صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







" طاش ؟ طاش "
{ اسْتَهْزِؤُواْ إِنَّ اللّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ }
قرأه واطلع عليه أصحاب الفضيلة:
الشيخ: صالح بن فوزان الفوزان
الشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك
وقدّم له صاحب الفضيلة:
الشيخ: عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين

بدر بن نادر المشاري


تقديم سماحة الوالد الشيخ :عبدالله بن جبرين
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الولي الحميد المبدئي المعيد الفعال لما يريد أقرب الى العبد من حبل الوريد أحمده وأشكره وأسأله من فضله المزيد
وأشهد إن لا اله إلا الله وحده ولا شريك ولا نديد واشهد إن محمدا عبده ورسوله الذي فند الشرك واظهر التوحيد صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبه وإتباعهم من صالحي العبيد
إما بعد فقد قرأت هذه المقالة التي أنشأها أخونا الشيخ بدر بن نادر بن مشاري حمله على كتابتها ما تذيعه إذاعاتنا الإسلامية الوطنية في اشرف الأزمنة شهر رمضان المعظم زعما إن فيه تسلية وترفية وتفكه مع احتوائه على استهتار بالدين الصحيح والعلم النافع وأهل الصلاح وأهل الخير من المتعبدين والصالحين لقصد شغل الوقت وأضاعته في هذا العمل الممقوت وقصد ا ضحك والإعجاب بهذا التركيب والابتداع مع العلم الخاص والعام بأنة كذب وبتهان وقول على أهل الخير بالظن والتخمين وقد عاب الله من استهزأ بالصالحين كما في قوله تعالى (ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله واياته ورسوله كنتم تستهزون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم ) فنصيحتنا للمعدين لذلك المقالات إن يتوبوا ويمنعوا نشره وإذاعته على جمهور المسلمين كما ننصح كل مسلم غيور إن يمنع أهله وولده من سماع هذا البرنامج (طاش ما طاش) وما أشبهه لما يحتويه من سخرية بحملة الشرع وعيب خفي لبعض شرائع الإسلام لتسلم العقائد من الانحراف ولا يعلق بأذهانهم شيء من الأفكار الرديئة التي تولدها تلك الكلمات والجمل الساخرة ونعوذ بالله من كيد الكائدين ومكر الماكرين والله حسبنا ونعم الوكيل وصلى الله على محمد واله وصحبة وسلم 18/10/1425هـ

عبدا لله بن عبدا لرحمن الحبرين
صورة التقديم   1  أو  2

 



http://www.saaid.net/Minute/104.swf


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده:
من بدر بن نادر المشاري إلى من يراه ...
السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته أما بعــــد؛ ؛ ؛
فمن المعلوم عند المتتبعين والمتابعين أن أهل العلم والناصحين ـ وفّقهم الله ـ قـــــد أفتوا وبيّنوا الموقفَ الشرعيَّ من البرنامج السافــر الساخـــر: (طاش ما طاش)الذي يبث ـ ومع الأسف مرئيًّا ـ عبر الشاشات، وقد استعرض أهل العلم ما فيه من المخالفات للشرع المطهَّر والآداب والقيم منتهين إلى القول بتحريمه؛ لما اشتمل عليه من مخالفات خطيرة، وفيما ذكروه إن شاء الله مقنع وهداية,وعظة وكفاية لمن نوَّر الله بصيرته،وأراد هدايته وتثبيته،وقد أبلغوا وبلَّغوا وحسبهم الله ونعم الوكيل .
ورغبة مني في ضم الصوت إلى أصواتهم،والقول إلى أقوالهم، وإدراكٍا أنه لابد من كلمة حق تعضد أختها، وأن نعلنها ونجهر بها لنرفع الضيم عن إعلامنا وندفع شر المستهزئين الساخرين المعتدين عن ديننا وأمتنا، ونذكّر الجميع بما تعبّد اللهُ به المسلمينَ من إقامة الحق والعدل وحفظ الدين والدفاع عنه.
فأقول مستعينًا بالله منبهًا ومحذرًا السالكين الغافلين من أعمال الجاهلين المستهزئين :

اللهُ أكبــرُ فــي الدفــــاع سأبــتــدِي *** وهو المعينُ على نجاحِ المقصدِ
وهـو الـَّـذِي نصــرَ النبـيَّ محمـــدًا *** ولأنـصـرن التابعيـنَ لأحـمـدِ
وبِهِ أَصُــــولُ على جميع خصومِنَا *** وأعـدّه عـونـاً علَـى مَـنْ يعتـدِي
سَأَســـــل سَهماً مـِنْ كنـانـةِ وَحْيـهِ *** وَبِـهِ أشـدّ علَـى كَتَـائـب حُسّـدِي
وَبِـــهِ سـأجـــدعُ أنـــفَ كـلِّ مكـابـرٍ *** وَبِـهِ سـأرصـدُ للـكَفُـورِ المـلحـدِ
وسأَسْتجِيرُ بِذِي الجلالِ وذِي العُلاَ  *** لا لن أضام إذا استجرت بسيدِي
وسأستمد العون منـه علــى الــذي *** لـمـز الأحبـة بـالـكـلام الـمـفســدِ
حتى أُشتـت شملــهم بأدلة  *** مثــل الصـواعـق فـي السحاب الأسودِ
وبنور وحـي الله أكشــف جهـلهـم *** حتى يبين على رؤوس المشهـدِ

والناظر في عالمنا اليوم يدرك أن مناطق الصراع المنتشرة على مساحة واسعة كلها بُئر صراع فكري الطابع، عقائدي المحتوى، إنها سنة الله في الصراع بين الحق والباطل.ومن هنا تأتي هذه الأسئلة ، أين دور إعلام المسلمين؟! وما أهدافه؟! وماذا عن خططه؟! ،وهل الأعمال والأفكار والآراء المطروحة في الإعلام تتفق مع الإسلام وأصوله ومبادئه وتعاليمه وأحكامه، أم أن الإسلام من أفعالها براء؟
إذًا لابد أن يجلَّى هذا الأمر ويفضح ويبين فكر أصحابه وتوجههم من أجل صيانة الأمن الفكري ومن هنا جاءت هذه الرسالة.

