صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







قم يا نومان... بحر الأماني!

يسري صابر فنجر

 
لو كنت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لفعلت ... وفعلت...
لو كنت من صحب النبي صلى الله عليه وسلم لتغير حالي...
لو عشت مع النبي صلى الله عليه وسلم لكنت من السابقين الأولين...
هكذا... عبارات تتردد لا تتجاوز إلا الفم ، أما الحال والواقع فلا تغيير فيه ولا تطبيق لما نتلفظ به من طاعة.
جدير أن يكون أسمى ما يتمناه المسلم أن يعيش في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأن يراه ويكون من صحبه رضي الله عنهم هذا إذا كان هناك اختيار أما وقد وقع القدر وأذن الله عز وجل أن نعيش في هذا الزمن وأن ينعم علينا بالإيمان فلا مجال هنا للتمني قال تعالى : " وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ " (القصص:68) وقال تعالى : " وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ " (الأحزاب:36).
بل أخاف أن يكون هذا التمني داخل في الاعتراض على القدر ، فضلاً عن أنه لا يخرج عن كونه أمنية ثم تنجلي وخاصة أن الباب مفتوحاً لأحبابه صلى الله عليه وسلم الذين يفزعون إلى سنة نبيهم فيتدارسونها علماً وعملاً تطبيقاً والتزاماً ويردوا إليها أحوالهم وشئونهم الخاصة والعامة فضلاً عن عقيدتهم وعبادتهم ثم هم لا يجدون على ما هم فيه من الخير أعوان يأخذون بأيديهم ، هذا إن سلموا من الهجوم والسخرية والمثبطين ورغم ذلك متمسكين معتصمين يريدون وجه الله والدار الآخرة.

إن ما ينبغي علينا هو النظر فيما يرضي ربنا ونكون كما كان سلفنا الصالح حتى يجمعنا الله معهم وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات لكن سنته بين أيدينا نحتاج أن نطبقها في ذواتنا وأهلينا ومجتمعنا ، وتحتاج إلينا أن نحملها فنحفظها ونبلغها كما حفظها سلفنا ، وقد كان في مجتمع القرون الأولى من الفساد والفتن أكثر مما نحن فيه أو مثله وهكذا حال مجتمع أئمتنا العظام ولكنهم استطاعوا أن يتفاعلوا تفاعل إيجابي مع مجتمعهم حتى صاروا أعلاماً للهدى يترحم عليهم وتحي القلوب بذكرهم فهذا رسول الله صلى عليه وسلم قد أخرج من بلده وقيل عنه: مجنون وساحر وشاعر وعودي من أقرب الناس إليه وأوذي كثيراً بأبي هو وأمي ونفسي صلى الله عليه وسلم.
وهكذا أصحابه رضي الله عنهم مما هو مسطر في سيرتهم وهكذا كل من سلك طريقتهم وصار على هديهم إلى يوم الدين .

أما أن نحيل المسئولية وما نحن فيه من وهن إلى الزمان فهذا خطأ كبير وداء عضال وتنصل من المسئولية وإلقاء التبعات على الزمان وهو ظلم له

نعيب زماننا والعيب فينـا * *وما لزماننـا عيب سوانـا
ونهجوا ذا الزمان بغير ذنب **ولو نطق الزمان لنا هجانـا
وليس الذئب يأكل لحم ذئـب **ويـأكل بعضنا بعضا عيانـا

وهذه روايات وألفاظ فضلت نقلها كما هي بألفاظها دون الاكتفاء ببعضها ؛ لأنها تحكي ما يتاورد على ألسنة بعضنا ، ينصح فيها أبو حذيفة رضي الله عنه جلساؤه أن لا يتمنوا ذلك ؛ لأنهم لا يدرون حين يكونوا في زمنهم مع مَن يكونوا قد يكونوا مع أبي جهل وأبي لهب ثم حكى لهم مشهد من مشاهده مع النبي صلى الله عليه وسلم.

قال فتى من أهل الكوفة لحذيفة بن اليمان رضي الله عنه يا أبا عبد الله رأيتم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبتموه؟ قال : نعم يا بن أخي قال : وكيف كنتم تصنعون قال: والله لقد كنا نجهد قال الفتى: والله لو أدركناه ما تركناه يمشي على الأرض ولحملناه على أعناقنا ، وفي لفظ : لو أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلت معه وأبليت ، فقال له حذيفة : أنت كنت تفعل ذلك ؟ وفي رواية: أن رجلاً قال لحذيفة رضي الله عنه نشكو إلى الله صحبتكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنكم أدركتموه ولم ندركه ورأيتموه ولم نره فقال حذيفة رضي الله عنه : ونحن نشكو إلى الله إيمانكم به ولم تروه والله لا تدري يا ابن أخي لو أدركته كيف كنت تكون ، وفي رابعة بلفظ : ذكر حذيفة رضي الله عنه مشاهدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال جلساؤه : أما والله لو شهدنا ذلك لكنا فعلنا وفعلنا فقال حذيفة : لا تمنوا ذلك لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب في ليلة ذات ريح شديدة وقر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا رجل يأتي بخبر القوم يكون معي يوم القيامة فلم يجبه منا أحد ثم الثانية ثم الثالثة مثله ثم قال صلى الله عليه وسلم يا حذيفة قم فأتنا بخبر من القوم فلم أجد بدا إذ دعاني باسمي أن أقوم فقال: " ائتني بخبر القوم ولا تذعرهم علي " قال: فمضيت كأنما أمشي في حمام حتى أتيتهم فإذا أبو سفيان يصلي ظهره بالنار فوضعت سهما في كبد قوسي وأردت أن أرميه ثم ذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تذعرهم علي " ولو رميته لأصبته قال : فرجعت كأنما أمشي في حمام فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أصابني البرد حين فرغت وقررت فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم وألبسني من فضل عباءة كانت عليه يصلي فيها فلم أزل نائماً حتى الصبح ، فلما أن أصبحت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قم يا نومان ". رواه مسلم وغيره بألفاظه نسأل الله عز وجل أن يجمعنا مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك

يسري صابر فنجر

  • كتب
  • مقالات
  • الصفحة الرئيسية