صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







قُضَاةٌ . . . على شَفِيرِ جَهَنَّم

   

يحيى بن موسى الزهراني

 
الحمد لله فالق الإصباح ، أحمده وأشكره وأتوب إليه ليل صباح ، خلق الشجر والجبال والدواب والرياح ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، العليم الفتاح ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خافض الجناح ، الداعي إلى الإصلاح ، الآمر بالصلاح ، صلى الله وسلم عليه ما تلألأ نجم ولاح ، وما استهل مولود وصاح ، وعلى آله وأصحابه أهل التقى والكفاح ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الفلاح . . أما بعد :
فهذه نبذة مختصرة ، تحدثت فيها عن بعض ما يهم القضاء والقضاة ، راجياً النفع للجميع .

أهمية القضاء :
القضاء لغة : الحكم بين الناس ، ويُجمع على أقضية ، ويطلق على إحكام الشيء وإمضائه ، ومنه قوله تعالى : " وقضينا إلى بني إسرائيل " [ الإسراء 4 ] ، ويطلق أيضاً على الفراغ من الشيء ، قال تعالى : " فوكزه موسى فقضى عليه " [ القصص 15 ] ، ويطلق على إتمام الشيء ، قال تعالى : " ليقضى أجل مسمى " [ الأنعام 60 ] .
والقضاء شرعاً : فصل الخصومات وقطع المنازعات ، وقال الخطيب الشربيني : هو الخصومة بين خصمين فأكثر بحكم الله تعالى .
ودليل مشروعيته الكتاب ، والسنة ، وإجماع الأمة ، وقد اجمع المسلمون على مشروعية نصب القضاء والحكم بين الناس [ هامش مراتب الإجماع لابن حزم 85 ] .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " المقصود من القضاء ، وصول الحقوق إلى أهلها، وقطع المخاصمة ،‏ فوصول الحقوق هو المصلحة ، وقطع المخاصمة إزالة المفسدة‏ ، فالمقصود هو جلب تلك المصلحة ، وإزالة هذه المفسدة ،‏ ووصول الحقوق هو من العدل الذي تقوم به السماء والأرض ، وقطع الخصومة هو من باب دفع الظلم والضرر ، وكلاهما ينقسم إلى إبقاء موجود ، ودفع مفقود ،‏ ففي وصول الحقوق إلى مستحقها ، يحفظ موجودها ، ويحصل مقصودها، وفي الخصومة يقطع ، موجودها ويدفع مفقودها ،‏ فإذا حصل الصلح زالت الخصومة التي هي إحدى المقصودين " [ مجموع الفتاوى 35 / 355 ] .‏
إذن لا يشك أحد في أهمية القضاء في كل زمان ومكان ، فهو كالملح للطعام ، لا سيما إن كان القضاة هم العلماء ، فلا غنى لبشر عنهم ، لأن العلماء ورثة الأنبياء ، والأنبياء قضاة أقوامهم ، وحكماء دولهم ، بهم تزهو الشعوب ، وينتشر الخير ، ويعم الرخاء ، وتزول المدلهمات ، وتنقشع الملمات ، فهم كالغيث أينما حل نفع .
قال صلى الله عليه وسلم : " لا يحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض ، إلا أمَّروا عليهم أحدهم " [ أخرجه أحمد بإسناد صحيح ] .
وعند البزار بسند صحيح : " إذا كانوا ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم " .
في ذلك دليل على أنه يشرع لكل عدد زاد عن الاثنين ، أن يؤمروا أحدهم ، منعاً للخلاف الذي يؤدي إلى التلاف ، حتى لا يستبد كل إنسان برأيه ، فيهلك الجميع ، لذلك شرع الشارع الحكيم القضاء ووجود القضاة بين الناس ، وإذا كان ذلك بين العدد القليل في السفر ، فوجود القضاة في الحضر مع تزايد أعداد السكان لهو أحرى وأوجب ، لأن الناس يحتاجون لدفع التظالم ، وفصل التخاصم ، فلهذا يجب تنصيب الولاة والحكام والقضاة للسيطرة على أمور الناس ، ومنع الظلم ، وإعطاء كل ذي حق حقه [ نيل الأوطار 8 / 258 بتصرف ] .
إذ لا يمكن أن تقام الحدود ، وتُدرأ الشبهات ، ولا يتم الحق والعدل ، إلا في ضوء وجود القضاة ، الذين علموا كتاب الله تعالى ، وحفظوا سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وتعلموا العلم الشرعي المبني على الكتابين الوحيين .
ومع تقدم الحضارة الزائفة ، وابتعاد كثير من الناس عن دينهم ، حتى أصبحت أسهل المسائل الشرعية ، تمثل عقداً وإعياءً ، كان لابد من وجود القضاة ، الذين يدينون لله عز وجل ، والذين يأتمرون بأمره ، دون محاباة لأحد ، لا من قريب ولا من بعيد ، فالناس سواسية كأسنان المشط عندهم ، تعاملهم أيها القاضي كما تحب أن يعاملوك ، ولا تنس أن فوق كل جبار ظالم ، حكم عدل ، يحب القسط والمقسطين ، هو أعدل العادلين ، وأحكم الحاكمين ، حرم الظلم على نفسه ، وجعل بين عباده محرماً .

الإفتاء والقضاء :
اختلف أهل العلم في أيهما أشد ، القضاء ، أم الإفتاء ؟ على قولين :
القول الأول / الإفتاء أشد من القضاء :
وأرجع أصحاب هذا القول إلى أن الإفتاء يحتاج إلى رد سريع ، وبديهة حاضرة ، أما القاضي ، فإنه يتريث ويتأنى ويتثبت ثم يصدر حكمه ، ومن تأنى وتثبت ، تهيأ له من الصواب ما لا يتهيأ لصاحب البديهة .
القول الثاني / القضاء أشد من الإفتاء :
قالوا : لأن المفتي لا يُلزم أحداً بالعمل بموجبها ، وإنما يخبر السائل ويجيبه ، والمستفتي إن شاء أخذ بالفتوى ، وإن شاء تركها ، أما القاضي فإنه يحكم ، ويجب الأخذ بحكمه ، بحيث يلزم من استفتاه الأخذ بحكمه ، ولهذا هو أشد من المفتي [ إعلام الموقعين 2 / 66 ] .
والصحيح أن كلاهما على خطر عظيم إن لم يتثبتا في حكميهما ، ويتريثا فيه ، فالمفتي والقاضي كلاهما واحد ، فكل منهما يحكم بشريعة الله تعالى ، ما جاء في كتاب الله جل وعلا ، وما جاء في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، والمفتي والقاضي يوقع عن رب العالمين ، وويل له ثم ويل له إن جار في حكمه ، وحاد عن الصواب لأجل دنياً يصيبها ، أو نعمة يربها .
وكلنا ثقة في قضاتنا أن يكونوا أهلاً لتلك الأمانة التي أنيطت بهم ، وعُلقت على عواتقهم ، أن يرعوها حق رعايتها ، وأن يحيطوا بها علماً وفضلاً وشرفاً .

