صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







السعادة والحقوق الزوجية  (8)

يحيى بن موسى الزهراني

 
بسم الله الرحمن الرحيم

من وسائل السعادة الزوجية في حلقتها هذه نتطرق إلى موضوع من المهمات بمكان ، لأنه عمود الإسلام ، وقد وجد من الزوجات من أهملت هذا الأمر وأغفلته ، ألا وهو :
11- أمرها بالصلاة وسائر التكاليف :
أمر الصلاة عظيم ، وهي الفرقة بين الكفر والشرك والإيمان ، فمن تركها فقد هدم الدين ، ومن أقامها فقد أقام الدين ، والصلاة طاعة لله تعالى وأعظم القربات إليه سبحانه ، وهي أهم الحقوق على الإطلاق ، لأن فيها طاعة الله تعالى ، وطاعته سبحانه أعظم حقوق المرأة على زوجها .
وأول ما ذكر العلماء من حقوق الزوجة على زوجها أن يأمرها بطاعة الله-تبارك وتعالى- هذا الحق الذي من أجله قام بيت الزوجية فإن الله شرع الزواج وأباح النكاح لكي يكون عوناً على طاعته ويكون سبيلاً إلى رحمته ، فالواجب على الزوج أن يأمر زوجته بما أمر الله وأن ينهاها عما حرم الله ، وأن يأخذ بحجزها عن عقوبة الله ونار الله .
أشار الله-تعالى- إلى هذا الحق العظيم بقوله : { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى } .
قال بعض العلماء : أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم ، والأمر للأمة وللرجال من الأمة أن يأمروا أهليهم بما أمر الله ، وذلك بدعوتهم لفعل ما أوجب الله ، وترك ما حرم الله عز وجل ، فيكون الزوج في البيت آمراً بالمعروف ، ناهياً عن المنكر ، إذا رأى خيراً ثبت قلب المرأة عليه ، وإذا رأى حراماً صرفها عنه ، وحذرها ووعظها وذكرها ، وإلا أخذها بالقوة ، وأطرها على الحق أطراً ، وقسرها عليه قسراً ، حتى يقوم حق الله في بيته .
قال بعض العلماء : كان بعض أهل العلم يعجب من هذه الآية الكريمة : { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً } كان بعض العلماء يتعجب من هذه الآية لأن الله قال فيها : { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ } ثم قال بعد ذلك بعد أن أمره بالصبر وبالاصطبار عليها : { لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ } ، قال : إنه ما من زوج يقوم بحق الله ، وما فرض الله عليه في أهله وزوجه ، ويَعِظُها ويُذكِّرها ، حتى يقوم البيت على طاعة الله ومرضاة الله ، إلا كفاه الله أمر الدنيا فالله عز وجل يقول : { لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً } .
كأن إقامته لأمر الله ، طريق للبركة في الرزق ، وطريق للخير والنعمة على هذا البيت المسلم ، القائم على طاعة الله ، ومحبة الله عز وجل .
وللمرأة على بعلها حق الأمر بطاعة الله ، ولذلك كان من وصية الله لعباده المؤمنين إذا أرادوا الزواج أن يختاروا المرأة الدينة المؤمنة الصالحة ، لأنها هي التي تقيم بيتها على أمر الله عز وجل وما فرض الله .
هذا الحق وهو حق الأمر بطاعة الله ، إذا ضيعه الزوج ، خذله الله في بيته ، وخذله الله مع أهله وزوجه وأولاده ، فلم تر عينك رجلاً لا يأمر بما أمر الله في بيته ، ولا يتمعر وجهه عند انتهاك حدود الله مع أهله وولده ، إلا سلبه الله الكرامة ، وجعله في مذلة ومهانة ، وجاء اليوم الذي يرى فيه سوء عاقبة التفريط في حق الله ، الذي أوجب الله عليه في أهله وولده .
أمرنا جل وعلا أن نقي أنفسنا وأهلينا ناراً وقودها الناس والحجارة ، فمن ضيع هذا الحق سلب الله المهابة من وجهه ، وسلب الله المهابة من قلب أهله وولده ، وأما إذا رأت عيناك زوجاً آخذاً بحجز زوجته عن نار الله ، يقيمها على طاعة الله ومرضاة الله ، وجدت المحبة والمودة والهيبة والإجلال ، ومن وفى لله ، وفى الله له ، ولذلك قال الله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَنُ وُدّاً } .
فالذي يأمر زوجته بما أمر الله ، ويقيمها على طاعة الله ومرضاة الله ، يضع الله له القبول والمحبة والهيبة والكرامة ، ولذلك ينبغي على الزوج أن يضع نصب عينيه أول ما يضع أن يقيم بيت الزوجية على طاعة الله وتقواه ، ولا يستطيع أن يقوم بهذا الحق على أتم الوجوه وأكملها ، إلا بأمور مهمة نبه عليها بعض العلماء :
الأمر الأول : الإخلاص في النصيحة :
