صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







الموت

يحيى بن موسى الزهراني

 
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله على إحسانه ، والشكر له علة توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه ، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه . . أم بعد :
فإن الملاحظ في هذه الآونة الأخيرة من زمننا هذا كثرت الوفيات ، وازدياد الأموات ، كل ذلك بقدر الله ، نعم لا ينكر ذلك أحد ، الموت يأتي بغتة والقبر صندوق العمل .
لقد صلى المسلمون في جامعنا في خلال 48 ساعة على ثمانية عشر ميتاً وميتة ، ما بين حادث ومرض وموت فجأة ، رحمهم الله تعالى برحمته الواسعة ، وتغمدهم بعفوه ومغفرته .
وإني مذكر بالموت وبغتته ، والقبر وظلمته .
فالموت لنا بالمرصاد ، قال الله تعالى : { أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ فَمَا لِهَـؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً } [ النساء 78 ] .
ويقول سبحانه : { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ } [ آل عمران 185 ] .
ويقل جل شأنه : { قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [ الجمعة 8 ] .
فطوبى لمن طال عمره وحسن عمله ، وويل لمن طال عمره وساء عمله ، ويل لمن أطال الكلام في أعراض الناس ، قدحاً وذماً وسباً وشتماً وتنقصاً ، الهلاك لمن شانه غيبة الناس والوقيعة في أعراضهم ، والنيل من شرفهم وأسمائهم وأعمالهم ، حسرة لمن قضى ليله ونهاره في النميمة ، ويل لمن ملئ قلبه غيظاً على المسلمين ، وحقداً وبغضاً وحسداً على المسلمين ، ألا ما أعظم طهارة القلوب ، ألا ما أجمل نقاء النفس ، وصقل الفؤاد ، إننا مقبلون على حياة غريبة غيبية عظيمة ، تختلف عن حياتنا الدنيا ، إنها حياة القبور بعد الممات ، حياة البرزخ بعد الفوات ، حياة لا يعلم علمها إلا الله الواحد القهار ، أخبرنا شيئاً من نبأها النبي المختار ، بين لنا عذابها ونعيمها ، وما فيها من أهوال وأخطار ، فاللهم نجنا من عذاب القبر وعذاب النار ، برحمتك يا عزيز يا غفار .
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " لَمَّا عُرِجَ بِي مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمِشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ ، فَقُلْتُ : مَنْ هَؤُلاَءِ يَا جِبْرِيلُ ؟ قَالَ : " هَؤُلاَءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ ، وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ " [ رواه أبو داود ] ، كل ذلك في القبر والعياذ بالله .
إن عذاب القبر حقيقة لا مراء فيها ، وصدق لا جدال فيه ، فقد صح عن الصادق المصدوق ذلك :
عَنِ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِى بَكْرٍ رضي الله عنهما تَقُولُ : قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَطِيباً فَذَكَرَ فِتْنَةَ الْقَبْرِ الَّتِي يَفْتَتِنُ فِيهَا الْمَرْءُ ، فَلَمَّا ذَكَرَ ذَلِكَ ضَجَّ الْمُسْلِمُونَ ضَجَّةً " [ رواه البخاري ] ، فأين نحن اليوم عمن ضجوا وخافوا عذاب القبر ، في حين أننا أمنا عذاب القبر ، فكثرت سيئاتنا ، وعظمت معاصينا .
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : دَخَلَتْ عَلَىَّ عَجُوزَانِ مِنْ عُجُزِ يَهُودِ الْمَدِينَةِ ، فَقَالَتَا لِي : إِنَّ أَهْلَ الْقُبُورِ يُعَذَّبُونَ فِي قُبُورِهِمْ ، فَكَذَّبْتُهُمَا ، وَلَمْ أُنْعِمْ أَنْ أُصَدِّقَهُمَا ، فَخَرَجَتَا وَدَخَلَ عَلَىَّ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ : إِنَّ عَجُوزَيْنِ وَذَكَرْتُ لَهُ ، فَقَالَ: " صَدَقَتَا ، إِنَّهُمْ يُعَذَّبُونَ عَذَاباً تَسْمَعُهُ الْبَهَائِمُ كُلُّهَا " ، فَمَا رَأَيْتُهُ بَعْدُ فِي صَلاَةٍ إِلاَّ تَعَوَّذَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ " [ رواه البخاري ومسلم ] ، فتعوذوا عباد الله من عذب القبر ، وعذاب النار .
وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه قَالَ : بَيْنَمَا النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم فِي حَائِطٍ لِبَنِى النَّجَّارِ عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ ، وَنَحْنُ مَعَهُ إِذْ حَادَتْ بِهِ فَكَادَتْ تُلْقِيهِ ، وَإِذَا أَقْبُرٌ سِتَّةٌ أَوْ خَمْسَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ - قَالَ كَذَا كَانَ يَقُولُ الْجُرَيْرِىُّ - فَقَالَ : " مَنْ يَعْرِفُ أَصْحَابَ هَذِهِ الأَقْبُرِ " ، فَقَالَ رَجُلٌ أَنَا ، قَالَ : " فَمَتَى مَاتَ هَؤُلاَءِ ؟ " قَالَ : مَاتُوا فِى الإِشْرَاكِ ، فَقَالَ : " إِنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ تُبْتَلَى فِي قُبُورِهَا ، فَلَوْلاَ أَنْ لاَ تَدَافَنُوا لَدَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ الَّذِي أَسْمَعُ مِنْهُ . . . " [ رواه مسلم ] .
فويل لأهل المعاصي من عذاب القبر ، إذا وضعوا في قبورهم ، لا خليل ولا حبيب ، ولا عزيز ولا جليس ، إلا ما كان يعمله من عمل خبيث خسيس ، فهذا نبأهم من رسول الهدى صلى الله عليه وسلم :
عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه قَالَ : خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى جَنَازَةِ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ ، فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْرِ وَلَمَّا يُلْحَدْ ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِنَا الطَّيْرُ ، وَفِى يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ بِهِ فِى الأَرْضِ ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ : « اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ » . مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثاً - زَادَ فِى حَدِيثِ جَرِيرٍ هَا هُنَا - وَقَالَ : « وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ خَفْقَ نِعَالِهِمْ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ حِينَ يُقَالُ لَهُ : يَا هَذَا مَنْ رَبُّكَ وَمَا دِينُكَ وَمَنْ نَبِيُّكَ » . قَالَ هَنَّادٌ قَالَ : « وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولاَنِ لَهُ : مَنْ رَبُّكَ فَيَقُولُ : رَبِّىَ اللَّهُ . فَيَقُولاَنِ لَهُ : مَا دِينُكَ فَيَقُولُ : دِينِى الإِسْلاَمُ . فَيَقُولاَنِ لَهُ : مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِى بُعِثَ فِيكُمْ قَالَ فَيَقُولُ : هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم . فَيَقُولاَنِ : وَمَا يُدْرِيكَ فَيَقُولُ : قَرَأْتُ كِتَابَ اللَّهِ فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ » . زَادَ فِى حَدِيثِ جَرِيرٍ : « فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ( يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا ) » . الآيَةَ . ثُمَّ اتَّفَقَا قَالَ : « فَيُنَادِى مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ : أَنْ قَدْ صَدَقَ عَبْدِى فَأَفْرِشُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ ، وَافْتَحُوا لَهُ بَاباً إِلَى الْجَنَّةِ وَأَلْبِسُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ » . قَالَ : « فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا » . قَالَ : « وَيُفْتَحُ لَهُ فِيهَا مَدَّ بَصَرِهِ » . قَالَ : « وَإِنَّ الْكَافِرَ » . فَذَكَرَ مَوْتَهُ قَالَ : « وَتُعَادُ رُوحُهُ فِى جَسَدِهِ وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولاَنِ : مَنْ رَبُّكَ فَيَقُولُ : هَاهْ هَاهْ هَاهْ لاَ أَدْرِى . فَيَقُولاَنِ لَهُ : مَا دِينُكَ فَيَقُولُ : هَاهْ هَاهْ لاَ أَدْرِى . فَيَقُولاَنِ : مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِى بُعِثَ فِيكُمْ فَيَقُولُ : هَاهْ هَاهْ لاَ أَدْرِى . فَيُنَادِى مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ : أَنْ كَذَبَ فَأَفْرِشُوهُ مِنَ النَّارِ وَأَلْبِسُوهُ مِنَ النَّارِ ، وَافْتَحُوا لَهُ بَاباً إِلَى النَّارِ » . قَالَ : « فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا وَسَمُومِهَا » . قَالَ : « وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلاَعُهُ » . زَادَ فِى حَدِيثِ جَرِيرٍ قَالَ : « ثُمَّ يُقَيَّضُ لَهُ أَعْمَى أَبْكَمُ مَعَهُ مِرْزَبَّةٌ مِنْ حَدِيدٍ ، لَوْ ضُرِبَ بِهَا جَبَلٌ لَصَارَ تُرَاباً » . قَالَ : « فَيَضْرِبُهُ بِهَا ضَرْبَةً يَسْمَعُهَا مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ إِلاَّ الثَّقَلَيْنِ فَيَصِيرُ تُرَاباً » . قَالَ : " ثُمَّ تُعَادُ فِيهِ الرُّوحُ " [ رواه أبو داود وغيره ] ، وكما أن في القبر عذاب وجحيم ، ففيه رحمة ونعيم .
