اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/Doat/yahia/89.htm?print_it=1

قاطعوا هذه المنتجات

يحيى بن موسى الزهراني

 
الحمد لله الذي لم يزل عزيزاً قهّارًا ، بارك ما شاء من البقاع حكمةً منه واختيارًا ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أعلى لنبيه حُرُماتِه أقدارًا ، وأشهد أن نبيّنا محمّدًا عبده ورسوله أشرف من رجا لله وقارًا ، صلى الله وسلّم وبارك عليه وعلى آله وصحبه صفوة الملأ مهاجرين وأنصارًا ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . . . أما بعد : فاتقوا الله أيها المسلمون ، وعظِّموا شعائره وحُرُماته ، وابتغوا بتوقيرها غفرانَه ومرضاته ، وبتعظيمها رأفته ورحماته : " ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ " .
من الثوابتِ والأصول والمسلَّمات التي لا تدول ، كونُ تعظيمِ نبي الهدى والنور _ صلى الله عليه وسلم _ عقيدةً شامخة في ملّة الإسلام ، وفي قلوب أهلِ الإيمان ، وإنّه لقمينٌ بنا أن نستمسكَ بسنته ، ونتنادَى حولها ، لاسيَّما في زمنِ الفتن والمادّيّات ، والعنصرية والتعديات ، التي أقامت دونَ البصائر حِجابًا ، وأضحت منها القلوب يبابًا .
فمع هذه الأزمة ، أجمعت الأمة اليوم على تلكم المقاطعة المباركة لمنتجات الدنمرك ، ولا يخفى على كل ذي لب أنها آتت أكلها ، وأظهرت ثمارها ، وكم كنت أود خالصاً من قلبي ، أن تقاطع جميع منتجات الكفار الضارة ، كالدخان ، ومشروب الكولا بأنواعه ، فقد ظهر الأثر السيئ للدخان بما لا يدع مجالاً للشك في تحريمه ، وقد نهى عنه العلماء الربانيين ، وحذر من خطره الأطباء البارزين ، فهو ضرر وخطر على الفرد والأمة ، لما يسببه من أمراض خطيرة فتاكة تودي بحياة شاربه ومتعاطيه ، فهو سبب رئيس لكثير من الأمراض كالقلب وسرطان الرئة وغيرها ، وأيضاً فهو سبب لهدر الأموال ، وإنفاقها في غير وجهها الصحيح ، ولقد جاءت الشريعة الإسلامية كافلة حقوق المسلمين ، ومنعهم من كل ضرر يصيبهم ، أو ضرر يصيب غيرهم بسببهم ، عن أبـي سعيد الـخُدْرِيِّ رضي الله عنه ، أَنَّ رسولَ الله صَلَّـى الله عَلَـيْهِ وَسَلَّـمَ قالَ : " لا ضَرَرَ ، ولا ضِرَارَ ، من ضَارَّ ضَرَّهُ الله ، ومن شاقَّ شَقَّ الله علـيهِ " [ أخرجه أحمد ومالك والبيهقي في الكبرى وهو حديث صحيح ] .
ومشروب الكولا الأمريكي لا يقل خطراً وضرراً عن سابقه ، فقد أظهرت نتائج الأبحاث أنه يسبب مرض السرطان الفتاك ، الذي فتك بكثير من الناس اليوم ، وقد كتب عنه كثير من الأطباء العرب وغير العرب ، المسلمين وغيرهم ، محذرين الناس من عواقب شربه ، ولا شك أن هذه نازلة تحتاج إلى فتوى سريعة من هيئة كبار العلماء .
