صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







حالُـك في قـبرك..!

يسري صابر فنجر

 
كلٌ منا يريد أن يعرف حاله في قبره ما هو؟ وكيف هو؟ كَانَ عُثْمَانُ رضي الله عنه إِذَا وَقَفَ عَلَى قَبْرٍ بَكَى حَتَّى يَبُلَّ لِحْيَتَهُ فَقِيلَ لَهُ: تُذْكَرُ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَلَا تَبْكِي وَتَبْكِي مِنْ هَذَا فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنْزِلٍ مِنْ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ فَإِنْ نَجَا مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ" (رواه الترمذي وابن ماجة وحسنه الألباني).

فالقبر أول منازل الآخرة وهو ثمرة ونتاج لعمل الدنيا والعلاقة بين القبر ومنازل الآخرة كالعلاقة بين القلب والجسد فكما أن الجسد مدار صلاحه على القلب جسماً وروحاً فكذلك القبر فمن نجا منه فما بعده أيسر منه.

كان يزيد الرقاشي يقول: أيها المقبور في حفرته، المتخلي في القبر بوحدته، المستأنس في بطن الأرض بأعماله، ليت شعري بأي أعمالك استبشرت، وبأي أحوالك اغتبطت، ثم يبكي حتى يبل عمامته ويقول: استبشر بأعماله الصالحة، واغتبط بإخوانه المعاونين له على طاعة الله، وكان إذا نظر إلى القبر صرخ كما يصرخ الثور.

فإذا أردت أن تعرف حالك في قبرك الآن فانظر إلى قلبك، فقلبك في جسدك هو أنت في قبرك، فما تعلق به قلبك وأنت حي تعلق به جسدك في قبرك وقد يحول بينك وبين ربك:

فمنا من تعلق قلبه بتجارته أو محبوبته أو صنعته أو ضيعته أو ماله أو تعلق قلبه بزخرف الحياة الدنيا وزينتها أو حطامها الزائل.

ومنا من تعلق قلبه بالمساجد والقرآن وذكر الله وتقواه وكريم الأخلاق والصدقات وسائر الخيرات.

قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب" رواه البخاري (52) ومسلم (9915) من حديث النعمان بن بشير – رضي الله عنهما-. وكان – صلى الله عليه وسلم- يكثر من قوله: "اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك" رواه الترمذي (2140) وغيره من حديث أنس – رضي الله عنه- بإسناد صحيح.

صلاح حركات العبد بجوارحه واجتنابه المحرمات واتقائه للشبهات بحسب صلاح حركة قلبه؛ فإذا كان قلبه سليما ليس فيه إلا محبة الله ومحبة ما يحبه الله وخشية الوقوع فيما يكرهه؛ صلحت حركات الجوارح كلها، ونشأ عن ذلك اجتناب المحرمات كلها وتوقي للشبهات؛ حذراً من الوقوع في المحرمات، وإن كان القلب فاسداً قد استولى عليه اتباع الهوى وطلب ما يحبه ولو كرهه الله فسدت حركات الجوارح كلها وانبعثت إلى كل المعاصي والمشتبهات بحسب اتباع هوى القلب، ولهذا يقال: القلب ملك الأعضاء وبقية الأعضاء جنوده.

فحالك في قبرك ما هو؟ وكيف هو؟ يخبرك به قلبك فانظر بأي شيء تعلق.. وما مقدار صلته بالله، فبقدر هذا التعلق وبقدر تلك الصلة يكون النعيم والسرور في الدنيا والآخرة قال ابن القيم – رحمه الله-: وإن هذا النعيم والسرور يصير في القبر رياضاً وجنةً، وذلك الضيق والحصر ينقلب في القبر عذاباً وسجناً، فحال العبد في القبر كحال القلب في الصدر نعيماً وعذاباً وانطلاقاً ولا عبرة بانشراح صدر هذا لعارض ولا بضيق هذا لعارض، فإن العوارض تزول بزوال أسبابها، وإنما المعول على الصفة التي قامت بالقلب توجب انشراحه وحبسه فهي الميزان والله المستعان.

نسأل الله أن يثبتنا بالقول الثابت في الدنيا والآخرة، وأن يجعل قبرنا خير منازلنا وخير أيامنا يوم نلقاه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك

يسري صابر فنجر

  • كتب
  • مقالات
  • الصفحة الرئيسية