( 1 )
(محفوفة بالأخطار)

من المعلوم أن حياة المسلمين المتمسكين بدينهم اليوم محفوفة بالأخطار من كل جانب تعرض لها أمراض الشبهات والشهوات أمراض يروجها ويعمقها في حياة المسلمين دعاة الباطل والرذيلة حتى تحوّل كثير من المسلمين إلى سائمة تُسام , وقطيعٍ مهزوز اعتقاده, غارق في شهواته, مستغرق في ملذاته , متبلد في إحساسه , لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا, إنهم يسعون إلى لف الحبال حول الأعناق لجرّ الناس نحو أعدائهم جرًّا، وهي نذر سوء تنال من الأمن الفكري ومن انتماء النفس المسلمة و تقود إلى إفراز مجتمع ممسوخ متذبذب لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء،حتى انقلب من غلبت عليه الشقاوة على عقبيه خاسرًا؛ فارتد عن دينــــه فالحذر منهم { وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطً } [الكهف: 28].

( 2 )
(أشأم المساعي)

لنعلم جميعًا أن مِنْ أشأم المساعي الهدَّامة وأشدها خطرًا في تمييع الأمة وإفسادها فكرًا وخلقًا الإعلام الفاسد وسعي دعاته الذين لم يقولوا خيرًا ولم يصمتوا؛ بل ولم يألوا جهدًا في إشاعة الشر والانحراف والرذيلة في مجال من أخطر المجالات تأثيرًا على الناشئة والجيل والأمة ألا وهو مجال الإعلام المرئي، فهم يتنافسون تنافسًا غير شريف في ترفيه غير بريء، وتسلية غير عفة، فضائيات وإعلام فيه يعكر صفو المؤمنين، ويؤدي إلى انحراف المشاهدين والمتابعين متلبسين بقناعات وأفكار تسربت إليهم وتشربت بها قلوبهم فجعلوا أيام الناس ولياليهم أوقاتًا ضائعة وحياة لاهية وسمرًا عابثًا يبث فيه الفكر الملحد والتطاول على الدين مع السلوك المنحرف، واللقطات الراقصة، والحركات الفاتنة، والأحوال المزرية وكأن في آذانهم صممًا عن النداء الإيماني، يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ماذا دهاهم ليجعلوا من وسائلهم وقنواتهم مشروعات تجارية بحتة في صور محرمة، وبضائع ممنوعة، وسلع فاسدة، ومن المؤلم والمحزن أن بعضها بل أكثرها تؤدي بلا شك إلى التمرد على الدين وإفساد الخلق { لِّيُوَاطِؤُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ اللّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِيـــــــــنَ  } [التوبة: 37] .

(3)
(ديمومة الصراع بين الحق والباطل)

نحن نؤمن بأن من سنن الله سنةَ التدافع بين الحق والباطل، وأنهما في صراعين دائمين دائبين إلى قيام الساعة؛ ولكن لأن التكليفَ الشرعيَّ يقتضي منَّا أن نطبَِّق أحكام ديننا الحنيف، وأن نقفَ في وجه أي إلحاد فيه أو تحريف لنصوصه أو تعطيل لأحكامه أو تعدٍّ عليه بغض النظر عن الموقع الذي نكون فيه أو الحالة التي نكون عليها، وفي خضم هذا العبث ظهرت نداءات متبصرة من بعض الغيورين المتبصرين ينادون بها وهم فيها محقون إنهم ينادون بضرورة النظر الجاد في الأمن الفكري والتحصين للعقول من الوافد، والحفاظ على خصوصية المسلم في عقيدته الخالصة وشخصية المسلم .
نداء صادق لتحصين الأفكار من كلِّ ما يلطخها ويدنِّسها، وإلا ستغزى العقول، وتغير المفاهيم، وتنسلخ الشعوب عن معتقداتها، وينتشر الباطل، والقوي العزيز لا ينصر إلا من نصره، وبالمدافعة يكون النصر { وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } [الحج: 40]

(4)
(حذو النعل بالنعل)

إن هذا البرنامج الهابط الذي يبث مرئيًّا هاجم الساخرون الفاسقون فيه ومن خلاله دينَ الله، والمتمسكين به ،وثوابت المجتمع وأعرافه التي دانت الأمة باحترامها،وهو نموذج واضح وصريح لما يبثه الإعلام من فساد، والعجب كل العجب أنه إعلام ينطلق من ديار أهل الإسلام ويدعم بأموال المسلمين مردِّدًا كالصدى كلَّ ما ينعق به أعداء هذا الدين؛ ليعلن تبعية قاتلة لا يرجى فيها تحصين فكر ولا حفظ دين؛ بل إن هذه الفئة المسكينة هزيلة مهزومة قتلها اللهث وراء ما يسمونه: المنافسة الإعلامية، وهنا تأتي قاصمة الظهر حين تكون المنافسة في الهزيمة حتى يدخلوا معهم جحر الضب الخرب ويسيروا خلفهم حذو النعل بالنعل، والذيل بالذيل، وهذا من العيب والأمر المشين، أن تعيش وسائل إعلام الأمة في هذا التنافس البائس لبث الفكر المنحرف وتأكيد التبعية للإلحاد الغربي والمادية المعاصرة .
ولقد طفحت كثير من هذه الوسائل بنشر الفلسفات التي تعزز المادية وتضعف الجوانب الإيمانية، وهي ـ باختصارـ لفيف وخليط وأمشاج من المعتقدات والتصورات بدءًا من الوثنية اليونانية ثم ديانات محرفة من يهودية ونصرانية وانتهاء بالمذاهب المادية المعاصرة، { بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ {12} وَإِذَا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ {13} وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ {14} } [الصافات :12 ـ 14] .

(5)
(شعارات مضلِّلة)

من المؤلم حقًّا أن كل هذا الهجوم والاعتداء والسخرية والاستهزاء كان من خلال دعوات آثمة وشعارات مضلِّلة يطلقونها تارة باسم ( معالجة القضايا الاجتماعية ) وتارة باسم (المشاركة الوطنية) وتارة باسم ( الترفيه البريء) , وتارة باسم ( مقاومة الفكر الجامد أو الرجعي ) وتارة باسم ( الإسهام في بناء الوطن من خلال النقد البناء ) زعموا أو كما يحلو لهم أن يسموها { بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ } [الحجرات: 11].
وهي في الحقيقة ليست سوى أفلام وبرامج وأقلام عربية الحرف أجنبية الفكر ضالة المعتقد مترددة الولاء ، عقولٌ مسترقة، ونفوس مستعبدة، وأفكار مستوردة، التحرر عندهم: الخروج من الدين، والتقدم في فهمهم: الجري في ساحة الإلحاد، والتغيير المنشود عندهم: هو التقلب في عرصات الجاهلية الوثنية القديمة والحديثة { إِنْ هِيَ إِلا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ } [النجم: 23]، ومع هذا كله يدّعون الإصلاح.
وَغَيْرُ تَقِيٍّ يَأْمُرُ النَّاسَ بِالتُّقَى *** طَبِيبٌ يُدَاوِي النَّاسَ وَهْوُ عَلِيلُ
 وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ  [التوبة: 101].