ومن إفرازات المقاطعة اليوم ، أنه انجلى لنا كثير من الحقائق التي ربما كانت مخفية عن البعض ، جلية لآخرين ، كالنهوض القوي للمسلمين دفاعاً عن نبيهم صلى الله عليه وسلم ، وذوداً عنه ، وفداءً له بالنفس والمال والولد ، وكل ما يملكه الفرد ، وإن كانت تلكم الهمم كامنة إلا أنها ظهرت في وقتها ، ولو كانت الإساءة قبل ذلك ، لكن يُعذر المسلمون لتعتيم وسائل الإعلام على الخبر ، والتكتيم عليه ، ربما لأهداف رسموها ، أو عدم مبالاة ، وكلاهما أمر خطير ، ينم عن رائحة خيانة في حق جناب النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو ما يريده المنافقون العلمانيون _ لعنهم الله لعناً كبيراً _ الذين تولوا كبر صحفنا اليوم ، وربما أثاروا زوابع من الغبار ، يزعمون فيها أن المقاطعة لا يصح أن تكون في حق الدنمرك كدولة ، بل في حق الجناة والمجرمين فقط ، الذين استهزءوا برسولنا صلى الله عليه وسلم ، دون أن تطال جميع أفراد الشعب الدنمركي ، ودللوا على ذلك بقول الله تعالى : { ولا تزر وازرة وزر أخرى } ، فأقول : تلكم كلمة حق أريد بها باطل ، ولو عدنا للوراء قليلاً ، وفي وقتنا المعاصر ، لوجدنا أن أي دولة كافرة ، اعتدت على أخرى مسلمة ، فإن العداء ينال الشعب المسلم بأكمله ، كما هو الحاصل اليوم في فلسطين ، والعراق ، وكما حصل في كوسوفا والبوسنة والهرسك ، مجازر دموية ، ومقابر جماعية ، لا لشيء ، إلا لأنهم قالوا ربنا الله ، أسلمنا لله .
ومقاطعتنا لكفار الدنمرك مقاطعة دينية ، لأنها دولة تهكمت على رسول الإنسانية ، وهادي البشرية ، صلى الله عليه وسلم ، وقد وقف جل الشعب أو كله ، مع تلك التهكمات والتعديات على رسول المسلمين ، ونبي المؤمنين عليه من ربه أفضل صلاة وأزكى تسليم ، وما حصل بعد ذلك من اعتذار ما هو إلا بسبب الخسائر الفادحة التي تكبدتها الشركات الدنمركية ، مما أدى إلى مُلاكها لرفع الاعتذار للمسلمين مع بقية باقية من الشعب ، ولن تنطلي علينا معشر المسلمين مثل تلكم الترهات والأكذوبات ، لاسيما والشعوب الأوروبية والغربية كافة شعوباً مادية إلحادية وثنية كما هو معروف ، فلا يهمهم إلا المادة ، مع ما تحمله تلك الشعوب من كراهية وبغضاء ، وحقد وحسد للمسلمين ، وغيظاً على الإسلام وأهله ، وما الحملة الشعواء التي يقوم بها بوش وبلير تحت ستار القضاء على الإرهاب ، وفي حقيقتها محاولة القضاء على الإسلام ، وقتل أهله ، والاستيلاء على ثرواتهم وخيراتهم إلا دليل عظيم ، وبرهان قاطع على سوء نية القوم ، وما تخفي صدورهم أكبر ، قاتلهم الله أنى يؤفكون ، ذهبت خيرات العراق لأمريكا وبريطانيا ومن معهما من الكفار ، وذهبت خيرات فلسطين إلى اليهود لعنهم الله ، وقبلها وبعدها كثير ، واليوم تتضح بقية المخطط ، فالدور على السودان لما تحويه من بترول مخزن في باطن الأرض ، فهي دولة تطفو على كنز من البترول ، تريد دول الكفر دخولها تحت أي ستار ، وما قضية دارفور إلا سلم للوصول للغاية ، وأيم الله لو دخلوا السودان وفعلوا بها مثل ما فعلوا بالعراق فلا خير في المسلمين عامة ، والحكام خاصة ، بل سيقفون أمام الله تعالى خونة مداهنين موالين لأعداء الله ، مناهضين للمسلمين ، فعلى المسلمين أن يأخذوا حذرهم ، ويستعدوا لقتال عدوهم ، قال تعالى : { فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَناً إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } ، فأمعنوا النظر في هذه الآية ، فهي آية عظيمة تدل على أن المسلمين لا حول لهم ولا قوة إلا بالله ، فإن لم يأخذوا بأسباب النصر فلا نصر ، قال تعالى : { إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ } .
ونحن ندين الله تعالى بحب رسوله صلى الله عليه وسلم ، وكما هو مقرر في أصولنا ، أن من استهزأ بشيء مما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم فهو كافر ، فكيف بمن استهزأ بالنبي نفسه ، بل ذلك قدح في حق الله تعالى ، فمعنى الاستهزاء بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، استهزاء بالذي أرسله ، فمعناه أنهم لم يطيعوا رسوله ، ولن يطيعوا ربهم وخالقهم وهو من أرسله .
مع أن الله تعالى أرسل رسوله ليكون رحمة للعالمين ، وهاد للخلق أجمعين ، ومخرج لهم من الظلمات إلى النور ، ومن نار الجحيم ، إلى جنة النعيم ، قال تعالى : " وما أرسلناك إلى رحمة للعالمين " ، عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال : إنَّ اللَّهَ فَضَّلَ مُحمداً صلى الله عليه وسلّم على الأنبياءِ وعلى أهلِ السماءِ ، فقالوا يا ابنَ عباسٍ بِمَ فَضَّلَهُ على أهلِ السماء ؟ قال : إنَّ اللَّهَ قال لأهلِ السماءِ : { ومن يقُلْ مِنْهُمْ إنّي إلهٌ من دونِهِ فذلكَ نَجْزِيهِ جهنَّمَ كذلك نجزِيْ الظالمينَ } الآيةَ . وقال اللَّهُ لمحمَّدٍ صلى الله عليه وسلّم : { إنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحَاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تقدَّمَ من ذنْبِكَ وَمَا تَأخَّرَ } ، قالوا : فما فَضْلُهُ على الأنبياءِ ؟ قال : قال الله عزَّ وجلَّ : { وما أرسَلْنَا مِنْ رسولٍ إلاَّ بلسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيّنَ لهم } الآية ، وقال الله عزَّ وجَلَّ لمحمدٍ صلى الله عليه وسلّم : { وما أرسلناكَ إلاَّ كافةً للناسِ } فأَرْسَلَهُ إلى الجنّ والإِنْسِ " [ أخرجه الدارمي وغيره ] .
فهذا النبي الكريم الرحيم الرؤوف بالناس أجمعين ، أرسل لأهل الأرض كلهم جميعاً ، أرسله ربه ليكون بشيراً ونذيراً ، وداعياً إلى بإذنه وسراجاً منيراً ، أرسله الله عز وجل في فترة وقف عن أهل الأرض وحي السماء ، في فترة غير الناس دينهم إلا بقايا من أهل الكتاب ، فكانت الأرض تموج بالمنكرات والشركيات والكفريات ، انتشرت عبادة الأصنام والأوثان ، وعُبدت من دون الله تعالى ، فحق على الناس غضب الجبار سبحانه ، لما بدلوا دينه ، قال صلى الله عليه وسلم : " وَإِنَّ اللّهَ نَظَرَ إِلَىٰ أَهْلِ الأَرْضِ فَمَقَتَهُمْ ، عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ، إلاَّ بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ " [ أخرجه مسلم من حديث عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ رضي الله عنه ] .
فرحم الله البشرية ، بأن أرسل إليها أكرم البرية صلى الله عليه وسلم ، لينتشل الناس من عباد الأحجار والكواكب والنار ، إلى عبادة الواحد القهار ، فهو رسول عظيم السجايا ، كريم الصفات ، كثير العطايا ، أفضل من مشى على الخضراء ، وأعظم من وطئ الصحراء ، وخير من أقلت الغبراء ، وأظلت السماء ، كيف لا ، وهو حبيب ربه تعالى ، وصفيه وخليله وخيرته من خلقه ، وإلماعًا بفضلِه ، وإشادةً بنبله ، قال الله في خلقه : " وإنك لعلى خلق عظيم " .
