صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







وراء من يصلون ..؟!!!

يسري صابر فنجر

 
وقفت متعجباً ومستغرباً أمام ما تناولته وكالات الأنباء حول مطالبة امرأة بالخطابة والإمامة والصلاة وراءها وشد الرحال لذلك تحت دعوى المساواة تارة والإصلاح أخرى والحقوق ثالثة، ولست هنا أقف مع الحدث كبحث فقهي فقد تصدى لذلك علماء أجلاء وانتشرت فتواهم، وصدر بذلك قرار من اللجنة الدائمة لمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا، ثم تهافت آخرون يُنَظِرون بأقوال ضعيفة وادعاءات باطلة فرأيت أن أتناول الموضوع من زوايا متعددة ونقاط محددة وبيانها كالتالي:

أولاً. لقد أحاط الإسلام المرأة بسياج من العفة والطهارة والكرامة مثال ذلك ما ورد صريحاً في قوله - سبحانه -: "فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ" (الأحزاب: من الآية32).

وقوله - جل شأنه -: "وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ" (الأحزاب: من الآية53).

يقول الأستاذ سيد قطب - رحمه الله -: تقرر الآية الحجاب بين النساء والرجال: " وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ.. " وتقرر أن هذا الحجاب أطهر لقلوب الجميع: " ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ... ".

فلا يقل أحد غير ما قال الله، لا يقل أحد: إن الاختلاط، وإزالة الحجاب، والترخص في الحديث واللقاء والجلوس والمشاركة بين الجنسين أطهر للقلوب، وأعف للضمائر، وأعون على تصريف الغريزة المكبوتة، وعلى إشعار الجنسين بالأدب وترقيق المشاعر والسلوك... إلى آخر ما يقوله نفر من خلق الله الضعاف المهازيل الجهال المحجوبين، لا يقل أحد شيئاً من هذا، والله يقول: " وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ".. يقول هذا عن نساء النبي الطاهرات أمهات المؤمنين.

وعن رجال الصدر الأول من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ممن لا تتطاول إليهن وإليهم الأعناق! وحين يقول الله قولا. ويقول خلق من خلقه قولاً، فالقول لله - سبحانه - وكل قول آخر هراء، لا يردده إلا من يجرؤ على القول بأن العبيد الفانين أعلم بالنفس البشرية من الخالق الباقي الذي خلق هؤلاء العبيد!

والواقع العملي الملموس يهتف بصدق الله، وكذب المدعين غير ما يقوله الله، والتجارب المعروضة اليوم في العالم مصدقة لما نقول. وهي في البلاد التي بلغ الاختلاط الحر فيها أقصاه أظهر في هذا وأقطع من كل دليل، وأمريكا أول هذه البلاد التي آتى الاختلاط فيها أبشع الثمار ا. هـ بتصرف.

ثانياً. ستبقى نون النسوة وتاء التأنيث موجودة باقية في كيانها المخصص لها الذي فطرها الله عليها وشرع لها ما يحفظها ويرعاها ويجعلها جوهرة مصونة طالما كانت على تلك الفطرة ولم تخرج عنها.

ثالثا. المجددينات هذا الجمع الذي أطلق عليه أحد العلماء الأجلاء (جمع مخنث غير سالم) فهو جمع لمن خرج عن فطرته وكيانه المنوط به شرعاً وعقلاً.....

رابعاً. متى كانت الخطابة أو الإمامة في الإسلام مطلباً وحقاً للرجل فضلاً عن المرأة يسعى إليها ويطالب بها إلا إذا كان هذا الرجل صاحب هوى فيحرص على الخطابة والإمامة والصدارة، أما الرجل التقي النقي فالإمامة والخطابة والصدارة تأتي إليه ويحمله الناس عليها حملاً، فما بالك إن خرجت امرأة عن فطرتها وطالبت بذلك.....

