صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







لا توبة لك

يحيى بن موسى الزهراني

 
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله قابل التائبين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مقيل عثرات النادمين ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي الأمين ، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . . وبعد :
منَّ الله تعالى على أحد العصاة بالتوبة النصوح ، والعودة إلى الله ربه تبارك وتعالى ، وترك ما كان مقيماً عليه من الذنوب والمعاصي ، والتي طالما عصى الله عز وجل بها ، فهنيئاً له هذه التوبة ، فما كان من أحد أئمة المساجد إلا أن قابله بعنف وغلظة وفظاظة ما أمر الله بها ، بل نهى عنها ، وطلب منه الخروج من المسجد وألا يصلي في مسجدهم ، ألم يعلم ذلكم المسكين أن المساجد لله ، بل من منع الناس من خول المساجد فقد ارتكب جرماً عظيماً ، هل المسجد له أم لله يتقرب ببنائه إلى الله ؟ عجباً لأحوال كثير من الناس ومن تصرفاتهم الرعناء ، ومن جهلهم وحمقهم ، ومن غيرتهم غير المعتدلة ، بل الجائرة ، والتي وصلت بأحدهم إلى أن يطرد التائب من بيت الله ، ويكون عوناً للشيطان على أخيه ، فربما كره التوبة ذلك التائب ، فيبوء الآخر بالخسارة ، وعليه وزر جرائم التائب فيما بعد ، فالتائب حبيب الرحمن جل جلاله ، ألم يقل الله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِين } [ البقرة222 ] ، من يحول بين التائب والتوبة ؟ لا أحد ، فباب التوبة مفتوح ما لم تغرغر الروح أو تطلع الشمس من مغربها ، بل ربنا تبارك وتعالى يفرح بتوبة العبد ، فكيف يتجرأ أحد ويمنع عبداً من توبة ، ألا يخشى من حديث جُنْدَبٍ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال : " أَنَّ رَجُلاً قَالَ : وَاللَّهِ لاَ يَغْفِرُ اللَّهُ لِفُلاَنٍ ، وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : مَنْ ذَا الَّذِي يَتَأَلَّى عَلَىَّ أَنْ لاَ أَغْفِرَ لِفُلاَنٍ ؟ فَإِنِّى قَدْ غَفَرْتُ لِفُلاَنٍ ، وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ " [ رواه مسلم ] ، فيا أخي المسلم كن عوناً للتائبين العائدين إلى ربهم ، وافرح بذلك ، ولا تثبط هممهم وتخذلهم وتجعلهم ينكصون على أعقابهم فتكون للشيطان ولياً ، وكذلك على الآباء والأمهات والأولياء في بيوتهم ، عليهم أن يسعوا جاهدين للإلحاق أبنائهم وبناتهم بقوافل التائبين العائدين إلى ربهم بعد غربة سنين عديدة ، ووحشة مزيدة ، وليفرحوا بذلك ويغتبطوا به ، لنخرجهم من ظلمات الجهل والفساد والفضائيات وما تمجه الشبكات ، وتلفظه المجلات والجوالات من سم زعاف ، وولع بالفاحشة ، وحب للرذيلة ، وننقذهم من ذلك كله ليعودوا إلى حياض الدين ، ويكونوا حماة له ، ودعاة إليه ، فيا أيها الناس جربوا التوبة النصوح وسوف تجدون لذة لم تجدوها طوال عمركم ، شجعوا أبناءكم على التوبة لتجنوا برهم في حياتكم وبعد مماتكم ، وإنه لن يجد بر أولاده من تركهم هملاً لا يعرفون معروفاً ، ولا ينكرون منكراً ، لن يجد إحسان أولاده من تركهم عرضة لأصحاب الشر والفساد ، لن يجد طاعة أبنائه من تركهم خارج المنزل ليلاً ونهاراً ، وتركهم يلهون اللهو المحرم ، ويعاقرون الخمر ، ويستمعون للمعازف ، ويشاهدون الأفلام الخليعة ، والمسلسلات البائسة الفاسدة لاسيما ما يحارب الدين منها ، أو يقضي على الأخلاق الحميدة ، ويدعو للفاحشة ، وأدعوكم لهذا الحديث ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ : صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ " [ رَوَاهُ مُسْلِمٌ ] .
أما آن الأوان لأن نتوب جميعاً ، ونعود إلى ربنا وخالقنا ورازقنا ، ونحكم عقولنا ولا نسلمها لعدونا الشيطان الرجيم ، أو لشياطين الإنس ، أقول : آن الأوان لنقبل على الله عز وجل وننطرح بين يديه ، ندعوه ونرجوه أن يرحمنا ويتقبل توبتنا ، ويعفو عنا ، ويمحو سيئاتنا ، فالله رحيم غفور كريم ، يغفر الذنوب جميعاً إذا صدق العبد في توبته ، وأعود مذكراً إذا رأينا تائباً فعلينا أن نشجعه ونأخذ بيديه ولا نتركه ، بل نساعده ونعاونه على الاستمرار في توبته حتى يقف على قدميه ، ويعرف طريق الصلاح وطريق الهدى ليستمر عليه حتى يلقى ربه ، ولا نكون سبباً في تقاعس العصاة عن التوبة بسبب تجهم وجوهنا أو كراهيتنا لما هم عليه من معاص ، بل علينا أن ندعوهم للهداية والرشاد ، ونبين لهم خطأهم الذي هم فيه ، فلعل الله سبحانه أن يهديهم ويمن عليهم بتوبة صادقة تكون في موازين أعمالنا ، ولا يدعونا ما هم عليه من المعاصي لكراهيتهم وبغضهم وعدم الاقتراب منهم ، فأنت هداك الله ربما بعد ضلاله وزيغ عن طريق الحق ، وهم كذلك يريدون من يحرك الخير في قلوبهم ، وما هي إلا كلمات وابتسامات وجلسات حتى يصفى لك إخوانك ، ويكونون من ركب الدعاة ، لا تيأس ولا تتشاءم ولا تتبرم ، فالله قادر على هداية الناس جميعاً ، فالدعوة باللين والحسنى سبب لتأليف القلوب ، أما الغلظة فسبب للنفرة ، وزيادة في الضلالة ، قال الله تعالى : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ } [ آل عمران 159 ] ، والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل .
 

كتبه
يحيى بن موسى الزهراني
إمام جامع البازعي بتبوك


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
يحيى الزهراني
  • رسائل ومقالات
  • مسائل فقهية
  • كتب ومحاضرات
  • الخطب المنبرية
  • بريد الشيخ
  • الصفحة الرئيسية