ومن إفرازات حملة المقاطعة ، تحالف دول الكفر ، واكفهار وجهها ، وظهور خبثها ، وبيان سوء نيتها ، لاسيما وهي تهدد وتتوعد الدول العربية والإسلامية بمقاطعة ، وتزبد بأمور أخرى ، تخويفاً لترعد الفرائص ، وترجف الأطراف ، في سبيل إرضاخ الدول لتتجاوز مسألة الإساءة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، واعتبار أن ذلك حدث عارض ، وحرية عامة ، لا دخل للحكومات فيها ، والصحيح أن أي دولة في العالم لا يمكن لأي صحيفة أن تنشر شيئاً يسيء إليها إلا حاسبت المقصرين وربما أعدمتهم ، كما أنه لا يحق لأي صحيفة في بلدانهم أن تتولى الإساءة إلى أي شخصية في العالم إلا بعد الرجوع إلى الدولة ، وإن تم ذلك دون علم الحكومة فلابد من الاعتذار والتعهد بعدم العودة لذلك مجدداً ، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم عالي الذكر ، رفيع القدر ، أحق بذلك كله ، فيجب محاسبة المجرمين ، والأخذ على أيديهم ، بل يتعين قتل من أساء إليه صلى الله عليه وسلم كما هو مقرر عند كثير من أهل العلم ، فالإساءة إليه من أعظم الردة من المسلم ، وأعظم المحاربة من الكافر ، هو رسول العرب والعجم ، هو الذي أرسله ربه لهداية الناس ، وإنقاذهم من النار ، ولكنهم عصوه ، ولم يتبعوه ، وليتهم اكتفوا بذلك ، بل زادوا في الكفر بأن انتقصوا قدره الشريف ، ولا يهم العزيز ما قال الذليل ، قال تعالى : " إنا شانئك هو الأبتر " ، وقال سبحانه : " وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً " .
ومن إفرازات تلك الرسوم الكاريكاتورية ، أن المسلمين في كل بقعة من بقاع الأرض شعروا بتقصيرهم نحو نبيهم صلى الله عليه وسلم ، وحان الوقت الذي يظهرون حبهم وولاءهم ودفاعهم عنه صلى الله عليه وسلم ، وما هذه المسيرات المباركة ، والحشود الموفقة ، والمظاهرات السلمية المسددة ، إلا نتاج سخرية الأعداء ، واستهزائهم بديننا ، وقولهم إن المسلمين لا يتحركون مهما أخذوا على رؤوسهم ، وآن الأوان لنثبت لأعداء الله أننا أمة عزيزة أبية ، شامخة قوية ، لا تقبل في عقيدتها أي مساومة ، ولا تقبل في ثوابتها أي مزايدة ، أو تبديل أو تغيير أو تحريف ، وهذا ما لم يتوقعه الكفار الملحدون ، عُبَّاد المادة ، فتعسوا وخابوا وخسروا ، فنحن لهم بالمرصاد ، بإذن الله تعالى .
فمقاطعة الكفار أمر واجب ، بل أقل الواجب في ميدان رد الإحسان والجميل إلى أكرم رجل في العفاف والطهر ، وأعظم إنسان في الأخلاق والنبل ، الذي أنقذ الناس من جهل إلى علم ، ومن نذالة إلى بسالة ، ومن عبيد للدنيا ، إلى عبيد للخالق جل وعلا ، فجزاه الله عنا خير الجزاء ، وأعظم الثواب ، ونسأل الله له الفردوس الأعلى من الجنة .