الفرق بين القضاء والإفتاء :
القضاء : هو بيان الحكم الشرعي مع الإلزام به ، أما الإفتاء : فهو بيان الحكم الشرعي دون الإلزام به " [ المنتقى 5 / 357 ، الموسوعة الفقهية 33 / 283 ] .

خطورة القضاء :
القضاء من أشد الوظائف خطورة ، فالقاضي يفتي الناس ويحكم بينهم بالعدل والسوية ، دون محاباة لأحد على آخر ، فالكل لديه سواسية ، لا فرق بين كبير ولا صغير ، ولا ذكر ولا أنثى ، ولا وضيع ولا رفيع ، فالكل مسلمون ، وفي شريعة الرحمن إخواناً تجمعهم روابط الأخوة الدين الواحد .
وهذه باقة يانعة من كتاب الله جل وعلا ، تبين خطورة الإجحاف في القضاء ، بل تبين خطورة القضاء بين الناس :
قال تعالى : " وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين " [ المائدة 42 ] .
وقال تعالى : " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " [ المائدة 44 ] .
وقال تعالى : " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون " [ المائدة 45 ] .
وقال تعالى : " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون " [ المائدة 46 ] .
وقال تعالى : " فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق " [ المائدة 48 ] .
وقال تعالى : " وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك " [ المائدة 49 ] .
وقال تعالى : " فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب " [ ص 26 ] .
وقال صلى الله عليه وسلم : " إن شئتم حدثتكم عن الإمارة ما هي : أولها ملامة ، وثانيها ندامة ، وثالثها عذاب يوم القيامة ، إلا من عدل " [ أخرجه البزار والطبراني بسند صحيح ] .
من سأل القضاء يجب أن لا يولاه ، ومن استعان بالشفعاء للوصول للقضاء ، يجب أن يُحال بينه وبين ما يشتهي ، حتى لا يكون المجال رحباً للتنافس في تحصيل ملذات الدنيا ، وزينتها وبهرجتها .
وسيأتي إن شاء الله الحديث عن ذلك .

من أخطاء بعض القضاة :
القضاء مهمة شاقة ، وأمانة ومسؤولية عظيمة ، أنيطت بمن حملها ، وتجشم الأخطار للحصول عليها ـ أقصد في واقعنا اليوم ـ فمن حملها ، فكأنما حمل جبال الأرض على ظهره ، فإما أن يقوم بحقها ، ويكون الله معه ، ويُعان على ذلك ، وإما أن يخون الأمانة ، ويركن للدنيا فتقصم ظهره .
قال صلى الله عليه وسلم : " يؤتى بالقاضي العدل يوم القيامة ، فيلقى من شدة الحساب ما يتمنى أن لم يقض بين اثنين في تمرة قط " .
وأعجب كل العجب عندما يتولى أحدهم القضاء ، وليس لديه من العلم الشرعي إلا بصيص أمل ، وهذا واقع ملموس ، حتى أن بعض القضاة ربما يُسأل في مسألة بسيطة يجب أن يُلم بها لنفسه أولاً ، ولمكانته ثانياً ، ومع ذلك يُحار في الجواب ، ويتعدى الصواب .
وعجبي لقاضٍ يضع رجلاً على الأخرى في مكتبه ، ولا يحترم الخصوم ، ولا يقف احتراماً للداخل ولا يقوم ، بل والله لقد رأينا منهم ما يجعلنا لا نثق بحكمهم ، فمنهم من لا يصافح من صافحه ، ومنهم من يصافح برؤوس أصابعه ، ومنهم من لا يرد السلام ، ولا يتلكم بكلام ، فما هذا القضاء ، أهذا قضاء أم تكبر واستهزاء ؟
ومنهم من تراه معبساً في مكتبه وفي حيه وفي شأنه كله ، يا الله ما هؤلاء القضاة ؟ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو أهدي إلي كراع لقبلت ، ولو دعيت عليه لأجبت " [ أخرجه البخاري ] .
وسلوا رواد المحاكم ، وزوار القضاء ، ستجدون أخباراً تشيب لها الرؤوس من قضاة اليوم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
والأدهى من ذلك والأمر ، عندما يدب داء الحسد إلى قلب القاضي ، فيصبح مرباداً منكوساً ، طغت عليه حب المادة ، وسيطرت عليه الشياطين ، فأصبح ألعوبة وأضحوكة ، يصارع الناس ، ويحقد ، ويمتلئ قلبه غيظاً على إخوانه المسلمين ، من أجل تحصيل منفعة زائلة ، والواقع محشو بالحقائق ، نسأل الله السلامة والعافية .
وما يندى له الجبين ، وتدمع له العين ، كمداً وكبداً ، عندما ترى أحد القضاة يتتبع الحفلات والتخرجات والمناسبات التي ليس له فيها ما يدعو لحضوره ، فتراه في الملاعب والأندية ، والمجالس التي ليس له بها علاقة مباشرة ، وياليته عندما حضر ، وجَّه وعبَّر ، وتحسبه أنكر وتمعر وتغير ؟ لا ، بل سكت وتغبر ، لا يأمر ولا ينهى ، يرى المنكر وكأن شيئاً لم يحدث ، لا يتفوه بكلمة حق ، بل ربما نطق بالباطل ، مداهنة وملاطفة لمن حضر .
نعم والله لقد أساءوا للقضاء ، وتمردوا على الله تعالى ، وأصبح هَمُّ أحدهم جمع أكبر قدر من المال ، والتوسع في البنيان ، والتوطن في البلدان ، والتفاخر في المراكب ، سبحان الله أي قُضاة أولئك ؟
القاضي قديماً يفض النزاع بين الناس ، ويساوي بين الخصوم ، وهؤلاء يشعلون فتيل النار ، ويخربون الدار ، ولا يحترمون الجار ، ويفرقون بين المرء وأخيه ، حتى تقع الشحناء ، وتحصل البغضاء ، ويقولون نحن قضاة .
قال صلى الله عليه وسلم : " إن الله مع القاضي ، ما لم يجُر ، فإن جار ، تخلى الله عنه ، ولزمه الشيطان " [ أخرجه الترمذي وابن ماجة ، وحسنه الألباني 2/66 ] .
وهاكم الطامة الكبرى ، والمصيبة العظمى ، إذا ارتشى القاضي ، وحكم للظالم ، وهضم حق المظلوم ، هنا باء بلعنة الله تعالى ، وخرج من رحمة أرحم الراحمين ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي في الحكم " [ أخرجه الترمذي وابن ماجة ، وصححه الألباني 2/68 ] .
وما أكثرهم اليوم ، فنحن نرى القاضي يتعين ويبقى سنتين أو ثلاث ، وإذ لديه مسكناً فخماً ، وسيارة فارهة ، ومزرعة واستراحة ، فمن أين لك هذا ؟
ولو كان من حلال ، لا ينبغي لك أن تجعل نفسك عرضة للاتهام ، وترفع عن مواطن التُهم والريب والشُبه .
ومن القضاة اليوم من لا يُقِّدر للعلم قدره ، ولا يعلم للإمامة حقها ، فشاهدنا الكثير منهم وهم يلعبون بالصلاة ، ويهينون كتاب الله ، ويعتدون على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بحجج واهية ، وبراهين فاضية .
فمنهم من تَسلَّمَ زِمام الإمامة وليس لها بأهل ، فلا يحافظ على إمامته ، بل تراه كثير التأخر ، كثير الغياب ، ثقيل النوم ، لا يألف جماعة مسجده ، ولا يألفونه ، فتراه متنقلاً من مسجد إلى آخر ، سيئ السمعة ، وحل الطينة ، قليل العزيمة ، ولو كان غيره ممن ليس من أهل القضاء محله ، لتم فصله قبل أن يصبح إماماً ، لأنه مشاغب ، ومشاكس ، ويبغضه الناس ، ويكرهون الصلاة خلفه ، أما القاضي فيمكن أن ينقل المسجد معه أينما ذهب ، وأينما تولى ، وهذا محض الإجحاف ، وصرف التواطئ ، فهذا لا يسيء لنفسه فقط ، بل يسئ للقضاء ، وللأمة ، وللمجتمع ، وللمتمسكين ، فيرى الناس أن كل القضاة ذلك الرجل ، وهذا خطأ فادح ، وظلم واضح ، لكن هذا أنموذج من نماذج عديدة .
وقاض إمام ، لا تستطيع أن تدرك معه الركن فضلاً عن الواجب والسنة ، ويتذرع بأن الناس يرغبون في السرعة ، وأشغالهم كثيرة ، فما من حل إلا أن يخالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم حتى يُرضي الأهواء والأذواق ، ولقد صلينا مع بعضهم ، ورأينا صلاة غير التي تعلمناها عن نبينا صلى الله عليه وسلم ، بل وجدنا صلاة عجيبة غريبة ، ما هي إلا حركات بهلوانية ، أشبه بحركات السرك العالمي ، لقد أصبح الأئمة القضاة في تنافس مستمر في تلكم الصلوات والتصرفات ، لاستقطاب المصلين ، ثم يخرج المصلي من صلاته ولم يحط بها علماً ، ولم يعقل منها شيئاً ، ولم يُكتب له منها فتيلاً ، فتُلف في ثوب خلق قديم بالٍ ، ثم تُرمى في وجه صاحبها ، وتقول ضيعك الله كما ضيعتني ، وينال الإمام القاضي كفلاً من تفريط الناس في صلاتهم ، لأن الدال على الشر كفاعله ، فرفقاً رفقاً بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ومن فواجع الأئمة الخطباء ومواجعهم ، من تصل خطبته إلى خمس دقائق ، لا تزيد عن ذلك ، بل ربما نقصت ، والجامع غاص بالمصلين ، ممتلئ بالحاضرين ، ولو سألت أحدهم عما تحدث فيه الخطيب ، لأجابك : لا أعرف ، ولم أفهم ماذا يقصد الخطيب .
يا وزارة الشؤون الإسلامية اتقوا الله في عباد الله ، ليس لنا من هذه الدنيا إلا هذه الصلاة ، ولقد فرطنا فيها لوجود المحاباة ونيل الراتب المجزئ من ورائها ، راقبوا الله يا رعاكم الله ، اجعلوا مخافة الله نُصب أعينكم ، وإياكم والتفريط في الأمانة الملقاة على عواتقكم ، فلقد أساء كثير من القضاء إلى أنفسهم ، وإلى مهنتهم ، فخذوا على أيدي المعتدين منهم ، فليس الأمر بالواسطة ، ولا بالمعرفة ، فلا يولى القضاء إلا أهله ، ولا يناله إلا مستحقه ، وعجباً للعصبية والقبلية ، عندما تكون حائلاً ومانعاً للمخلصين وأهل العلم والفضل من الناس عن تسنم مكانة القضاء .
ولو أردنا الحديث بطوله عن القضاة اليوم لاحتجنا إلى مئات الورقات ، وما ذكرته للذكرى والاعتبار ، لا للتشويه وتتبع العثار ، لينتبه أهل المراد مما يُراد .

