واليهود والنصارى؟!.
 
 إنَّ النَّبِيّ S يريد للمسلم شخصية متميزة، ينفرد بها عن غيره ولا يكون تابعًا لأحد، فهذه من أعلى مقامات التربية؛ تربية النفوس وبناء الشخصية وتحديد الهوية وإعداد الرجال وبناء الأمم وقيادة الركب، والتفرد والتميز؛ حتى في صغائر الأمور التي قد يظنها البعض أنها لا تتعدى العادات والتي لا تدخل في تربية الأجيال وتنشئة الأمم.
 
إن الرسول S يتعامل مع النفوس ويخاطب الأرواح ويُوقظ الحس والمشاعر؛ فهو S بمثابة الطبيب الذى يحافظ على صحة من حوله، ويحذرهم مما يؤثر على صحتهم من قريب أو بعيد قبل أن يقع بهم الداء ويستفحل المرض وتنتشر العدوى؛ لأن الوقاية خير من العلاج، فهو S رحيم بهذه الأمة يرشدها لكل مافيه خيرها وسعادتها في الدنيا والآخرة، ويحذرها من كل شر وسوء.
 
ولتعلموا -أيها الأحبة- أن غيرنا لا يحب لنا الخير فقد قال تعالى: {وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء}[النساء89] وقال أيضًا: {وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ} [آل عمران118] وقال أيضًا: {إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ} [الممتحنة2] وقال أيضًا {وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ} [البقرة217].
 
ورغم أنهم لا يحبون لنا الخير، ولا يريدون لنا النصح، فقد وقع المسلمون فيما نهاهم الله عنه من طاعتهم والانقياد لهم, قال تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ} [آل عمران 149] فترى كثيرًا من الحكام والمحكومين في البلاد الإسلامية أسلموا إلى الكفار قيادهم وعقولهم وألبابهم، وأسلموا إليهم في بعض الأحيان بلادهم وهم ألد أعداء الإسلام والمسلمين، بل قاتل أُناسٌ ينتسبون للإسلام إخوانهم المسلمين في دول إسلامية أخرى طاعة وامتثالًا لأمر الكفار، ثم عم البلاء فظهر حُكام في كثير من البلاد الإسلامية من بعد سقوط الخلافة إلى الآن يدينون بالطاعة للكفار –عقلًا وروحًا وعقيدة- واستذلوا الرعية من المسلمين وبثوا فيهم عداوة الإسلام بالتدرج, حتى كادوا يردوهم على أعقابهم خاسرين, وما أولئك بالمسلمين.
 
إن المسلم الحق هو الذى يتبع منهج الله ومنهج رسوله, ويعلم أن الكفار لصوص عقيدة؛ يريدون أن ينسلخ المسلم من إسلامه؛ ليسهل قياده إلى الهاوية وإلى العبودية.
 
ويجب عليه أن يعلم أن الشريعة الإسلامية تُربي المسلم تربية خاصة، وتُنشئه تَنشئةً مميزة، وتجعل له التميز والتفرد والقيادة، وتريد له الريادة والتقدم، وتهيئه للأخذ بزمام الأمور وقيادة الركب فيتقدم المسلم للأخذ بزمام السفينة؛ لينجو العالم من مهاوى الشرك والضلال، ويصل برَّ الأمن والأمان إلى شاطىء الإسلام الذى ارتضاه الله للعالمين دينًا؛ فهو مشعل هداية ومنبع حياة كريمة لكل من أراد أن يكون عبدًا شكورًا، ولكل من كان له قلب رشيد أو ألقى السمع وهو شهيد.
 
فالمسلم أراد له ربه في علاه أن يُتَّبع ولا يَتَّبع، وأن يكون قائدًا لا مقودًا، وأن يكون سائدًا لا مسودًا، وأن يكون في المقدمة لا المؤخرة، وأن يكون عزيزًا لا ذليلًا لذا؛ جاءت نصوص السُنَّة النبوية المطهرة بالنهى عن التنشئة بغير الإسلام، وأن المسلم لابد أن يتميز عن غيره في كل أحواله سواء في العقائد والتصورات أو في العبادات أو في العادات والسلوك أو في المعاملات والعلاقات أو في المظاهر والتقاليد.
 