أعود لصلب الموضوع الذي أريد الحديث عنه ، وهو مقاطعة منتجات الكفار مقاطعة لا رجعة فيها ، واستبدالها بمنتجاتنا المحلية والعربية والإسلامية ، على أن يتحلى أولئك المنتجون والصناع بالأمانة وجودة الصناعة ، أو تعليق استكرات على منتجات الدنمرك للإيحاء للناس على أنها منتجات غير دنمركية ، فليحذروا من غش المسلمين أو التدليس عليهم ، حتى لا تُفقد المصداقية بين المسلمين أنفسهم ، عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم مرَّ على صُبْرَةِ طَعَامٍ ، فأدخلَ أصابِعَهُ فيها ، فإذا فيهِ بَلَلٌ ، فقالَ : " ما هٰذا يا صاحِبَ الطَّعامِ " ؟ قالَ : أَصَابَتْهُ سَمَاءٌ يا رسولَ اللَّهِ ـ مطر ـ قالَ : " فَهَلا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ حتَّى يَرَاهُ النَّاسُ ، مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا " [ أخرجه مسلم وبن حبان واللفظ له ] ، عن عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ رضي الله عنه قالَ : قالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ غَشَّ العَرَبَ لَمْ يَدْخُلْ فِي شَفَاعَتِي وَلَمْ تَنَلْهُ مَوَدَّتِي " [ أخرجه أحمد وغيره ] ، قال الترمذي رحمه الله : " والْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أهلِ الْعِلْمِ. كَرهُوا الْغِشَّ ، وَقَالُوا الْغِشُّ حَرَامٌ " .
فلا بد من العمل الدؤوب ، والسعي الحثيث للحصول على أفضل المنتجات التي تفيد المسلمين في كل مكان ، للاستغناء فعلاً عن مصنوعات الكفار واختراعاتهم ، وليس من الضروري أن يركب المسلم سيارة من دولة تحارب الإسلام وأهله ، بل يستغنى عنها بسيارات أخرى ، من دول إسلامية ، أو على أقل تقدير من دول لا تنتمي للعنصرية الدينية ، ولا تحمل الكراهية والبغضاء للمسلمين ، فقد دخلت سوريا مجال صناعة السيارات وغيرها من الدول التي يمكن التعاون معها في هذا المجال التقني المهم اليوم ، أما مجال الأسلحة فهو رحب خصب ، فكل دولة تسعى لتسويق منتجاتها الدفاعية لكل الدول للحصول على المادة التي هي صلب الحياة عندهم ، كما هو الحال اليوم من دخول كثير من الأسلحة الروسية إلى دول تحاربها أمريكا ، وكذلك العكس تماماً ، فأمر الأسلحة والتقنية الحربية أمر سهل للغاية ، فيجب علينا المبادرة للحصول على أسلحتهم لنبيدهم بها ، وندافع عن أنفسنا .
فالغرب مهووس بحب المال ، وشغف الحياة ، ولا يهمه المال من أي طريق أتى ، والفساد الإداري والرئاسي عندهم مكشوف معلوم ، والخيانة من أجل الحصول على المال لا ينكرها أحد ، فوسائل الإعلام لم تترك لهم مجالاً للكذب أو الافتراء ، وكل دولة تحاول أن تبيع أكبر قدر من تقنيتها الصناعية لغيرها من الدول ، في سبيل القضاء على دولة أخرى كبرى تنافسها في المجال نفسه ، وهاهي أمريكا والصين وروسيا وغيرها تتنافس في هذا المجال ، فعلينا أن نحصن أنفسنا بسلاح عدونا .