صفات القاضي :
وردت ترغيبات كثيرة في حق القاضي العادل ، الذي لم يسأل القضاء ، ولا استعان عليه بالشفعاء ، وكان لديه من العلم بكتاب الله ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ما يعرف به الحق من الباطل ، بعد علم حازه يمكنه من الاجتهاد .
وأما من كان عكس هذه الأوصاف فقد أوقع نفسه في مضيق ، وباع آخرته بدنياه ، لأن كل عاقل يعلم أن من تسلق للقضاء وهو جاهل بالشريعة المطهرة ، جهلاً بسيطاً أو مركباً ، أو كان قاصراً عن رتبة الاجتهاد ، فلا حامل له على تولي القضاء إلا حب المال والشرف أو أحدهما ، فالله سبحانه وتعالى لم يكلف أحداً ، ولم يوجب على من لم يتمكن من الحكم بما أنزل الله من الحق ، أن يتحمل هذا العبء الثقيل .
فعلم من ذلك أن الحامل للمقصرين على التهافت على القضاء والتوثب على أحكام الله بدون علم ، إنما هو حب الدنيا والركون إليها ، وحب الظهور والشهرة ، وتحقيق الرغبات ، وتلبية الطلبات ، وقد كثر التتابع من الجهلة في هذا المنصب الشريف الرفيع ، واشتروه بالأموال ممن هو أجهل منهم ، حتى عمت البلوى أقطار المسلمين ، حتى أصبحت الأحكام الشرعية الإلهية تخضع لمن يدفع أكثر ، وهم يوقعون عن العالمين ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم [ نيل الأوطار 8/264 ] .
ولما كان التبليغ عن الله سبحانه يعتمد العلم بما يبلغ ، والصدق فيه ، لم تصلح هذه المرتبة العظيمة ، والمكانة الجسيمة ، إلا لمن اتصف بالعلم والصدق ، فيكون عالماً بما يبلغ ، صادقاً فيما يخبر ، ويكون حسن الطريقة ، مرضي السيرة ، عدلاً في أقواله وأفعاله ، متشابه السر والعلانية في مدخله ومخرجه وأحواله ، لا يراعي إنساناً لمكانته ، ولا أحد لقرابته ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : " وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها " [ متفق عليه ] .
ومن صفات القاضي أن يكون ذا عبادة مشهور بذلك ، لا يتخلف عن صلاته ، لا يتأخر عن جماعته ، ومما ينبغي أن يشتهر به أن يساعد الملهوف ، ويعين ذا الحاجة ، على قدر طاقته واستطاعته .
لا يقبل شفاعة في حد من حدود الله عز وجل إذا وصل إليه ، قال صلى الله عليه وسلم : " أتشفع في حد من حدود الله " [ متفق عليه ] .
لأن الأمر إذا آل إلى القاضي ، فلا شفاعة بعد ذلك ، بل بما يحكم به القاضي ، قال صلى الله عليه وسلم : " تعافوا الحدود فيما بينكم ، فما بلغني من حد فقد وجب " [ أخرجه أبو داود بسند صحيح ، وصححه الحاكم ] .
ولأن من حالت شفاعته دون حد من حدود الله تعالى فقد ضاد الله في حكمه ، وقد لُعن الشافع والمشفع [ من حديث الزبير عند ابن أبي شيبة بسند حسن ، انظر فتح الباري ] .
ومما يُراد من القاضي أن يستقبل الناس ، ويعظهم ويعلمهم العلم الشرعي ، سواءً في مسجد حيه ، أو في بيته ، يلاطف الناس ، يبتسم في وجوههم ، يعاملهم معاملة حسنة ، لأنه قدوة طيبة ، وأسوة حسنة ، يفتح بابه لأهل الحاجات ، لأن القاضي يشفع للمساكين ، ويتوسط للمحتاجين من الأرامل واليتامى ، فهو محل ثقة الجميع في بلده وغير بلده ، لأنه يحكم بشرع الله تعالى ، قال عمرو بن مرة لمعاوية : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من إمام يغلق بابه دون حاجة ذوي الحاجة والخلة والمسكنة ، إلا أغلق الله أبواب السماء دون حاجته وخلته ومسكنته " ، فجعل معاوية رجلاً على حوائج الناس . [ أخرجه الترمذي وأبو داود ، وصححه الألباني 2/67 ] .
ومما يجب على القاضي ، أن لا يحكم بين خصمين حتى يسمع كلامهما جميعاً ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا تقاضى إليك رجلان ، فلا تقض للأول ، حتى تسمع كلام الآخر ، فسوف تدري كيف تقضي " ، قال علي : فما زلت قاضياً بعد [ أخرجه الترمذي ، وحسنه في الإرواء برقم 2600 ] .
وينبغي للقاضي أن لا يحكم بين الناس وهو غضبان ، قال صلى الله عليه وسلم : " لا يحكم الحاكم بين اثنين وهو غضبان " [ متفق عليه ] .
قال مزاحم بن زُفر : قال لنا عمر بن عبد العزيز : خمس إذا أخطأ القاضي منهن خصلة كانت فيه وصمة ـ عيب ـ : أن يكون فَهِماً ، حليماً ، عفيفاً ، صليباً ، عالماً سؤولاً عن العلم [ أخرجه البخاري ] .
ومعنى الحديث :
فهماً أي : فقيهاً ، ملماً بالفقه وأحكامه .
حليماً أي : يغض الطرف عمن يؤذيه ، وينتقد أحكامه ، ولا ينتقم لنفسه .
عفيفاً أي : بعيداً عن الحرام .
صليباً أي : شديداً قوياً على قول الحق ، وقافاً عليه ، لا يميل إلى الهوى .
عالماً أي : بالحكم الشرعي .
سؤولاً أي : كثير السؤال عن العلم ، لأنه قد يظهر له أقوى مما عنده .
قال ابن القيم رحمه الله : " الحاكم محتاج إلى ثلاثة أشياء ، لا يصح له حكم إلا بها :
1- معرفة الأدلة .
2- معرفة الأسباب .
3- معرفة .
فالأدلة : معرفة الحكم الشرعي الكلي .
والأسباب : معرفة ثبوته في هذا المحل المعتبر وانتفاؤه عنه .
والبينات : معرفة طريق الحكم عند التنازع .
فمن أخطأ واحداً من هذه الثلاثة ، أخطأ في الحكم ، وجميع خطأ الحكام ، مداره على هذه الثلاثة أو بعضها [ توضيح الأحكام 6 / 132 ] .

قضاة اليوم :
نظراً لتدخل بعض الدول الأجنبية ، ومنظمات حقوق الإنسان ، في قضاء المسلمين ، ابتعد القضاء شيئاً فشيئاً عن منهاج الكتاب والسنة ، ومشكاة النبوة ، حتى لم نعد نسمع قصاصاً ، وإقامة حد ، مع كثرة الحوادث وانتشار الجرائم ، إلا النزر اليسير ، واليسير جداً ، وليس للقضاة دخل في هذا ، بل هو من خصائص بعض الجهات المسؤولة .
أما القضاء فالكل يلوم ، والكل يسخط ، مما آل إليه الحكم القضائي في كثير من المسائل القضائية ، لقد تدخل الحكم الوضعي ، ووضع أطراف أصابعه في مجال القضاء ، فإن لم تبتر تلكم الأصابع ، وتستأصل شأفتها ، وإلا تنامت وتزايدت ، فأصبح القضاء في خبر كان .
قال صلى الله عليه وسلم : " من ولي القضاء ، أو جعل قاضياً ، فقد ذُبح بغير سكين " [ أخرجه الترمذي وابن ماجة وصححه الألباني في صحيح الترمذي 2/5 ] .
معنى " ذبح بغير سكين " ، قال ابن الصلاح : المراد ذبح من حيث المعنى ، لأنه بين عذاب الدنيا إن رشد ، وعذاب الآخرة إن فسد .
وقال الخطابي ومن تبعه : إنما عدل عن الذبح بالسكين ، ليعلم أن المراد ما يخاف من هلاك دينه دون بدنه .
وقيل : أن الذبح بالسكين فيه إراحة للمذبوح ، وبغير السكين كالخنق أو غيره ، يكون الألم فيه أكثر ، فذُكر ليكون أبلغ في التحذير [ نيل الأوطار 8 / 263 ، إرشاد الساري 15/97 ] .
على العموم لا يختلف اثنان أن القضاء تغير بتغير القضاة أنفسهم ، حيث دخلت المحسوبيات ، والسيئ من الشفاعات ، والظالم من الواسطات ، فلربما خرجت رقاب مجرمة ، ودخلت أخرى مظلومة .
وربما طالت قضايا مهمة ، لأصحابها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بأحد القضاة ، والحق ضدهم لا لهم ، فيماطل القاضي في البت في القضية ، وربما أُطلق الحكم سريعاً في أخرى للغرض نفسه .
قال صلى الله عليه وسلم : " القضاة ثلاثة : قاضيان في النار ، وقاض في الجنة : رجل قضى بغير الحق ، فعلم ذاك ، فذاك في النار ، وقاض لا يعلم ، فأهلك حقوق الناس ، فهو في النار ، وقاض قضى بالحق ، فذلك في الجنة " [ أخرجه الترمذي وصححه الألباني 2/65 ] .
ومن القضاة من يجحف في الحكم محاباة ونصرة لخصم على آخر ، ومن فعل ذلك فقد جار في الحكم ، وتعدى حدود الله ، وهو في سخط الجبار سبحانه حتى يعود عن غيه وزيغه ، قال الله تعالى : " وإذا حكمت فاحكم بينهم بالقسط " ، وقال صلى الله عليه وسلم : " من أعان على خصومة بظلم ـ أو يعين على ظلم ـ لم يزل في سخط الله حتى ينزع " [ أخرجه ابن ماجة ، وهو حديث صحيح ، انظر الإرواء 7/350 ، والصحيحة برقم 438 ، 1021 ] .
وعند أبي داود من حديث ابن عمر رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من أعان على خصومة بظلم ، فقد باء بغضب من الله " .
فليتأمل القضاة هذان الحديثان ، وما فيهما من تخويف وتهديد ووعيد ، لمن أجحف في حكمه ، وظلم الناس ، ومال إلى شخص دون آخر .
ومن أخطاء بعض القضاة هداهم الله ، أن أحدهم يمتلئ قلبه غيظاً على بعض إخوانه الأئمة أو الخطباء حسداً من عند نفسه ، من أجل حصول منفعة دنيوية ، من شهرة أو رفعة ، أو صيت أو ذياع سمعة ، فتراه يصارع من أجل إمامة أكبر الجوامع ، وربما توسط وناشد من أجل خطابة جامع كبير ، وربما حسد من أجل محاضرة ، أو مسك زمام جمعية خيرية ، ليحصل من ورائها على ترف وبذخ ، ولا أقول ذلك والله من أجل تشويه السمعة ، بل أقوله من أجل أن يتنبه الغافل ، ويصحو النائم ، فوالله لا أريد إلا الإصلاح والصلاح ، والعاقبة للمتقين .
وما نراه اليوم ونسمعه من قضايا يتهدم بنيان الإيمان بسببها ، ويتصدع جدار التقوى لأجلها ، من استيلاء على أراض المسلمين ، وتسجيلها لتاجر مشهور معروف ، أو أمير أو وزير ، أو ما شابه ذلك ، عنوة وقهراً ، وصاحبها لا حول له ولا قوة إلا بالله ، وربما أعطوه أرضاً مقابل أرضه ، لا تساوي جزءاً يسيراً من قيمتها ، أو ربما أعطوه مالاً لا يعادلها في الثمن ، والقاضي مُعين على ذلك ، يعرف أنه سَلب أرضاً بلا حق ، أو لم يتحقق فيها من صحة الدعوى ، أو ربما كان متواطئاً ، خائناً لأمانة القضاء ، وقد قال الله تعالى : " إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعاً بصيراً " [ النساء 58 ] .
وقال تعالى : " وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب " [ المائدة 2 ] .
وقال صلى الله عليه وسلم : " من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه ، فقد أوجب الله له النار ، وحرم عليه الجنة " ، فقال رجل : وإن كان شيئاً يسيراً يا رسول الله ؟ قال : " وإن كان قضيباً من أراك " [ أخرجه مسلم ] .
وقال صلى الله عليه وسلم : " يُدعى بالقاضي العادل يوم القيامة ، فيلقى من شدة الحساب ، ما يتمنى أنه لم يقض بين اثنين في عُمره " [ أخرجه ابن حبان ، والبيهقي بسند حسن ، ولفظ البيهقي " في تمرة " ] .
وهذا في القاضي العادل ، فكيف بالقاضي الظالم ، والجائر ، والجاهل ، الذين اتخذوا القضاء أداة لجمع الأموال والعقار من غير حله .
من هذا الحديث وأمثاله ، التي تذكر خطر القضاء ، وعظيم أمره ، هرب من توليه والسلامة منه كثير من أصحاب الورع .
فقد دعي أبو قلابة إلى القضاء فهرب من العراق إلى الشام ، ودعي إليه سفيان الثوري فهرب إلى البصرة ، ولم يقبله أبو حنيفة حتى مات ، وقال الشعبي : القضاء محنة وبلية ، من دخل فيه ، عرض نفسه للهلاك ، فنسأل الله السلامة من حب هذه الدنيا الفانية .

