صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







سهام الأسهم والغلاء!

يسري صابر فنجر

 
المال قوة أساسية وعدة قوية للفرد والمجتمع المسلم، لكنه ليس أبداً غاية المؤمن ومنتهاه، بل هو وسيلة لغاية شريفة محمودة؛ فيأخذه من حقه ويضعه في حقه، فالمسلم يَجدَّ ويسعى في طلب الرزق الحلال، وله بذلك الأجر والبركة بالنية الصالحة ليكف نفسه ومن يعول عن السؤال، وهذا المطلب طلبه عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه: "دلني على السوق"؛ فالسوق مجال رحب للتجارة الحلال التي يوصف صاحبها بالأمانة والصدق، أما سوق المال اليوم ـ وخاصة الأسهم ـ فأصبح المال فيه غاية وليس وسيلة، والربح فيه مقصداً بغض النظر عن الحِل والحرمة.

أما سوق الأسهم التي أصابت بلاد المسلمين وعقولهم وقلوبهم فلا تخلو من شبهة إن خلت من المعاملات المحرمة، فكم سمعنا ورأينا من صرعى أمام هذه الأسواق ومن حوادث مفجعة، إنها سهام مَن يلهث خلف المال، ويقشعر بدنه أمام شاشات الأسهم ونتائجها، فينخفض ضغطه أمام ارتفاعها، ويرتفع ضغطه أمام انخفاضها، وقد يكون العكس؛ لأنه وضع كل ما يملك بل استدان ليربح من أسهم تطير فتطيش معها عقول البشر وقلوبهم، وما غلاء الأسعار الذي ظهرت بوادره إلا نتيجة حتمية لذلك، وهناك تحذيرات كتبها أهل الاختصاص قبل سنين مضت، لكنها قد تجد أذنا صاغية الآن ففي فتاوى الأزهر: "لما جاءت الثورة الصناعية كثر الإقراض الإنتاجي بعد أن كان للاستهلاك، ونشأت البنوك في صورة شركات مساهمة، وانهالت الودائع عليها بفائدة ضئيلة تضمن لأصحابها الربح الثابت بدل المخاطرة بها في المشروعات، وفى الوقت نفسه تقرض البنوك هذه الودائع بفائدة مرتفعة تكسب الفرق بين فائدة الإيداع وفائدة الإقراض ومن هنا انتزعت السيطرة على اقتصاديات العالم في العصر الحاضر".

ويقول المختصون: إن النظام الربوي في البنوك جعل أصحابها مسيطرين على اقتصاديات المجتمع بل على سياسته الداخلية والخارجية وتشريعاته وسلوكياته وثقافته وفكره، يمتصون دماءه وهم آمنون، والناس من حولهم كادحون مغلوبون.

وهذا النظام في الإقراض الإنتاجي دفع المنتِج إلى غلاء الأسعار ليسدد القرض وفائدته، وإذا غلت الأسعار انحسر الاستهلاك وتضخم الفائض، ولو أراد المنتج تخفيض السعر ليصرف ما عنده كان ذلك على حساب العمال، إما بتخفيض أجورهم وإما بالاستغناء عن بعضهم، ولذلك عواقبه في نقص القوة الشرائية وفي خلق البطالة وزيادة انحسار الاستهلاك، وفائض الإنتاج يزداد، ولتصريف الفائض يجيء التفكير في خلق أسواق غير منتجة، وهي في البلاد النامية، وهو طريق إلى السيطرة عليها واستعمارها، وذلك يخلق تحكماً في أسعار المواد الخام التي لم تصنعها تلك البلاد غير الصناعية، فتقل أثمانها ولا تجنى من تصديرها إلا القليل.