ولو أذن الإسلام بالأخذ عن العدو في كل شيء ومتابعته فيما يريد التشبه به؛ لتلاشت معالم الإسلام وأحكامه ولذابت شخصية المسلم وحسبك واقع المسلمين اليوم في كثير من البلدان الإسلامية.
 
ولهذا جاء الأمر بالتزام الصراط المستقيم والنهى عن سلوك السبل المختلفة، قال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ}[الأنعام153].
 
والعجب كل العجب بعد التحذير من اتباع اليهود والنصارى في كتاب ربنا وفي سُنَّة نبينا S وبعد استعراض القرآن الكريم لمواقف اليهود والنصارى العدوانية وأنهم يُكنون لنا في صدورهم الغل والحقد والحسد وأنهم يتربصون بنا الدوائر، ويريدون لنا الضلال والهلاك والبعد عن ديننا الحنيف، وكتاب ربنا العظيم وسُنَّة نبينا S، بعد ذلك كله نجد من يتشبه باليهود والنصارى ومن يُكنُّ لهم في صدره الاحترام والتعظيم بل ويقع البعض في محبتهم وتفضيلهم على بعض المسلمين، ومنهم من يتشبه بهم في كل شئون حياته، فالصواب -في معتقده- ما قالوا والحق ما فعلوا؛ فلا يتكلم إلا بكلامهم ولا يعمل إلا بعملهم ولا يعتقد إلا فيما جاء من عندهم.
 
بل قد يصل الأمر إلى تقديم كلامهم وما جاء عنهم على كتاب الله تعالى وسُنَّة نبيه S ويؤخذ منهم الحلال والحرام والشريعة والنهج والطريقة والسُنَّة حتى يصل بالبعض أن يجعل قدوته في صعلوك من صعاليكهم، ويخجل كل الخجل أن يراه أحد وهو متلبس بسُنَّة من سُنَّن النَّبِيّ S، إن الأمر جِدُّ خطير فلقد ألغى بعض المنتسبين للإسلام عقولهم وأصبحوا بلا عزيمة ولا إرادة وأصبح كل الذى يأتى عن هؤلاء اليهود والنصارى هو رمز القوة والحضارة والمدنية والتقدم.
 
فيجب على الأمة الإسلامية أن تفيق من عُقُولِها وأن تستيقظ من نومها بل وإن صح التعبير (أن تحيا من موتتها) فبعض المسلمين -والعياذ بالله- لا يحتاجون إلى الاستيقاظ بل يحتاجون إلى بعث؛ فالاستيقاظ يكون من الحياة أما البعث فيكون من الموت وبعضهم أموات غير أحياء؛ أموات ولكن في هيئة الأحياء!.
 
لابد من تدارك الموقف قبل فوات الأوان، لابد من تضافر الجهود من العلماء وولاة الأمور ومن طلاب العلم والدعاة إلى الله ومن أصحاب الكلمة وأصحاب الأقلام؛ فالكل مسئول والكل على ثغر من ثغور الإسلام، فَاللهَ اللهَ أن يُؤتى الإسلام من ثغر أحدنا.
 
وقد يظن ظَانٌّ أنني أدعو إلى انعزال المسلمين عن غيرهم من الأمم والشعوب، وهذا مالم أَرِدْهُ؛ فإن المسلمين لن يعيشوا بمعزل عن العالم بل لا بد لكل أمة من الاحتكاك بغيرها من الأمم فتأخذ وتعطى، ورفض الانفتاح على الحضارات الأخرى موقف ضار لأمتنا حضاريًا -خاصة في هذه الأيام- فضلًا عن أنه غير ممكن في ظل ثورة الاتصال التي تزداد فعالياتها يومًا بعد يوم.
 
والتواصل الحضارى يجب أن يبرأ من التبعية والذوبان، فهناك حضارة الصين وحضارة الهند والحضارة الغربية وكلها متاخمة للمسلمين فليس ثمَّ انعزال وانغلاق على النفس وإلا سيكون الموت الحضارى.
 