فضل القاضي العادل :
كما أن الشارع الحكيم رتب وعيداً وعذاباً لمن جار في حكمه من القضاة ، وضاد الله تعالى في ملكه ، فكذلك رتب الشرع أجراً لمن راعى الله تعالى في حكمه ، وحكم بشريعة ربه تبارك وتعالى ، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وما علمه من كلام أهل العلم العاملين الربانيين ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن المقسطين عند الله تعالى على منابر من نور ، على يمين الرحمن ، الذين يعدلون في حكمهم ، وأهليهم ، وما ولوا " [ أخرجه مسلم ] .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول اله صلى الله عليه وسلم قال : " سبعة يظلهم الله في ظله ، يوم لا ظل إلا ظله ، . . . وذكر منهم . . . إمام عادل . . . ] متفق عليه ] .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا حكم الحاكم ، فاجتهد ، فأصاب ، فله أجران ، وإذا اجتهد ، فأخطأ ، فله أجر " [ متفق عليه ] .
وتأملوا يا رحمكم الله كلمة ( اجتهد ) ، يعني : جمع كل ما لديه من علم شرعي في المسألة ، وسأل أهل العلم الكبار فيما لم يجد له حلاً ، ثم حكم في المسألة ، وخوف الله فوق رأسه ، والجنة عن يمينه ، والنار عن يساره ، والصراط تحته ، والله مطلع عليه ، هذا هو الذي اجتهد ، فالأمر عظيم جد عظيم ، وخطير والله خطير ، فما أصعب القضاء والحكم بين الناس ، وما أجرأ الناس عليه .
وفي القضاء فضل عظيم ، لمن قوي على القيام به ، وأداء الحق فيه ، ولذلك جعل الله فيه أجراً على الخطأ الغير مقصود ، وأسقط الله عنه حكم الخطأ ، ولأن فيه أمراً بالمعروف ، ونصرة للمظلوم ، وأداءً للحق إلى مستحقه ، ورداً للظالم عن ظلمه ، وإصلاحاً بين الناس ، وتخليصاً لبعضهم من بعض .