إن خير ما يواجه به النظام الربوي، هو نظام المضاربة بشروطها الشرعية المعروفة التي لا تثري فيه طائفة على حساب الأخرى، ويسود فيها التشاور والاشتراك الفعلي في النشاط الذي يحقق الربح للطرفين، (مقتطف من مقال السيد / أحمد عزت الصياد بمجلة الهداية الصادرة في البحرين - عدد جمادى الآخرة 1415 هـ ديسمبر 1994م) ويوضح هذا ما نقله الدكتور محمد عبد الله العربي عن كتاب "فرنسا اليهودية أمام الرأي العام": قال: إن الذي يلفت النظر في عصرنا ليس هو فقط تكدس الثروات في أيد قليلة، وأحياناً بأساليب فاجرة، بل هو على الأخص تكدس قوة هائلة تتمثل في سيطرة اقتصادية لا ضابط لها ولا قيد، وسيطرة تصول بها فئة قليلة ليسوا هم في الغالب ملاك المال، بل هم مجرد مستودعين له، ولكنهم يديرون ويتصرفون كما لو كانوا ملاكه بالفعل، إنها لقوة هائلة تلك التي يصول بها هؤلاء في سيطرتهم المطلقة على المال وعلى الائتمان، أي:الإقراض الذي يوزعونه بمحض مشيئتهم المطلقة، فكأنهم بذلك إنما يوزعون الدم اللازم لحيوية الجهاز الاقتصادي بكل أوضاعه، فإذا شاءوا حرموه دم الحياة فلا يستطيع أن يتنفس، وإذا شاءوا قدروا مدى انسيابه في جسم هذا الجهاز التقدير الذي يتفق مع مصالحهم الذاتية.

ثم إن تجمع هذه القوة وهذه الموارد المالية في أيديهم يؤدي إلى الاستيلاء على السلطة السياسية في النهاية، وذلك يتحقق في خطوات ثلاث متدرجة مساندة: الكفاح في سبيل إحراز السيادة الاقتصادية، ثم الكفاح في جمع مقاليد السيادة السياسية في أيديهم، ومتى تحققت لهم بادروا إلى استغلال طاقاتها وسلطاتها في تدعيم سيادتهم الاقتصادية، وفي النهاية ينقلون المعركة إلى المجال الدولي العالمي. اهـ.

ويتبع ذلك مضار تعود على المستهلكين وغيرهم، مثل غلاء الأسعار نتيجة لإضافة المنتج فائدة القرض إلى تكاليف إنتاج السلع، وإذن فالذي يدفع الفائدة إنما هو الشعب المستهلك، ومثل تخفيض أجور العمال أو الاستغناء عن بعضهم إذا اضطر لتخفيض الأسعار، ومن ذلك تنشأ أزمات مختلفة.

( نقلا عن البحوث العلمية لهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية) وقـفـة :
عن حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَانِي ثُمّ َسَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي ثُمَّ قَالَ يَا حَكِيمُ إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَاف ِنَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى قَالَ حَكِيمٌ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا أَرْزَأُ أَحَدًا بَعْدَكَ شَيْئًا حَتَّى أُفَارِقَ الدُّنْيَا فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَدْعُو حَكِيمًا إِلَى الْعَطَاءِ فَيَأْبَى أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْهُ ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دَعَاهُ لِيُعْطِيَهُ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ شَيْئًا فَقَالَ عُمَرُ إِنِّي أُشْهِدُكُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى حَكِيمٍ أَنِّي أَعْرِضُ عَلَيْهِ حَقَّهُ مِنْ هَذَا الْفَيْءِ فَيَأْبَى أَنْ يَأْخُذَهُ فَلَمْ يَرْزَأْ حَكِيمٌ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تُوُفِّيَ. رواه البخاري ومسلم قال كعب القرظي: إذا مات ابن آدم ابتلي بمصيبتين: الأولى: يترك ماله كله.الثانية: يسأل عن ماله كله!

اللهم ارفع عنا الغلا والوبا والربا والزنا والمصائب والفتن ولا تعاملنا بما فعل السفهاء منا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك

يسري صابر فنجر

  • كتب
  • مقالات
  • الصفحة الرئيسية