(6)
(خوض ولعب)

لقد طفح الكيل وبلغ السيل الزبى في هذا البرنامج الهابط وغيره من البرامج الفاسدة، وكشَّر دعاة الرذيلة عن أنيابهم، وأفرزوا توجهاتهم خلال السنوات الماضية كلها في بثهم الجريء في الباطل، وازداد ذلك بعد الأحداث الأخيرة التي حصلت في بلاد الحرمين مؤخرًا ـ حماها الله ـ إذ صيروها واستغلوها لصالح فكرهم وأهدافهم، وكان من الطبعي أن تلتفت الأنظار للاستهزاء اللامحدود ،والمطلق وبدون قيود بدين الله، والعلماء، والصالحين من عباد الله، وحِلَق القرآن، والمساجد، والقضاة، والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، والحكام، والمسئولين، وثوابت، ومبادئ، وعادات الناس وأعرافهم، دون خوف من الخالق، أو حياء من المخلوقين فصنعوا ماشاءوا خوضًا ولعبًا { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ } [التوبة: 65]،هذا بعض الواقع من الهجمات التي تسمُّ العقول، وتحرف السلوك، وتسيء إلى الدين، وتقضي على الأصالة، وتشكك في الولاء وصدق الانتماء { أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ } [النحل: 45].

(7)
(يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ)

لنعلم أن أولئك الساقطين والعصبة المستهزئة الساخرة ترتدي قفازًا من حرير، وتحتمي وراء مظاهر الوطنية؛ لتعمل عملها، وتبث سمومها؛ لتدفع الجيل إلى التمرد وتمييع دينه وثوابته؛ ليكون لقمة سائغة في فم التغريب الذي هو من أخطر أسلحة الدمار لتخريب مجتمعات المسلمين،ووسائل الإعلام بهذه الصورة تخلط بين الحق والباطل، ولا تميز بين الصالحين الغيورين على الإسلام ومجتمعاتهم وبين الفئات الضالة المنحرفة العلمانية والإلحادية والحداثية ومن على شاكلتهم من أصحاب الفكر المنحرف بطرفيه: الإفراط والتفريط الذين يسعون لإطفاء نور الله ـ زعمواـ بأفعالهم وأقوالهم، يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ  [ الصف : 8].
أتطفئ نور الله نفخة ساخرٍ *** تعالى الذي بالكبرياء تفرَّدا
{ اسْتِكْبَارًا فِي الأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلا سُنَّتَ الأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلا } [فاطر: 42].

(8)
(الإعلام بوابته)

هل يليق بهؤلاء السخفاء ومن على شاكلتهم وفي ظل ما تعيشه الأمة المسلمة اليوم عمومًا وما تعيشه بلاد الحرمين ـ حماها الله ـ على وجه الخصوص أن يقوموا بهذه الأعمال التي تؤدي إلى إيغار صدور الناس وتأليبهم وتأجيج ما في نفوسهم من غيره مما قد ينعكس سلبًا على غير المتأني ويصل به إلى أمور لا تحمد عقباها { إِنْ هَذَا إِلا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاؤُوا ظُلْمًا وَزُورًا } [الفرقان: 4].
كيف يُطْمَأنُّ على الأمن الفكري وهناك من يجوس خلال الأمة بأفكار ضالة ومنحرفة، أفكار تدميرية ثائرة تجأر بالتطاول على مقام الألوهية والربوبية والإسلام؟! كيف يُطْمَأنُّ على الأمن الفكري وهناك من يجاهر بالقول بفصل الدين عن الدولة بعقول وأفكار وكتابات ونداءات تأبى أن يكون لدين الإسلام موقع في تصريف شؤون الحياة ؟!
هل يليق بهم ـ ونحن في فترة إخماد الفتن ـ ولله الحمد ـ وجمع الكلمة وتوحيد الصف ـ أن يهيجوا مشاعر الناس مما يؤدي إلى البلبلة والقلق وغرس الوساوس والمخاوف في الصدور فهذا البرنامج وغيره يدعو إلى تفكك الصف وإثارة الناس، فهو برنامج متطرف إرهابي ساخر داعٍ وداعم للإرهاب جملةً وتفصيلاً  فَقَدْ كَذَّبُواْ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنبَاء مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ [الأنعام :5] .
إن الأمن الفكري يجب أن يأتي في مقدمة الاهتمام بمفهوم الأمن كله؛ لأن فيه أمنَ الأرواح، وأمنَ الأعراض، وأمنَ الأموال، وأمنَ الغذاء، وأمنَ الصحة، وأمنَ العمل .
وماذا يرجى من أمة أصيبت في فكرها، واضطربت في توجهها، واهتزت في قيمها، وتزعزت في عقيدتها؟!!
إنها لا تفقد الأمن وحده ولكنها ـ والله ـ تفقد الوجود كلَّه، نعم تفقد الوجود كلَّه وتخسر الكيان كلَّه دفعةً واحدة دون سابق إنذارٍ أو وعيد، وهي إذ تخسر ذاك إنما تفقد في الوقت نفسه هويتها وإنسانيتها بين سائر الشعوب والأمم .
هاجس الأمن الفكري هاجس الجميع، والإعلام هو بوابته،وإذا راق لبعض الناس المرح واللعب في زمن من الأزمان؛ فينبغي في هذا الزمان ألاّ يخطر لنا على بالٍ، في زمان داهمنا فيه الأعداءُ من فوقنا، ومن تحت أرجلنا، وحاصرونا من كل مكان،وخرّبوا ـ ولا يزالون يخرّبون ـ بلاد المسلمين في فلسطين وأفغانستان والعراق وهكذا دواليك دواليك, وقد كشرت الصليبية الحاقدة عن أنياب الغدر والوحشية الهمجية بعداوتها حتى على هذه البلاد حماها الله بالإسلام والإيمان { وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ اللّهَ مِن قَبْلُ } [الأنفال : 71].