وأما أهل الكبائر والذنوب العظائم ، ومرتكبو الجرائم إذا ما توا ولم يتوبوا فعذابهم عظيم ، وينتظرهم هول كبير ، وشر مستطير ، فويل لمن ألف أكل الربا ، وويل لمن أقام على الزنا ، وويل للكذاب ، الويل لمن نام عن الصلاة أو تركها :
عَنْ سَمُرَة بْن جُنْدَبٍ رضي الله عنه قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ لأَصْحَابِهِ « هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ رُؤْيَا » . قَالَ فَيَقُصُّ عَلَيْهِ مَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُصَّ ، وَإِنَّهُ قَالَ ذَاتَ غَدَاةٍ « إِنَّهُ أَتَانِى اللَّيْلَةَ آتِيَانِ ، وَإِنَّهُمَا ابْتَعَثَانِى ، وَإِنَّهُمَا قَالاَ لِى انْطَلِقْ . وَإِنِّى انْطَلَقْتُ مَعَهُمَا ، وَإِنَّا أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِصَخْرَةٍ ، وَإِذَا هُوَ يَهْوِى بِالصَّخْرَةِ لِرَأْسِهِ ، فَيَثْلَغُ رَأْسَهُ فَيَتَهَدْهَدُ الْحَجَرُ هَا هُنَا ، فَيَتْبَعُ الْحَجَرَ فَيَأْخُذُهُ ، فَلاَ يَرْجِعُ إِلَيْهِ حَتَّى يَصِحَّ رَأْسُهُ كَمَا كَانَ ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ ، فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْمَرَّةَ الأُولَى . قَالَ قُلْتُ لَهُمَا سُبْحَانَ اللَّهِ مَا هَذَانِ قَالَ قَالاَ لِى انْطَلِقْ - قَالَ - فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُسْتَلْقٍ لِقَفَاهُ ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِكَلُّوبٍ مِنْ حَدِيدٍ ، وَإِذَا هُوَ يَأْتِى أَحَدَ شِقَّىْ وَجْهِهِ فَيُشَرْشِرُ شِدْقَهُ إِلَى قَفَاهُ ، وَمَنْخِرَهُ إِلَى قَفَاهُ وَعَيْنَهُ إِلَى قَفَاهُ - قَالَ وَرُبَّمَا قَالَ أَبُو رَجَاءٍ فَيَشُقُّ - قَالَ ثُمَّ يَتَحَوَّلُ إِلَى الْجَانِبِ الآخَرِ ، فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِالْجَانِبِ الأَوَّلِ ، فَمَا يَفْرُغُ مِنْ ذَلِكَ الْجَانِبِ حَتَّى يَصِحَّ ذَلِكَ الْجَانِبُ كَمَا كَانَ ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْمَرَّةَ الأُولَى . قَالَ قُلْتُ سُبْحَانَ اللَّهِ مَا هَذَانِ قَالَ قَالاَ لِى انْطَلِقْ . فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ - قَالَ فَأَحْسِبُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ - فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ - قَالَ - فَاطَّلَعْنَا فِيهِ ، فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ ، وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ ، فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا - قَالَ - قُلْتُ لَهُمَا مَا هَؤُلاَءِ قَالَ قَالاَ لِى انْطَلِقِ انْطَلِقْ . قَالَ فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ - حَسِبْتُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ - أَحْمَرَ مِثْلِ الدَّمِ ، وَإِذَا فِى النَّهَرِ رَجُلٌ سَابِحٌ يَسْبَحُ ، وَإِذَا عَلَى شَطِّ النَّهَرِ رَجُلٌ قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ حِجَارَةً كَثِيَرَةً ، وَإِذَا ذَلِكَ السَّابِحُ يَسْبَحُ مَا يَسْبَحُ ، ثُمَّ يَأْتِى ذَلِكَ الَّذِى قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ الْحِجَارَةَ فَيَفْغَرُ لَهُ فَاهُ فَيُلْقِمُهُ حَجَراً فَيَنْطَلِقُ يَسْبَحُ ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِ ، كُلَّمَا رَجَعَ إِلَيْهِ فَغَرَ لَهُ فَاهُ فَأَلْقَمَهُ حَجَراً - قَالَ - قُلْتُ لَهُمَا مَا هَذَانِ قَالَ قَالاَ لِى انْطَلِقِ انْطَلِقْ . قَالَ فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ كَرِيهِ الْمَرْآةِ كَأَكْرَهِ مَا أَنْتَ رَاءٍ رَجُلاً مَرْآةً ، وَإِذَا عِنْدَهُ نَارٌ يَحُشُّهَا وَيَسْعَى حَوْلَهَا - قَالَ - قُلْتُ لَهُمَا مَا هَذَا قَالَ قَالاَ لِى انْطَلِقِ انْطَلِقْ . فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى رَوْضَةٍ مُعْتَمَّةٍ فِيهَا مِنْ كُلِّ نَوْرِ الرَّبِيعِ ، وَإِذَا بَيْنَ ظَهْرَىِ الرَّوْضَةِ رَجُلٌ طَوِيلٌ لاَ أَكَادُ أَرَى رَأْسَهُ طُولاً فِى السَّمَاءِ ، وَإِذَا حَوْلَ الرَّجُلِ مِنْ أَكْثَرِ وِلْدَانٍ رَأَيْتُهُمْ قَطُّ - قَالَ - قُلْتُ لَهُمَا مَا هَذَا مَا هَؤُلاَءِ قَالَ قَالاَ لِى انْطَلِقِ انْطَلِقْ . - قَالَ - فَانْطَلَقْنَا فَانْتَهَيْنَا إِلَى رَوْضَةٍ عَظِيمَةٍ لَمْ أَرَ رَوْضَةً قَطُّ أَعْظَمَ مِنْهَا وَلاَ أَحْسَنَ . - قَالَ - قَالاَ لِى ارْقَ فِيهَا . قَالَ فَارْتَقَيْنَا فِيهَا فَانْتَهَيْنَا إِلَى مَدِينَةٍ مَبْنِيَّةٍ بِلَبِنِ ذَهَبٍ وَلَبِنِ فِضَّةٍ ، فَأَتَيْنَا بَابَ الْمَدِينَةِ فَاسْتَفْتَحْنَا فَفُتِحَ لَنَا ، فَدَخَلْنَاهَا فَتَلَقَّانَا فِيهَا رِجَالٌ شَطْرٌ مِنْ خَلْقِهِمْ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ ، وَشَطْرٌ كَأَقْبَحِ مَا أَنْتَ رَاءٍ - قَالَ - قَالاَ لَهُمُ اذْهَبُوا فَقَعُوا فِى ذَلِكَ النَّهَرِ . قَالَ وَإِذَا نَهَرٌ مُعْتَرِضٌ يَجْرِى كَأَنَّ مَاءَهُ الْمَحْضُ فِى الْبَيَاضِ ، فَذَهَبُوا فَوَقَعُوا فِيهِ ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَيْنَا قَدْ ذَهَبَ ذَلِكَ السُّوءُ عَنْهُمْ ، فَصَارُوا فِى أَحْسَنِ صُورَةٍ - قَالَ - قَالاَ لِى هَذِهِ جَنَّةُ عَدْنٍ ، وَهَذَاكَ مَنْزِلُكَ . قَالَ فَسَمَا بَصَرِى صُعُداً ، فَإِذَا قَصْرٌ مِثْلُ الرَّبَابَةِ الْبَيْضَاءِ - قَالَ - قَالاَ هَذَاكَ مَنْزِلُكَ . قَالْ قُلْتُ لَهُمَا بَارَكَ اللَّهُ فِيكُمَا ، ذَرَانِى فَأَدْخُلَهُ . قَالاَ أَمَّا الآنَ فَلاَ وَأَنْتَ دَاخِلُهُ . قَالَ قُلْتُ لَهُمَا فَإِنِّى قَدْ رَأَيْتُ مُنْدُ اللَّيْلَةِ عَجَباً ، فَمَا هَذَا الَّذِى رَأَيْتُ قَالَ قَالاَ لِى أَمَا إِنَّا سَنُخْبِرُكَ ، أَمَّا الرَّجُلُ الأَوَّلُ الَّذِى أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالْحَجَرِ ، فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَأْخُذُ الْقُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ وَيَنَامُ عَنِ الصَّلاَةِ الْمَكْتُوبَةِ ، وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِى أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُشَرْشَرُ شِدْقُهُ إِلَى قَفَاهُ ، وَمَنْخِرُهُ إِلَى قَفَاهُ ، وَعَيْنُهُ إِلَى قَفَاهُ ، فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَغْدُو مِنْ بَيْتِهِ فَيَكْذِبُ الْكَذْبَةَ تَبْلُغُ الآفَاقَ ، وَأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ الْعُرَاةُ الَّذِينَ فِى مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ فَإِنَّهُمُ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِى . وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِى أَتَيْتَ عَلَيْهِ يَسْبَحُ فِى النَّهَرِ وَيُلْقَمُ الْحَجَرَ ، فَإِنَّهُ آكِلُ الرِّبَا ، وَأَمَّا الرَّجُلُ الْكَرِيهُ الْمَرْآةِ الَّذِى عِنْدَ النَّارِ يَحُشُّهَا وَيَسْعَى حَوْلَهَا ، فَإِنَّهُ مَالِكٌ خَازِنُ جَهَنَّمَ ، وَأَمَّا الرَّجُلُ الطَّوِيلُ الَّذِى فِى الرَّوْضَةِ فَإِنَّهُ إِبْرَاهِيمُ صلى الله عليه وسلم وَأَمَّا الْوِلْدَانُ الَّذِينَ حَوْلَهُ فَكُلُّ مَوْلُودٍ مَاتَ عَلَى الْفِطْرَةِ » . قَالَ فَقَالَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَوْلاَدُ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « وَأَوْلاَدُ الْمُشْرِكِينَ . وَأَمَّا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَانُوا شَطْرٌ مِنْهُمْ حَسَناً وَشَطَرٌ مِنْهُمْ قَبِيحاً ، فَإِنَّهُمْ قَوْمٌ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً ، تَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُمْ » [ رواه البخاري ] .
قال الله تعالى : { وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } [ النساء 18 ] .
ويقول تعالى : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ } [ الأنعام 93 ] .
وعقوق الوالدين حرام ، وكبيرة من كبائر الذنوب ، متوعد صاحبها بالهلاك في الدنيا والقبر والآخرة ، ومتوعد بأن العقوق دين يجب وفاؤه من العاق ، الرشوة حرام ، والظلم شر ، والغش حرام ، والقتل حرام ، والانتحار صاحبه إلى النار ، وخطف الأطفال وقتلهم وتشريدهم وعمل الفواحش بهم من كبائر الذنوب ، الدخان والمخدرات والخمر والمسكرات حرام ، وصاحبها متوعد بصديد فروج الزانيات يوم القيامة ، وهول العذاب في القبر ، وكل ذنب ومعصية وخطيئة متوعد صاحبها بالنكد والألم النفسي في الدنيا ، وفي القبر عذاب الشديد ، والآخرة أشد وأبقى .
اللهم ارحمنا بترك المعاصي ما أحييتنا ، واغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين أمنوا ، ربنا إنك رؤوف رحيم ، اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض .

 

كتبه
يحيى بن موسى الزهراني
إمام جامع البازعي بتبوك



 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
يحيى الزهراني
  • رسائل ومقالات
  • مسائل فقهية
  • كتب ومحاضرات
  • الخطب المنبرية
  • بريد الشيخ
  • الصفحة الرئيسية