لا يُولَّى القضاء من طلبه :
السلف وأهل الفضل قديماً وحديثاً ، كانوا يهربون من القضاء ، كما يهرب أحدنا من حتفه ، لأنه حتف وهاوية ، وفيه تهمة لمن تولاه ، والواجب على ولي الأمر أن لا يولي القضاء إلا من يتركه خوفاً وورعاً ، وينتقي له أهل الفضل والعلم المعروفين ، أما اليوم فأصبح القضاء يعتمد اعتماداً كبيراً على أمرين لا ثالث لهما :
الأول : الواسطة .
الثاني : القبلية .
ومن قال بغير ذلك ، فقد تنكب الصواب ، وكذب وافترى ، واسألوا طلاب الجامعات عن ذلك ، فلديهم الخبر اليقين ، والجواب المعين .
وقد ورد في الصحيح عدم تولية القضاء لمن سأله ، فكيف بمن توسط ، وطلب الشفاعة من أجل القضاء ، لهو أحق أن يُبعد عن مجاله نهائياً ، ولكن هكذا كثير من البشر ، لا يرعون لأحد حقه ، ولا يقدرون لبشر قدره ، حتى أصبح قضاؤنا اليوم يرتكز على قبيلة معينة بنسبة كبيرة في المائة ، وكأنهم هم المسلمون ، وغيرهم الفجار والمرجفون ، بل ربما رأوا أنهم شعب الله المختار ، فالله المستعان وعليه التكلان ، يخلق ما يشاء ويختار .
عن أبي موسى رضي الله عنه قال : دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم أنا ورجلان من عمي ، فقال أحدهما : يا رسول الله ! أمِّرنا على بعض ما ولاك الله عز وجل ، وقال الآخر مثل ذلك ، فقال : " إنا والله لا نولي هذا العمل أحداً يسأله ، أو أحداً حرص عليه " [ متفق عليه ] .
وعن أسيد بن حضير رضي الله عنه ، أن رجلاً من الأنصار جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ألا تستعملني كما استعملت فلاناً ؟ قال : " إنكم ستلقون بعدي أثرة ، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض " [ متفق عليه ] .
وعن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تسأل الإمارة ، فإنك إن أعطيتها عن مسألة ، وكلت إليها ، وإن أعطيتها عن غير مسألة ، أعنت عليها " [ متفق عليه ] .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إنكم ستحرصون على الإمارة ، وإنها ستكون ندامة وحسرة يوم القيامة ، فنعمت المرضعة ، وبئست الفاطمة " [ أخرجه البخاري ] .
نعمت المرضعة أي : في الدنيا من تحصيل الجاه والمال ، ونفاذ الكلمة والواسطة في دائرة حكومية ، وحصول الأموال وغير ذلك من ملذات الحياة الدنيا الفانية .
بئست الفاطمة أي : عند ترك الدنيا بموت ، أو ترك القضاء ، فإنه لا يمكن أن ينفعه ما حصله من أجل الدنيا ، بل سيترتب على ذلك تبعات في الآخرة والعياذ بالله .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من سأل القضاء وكل إلى نفسه ، ومن جُبر عليه ، ينزل ملك يسدده " [ أخرجه الخمسة إلا النسائي ] .
تلكم الأحاديث تدل على خطورة سؤال القضاء والحكم والإمارة فلربما وجد من الناس من يحب الشهرة ، ويرغب في الرفعة في الدنيا ولو كان ذلك على حساب دينه ، وتشويه علاقته بربه ، ثم بخلقه ، المهم أن يحصل على ما تمنى ولو ضحى بكل غال ونفيس ، فالأمر ليس بالهين أبداً .
أما ما يتعذر به البعض من قول الله جل وعلا في قصة يوسف عليه السلام : " قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم " [ يوسف 55 ] ، فهذا لمن علم من نفسه الصدق والإخلاص وحسن النية ، مع وجود الظلمة ، ووجود الجور في الحكم ، مع علمه الداخلي أن سيطبق حكم الله تعالى ، وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم ، وله كامل السلطة والإعانة على ذلك .
ثم من سأل الوزارة في ذلك الوقت هو نبي الله يوسف عليه السلام ، والأنبياء معصومون من الخطأ والزلل ، أما بقية الناس اليوم فلا يعلم سرهم وباطنهم إلا الله تعالى ، فمادام أن ذلك كذلك ، فلا يولى القضاء والحكم من سأله لما ثبت في الأحاديث الصحيحة من المنع عن ذلك ، إذا كان القصد منه تحصيل منفعة دنيوية ، أو بغرض الانتقام .
أما من رأى في نفسه الكفاءة والأهلية لتولي القضاء ، لعدم وجود الكفء ، فيطلبه بالنية الحسنة ، والأعمال بالنيات ، فهذا مثاب معان بإذن الله تعالى ، قال بن مسعود رضي الله عنه : " لأن أجلس قاضياً بين اثنين ، أحب إلي من عبادة سبعين سنة " [ توضيح الأحكام 6 / 128 ] .

تولي المرأة القضاء :
المرأة ضعيفة ، رقيقة ، تحكمها عواطفها ، لا تستطيع القيام بأعباء القضاء ، أو تولي المسؤولية ، لأن لها زوجاً ربما منعها أحياناً ، وأرغمها على حكم أوقاتاً ، ولها ذرية تقوم بأعبائهم ، وتسعى لتربيتهم ، فأنى لها أن تقوم بمسؤولية الرجال القوامون على النساء .
ثم قد جاء في شرعنا من يمنع المرأة من تولي زمام أمور الرجال ، عن أبي بكرة رضي الله عنه قال : عصمني الله بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لما هلك كسرى ، قال : " من استخلفوا ؟ " قالوا : بنته ، قال : " لن يفلح قوم ولو أمرهم امرأة " [ أخرجه البخاري ] .
الإسلام أعطى المرأة كامل حقوقها ، ورفع مكانتها ، وصان عرضها ، وأعلى شأنها ، وجعل عفافها وحياءها وسترها في بيتها ، وعدم الخروج منه إلا لحاجة لابد منها ، أما ما عدا ذلك فبيتها خدرها ، قال تعالى : " وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله " .
وما تلك المآسي المحزنة التي تحصل لنساء الغرب والشرق إلا بسبب التفسخ والانحلال
، وما شيوع الجريمة ، وانتشار الأمراض ، إلا نتيجة خلع الحياء والجلباب ، ونبذ الحجاب .
فالمرأة لا تصلح للقضاء ، ولا للحكم ، ولا تصلح أبداً أن تؤم الناس ، ولا أن تؤذن لهم ، ولا تقود السيارة ، ولا تتولى أي أمر فيه رجال البتة ، بل لها أن تدرس النساء ، وتؤمهن في بيتها ، وتعلمهن أمور دينهن ، كل ذلك في محيط مجتمع النساء .
لأنه متى اجتمع الرجال بالنساء ، دخل الشيطان بينهم ، فزين لهم سوء أعمالهم ، حتى يقعوا فيما حرم الله ، فيتزعزع الأمن ، وتشيع الفاحشة ، ويحيق بهم مكر الله جل سبحانه .
وللقضاة المخلصين دور كبير في مثل هذه الأحداث التي تثار بين الفينة والأخرى ، فهم محل احترام وتوقير عند الناس ، لأنهم يوقعون عن رب العالمين سبحانه ، فلهم كلمة مسموعة إذا ما رعوا الله واتقوه وأطاعوه ، ولم يخشوا أحداً إلا الله ، وكانت كلمتهم موافقة لكتاب الله ، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، يدرءون بها المفاسد ، ويقطعون بها ألسنة أعداء الدين ومن يحاربونه ، فكلمتهم في هذا الشأن لها صدى كبيراً ، ووقعاً عظيماً .