أتضحكـون وصـوت القـدس منتحـبُ  *** والقردُ مستبسلٌ فـي ساحـة الحَرمِ
طيـّشتـم الفـكـر فـي لـهـو وفي لعـبِ  *** فطاشت القدسُ بين الخصم والحكمِ
طفل الحجارة تحت القصف منتفـضٌ  *** ضاعت نداءاته في نشوة النغـمِ !!
وعيشكم ضحك قـد طاش من ضحـكِ  *** وأرضـهـم لـغـمٌ قـد ثــار مـن لـغَــم
أرى علـى وجـهـه المجهـود أسئلــةً *** تستمطر الدمع في حزنِ وفي سـقم ِ
مـاذا دهـى أمـة الإقــدام فـانـخـذلــتْ  *** أين الإخاءُ ؟! أما أشجاكم ألمِي ؟!!
أمـا لـكـم في نـشـيج الأم مـن شـجـنٍ *** والقردُ يُذكي لـظـى أحـقـاده بـدمـِي

إذًا فلنعرف إلى أي أمة ننتمي؟! وأي فكر يجب أن نحمل؟! ومن أي المعارف نستقي؟! فأمتنا تنتمي إلى خير فكر، معارفنا هي أصح المعارف، وقرآننا وحده هو الذي يهدي للتي هي أقوم، وهو الذي يثير هذا السؤال { فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } [الأنعام: 81] فيأتي الجواب فيه صريحًا قاطعـًا { الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ } [الأنعام: 82]، فلنلتزم كتاب ربنا، ولنسر على نهج نبينا محمد  صلى الله عليه وسلم ، وبهما تحفظ بوابة أمننا، ونتميز عن غيرنا.

(9)
(هل راق لكم فعلكم؟)

هل يروق لهؤلاء وغيرهم من السخفاء في مثل هذا الشهر والموسم العظيم أن يلهوا عباد الله عن دين الله ويبعدوا الخلق عن الخالق ويزرعوا في نفوسهم الشُّبه وحب الشهوة {لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } [الأنفال : 27] .
إذا كان أسلاف الأمة وصالحوها كانوا يعكفون بكل صدق وإقبال على الطاعات منشغلين بالقرآن والقيام لإدراكهم ومعرفتهم بقيمة وخصائص وفضائل هذا الشهر حتى قطعوا المفاوز ففازوا ولفضل السبق في تنافس الخيرات في مواسم النفحات نالوا وحازوا، صونٌ عن فضول الطعام والكلام، وكفٌّ عن الحرام ليس فقط في رمضان بل في سائر الشهور والأعوام والحياة كلها فيجب أن تصوم الجوارح عن الأذى، وتنفطم المشاعر عن الهوى ألا يكفي هؤلاء ضياعًا وسخرية طوال أحد عشر شهرًا خلال كل عام, وهم يستقبلون الشهر كغيرهم من فئات وفئام من المفرِّطين بالضياع ويعيشونه كأنهم لا يستقبلون ركنًا من أركان الإسلام، ركنًا يقيم الدين من أقامه، ويهدم الدين من هدمه، إنهم لا يعيشونه إلا باعتباره تقليدًا موروثًا وموسمًا مقررًا يتكرر كل عام، يقطعونه ـ وسائر السنة ـ باللهو بالاستعدادات المبكرة، والوعود المخزية لبث اللهو المقيت، والأفكار المنحرفة، والأهداف التي يرونها بأعينهم صغيرة حقيرة فالله { لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا }.
قال ابن عباس: (( الصغيرة: التبسم. والكبيرة: الضحك على حالة الاستهزاء )) وهذا تصريح بأن ذلك من الكبائر.
وقال الغزالي في قول ابن عباس: هذا إشارة إلى أن الضحك على الناس من الجــــــــــرائم والذنـــــــــــوب { وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ } [الأنعام :55], فهلاّ صفدتم شياطينكم الذين يوحون إليكم؛ لتريحون العباد من شركم وطيشكم .

يا طاش طيّشت أعمـال العـباد فـهــلْ  *** يلقون منك سوى الغفلات واللممِ
كـل الشيـــاطـيـن قـد باتت مصـــفّـدةً  *** وطـيشـك الـيوم وثّـاب علـى قـدم ِ
سخرت بالحق واستحللت في صخب ٍ *** قتل الفضائل في ساعاتها الحـُرم ِ

وقد أخرج البيهقي في شعب الإيمان برقم ( 6757) عن الحسن البصري ـ رحمه الله ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن المستهزئين بالناس ليفتح لأحدهم باب الجنة فيقال: هلم فيجيء بكربه وغمه، فإذا جاء أغلق دونه، ثم يفتح له باب آخر فيقال: هلم هلم فيجيء بكربه وغمه، فإذا جاء أغلق دونه، فما يزال كذلك حتى إن الرجل ليفتح له الباب فيقال: هلم هلم فلا يأبه من اليأس ) , { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ } [يونس: 50]

(10)
(لماذا طاش ما طاش ؟)