ومن إفرازات المقاطعة ، وقوع المسؤولية العظيمة على عواتق الآباء والأمهات تجاه أبنائهم ، بترسيخ محبة هذا الدين في نفوسهم ، وتثبيت حب نبيهم في قلوبهم ، وتحذيرهم من منتجات الكفار ، أعداء الله تعالى ، وأعداء رسوله صلى الله عليه سلم ، بل وأعداء البشرية جمعاء ، فليس من الضرورة الملحة ، والحاجة الماسة ، أن نستورد الغذاء من دول تضمر لنا العداء والكراهية ، وليس من المهم أن نغذي أبناءنا بأغذية فاسدة ، أو ربما وضع فيها ما يسيء إلى الصحة ولو بعد حين ، فأمر الأجبان واللبن والحليب ومشتقاتها أمر محسوم ، فعندنا في بلادنا ما هو أجود وأنظف وأنقى ، ويسهل معه معاقبة الخيانة والغش ومراقبة ذلك مراقبة دقيقة عن كثب وقرب .
وأما التسالي والبسكويتات والعصائر بأنواعها ، فعندنا مندوحة عنها ، وذلك لأن المسلمين منذ أوج عصرهم وهم يأكلون التمر والزبيب والشعير والبر وما أشبه ذلك من الأطعمة المفيدة ، الخالية من المواد الحافظة التي تسبب أمراض السرطان والعقم والموت البطيء .
فوالله ما ضر المسلمين في العصور الأولى ، حتى وقت آبائنا وأجدادنا ، ما كانوا يأكلون ويشربون ، بل فتحوا العالم كله شرقه وغربه ، وكانوا أعزة على الكافرين ، أذلة على إخوانهم المؤمنين ، حتى وصل بنا الحال إلى أن نستورد طعامنا من الكفار ليطعمونا ، ويطعمون أبناءنا ، فياله من حال ضعف وخور ، واستكانة وإهانة ، فمتى تقوم الأمة بجميع شؤون حياتها اليومية ، وتتبادل الدول العربية والإسلامية منتجاتها ، ونبين للكفار أننا أمة تعمل ، ولا تعرف الكسل ، حتى قال سفير الدنمرك في الجزائر : أن هذه المقاطعة وقتيه ، وما يلبث المسلمون أن يعودوا لمنتجاتنا ، لأنهم أمة لا تعمل ، فكيف يأكلون .
فيجب علينا أن نبين لعدو الله أننا أمة عاملة ، أمة تخدم نفسها ولا تعتمد على غيرها ، يجب أن نقتل اقتصاد دول الوثنية والإلحادية العلمانية ، فتلك الدول لا تدين بدين أبداً ، بل دينهم هو القهر البشري ، والاستبداد المالي ، فمتى ما وجود مصلحتهم عند أحد انبطحوا له ، وخضعوا لمتطلباته ، المهم عندهم المادة .
وليعلم المسلمون أن أمريكا وإسرائيل هما أعظم عدو للإسلام والمسلمين ، فما من شر وفتنة تقع بالمسلمين إلا وأيديهما ملطخة به ، فمن هذا المنطق يجب مقاطعة كل منتجات أمريكا خاصة والعالم عامة ، ويأتي في طليعة ذلك الدخان ، فهو منتج أمريكي منتهي الصلاحية من قبل أن يُزرع ويُحصد ، فكل مادة صناعية يُكتب عليها تأريخ الصنع ، وتأريخ النهاية إلا الدخان فهو منتهي الصلاحية منذ صناعته ، وهو طعنة نافذة في توحيد المدخنين ، وخرم لمروءة المتعاطين ، وقدح في دينهم ، وشرخ في عقيدتهم ، فقد أجمع العلماء على تحريمه ، وأطبق الأطباء على منعه وخطره ، فأين عقول المسلمين ، ألا يتقون الله ويخافونه ؟ سبحان الله ، يرون الباطل حقاً ، والمنكر معروفاً ، وقد جاءت النصوص الشرعية بتحريم التعرض للنفس بالإيذاء ، لأنها ليست ملكاً لصاحبها ، بل ملكاً لخالقها وبارئها ، قال تعالى : " ولا تقتلوا أنفسكم " ، وقال سبحانه : " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " ، وقد جاء الوعيد الشديد ، والتحذير الأكيد لمن فعل ذلك بالخلود المحدود في نار جهنم والعياذ بالله ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ ، فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ، خَالِداً فِيهَا أَبَداً ، وَمَنْ شَرِبَ سَمّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ ، فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِداً مُخَلَّدا فِيهَا أَبَداً ، وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ ، فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِداً مُخَلَّدا فِيهَا أَبَداً " [ متفق عليه ] .