ولكن غاية ما في الأمر هو أننى أود أن أنبه على أن احتكاك الحضارات المتمايزة ينشأ عنه قضية الموروث والوافد، فأيهما نقدم وأيهما نؤخر، فقد انقسم الناس من موقف الانفتاح على الحضارة الغربية إلى ثلاثة أقسام:
الأول: يشكك في جدوى أي انفتاح على الحضارات الأخرى أو يستلهم منها ما هو مُفِيدٌ ومُجْدٍ للأمة الإسلامية، كما يوجب الاحتفاظ بالموروث الذى يجعل من الاجتهاد جريمة يعاقب عليها باسم الشرع.
 
الثانى: يشكك في قدرة الإسلام في مسايرة ركب الحضارة فضلًا عن اللحوق به وهذا التيار يعظم من قيمة الحضارات الوافدة ويحاكيها في كل شيء فكان أن دعا إلى أن نفكر كما يفكر الأوروبيون ونحيا كما يحيا الأوروبيون، نُصيب كما يُصيبون، بل ونُخطئ كما يُخطئون إلى آخر مقولات تيار التغريب .
 
الثالث: وهو موقف الوسط الذى ندعو إليه وهو استلهام ما كان نافعًا من الحضارات الأخرى دون التأثير على الشخصية الإسلامية، فهناك فرق بين التمايز الحضارى والتبعية الحضارية، ونضرب أمثلة لموقفنا هذا من حياة النَّبِيّ S:
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ S[6]: «لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَنْهَى عَنْ الْغِيلَةِ حَتَّى ذَكَرْتُ أَنَّ فَارِسَ وَالرُّومَ يَصْنَعُونَ ذَلِكَ فَلا يَضُرُّ أَوْلادَهُمْ».
أي: جماع المرضع أو الحامل، وكانت العرب يحترزون عنها ويزعمون أنها تضر الولد وهو من المشهورات الذائعة بينهم حتى ذكر S أن فارس و الروم يصنعون ذلك‌ ويجامعون المرضع والحامل ‌فلا يضر أولادهم‌ فلو كان الجماع أو الإرضاع حال الحمل مضرًا لضر أولاد فارس والروم لأنهم يفعلونه مع كثرة الأطباء فيهم.
 
فالنَّبِيّ S ينظر بعين الخبير إلى أحوال الأمم ويأخذ العبرة والخبرة من أحوال غيره، فليس ثمَّ مانع من النظر إلى أحوال الغرب ولا سيما المستقرة منها والتي تعود على المسلمين بالخير ونقلها إلى بلادهم، والاستفادة بها في حياتهم!.
 
وقد أثبت العلماء من هذا الحديث أن للنَّبِى S اجتهادًا خاصًا به، إن كان صوابًا أقره الله عليه، وإن كان خلاف ذلك نزل الوحى بتصحيح الأوضاع، والتوجيه إلى ما هو أحسن من السياسات والقرارات، ونظْرة العلماء هذه تدعم موقفنا.
 
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ[7]: (لَمَّا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ S أَنْ يَكْتُبَ إِلَى الرُّومِ كِتَابًا قَالُوا: إِنَّهُمْ لا يَقْرَءُونَ كِتَابًا إِلَّا مَخْتُومًا قَالَ: فَاتَّخَذَ رَسُولُ اللَّهِ S خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ؛ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِهِ فِي يَدِ رَسُولِ اللَّهِ S نَقْشُهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ) فالنَّبِيّ S لم يأبَ هذا الخاتم بل قبله؛ لأنه ليس هناك تأثير على دين الله بل هو من الأمور التنظيمية التي دعا إليها الدين، فلا غضاضة من الاستفادة من فارس أو الروم ما دام دين الله في مأمن وحياة المسلمين تسير إلى أحسن!.
 