لأنه جمع من المعايب مايقيم على أهله الحجة، ومنها:
1- العمل على تهوين الأخذ بأحكام الشرع المطهر والاحتكام والأخذ بغيره { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } [ المائدة : 50]. ناهيك عن ترويج الاستعداء والشحناء والتعويد على رؤية المنكرات وعدم التفكير في إنكارها فضلاً عن إنكارها .
2- السخريه بأهل الخير والصلاح وإلصاق المعايب بهم, لا لذوات الأشخاص على ما فيها من مخالفة شرعية ولكن لديانتهم وصلاحهم ويحسبونه هينًا وهو عند الله عظيم { زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ اتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ } [البقرة : 212].
3- لمز المتصفين بالغيرة على محارمهم ونسائهم، والمعارضة الصريحة لحجاب المرأة المسلمة، وترويج الاستحسان للتأخر في الزواج، ومحاربة التعدد المشروع.
لقد أخرجوا المرأة من عفتها وكرامتها وحجابها وطهرها، وكل ما نخشاه أن تصبح الخمور والعهر الصريح ـ كما أصبحت لغيرهم ـ من الأمور اللازمة لموادِّهم الإعلامية الساقطة ولاحول ولا قوة إلا بالله { وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ {38} فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ } [ هود: 38، 39].
4- خروج المرأة مع الرجال الأجانب والدعوة للاختلاط والتبرج والسفور وخضوعًا بالقول وغير ذلك { إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ } [الأحزاب :53].
5- إثارة الشهوات في مشاهد بشعة تقتل الحياء، وتقضي على العفة بتفجير الغرائز، والعريّ الفاضح، وعرض المفاتن لاستمالة النشء وضياعه {وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمً } [ النساء 27].
6- القيام بأفعال رعونة وسخرية وخرم مروءة وخيانة وإفلات من العقاب فأين تحصين أفكار الشباب من كل دخيل وشاذ ؟! {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيل } [ الفرقان: 44].
7- تناول عادات بعض البلدان والمناطق ومحاكاة لهجاتهم على وجه التحقير لأهلها وإظهار معايبهم؛ لبث الفرقة والانقسام بين طبقات الأمة والمجتمع { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }[الحجرات: 11] , وقد حكى القرطبي في تفسير قوله تعالى: {بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ } أن من لقّب أخاه وسخر منه؛ فهو فاسق .
8- إثارة النعرات والعصبيات الجاهلية عن طريق السخرية وهذا منافٍ لمقاصد الشريعة من الحث على المحبة والألفة والإخاء والصفاء بين المسلمين { وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } [الحجرات: 13] , وقوله: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } [الحجرات: 10] وليعلم أن من معاني السخرية والاستهزاء والاستهانة التنبيه على العيوب والنقائص على من يضحك منه، وقد يكون ذلك بالمحاكاة في الفعل والقول،وقد يكون بالإشارة والإيماء، وقد يكون بالضحك كأن يضحك على كلام إذا تخبط فيه أو غلط، أو على بيان صنعه، أو قبح صورته ونحو ذلك.

(11)
( هل طاش ما طاش هو المعني بهذا الرد وحده؟)

إن تخصيص الكلام في هذا المسلسل والرد على من يشارك فيه لا يعني سلامة غيره من البرامج والمسلسلات التي تنقل الفجور وتبث الرذيلة والسخرية سواء أكانت مرئية أو مسموعة أو مقروءة أو بأي وسيلة أخرى، فكل ما قيل في حق (طاش ما طاش) يقال في حق غيره إذا خالف الشرع، وانتهك الحرمات، وأفسد الأخلاق، وقتل الغيرة، وحطم المروءة الإنسانية، ودعى إلى الانحراف والضلالة بشتى أنواعها، حتى ولو كان ذلك على سبيل الضحك واللعب { إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ {29} وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ {30} وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ {31} وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاء لَضَالُّونَ {32} وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ {33} فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ {34} عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ {35} هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ } [المطففين: 29 - 36]

(12)
(شبه النقد)

الانتقاد البنَّاء ومعالجة المشاكل والقضايا الاجتماعية:
قد يفهم من كلامي هذا أنني ضد الانتقاد البنََّاء أو معالجة المشاكل والقضايا الاجتماعية وهذا غير صحيح؛ بل إنني على يقين أن الأمة المسلمة وهي تعيش اليوم أحطَّ عصورها، وأردى أيامها، وتعيش في تخلف مطبق من أقصاها إلى أقصاها سواء من الناحية العلمية أو الدعوية، أو الناحية الاجتماعية والاقتصادية، أو من الناحية السياسية على مستوى الفرد والجماعة هي في أمس الحاجة إلى النقد الصحيح الصادق الهادف .
والناقد والمراجع والمصحح المتقيد بشروط وضوابط وأبواب وأصول النقد يقبل منه بشرط أن يكون النقد بمعناه الحقيقي وهو كما قيل: اختيار الخير وتميز الزيف، ولا يسلم أحد من النقد كما قال أبو الدرداء رضي الله عنه "الناس إن نقدتهم نقدوك، وإن تركتهم لم يتركوك، فلا سلامة منهم "

سلمت وهل حي من الناس يسلمُ

إذًا فليكن النقد تمييز الطيب من الخبيث، والصالح من الطالح، والحسن من القبيح، والزيف من الحقيقي، والعاقل المنصف يقبل النقد بهذا المعنى الذي ينطبق على المفهوم الشرعي ألا وهو معرفة الخطأ والصواب بمعنى الثناء على الخير ومدحه وذم الشر وقدحه سواء أكان هذا الخير والشر في شخص أو كتاب أو في عمل أو دولة أو جماعة أو غير ذلك، وهذا هو المعروف لدى أهل الإيمان والخوف من الله أفرادًا أو جماعات خاصة لدى أهل القرون الأولى المفضلة الذين يعملون بقول رسول الله  صلى الله عليه وسلم  في الحديث الحسن ـ كما يقول الحافظ بن حجر في بلوغ المرام الذي يرويه أبو داود: " المؤمن مرآة أخيه المؤمن" .
فإن الغالب على نقدهم أنهم كانوا ينقدون لبيان الحق والأمر به، ولبيان المنكر والنهي عنه .

فالعين تبصر منها ما دنى ونأَى  *** ولا ترى نفسها إلا بمرآةِ

فهذا من باب المراقبة للنفس على جميع المستويات وهو عين القوة وعين الصواب، ولذلك قال عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ كما في سنن الترمذي: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، فإنه أهون عليكم في الحساب غدًا عند الله ـ عز وجل ـ أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتهيئوا للعرض الأكبر يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية" والحديث رواه ابن أبي الدنيا في كتابه: محاسبة النفس والإزراء عليها.
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل هؤلاء السخفاء في هذا المسلسل الماجن يتقيدون بهذه الأصول والضوابط في النقد أم أنهم استهدفوا دين الله سخرية واستهزاء وتنقصًا واستهانة وتباعدوا وابتعدوا عن جادة الصواب حين اعتبروا الإبداع والتجديد والنقد هو نبذ العقيدة والتنكر للشريعة، والفن هو استكثار صور العفن .