فمن إظهار محبة النبي صلى الله عليه وسلم أن نجتنب كل ما يضرنا ولا ينفعنا ، ومن أعظم ذلك الدخان الذي يقوم عليه كثير من الاقتصاد الأمريكي ، فنحن ننفق في سبيله المليارات من الدولارات ، والتي يستحقها ملايين المسلمين الفقراء ، الذين أهلكهم الفقر المدقع ، والجوع الموجع ، وليعلم كل مسلم ومسلمة أن أمريكا تستخدم أموالنا في قتل إخواننا المسلمين ، فهم يعدموننا بأموالنا ، فلنمنع ذلك العمل ، ولنستخدم أسلحتهم لقتلهم وإبادتهم أبادهم الله وأفناهم .
يا مسلمون مليون مسلم يموت بسبب الدخان ، وأضعافهم من مرضى السرطان بأنواعه ، دمرتنا أمريكا بمنتجاتها واختراعاتها ، فأفيقوا يا أمة المليار ونصفه ، حكموا العقول ، وعودوا للدين ، وبحياضه تمسكوا ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون .
فكيف نكون أمة واحدة ، ونحن شتاتاً ، وكيف نروم النصر ونحن أحزاباً ؟ إنها متناقضات ومتضادات ، فلابد من الوحدة ، ورأب الصدع ، وترميم النفوس ، حتى تعود الأمة الإسلامية مهيمنة على العالم كله ، ومسيطرة على أمره ، ومتحكمة بشأنه ، تحت راية التوحيد والدين القويم ، والصراط المستقيم ، وليس ذلك ببعيد المنال ، إذا تنازل البعض ، وتفهم آخرون ، فليست الآخرة بالمناصب والجاه والملك في الدنيا ، بل تنال الآخرة بالتقوى والخوف من الله تعالى ، قال سبحانه : " تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين " .
ويتبع نفس الموضوع تلكم المطاعم الأمريكية التي غزت الدول الإسلامية كالمكدونالدز والبيتزاهت وغيرها ، فالمؤمن غيور على محارم الله إذا انتهكت ، ولا أعظم انتهاكاً اليوم مما يحصل في العراق وفلسطين وأفغانستان من انتهاك صارخ لحقوق الإنسان المسلم ، وظلم واستعباد ، حتى بيع الأطفال والنساء المسلمات في سوق الرقيق ، بل تم استخدامهم في تسويق الأفلام الخليعة تحت القوة والبطش ، فأين الغيرة يا مسلمون ؟ أين الحمية يا مؤمنون ؟ لقد انتهكت محارم الله من قبل أعداء الله ، ولا زال في المسلمين من يتبجح ويتفاخر بأمريكا وبريطانيا وغيرهما من دول الكفر والعهر ، راعيتا الفساد والظلم العالمي ، والبطش والجبروت الدولي ، اللهم أحصهم عدداً ، واقتلهم بدداً ، ولا تغادر منهم أحداً ، اللهم شل أركانهم ، وأعم أبصارهم ، اللهم إنهم خلق من خلقك لا يعجزونك ، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك وقوتك وسطوتك ، اللهم أرنا فيهم يوماً أسوداً كيوم فرعون وهامان وقارون ، يا قوي يا عزيز ، يا ذا الأمر الرشيد ، والبطش الشديد .
والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه .


 

يحيى الزهراني
  • رسائل ومقالات
  • مسائل فقهية
  • كتب ومحاضرات
  • الخطب المنبرية
  • بريد الشيخ
  • الصفحة الرئيسية