واختلف العلماء في هل تتولى المرأة القضاء أم لا ؟ على قولين :
القول الأول / قول جمهور العلماء من السلف والخلف :
أنه لا يجوز للمرأة أن تتولى القضاء ، ولا يصح أن تقضي في شيء ما ، وهو قول مالك والشافعي وأحمد .
واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " ، ولن القضاء يحتاج إلى كمال الرأي ، وتمام العقل ، والفطنة والخبرة بشؤون الحياة ، والمرأة ناقصة العقل ، قليلة الرأي ، بسبب ضعف خبرتها ، وقلة اطلاعها على واقع الحياة .
ولأنه لابد للقاضي من مجالسة الرجال من الفقهاء والشهود والخصوم ، والمرأة ممنوعة من مجالسة الرجال بعداً عن الفتنة .
وقد نبه الله تعالى على نسيان المرأة فقال : " أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى " .
كما أن المرأة لا تصلح للإمامة العظمى ، ولا لتولية البلدان ، ولهذا لم يول النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا أحد من خلفائه ، ولا من بعدهم امرأة قضاءً ولا ولاية بلد .
القول الثاني / وهو قول أبي حنيفة :
يجوز للمرأة تولية القضاء فيما يصح شهادتها فيه ، وتجوز شهادتها في المعاملات ،وأهلية القضاء تلازم أهلية الشهادة ، ولا تحكم المرأة في الحدود والقصاص ، لأنه لا شهادة لها في ذلك [ الإفصاح عن معاني الصحاح للوزير بن هبيرة 10 / 136 ، الموسوعة الفقهية 33 / 291 ] .
قال الشيخ عبد الله البسام رحمه الله تعالى : " وقول الحنفية ، مصادم للنص ، وللفطرة الربانية [ توضيح الأحكام 6 / 142 ] .

أخذ الأجر ( الراتب ) على القضاء :
اختلف أهل العلم في مسألة أخذ الأجر المترتب على القضاء إلى قولين :
القول الأول / الجواز :
قال الطبري : ذهب الجمهور إلى جواز أخذ القاضي الأجرة على الحكم لكونه يشغله الحكم عن القيام بمصالحه الشخصية ، وعقد البخاري باباً وسمه بـ [ باب رزق الحكام والعاملين عليها ] [ فتح الباري 186 ] .
قال ابن حزم : واتفقوا على أن الإمام إذا أعطى الحاكم مالاً ، من وجه طيب ، دون أن يسأله إياه ، فإنه له حلال ، سواءً رتبه له كل شهر ، أو كل وقت محدود ، أو قطعه عنه [ مراتب الإجماع 87 ] .
القول الثاني / يكره كراهة تنزيه :
وليس لهم في ذلك أي دليل ، فما أجاب به أصحاب القول الأول هو الصواب ، ولا زال العمل على ذلك حتى وقتنا هذا ، وهو الصحيح الذي لا محيد عنه ، والعلم عند الله تعالى [ إرشاد الساري 15 / 120 ] .

الجور في الحكم :
لا يختلف اثنان في وجوب عدل القاضي بين الخصوم ، ولو كان أحدهما مسلماً والآخر كافراً ، فربما أسلم الكافر لو رأى سماحة الإسلام وعدله ونزاهته .
ويجب العدل بين الخصوم المسلمة ، مهما كانت المراتب والوظائف ، فالعدل أساس الحكم .
ومن جار في حكمه فقد ارتكب إثماً عظيماً ، وتقحم النار على بصيرة ، لأن الجور في الحكم كبيرة من كبائر الذنوب .
قال بن عبد البر رحمه الله : وأجمع العلماء على أن الجور في الحكم من الكبائر ، لمن تعمد ذلك ، عالماً به ، رويت في ذلك آثار شديدة عن السلف ، وقال الله عز وجل : " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " ، والظالمون ، والفاسقون ، نزلت في أهل الكتاب ، قال حذيفة وابن عباس : وهي عامة فينا .
قالوا : ليس بكفر ينقل عن الملة ، إذا فعل ذلك رجل من أهل هذه الأمة ، حتى يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، روي هذا المعنى عن جماعة من العلماء بتأويل القرآن ، منهم : ابن عباس ، وطاووس ، وعطاء ، وقال الله عز وجل : " وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطباً " ، والقاسط : الظالم الجائر .
وقال رحمه الله : وأجمع العلماء أن الجور البين ، والخطأ الواضح ، المخالف للإجماع والسنة الثابتة المشهورة التي لا معارض لها ، مردود على كل من قضى به [ الإجماع لابن عبد البر 319 ] .
فيحرم على القاضي أخذ الهدية ، أو الرشوة على الحكم .
أما بالنسبة للهدية فلا يأخذها من أحد أبداً ، إلا من كان يهدي له قبل توليه القضاء ، فإن كانت له قضية ، فيمتنع القاضي من أخذ الهدية ، لأن فيها استمالة لقلب القاضي ، وربما جار في الحكم لصالح المُهدي .
أما الرشوة فحرام بلا شك .