ومما يقترح في باب الإصلاح والنقد:
1) أن يكون لدينا نقد بنَّاء يشمل جميع مجالات الحياة بلا استثناء فلا يستهدف النقد جانبًا ويدع آخر لاعتبارات شخصية ,وهذا النقد لابد منه لكي لا نقف موقف الدفاع، أو موقف التلاوم والتشكِّي وبث الأحزان والتأوهات من وسائل الإعلام أو غيرها؛ بل الواجب يقتضي توظيف وسائل العصر للاستفادة في غرس القيم وحماية العقول وتدعيم الثوابت الإيمانية .
2) يجب أن تُعرَّى أساليب كل من يستغل الإعلام لنشر الفساد من أعداء الدين وكشف أصحاب القلوب المريضة أتباع كل ناعق للحذر من شرهم.
3) يجب ترسيخ مفهوم حق السمع والطاعة، وحفظ حقوق ولاة الأمور في المنشط والمكره، والارتباط بالثقات من أهل العلم وكبارهم وحماية سياج الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من عبث العابثين.
4) فتح باب الحوار المنضبط بالضابط الشرعي لمناقشة ما نحتاجه ووضع حلول لمشاكلنا.
5) رفض الغلو ونبذ التعصب والتحزب والانغلاق المذهبي دون سخرية أو تلبس بمحرم أو دخول في شهوة وشبهة .
6) الاعتراف بالخطأ والنقص على كافة المستويات من الناس، وعدم الخوف من النقد الهادف سواء أكان عالمًا أو حاكمًا أو داعية أو غيره.
7) يجب أن ننتقل من مرحلة الاعترافات المجمَّلَة العامة بالنقص والتقصير إلى مرحلة التشخيص الدقيق للأخطاء وتحديدها والاعتراف بآحادها ونوعياتها وعينياتها،ومن ثَمَّ السعي إلى التصحيح،وبدون ذلك فالنقدُ لايسمن ولا يغني من جوع، ولا ينفعنا في قليل ولا في كثير.
8) الاستفادة ممن سبقونا في متابعة الأخطاء ومراقبتها و مراجعتها لتصحيحها وتعديلها كنوع من المحاسبة على مستوى الفرد والجماعة على أن تجعل الدول مؤسسات وأجهزة تقوم بهذه المهمة حقيقة ً لا على سبيل التغطية أو التورية والتسكيت.
9) وضع قنوات واضحة إعلامية دعوية وغيرها للنقد الهادف البنَّاء على جميع المستويات بالضابط الشرعي، وبغير ذلك سيتحدث كل أحد صغر أم كبر، وينفلت الزمام للمهرِّجين والمستهزئين والحمقى، فمن يوقف سيل السخفاء, ويعالج داء الحمقى الذي ـ في الغالب ـ لا علاج لحماقتهم.
لكل داء دواء يستطب بهِ *** إلا الحماقة أعيت من يداويهَا

(13)
(يا علماء المسلمين)

لقد أخذ الله منكم العهد والميثاق على مقالة الحق وعدم كتمان العلم فلا تسكتوا عن باطل رأيتموه وتبيين حق عرفتموه، ولا تبيعوا دينكم بدنيا غيركم، فأنتم القدوة الحقيقيون للأمة إن اتقيتم الله في وراثتكم للنبوة وبينتم للأمة طريق الفلاح والسعادة على ضوء الكتاب والسنة، فلا خير فيكم إن لم تقولوا للمنحرف عن شرع الله: قف واستقم على منهج الله، وناصحوا حكَّامَ المسلمين وأصحاب القرار فيما يستوجب النصيحة خاصة وأنتم ترون وتشاهدون في هذا العصر ما يحتم على كل صادق وناصح ويوجب على كلِّ مسؤول في أي موقع أن يرى بعين باصرة وفكر ثاقب مداخل الشر الكثيرة ومنافذ التلوث المتنوعة وما يتسرب عن طريقها من فكرٍ منحرف مما يُحتاج معه إلى عناية خاصة واهتمام متميز، وإن المسؤولية لتتركز أول ما تتركز عليكم وعلى جميع الجهات الشرعية والإسلامية المباشرة في جميع الدول الإسلامية من وزارات الشؤون الإسلامية، ودور الإفتاء، ومراكز الدعوة، والجامعات والمدارس الإسلامية.
وقولوا لكل أحد إننـــــــــــــــــا :

ندعو إلى التوحيد طول حياتنا *** في كل حين في الخفا والمشهدِ
ونحارب الشرك الخبيث وأهلهُ *** حربًا ضروسًا باللسان وباليدِ
وكذلك البدع الخبيثة كلّها ***  نقضي عليها دون باب المسجدِ
هذي طريقتنا وهذا نهجُنا *** فعلام أنتم دوننا بالمرصدِ
لِمَ تطعنون وتلمزون كأننا *** جئنا برأي للعقيدة مفسدِ

ولا يثنينكم عن الصدع بالحق استهزاء مستهزئ وسخرية ساخر فالله كافيكم إياهم،وتذكروا قول الله: { فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ {94} إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ {95} } [ الحجر: 94 ـ 95].

(14)
(إلى حكام المسلمين و صناع القرار)