سادسا. لقد ذكر في القرآن الكريم ما أخبر به الهدهد في أسلوب إنكاري في قوله: "إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ" (النمل: من الآية23) وهذا الذي أنكره الهدهد تتمسك به بعض العقول البشرية تحت دعوى الإصلاح والحقوق، بل ورد الحديث بلفظ التملك: فقد قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: "لن يفلح قوم تملكهم امرأة" وهو صحيح رواه الإمام أحمد وغيره وذكره ابن حبان تحت عنوان: ذكر الإخبار عن نفي الفلاح عن أقوام تكون أمورهم منوطة بالنساء....

سابعاً. أن ما نقلوه عن الطبري وغيره إما أنه لا يصح أو أنها خاص بأمور المرأة وما تصح شهادتها فيه قال القاضي أبو بكر بن العربي: نقل عن محمد بن جرير الطبري أنه يجوز أن تكون المرأة قاضية ولم يصح ذلك عنه، ولعله نقل عنه كما نقل عن أبي حنيفة أنها إنما تقضي فيما تشهد فيه وليس بأن تكون قاضية على الإطلاق ولا بأن يكتب لها مسطور بأن فلانة مقدمة على الحكم، وإنما سبيل ذلك التحكيم والاستنابة في القضية الواحدة، وهذا هو الظن بأبي حنيفة وابن جرير وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه قدم امرأة على حسبة السوق ولم يصح فلا تلتفتوا إليه فإنما هو من دسائس المبتدعة في الأحاديث، والمرأة لا يتأتى منها أن تبرز إلى المجلس ولا تخالط الرجال ولا تفاوضهم مفاوضة النظير للنظير؛ لأنها إن كانت فتاة حرم النظر إليها وكلامها وإن كانت بارزة يجمعها والرجال مجلس واحد تزدحم فيه معهم وتكون مناظرة لهم ولن يفلح قط من تصور هذا ولا من اعتقده. ا. هـ بتصرف.

ثامناً. صرحت د. أمينة ودود عبر برنامج من واشنطن في قناة الجزيرة عندما سألها المذيع عن الأدلة التي استدلت بها فيما ذهبت إليه، فقالت: أنها أخذت من المذهب الذي أخذ منه الرسول - صلى الله عيه وسلم -: (وضع خطوطاً تحت قولها هذا فهو خطير جداً، ومورد هلاك فليس هذا اتباعاً ولا اقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم -) فهناك فرق كبير بين أن تقول: أذهب إلى ما ذهب إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين قولها السابق والمذهب الذي أخذ منه النبي - صلى الله عليه وسلم - أغلق فلا نبوة بعده - صلى الله عليه وسلم -..... ثم قالت: إنها أخذت من فحوى القرآن ومعانيه المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة... إلخ ولا أدري عن أي قرآن تتحدث، بل قالوا عنها: إنها لم تفهم من القرآن أكثر مما فهمه منه المستشرقون...

تاسعاً. قال – تعالى -: "وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً" (النساء: 32).

يقول الأستاذ سيد قطب - رحمه الله -: والنص عام في النهي عن تمني ما فضل الله بعض المؤمنين على بعض.. من أي أنواع التفضيل، في الوظيفة والمكانة، وفي الاستعدادات والمواهب، وفي المال والمتاع، وفي كل ما تتفاوت فيه الأنصبة في هذه الحياة، والتوجه بالطلب إلى الله، وسؤاله من فضله مباشرة، بدلاً من إضاعة النفس حسرات في التطلع إلى التفاوت، وبدلاً من المشاعر المصاحبة لهذا التطلع من حسد وحقد، ومن حنق كذلك ونقمة أو من شعور بالضياع والحرمان والتهاوي والتهافت أمام هذا الشعور، وما قد ينشأ عن هذا كله من سوء ظن بالله، وسوء ظن بعدالة التوزيع، حيث تكون القاصمة، التي تذهب بطمأنينة النفس، وتورث القلق والنكد، وتستهلك الطاقة في وجدانات خبيثة، وفي اتجاهات كذلك خبيثة. بينما التوجه مباشرة إلى فضل الله هو ابتداء التوجه إلى مصدر الإنعام والعطاء، الذي لا ينقص ما عنده بما أعطى، ولا يضيق بالسائلين المتزاحمين على الأبواب! وهو بعد ذلك موئل الطمأنينة والرجاء، ومبعث الإيجابية في تلمس الأسباب، بدل بذل الجهد في التحرق والغيظ أو التهاوي والانحلال!