الحكم بغير ما أنزل الله سبب الذلة والمهانة :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " وولي الأمر إن عرف ما جاء به الكتاب والسنة حكم بين الناس به، وإن لم يعرفه وأمكنه أن يعلم ما يقول هذا وما يقول هذا حتى يعرف الحق حكم به‏.‏ وإن لم يمكنه لا هذا ولا هذا ترك المسلمين على ما هم عليه كل يعبد الله على حسب اجتهاده، وليس له أن يلزم أحدًا بقبول قول غيره وإن كان حاكمًا‏.
وإذا خرج ولاة الأمور عن هذا فقد حكموا بغير ما أنزل الله، ووقع بأسهم بينهم قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ " ‏ما حكم قوم بغير ما أنزل الله إلا وقع بأسهم بينهم‏ " ‏، وهذا من أعظم أسباب تغيير الدول كما قد جري مثل هذا مرة بعد مرة في زماننا وغير زماننا، ومن أراد الله سعادته جعله يعتبر بما أصاب غيره فيسلك مسلك من أيده الله ونصره، ويجتنب مسلك من خذله الله وأهانه، فإن الله يقول في كتابه ‏:‏ "‏ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ‏" ‏[ ‏الحج‏:‏ 40، 41‏]‏، فقد وعد الله بنصر من ينصره، ونصره هو نصر كتابه ودينه ورسوله، لا نصر من يحكم بغير ما أنزل الله، ويتكلم بما لا يعلم، فإن الحاكم إذا كان دَيِّنا لكنه حكم بغير علم كان من أهل النار، وإن كان عالمًا لكنه حكم بخلاف الحق الذي يعلمه كان من أهل النار، وإذا حكم بلا عدل ولا علم كان أولي أن يكون من أهل النار، وهذا إذا حكم في قضية معينة لشخص‏.‏ وأما إذا حكم حكمًا عامًا في دين المسلمين فجعل الحق باطلاً والباطل حقًا، والسنة بدعة والبدعة سنة، والمعروف منكرًا والمنكر معروفًا، ونهي عما أمر الله به ورسوله، وأمر بما نهي الله عنه ورسوله، فهذا لون آخر‏.‏ يحكم فيه رب العالمين، وإله المرسلين مالك يوم الدين، الذي ‏"‏ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَي وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَاليه تُرْجَعُونَ ‏"‏ ‏[ ‏القصص‏:‏ 70‏]‏، ‏"‏ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَي وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ على الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَي بِاللَّهِ شَهِيدًا "‏ ‏[‏الفتح‏:‏ 28‏]‏ [ مجموع الفتاوى 35 / 387 ] .
قال مجلس المجمع الفقهي : على قادة المسلمين ، أن يبادروا على تطبيق شريعة الله ، لينعموا وتنعم رعيتهم بالأمن والطمأنينة ن في ظل الشريعة الإسلامية ، كما حصل ذلك لسلف هذه الأمة ، الذين وفقهم الله لتطبيق شرعه ، فجمع لهم بين النصر على الأعداء ، والذكر الحسن في هذه الحياة الدنيا .
ولا شك أن الحالة التي وصل إليها العرب والمسلمون من ذل أمام الأعداء ، نتيجة حتمية ، لعدم تطبيق الشريعة الإسلامية ، والاكتفاء بالقوانين الوضعية ، والدساتير الغربية [ توضيح الأحكام 6 / 124 ] .
وقال سماحة الشيخ / محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله تعالى : بلغنا أن بعض القضاة يرد بعض القضايا إلى مكتب العمل والعمال ، أو غيرها من الدوائر ، بحجة أن ذلك من اختصاص جهة معينة ، وغير خاف أن الشريعة الإسلامية كفيلة بإصلاح أحوال البشر في كل المجالات ، وفيها كفاية لحل النزاع ، وفصل الخصومات ، وإيضاح كل مشكل ، وفي الإحالة إلى تلك الجهات ، إقرار للقوانين الوضعية ، وإظهار المحاكم بمظهر العجز والكسل ، وإعلان عن التنصل عن الواجبات ، والتهرب من المسؤوليات فاعتمدوا النظر في كل ما يرد إليكم ، والحكم فيه بما يقتضيه الشرع الشريف [ مجموع فتاوى ورسائل 12 / 265 ] .
إنك حين ترى في واقع الذين ظلموا أنفسهم ، وابتعدوا عن شرع الله ، ما تنشره وسائل الإعلام من أنواع الجرائم وبشاعتها ، واستهانتها بالأنفس ، واسترخاصها للدماء ، وانتهاكها للأعراض ، وابتزازها للأموال ، لقد وصل الحال بهم حين أمنوا العقوبة الرادعة ، أن كونوا قوى إرهابية ، تضارع الدول والحكومات ، بل وقد تفوق عليها في قوتها وأنواع أسلحتها وتقنيتها ، إنها عصابات تقطع الطرق ، وتخيف السبيل ، تنشر الرعب والفساد ، وتهجم على المصارف والخزائن ، وتستهين بالقوانين والأعراف ،من قاومهم قتلوه ، ومن سكت عنهم استخفوا به وأهانوه ، شرهم يستشري ، وأمرهم يستفحل ، والناس منهم في هرج ومرج ، واضطراب وفساد ، والدول يضعف سلطانها ، ويهتز كيانها ، إذ ابتعد عن جادة الصواب ، وتركت العمل بكتاب الله ، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، ورضيت بالقوانين البشرية الوضعية ، واتخذتها نبراساً ودستوراً ، تحكم به ، وتركت ما أنزل الله ، وما أنباء القتل والتشريد ، والأخذ بالثأر ، وانتشار المخدرات ، ووجود القوى الإرهابية ، إلا دليل على صدق هذا الحديث : " وما ترك أئمتهم العمل بكتاب الله ، إلا جعل الله بأسهم بينهم " [ حديث حسن أخرجه ابن ماجة ، والحاكم وقال : صحيح الإسناد ] .
فماذا جنوا ؟ وماذا كسبوا عندما أهملوا حكم الله تعالى ، وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم ، وعملوا بأحكام الطاغوت ، لم يجنوا إلا انتشار الجريمة ، وسيادة الفوضى ، وذُعر الألوف في مساكنهم ، ومسالكهم ، وما هذه الحروب التي تدور رحاها حولنا إلا نتاج سيئ للبعد عن الشريعة الإسلامية ، وترك التحاكم إليها .
وفي هذا الخضم المائج بفتنه وإرهابه ، نقول :
فلتهنأ بلادنا ، بلاد الحرمين الشريفين بأمنها وأمانها ، ولتستمسك بدينها ، وتعتز بدستورها : كتاب الله تعالى ، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، تحل حلاله ، وتحرم حرامه ، وتقيم حدوده ، فما أحرانا اليوم ، وما أحوجنا إلى تحكيم الشريعة الإسلامية ، لخوض غمار هذه الفتن التي أطلت برأسها ، ولا يجدي فيها إلا قطاف رأسها .
اللهم زد هذه البلاد صلاحاً وإصلاحاً ، وبتحكيم شريعة الرحمن إيماناً وتسليماً ، وبسنة محمد صلى الله عليه وسلم اتباعاً وتمسكاً .

كلمة حق :
بعد الذي ذكرته مما سبق ، لا يظنن ظان ، أنني أعمم جميع القضاة فيما قلته ، لا والذي نفسي بيده ، وإنما هم ثلة ، وقلة قليلة ، ممن أنساهم الشيطان ذكر ربهم ، ورضوا بالحياة الدنيا من الآخرة ، فوقع منهم ما وقع ، وإلا فمن أعرفه منهم ، وما سمعته عن غيرهم من قضاتنا في مملكتنا الحبيبة ، لا أقول أُمناء ، ولا أقول نُزهاء فقط ، بل هم الأمانة بعينها ، والنزاهة برمتها ، فلهم منا كل التحية والاحترام ، ولهم منا خالص الدعاء ، أن يثبتهم الله ، ويسدد أقوالهم ، ويصوب أحكامهم ، ويجعلهم يوم القيامة في ظله يوم لا ظل إلا ظله ، وأين يكونوا على منابر من نور على يمين الرحمن جل وعلا ، وهي كلمة صدق وعدل أقولها ، ويعرفها كل من له قضية في محاكمنا ، أو كتابة عدلنا ، والله من وراء القصد ، وهو المعين والنصير .
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
يحيى الزهراني
  • رسائل ومقالات
  • مسائل فقهية
  • كتب ومحاضرات
  • الخطب المنبرية
  • بريد الشيخ
  • الصفحة الرئيسية