إلى حكام المسلمين ،اتقوا الله في رعاياكم التي استرعاكم الله إياها وأنتم مسئولون عنها يوم القيامة، وكلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤول عن رعيته، واعلموا أن الله جعلكم أوصياء على هذه الأمة لترعوا مصالحها الدينية والدنيوية فتكونوا بمثابة وصي اليتيم، وجنبوهم الأرض المجدبة والمسبعة.
ولئن أحاطت بكم ظروف لم تستطيعوا معها الدفاع عن بلاد المسلمين وتحرير الأوطان المضطهدة فلا أقلَّ أن تحافظوا على إقامة دين الله في بلدانكم ولا تفرطوا فيها؛ بل عليكم القيام بالأمانة التي جعلها الله في أعنقاكم بالحفاظ على ما تحت أيديكم من البلاد من الشرك والبدع والمعاصي كلها؛ لتكونوا سببًا لجلب الأمن والأمان لبلدانكم ورعاياكم بعدم لبس الإيمان بشوائب تشوبه {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ } [الأنعام: 82].
ومثل هذه البرامج الهابطة تهدم عقيدة الناس وسلوكهم وأخلاقهم وتوغر صدروهم، فإذا فسدت الرعية؛ تزعزع الأمن، ودبَّت الفوضى، وانتشرت الفواحش، واختلت الطاعة التي أوجبها الله لكم في المعروف فأدركوا رعيتكم وفَّقكم الله قبل فوات الأوان، واعلموا أن هذه الوسائل إن لم يحسن توجهها فهي كفيلة بأن تخرج أجيالاً لا ترى الخير ولا التقدم إلا فيما عند الأعداء، ولا ترى الشر والتخلف إلا فيما عند أهلها وذويها، فيجب أن يفهم الجيل ـ وقبلهم أولئك الساقطون ـ أن الأمن الفكري هاجس يحظى بمكانته لديكم خصوصًا في جزيرة الإسلام ومهبط الوحي ومهاجر رسول الله  صلى الله عليه وسلم ؛ لأن الجزيرة معقل الإيمان وما لم يرسخ هذا المنهج في أذهان الناس فسيتجرأ هؤلاء وغيرهم من المتربصين على انتهاك حرمة الأمن الفكري لبلدانكم؛ فالعمل منكم واجب في تقييم المفاهيم المدخولة والأفكار المغلوطة بأن تدافعوا عن دين الله وتقاوموا كلَّ دخيل وشاذ، وأهم منطلقات هذا التصحيح الاعتقاد الجازم بأن أمة الإسلام لن يعزها الله إلا بالإسلام، ومهما ابتغت العزة في غيره فهي إلى الذلة والتبعية تصير وتسير .
والإعلام في بلاد الحرمين المباركة له رسالته الخاصة ودوره المتميز ومسؤوليته الكبرى بما يجسد الاهتمام بالحفاظ على الدين والمواطنة الصالحة فلا يرضى لنفسه ولا يقبل منه أهله ومحبوه أن يجاري الأبواق الناعقة ويسير في ركاب المنافسة الإعلامية الهزيلة والتبعية المهينة أبدًا { يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ } [ ص: 26].

(15)
(إلى القائمين على إعلام المسلمين)

على القائمين على إعلام المسلمين أن يتقوا الله وأن يقوموا بحصانة الفكر من كل شر وأن لا يغالطوا أنفسهم وهم لا يبثون ولا يكتبون إلا ما يثير الفتن في تفسيرات مفرطة للأحداث ـ من خلال التحليلات الإخبارية والتعليقات الإعلامية ـ تسير في تيار مكشوف يولد البلبلة والقلق، ولا أدلَّ على ذلك من مقابلاتهم ونداءاتهم وترَّهاتهم التي تُدَوَّى في مجاملات لمن يحبون ومحاكمة لمن يكرهون فاقدة للمصداقية ومحكومة بالهوى والمذهبية والتوجهات السياسية؛ بل يقال ـ وبكل صراحة وجرأة ووضوح ـ: لقد بدأت وجهة الحياة الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية في كثير من البلاد والشعوب تتخذ مسارًا؛ بل مسارات مغايرة لما يجب أن تكون عليه من استقامة على طريق الحق كل ذلك لتأثرها بهذا الطرح الموجة والمدروس لترسيخ جذور الاستعمار، إنه استعمار له تلامذته من ضحايا الغزو الفكري والاختراق الأمني العقائدي وسائل وتوجيهات وكأنها متكفلة وملتزمة بإيجاد أجيال مبتورة الصلة بدينها وأمتها مستنقصة بتراثها وحضارتها ملتصقة بالعدو الكافر الذي لا يرضى ولن يرضى إلا أن يكون الأجيال أداة لتنفيذ كلِّ المآرب ـ ناهيك بما تقوم به هذه الوسائل من تخدير الشعوب بوسائلها الخطيرة .
أين تحصين فكر الشباب عن كلِّ دخيل وشاذ؟! وأين حفظ الدعوة إلى الله على بصيرة؟! وماذا قدمتم لنشر العقيدة الإسلامية الصافية النقية؟!
أين البسط لسيرة النبي  صلى الله عليه وسلم  ؟! أين إبراز صور الحضارة الإسلامية وأخلاقياتها؟! أين دور وزارات الإعلام والجهات المسؤولة المعنية بالشباب والتربية للحفاظ على الناشئة من الانحراف والشذوذ في طرفيه: الإفراط والغلو والتفلت؟! فلا تكونوا باب شر على الأمة، ولتكونوا صادقين ناصحين لدينكم وأمتكم، ولا تعينوا أهل الباطل عليها { قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ } (17) [ القصص: 17].

(16)
(يا معشر المؤمنين ويا أهل الإسلام)

أهكذا تكون حياة المسلمين هزل لا جدَّ فيه، وفراغ لا شغل نافع فيه، أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة، أرضيتم أن يهزأ بكم الساقطون ويضيعوا دينكم ويحطُّوا من قدركم ويهدروا أوقاتكم، وقبل ذلك يستهزئوا ويسخروا بدينكم { وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا } [النساء.: 140]
إنه لحري بكم أن تعمروا أوقاتكم بالطاعات وتربأوا أن تكون عمارتها بالباطل وسفاسف الأمور، قوموا بحق الله في أنفسكم وبيوتكم وأبنائكم وتربية جيلكم على الحق والفضيلة وجنِّبوهم العبث والفساد والرذيلة وتذكروا {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ } [البقرة: 166]، وكفى تبعية واتباع لهؤلاء .
والحذر كل الحذر أن يأتيَ أحدكم الموت على هذه الحال وتذكروا عظم الشهر؛ بل واحذروا المعصية في سائر الأيام {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ } [إبراهيم: 99]

يا باغي الخير أقبل في قرى ملكٍ *** فصاحب اللغو لم يفطر ولم يصمِ
كم ضحكة همجية في غمض شاردةٍ *** لكنها حسرة في ساعة الندمِ
هذي طيوف من الإشفاق صادقةٌ *** وربما يعصف الإفساد بالنعمِ

أيها المسلمون؛ اتقوا الله في أنفسكم فلا تكونوا كقطعان الماشية تساق إلى حتفها بظلفها، فأنتم الذين فتحتم لهم المجال بتشجيعكم وسكوتكم على المنكر وقبولكم للباطل، فاتقوا الله في أنفسكم وفيمن ولاَّكم اللهُ أمرَهم، قال الفضيل بن عياض: (اتبع طرق الهدى ولا يضرك قلة السالكين، وإياك وطرق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين) [الاعتصام :1/ 83].
ابدأ بنفسك وبمن تعول بالتغيير الذي تستطيعه بلا تصرف عشوائي هائج ولا سكوت مقيت مائج ولكن بتقوى الله ومناصحة أهل الشأن والأمر بالأسلوب الأمثل وإرجاع الأمر إلى أهله من أهل العلم وولاة الأمر ورفع المقترحات في البدائل النافعة ومناصحة الإعلام وأهله لتحصين الأمة من كل سوء بكل الطرق المعتدلة الصحيحة المستقيمة بعيدًا عن الإثارة والبلبلة والتصرفات التي لا تحمد عقباها وتجر على الأمة الويلات.