إن المنهج الإسلامي يتبع الفطرة في تقسيم الوظائف، وتقسيم الأنصبة بين الرجال والنساء. والفطرة ابتداء جعلت الرجل رجلاً والمرأة امرأة، وأودعت كلاً منهما خصائصه المميزة؛ لتنوط بكل منهما وظائف معينة.. لا لحسابه الخاص ولا لحساب جنس منهما بذاته. ولكن لحساب هذه الحياة الإنسانية التي تقوم وتنتظم وتستوفي خصائصها وتحقق غايتها - من الخلافة في الأرض وعبادة الله بهذه الخلافة - عن طريق هذا التنوع بين الجنسين والتنوع في الخصائص والتنوع في الوظائف، وعن طريق تنوع الخصائص، وتنوع الوظائف ينشأ تنوع التكاليف، وتنوع الأنصبة، وتنوع المراكز.. لحساب تلك الشركة الكبرى والمؤسسة العظمى.. المسماة بالحياة..

وحين يدرس المنهج الإسلامي كله ابتداء، ثم يدرس الجانب الخاص منه بالارتباطات بين شطري النفس الواحدة لا يبقى مجال لمثل ذلك الجدل القديم الذي ترويه هذه الروايات ولا كذلك للجدل الحديث، الذي يملأ حياة الفارغين والفارغات في هذه الأيام، ويطغى أحياناً على الجادين والجادات بحكم الضجيج العام!

إنه عبث تصوير الموقف كما لو كان معركة حادة بين الجنسين، تسجل فيه المواقف والانتصارات.. ولا يرتفع على هذا العبث محاولة بعض الكتاب الجادين تنقص "المرأة " وثلبها، وإلصاق كل شائنة بها.. سواء كان ذلك باسم الإسلام أو باسم البحث والتحليل.. فالمسألة ليست معركة على الإطلاق! إنما هي تنويع وتوزيع. وتكامل. وعدل بعد ذلك كامل في منهج الله.

يجوز أن تكون هناك معركة في المجتمعات الجاهلية، التي تنشئ أنظمتها من تلقاء نفسها، وفق هواها ومصالحها الظاهرة القريبة. أو مصالح طبقات غالبة فيها أو بيوت أو أفراد.. ومن ثم تنتقص من حقوق المرأة لأسباب من الجهالة بالإنسان كله وبوظيفة الجنسين في الحياة أو لأسباب من المصالح الاقتصادية في حرمان المرأة العاملة من مثل أجر الرجل العامل في نفس مهنتها أو حقوق التصرف في المال - كما هو الحال في المجتمعات الجاهلية الحديثة!

فأما في المنهج الإسلامي فلا.. لا ظل للمعركة. ولا معنى للتنافس على أعراض الدنيا، ولا طعم للحملة على المرأة أو الحملة على الرجل، ومحاولة النيل من أحدهما، وثلبه وتتبع نقائصه!.. ولا مكان كذلك للظن بأن هذا التنوع في التكوين والخصائص لا مقابل له من التنوع في التكليف والوظائف، ولا آثار له في التنوع في الاختصاصات والمراكز.. فكل ذلك عبث من ناحية وسوء فهم للمنهج الإسلامي ولحقيقة وظيفة الجنسين من ناحية! ا. هـ بتصرف.

هذا ما أحببت التذكير به جعلني الله وإياكم من أهل طاعته ورضوانه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم، بإحسان إلى يوم الدين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك

يسري صابر فنجر

  • كتب
  • مقالات
  • الصفحة الرئيسية