ويمكن أن ننظر إلى هذه القضية أيضًا من خلال الأحكام الشرعية، فقد قسم العلماء الأحكام الشرعية إلى خمسة أحكام؛ الواجب، والمندوب، والمحرم، والمكروه، والمباح، فالأربعة الأولى لا سبيل لنا عليها؛ وهى من الأصول التي لا تقبل الأخذ والعطاء، أم المباح فهو الذى يبدع فيه الإنسان ويجتهد في الدنيا ليصل إلى أرقى مستوى فيه، وهذا عين ما قاله النَّبِيّ S للصحابة في تأبير النخل، أنتم أعلم بأمور دنياكم، فإن كلامه كان من قبيل المباح والخبرة التي أمرنا بالاجتهاد فيها، فتيار الوسط التجديدى هذا يسعى إلى الاحتفاظ بالدين كمنهج حياة والسعى للرقى بالحياة الدنيا في منظومة متوافقة الأطراف، ونقل ما تدعو إليه حاجة المسلمين من الغرب؛ ليرتقوا حضاريًا ويرتفعوا إلى مصاف الدول المتقدمة، وبتعبير آخر الحفاظ على الأصالة النقية، وجلب المعاصرة النافعة للمسلمين.
 
وليس معنى كلامى هذا -من وجه آخر- أننى أدافع عن موروث الحضارة الإسلامية كاملًا، فهناك موروث الزهد والتواكل الذى قد يصل إلى حد العزوف عن الدنيا وهناك موروث الصوفية الذى قد يصل إلى تعذيب الجسد تقربًا إلى الله، فهذا موروث مرفوض لأنه باختصار مخالف لمنهج النَّبِيّ S وخير الهدى؛ هدى محمد S وعلى هذا المنهج لا نقبل كل الوافد أيضًا فيجب أن نُمسك بمصفاة الإسلام التي تسمح لما هو خير أن ينفذ إلى واقعنا وحياتنا وتمنع كل شر أن يتغلغل إلى مجتمعنا فتسمح للعلوم الطبيعية من فيزياء وكيمياء ورياضة وفلك وتقدم علمى وتقنى.. إلخ بالنفاذ مالم تخالف شريعة الإسلام، وتمنع العلوم الإنسانية من فلسفة وقانون واجتماع من التغلغل في مجتمعنا.
 
وعلى سبيل المثال في القضايا التي لا نقبلها من الوافد قضية حقوق الإنسان بالمعنى والمفهوم الغربى، وقضية المساواة بين الرجل والمرأة، وقضية الحريات المطلقة، وقضية رفض تعدد الزوجات.
 
ومن الأشياء التي نقبلها من الحضارة الوافدة؛ التقنيات الحديثة في وسائل المواصلات والاتصال، والحاسبات، والمخترعات...إلخ.
 
فبهذا الانتقاء ندعو إلى وسطية إسلامية واعية، ليست بالمعنى المظلوم الذى شاع بين الناس من انعدام الوضوح وافتقاد المواقف المحددة واللعب على مختلف الحبال، وإمساك العصا من منتصفها.. إلخ، وإنما نعنى المفهوم الإسلامى للأمة الوسط والموقف الوسط الذى هو عدل بين ظلمين وحق بين باطلين واعتدال بين تطرفين ليس بالمعنى الأرسطى الذى يجعل الفضيلة وسطًا بين رذيلتين متصورًا وجود مسافة عن يمين الفضيلة وعن يسارها متساوية تفصل بينها وبينهما، وإنما بمعنى اشتمال الموقف الوسط على محاسن القطبين النقيضين التي يمكن جمعها والتأليف بينها.
 
التأليف بين النقل والعقل، والمادة والروح، والدنيا والآخرة، والفردية والاجتماعية.
 
أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن ينفعنا بما علمنا وأن يعلمنا ما ينفعنا إنه جواد كريم.

-------------------------------------------------
[1] للتعليقات والمراسلات  adrrem@yahoo.com
[2] القائل هو: أحمد بهاء الدين، انظر الصحافة والأقلام المسمومة أنور الجندي ص 214.
[3] رواه أبو داود 4031، صحيح الجامع 6149.
[4] في تفسيره للآية 104 من سورة البقرة.
[5] رواه البخارى 3688، مسلم2639، أبو داود 5137، الترمذي 2385.
[6] رواه مسلم 1442، أبو داود 3882، الترمذى 2076، النسائى 3326، ابن ماجة 2011.
[7] رواه البخارى 65، مسلم 2092، أبو داود 4214، الترمذى 2718، النسائى 5201.
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك

منوعات الفوائد

  • منوعات الفوائد
  • الصفحة الرئيسية