(17)
(أيها العابثون اتقوا الله)

إلى كل ساخر من دين الله وعابث بثوابت الحق . . . اتقِّ الله ولا تأخذك العزة بالإثم أما سرت في الأرض أما نظرت عاقبة الذين سخروا { أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ {82} فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون {83} فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ {84} فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ } [غافر: 82 ـ85].
احذر واسمع قول الله { وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون {33} وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمْ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ {34} ذَلِكُم بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ {35} فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {36} وَلَهُ الْكِبْرِيَاء فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {37} } [النحل: 33 -37].
أيها القائم على مثل هذا العمل ممثلاً كنت أو مخرجاً أو مصوراً أو باثاً وناقلاً ومؤيداً ماذا تريد من هذا العمل؟ أتريد مالاً وتطمح لشهرة؟! فبطاقتك وقوتك وحيويتك ومواهبك إذا سخرت في الخير واتقيت الله جعل لك مخرجًا ورزقك من حيث لا تحتسب، فلا تغرنك الحياة الدنيا ولا يغرنك بالله الغرور.
فأعظم واعظ كتاب الله، فيه وعد ووعيد، وتخويف وتهديد، فقف الآن مع هذه الآيات: { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا {103} الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا {104} أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا {105} ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا {106} } [الكهف: 103- 106] .
وقول الله تعالى:{ وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ {5} فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنبَاء مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون } [الشعراء: 5 :6]. ألست ترى من هذه الأعمال وبعد هذه الأقوال أنك كنت أو ستكون سببًا في انحراف الناس رجالاً ونساءًَ صغارًا وكبارًا، واعلم أن عليك وزرها ووزر من عمل بها إلى قيام الساعه وقد تعاقب في زوجك إذا ضلت زوجة، وفي ولدك إذا ضل أولاد المسلمين، وفي نفسك ومالك وحياتك إذا انخرط في عملك المتأثرون. . . ثم ما الذي سينفعك ومن الذي سيقف معك وخصوصًا يوم تعرضون على الله لا تخفى منكم خافية { قُلِ اسْتَهْزِؤُواْ إِنَّ اللّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ } [التوبة: 64] .
ولا يلبسن الشيطان عليكم بشبه واهية تنطلي عليكم وتظنون أنكم قادرون على إقناع الناس ـ وأعني العقلاء منهم ـ بأنكم تؤدون أدوارًا صحيحة القصد هادفة المحتوى !! { لاَ جَرَمَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ } [النحل: 23] ،وكل عاقل يعلم أن الحق خلاف ما تقولون وتفعلون، وأمة رسول الله  صلى الله عليه وسلم لا تجتمع ولن تجتمع بإذن الله على ضلالة وخطأ.
فيا أيها الممثلون . . . و يا أيها المستهزئون ها نحن ندعوكم إلى النجاة وتدعوننا إلى الضياع والاستهزاء والسخرية والنار ولكن لا جرم أنما تدعوننا إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة {وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ {41} تَدْعُونَنِي لأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ {42} لا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلا فِي الآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ {43} فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ } [ غافر 41 ـ 44]، إذًا {اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُم مِّن مَّلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُم مِّن نَّكِيرٍ } [الشورى: 47]. واحذروا من عذاب الله فإنه وإن تأخر لإمهالكم فلا تكثر عليكم سيئاتكم {وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ } [هود: 8].
أسألكم بالله أهذا حق أمتكم عليكم، وهذا هو الوفاء لها ولبلادكم ولولاة أمركم الذين وضعوا في أعناقكم أمانة؛ فخنتم الأمانة، وضيعتم حق الله تعالى وحق ولاة أمركم عليكم وأنتم تنتسبون إلى أعظم ملة، وتحملون أشرف ديانة، ولكن هداكم الله وردكم للصواب .
أخيرًا أيها الناس جميعًا ثقوا بنصر الله وإن تسلط الأعداء في الخارج أو في الداخل وكما يجاهد الكفار بالسنان فجاهدوا المنافقين باللسان والبيان { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ } [التحريم.: 9] ،ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ومعصية الرسول، واعلموا أن العاقبة لدين الله والنصر لأوليائه وإن استبطأنا ذلك فهذه طبيعة البشر { أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ } [البقرة.: 214]

يا معشر الإخوان سيروا وأبشرُوا  *** وثقوا بنصر الواحد المتفردِ
سيروا على نهج الرسول وصحبِهِ *** لا تعبأوا بالآثم المتمردِ
ولتعلنوها للبرية كلِّها *** إنا بغير محمد لا نقتدِي
لا نطلب الدنيا ولا نسعى لها *** الله مقصدنا ونعم المقصدِ
ليس المناصب همَّنَا ومرادَنَا  *** كلا ولا ثوب الخديعة نرتدِي
إنا لنسعى في صلاح نفوسِنَا *** بعلاج أنفسنا المريضة نبتدِي
ونحب أن نهدي البرية كلَّها *** ندعو القريب قبيل نصح الأبعدِي
وبواجب المعروف نأمر قومَنَا *** ونقوم صفًّا في طريق المفسدِ

سدَّد الله الخطى، وبارك في الجهود، وتقبَّل من الجميع،وحفظ الجوارح، وأصلح القلوب، وجمع الكلمة، ووحَّد الصف، وهدانا إلى الطريق المستقيم، وأتم علينا النعمة، وزادنا أمنًا وتوفيقًا.
كتبت هذا إبــــــراء للذمـة، ونصحًا للأمة، وحسبنا الله ونعم الوكيــل، ولاحول ولا قوة إلا بالله، ألا هل بلغت اللهم فاشهد، وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

كتبه
بدر بن نادر المشاري
حرر في شهر رمضان للعام الخامس والعشرين بعد الأربع مائة والألف من هجرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك

منوعات الفوائد

  • منوعات الفوائد
  • الصفحة الرئيسية