صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







تفسير آية

يحيى بن موسى الزهراني

 
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله وكفى ، وصلاة وسلاماً على نبيه الذي اصطفى ، وعلى آله وصحبه ومن بسنته اقتدى ، وبهديه اهتدى . . وبعد :
نقف في هذا المحور من خواطرنا مع قول الله تعالى : { وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ } [ الأنبياء87-88 ] .
نقف مع جزء من هذه الآية وهي قوله تعالى : { فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ } والتي يفهمها كثير من الناس خطأً ، إذ كيف يظن نبي من أنبياء الله أن الله لا يقدر عليه ، في حين أن أفسق الناس وأجهلهم يوقن بأن الله قادر عليه ، ولمعرفة ذلك ، نتعرف على معنى نقدر : أي نضيق ، كما قال الله تعالى في سورة الفجر : { وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ } [ الفجر16 ] .
وقال تعالى في سورة الطلاق : { لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً } [ الطلاق7 ] ، لينفق الزوج مما وسَّع الله عليه على زوجته المطلقة, وعلى ولده إذا كان الزوج ذا سَعَة في الرزق, ومن ضُيِّق عليه في الرزق وهو الفقير, فلينفق مما أعطاه الله من الرزق, لا يُكَلَّف الفقير مثل ما يُكَلَّف الغني, سيجعل الله بعد ضيق وشدة سَعَة وغنى .
فيونس بن متى عليه السلام أرسله الله تعالى إلى قوم نينوى من مدينة الموصل بالعراق ، فدعاهم إلى عبادة الله عز وجل ، ولكنهم عصوا ولم يذعنوا ، فغضب عليه السلام ولم يصبر على قومه ، فاستعجل الخروج ، والعجلة في كثير من الأمور لا تأتي بخير ، والدعوة إلى الله تحتاج إلى صبر وجهد ووقت ومال ، والعجلة تهلك ذلك كله ، ألم يستمر نوح عليه السلام ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعو قومه ، وماذا كانت النتيجة قال تعالى : { وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ } [ هود40 ] ، والنبي محمد صلى الله عليه وسلم دعا الناس ثلاثاً وعشرين سنة إلى عباده الله وحده لا شريك له ، وأوذي لكنه صبر حتى دخل الناس في دين الله أفواجاً ، وهكذا جميع الأنبياء والرسل دعوا أقوامهم إلى عبادة الله ولكنهم كُذبوا وطُردوا وقُتلوا ، فاصبروا أيها الآباء على دعوة أهليكم واستمروا ولا تستعجلوا ، وإياك وطرد أولادك خارج المنزل لأنهم عصوك ولم يسمعوا كلامك ولم يطيعوا أمرك ، لا تخرجهم فخروجهم يعني انحرافهم ، فكم من شباب صغار السن وقعوا في أودية الفواحش والرذيلة والسرقة بسبب طردهم من بيوتهم ، اصبر أيها الأب على تقصير أبنائك وبناتك وزوجتك ، وعليك بالدعاء لهم ، وإياك والدعاء عليهم ، فقد تفسدهم بذلك ، بل ادع الله لهم بالصلاح والهداية والتوفيق ، فدعاؤك لهم مستجاب ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " ثَلاَثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لاَ شَكَّ فِيهِنَّ : دَعْوَةُ الْوَالِدِ ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ " [ رواه أبو داود وغيره واللفظ له ] ، وأنتم أيها الأبناء والبنات والزوجات اتقوا الله في أبيكم وولي أمركم ، اسمعوا له وأطيعوا ما دعاكم إلى طاعة الله عز وجل ، فطاعته واجبة عليكم ، تكاتفوا وتآلفوا وأتمروا بينكم بالمعروف ، وتناهوا عن المنكر ، تفوزوا برضا ربكم تبارك وتعالى ، وتدخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون .
طرد الأبناء من البيوت تكون عاقبته خسارة وعار وشنار ، فمن خرج من بيته تلقفته أيدي العابثين بالأعراض ، فيقع فريسة لهم فينشأ في مستنقعات المخدرات والجريمة ، فتكون عاقبة ذلك أليمة على الأسرة ووخيمة .
نعود إلى آيتنا وتفسيرها ، وهي أن يونس خرج من قريته غاضباً على قومه أنذرهم العذاب بعد ثلاثة أيام ، فلما تحققوا منه ذلك ، وعلموا أن النبي لا يكذب ، خرجوا إلى الصحراء بأطفالهم وأنعامهم ومواشيهم ، وفرقوا بين الأمهات وأولادها ، ثم تضرعوا إلى الله عز وجل، وجأروا إليه ، فرفع الله عنهم العذاب ، حيث قال الله تعالى : { فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ } [ يونس98 ] .
وظن أن الله لن يضيق عليه في خروجه هذا ويبتليه لعدم صبره على قومه ، فركب البحر في سفينة ، فتمايلت بهم وخافوا الغرق ، فاقترعوا ليخففوا عنهم العبء ، فوقعت القرعة على يونس عليه السلام ، فأبوا أن يلقوه في البحر فأعادوا القرعة مرة أخرى ثم ثالثة ، وتخرج عليه ، فوقع في البحر فالتقمه الحوت ، فأصبح في ظلمات ثلاث ، ظلمة بطن الحوت ، وظلمة البحر ، وظلمة الليل ، وانطلق به الحوت إلى أسفل البحر ، حتى سمع تسبيح الحصى ، فسبح الله وسجد له في بطن الحوت في قلب البحر ، فاستجاب الله له ، وكانت النتيجة كما قال الله تعالى : { فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ } ، فمن كان عنده غم وهم ، ومن كانت له حاجة عند ربه تبارك وتعالى فليدع الله بهذا الدعاء الذي دعا به نبي الله يونس عليه السلام ، عَنْ سَعْد بن أبي وقاص رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ : { لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ } ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلاَّ اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ " [ رواه الترمذي ] .
فتقرب إلى الله عز وجل بهذا الدعاء ، ثم سل الله من خيري الدنيا والآخرة ، فإن لم يكن لديك موانع للدعاء كأكل الحرام والظلم وغيرهما ، فسوف ترى من الله ما يسعد به قلبك ، وتُسر به نفسك .

 

كتبه
يحيى بن موسى الزهراني
إمام جامع البازعي بتبوك



 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
يحيى الزهراني
  • رسائل ومقالات
  • مسائل فقهية
  • كتب ومحاضرات
  • الخطب المنبرية
  • بريد الشيخ
  • الصفحة الرئيسية