فإذا أراد نصيحة زوجته بأمرٍ ، مما أمر الله به ، أو نهي عما حرم الله عنه ، فينبغي أن يكون السبب الباعث له ، هو مرضاة الله ، بمعنى أنه إذا وعظ زوجته ، فأراد أن يأمرها بطاعة الله ، أو ينهاها عن معصية الله ، لا ينطلق من جهة السمعة ، أو من جهة العاطفة ، ولذلك تجد الرجل يقول لامرأته ( فضحتيني ) ، أو ( فشلتيني ) أو ماذا يقول الناس عني ، أو نحو ذلك من محبة السمعة ، أو العواطف التي لا ينبغي أن تكون هي أساس دعوته ومحور وعظه ونصحه .
قال بعض العلماء : لا يبارك الله لكثير من الأزواج في وعظهم لزوجاتهم ، لأنهم يعظون خوفاً على أنفسهم ، وخوفاً على السمعة ، لكن إذا وعظ الرجل ، ووعظ الزوج وهو يخاف الله على زوجته ، ويخشى أن يصيبها عذاب الله ، بارك الله له في كلماته ، وبارك الله له في موعظته ، وبلغت الموعظة مبلغها ، وكان لها أثرها ، ولذلك أول ما يوصى به من يأمر أهله ويعظهم ، ويريد أن يحثهم على طاعة الله ، أن يخلص لله في دعوته .
الأمر الثاني : القدوة :
فإن الزوجة لا تطيع زوجها ، ولا تمتثل أمره ، ولا تعينه على أداء هذا الحق في امتثال ما يقول ، إلا إذا كان قدوة لها ، ولذلك الواجب على الزوج أن يهيئ من نفسه القدوة لزوجته ، إذ كيف تطيع الزوجة زوجها إذا أمرها بواجب ، وحثها على أدائه ، وهي تراه يضيع حقوق الله وواجباته ، كيف تطيع الزوجة رجلاً يقول لها : اتقي الله ، وتراه ينام عن الصلوات ، ويضيع الفرائض والواجبات ، وتراه لا يبالي بحقوق الناس ، فلذلك إذا وجدت الزوجة القدوة ، تأثرت وشعرت أن هذا الكلام الذي يخرج من الزوج ، يخرج بإيمان وقناعة ، وأنه ينبغي أن تمتثله ، وأن تسير على نهجه ، لأنها ترى الكلام مطابقاً للفعل ، فتتأثر بذلك وسرعان ما تمتثل .
الأمر الثالث : الدعوة بالحسنى :
يجب على الزوج أن يتخير الكلمات الطيبة ، التي تلامس شغاف القلوب ، وتؤثر في المرأة ، فتستجيب لداعي الله ، بامتثال أمره ، وترك نهيه ، وهذا هو الذي أوصى الله به كل من يعظ فقال سبحانه : { وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً } .
فالذي يريد أن يقيم زوجته على طاعة الله ، عليه أن يتخير أفضل الألفاظ وأحسنها ، وأنقاها وأجملها ، والتي تؤثر في نفسية الزوجة ترغيباً أو ترهيباً ، فإن كانت الزوجة تستجيب بالترغيب ، حثها بالترغيب ، وإن كانت تستجيب بالترهيب ، حثها بالترهيب وخوفها ، ويكون ذلك بقدر ، مع إشفاق وخوف من الله تعالى .
هذه الأمور إذا تهيأت ، ينبغي أن يَسْلَمِ الزوج من ضدها ، مما ينفر من قبول دعوته ، كالكلمات الجارحة ، والعبارات القاسية " أنت لا تفهمين ، أنت عاصية أنت كذا " ، فهذا لا ينبغي ، بل ينبغي على الزوج إذا وعظ زوجته خاصة عند الخصومة ، أو عند الخطأ والزلل ، أن لا يَفْجُرَ في قوله .
قال العلماء : الفجور في القول : أن يبالغ في وصفها ، فيصفها بأشنع الأوصاف وهي لا تستحق ذلك الوصف ، وهذا هو شأن النفاق والمنافقين ، فإن المنافق إذا خاصم فجر ، فبعض الأزواج إذا رأى أقل تقصير من زوجته ، حمَّل ذلك التقصير ما لم يحتمل من الوصف ، وشنع زوجته بأشنع العبارات وأقساها وأقذعها ، فإذا كانت المرأة صالحة أحست بالنقص وتأثرت ، فإن القلوب تتأثر بالكلمات الجارحة ، ولو كان الرجل مستقيماً وعلى طاعة الله فإنه يتأثر ، ولذلك ينبغي على الزوج أن يتحفظ وأن يتوقى في الألفاظ ، وهذا أصل في الدعوة إلى الله عز وجل : { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ } .
فالموعظة الحسنة : هي الموعظة المشتملة على الكلمات الطيبة ، والنصائح القيمة الهادفة ، التي تنصب على الأمر الذي يراد فعله ، والنهي عن الأمر الذي لا يراد فعله .
11- مساعدتها في تربية الأبناء ، وأعمال المنزل الأخرى :
فليس ذلك عيباً أو نقيصة ، بل ذلك أمر يؤدي إلى دوام المحبة ، وحسن العشرة بين الزوجين ، وخصوصاً حال مرض الزوجة ، فهي تحتاج إلى من يقوم على خدمتها ، كما أن الزوج حال مرضه يرغب في أن تخدمه الزوجة ، فتقدم له الدواء ، والأكل المناسب ، وتوفر له الراحة ، حتى تعود إليه صحته ، فعلى الزوج أن يراعي ذلك ، ويقيسها بمقياس العدل والإنصاف ، فيساعد الزوجة في تربية الأبناء ، لأن الأب له سلطة وقوة على أبنائه ، على عكس الأم ، فأغلب الأبناء لا يخشى من أمه ، ولا يستمع لنصائحها ، لاسيما في هذا الزمن الذي كثر فيه العقوق والعياذ بالله ، فهنا لا بد من تدخل سلطة الأب في التربية والجلوس مع أبنائه وبناته ، وتعليمهم ما ينفعهم من العلوم الشرعية ، وإلحاقهم بحلقات تحفيظ القرآن الكريم ، حتى يخرج لنا جيل يعرف ربه ، ويخافه ويخشاه ، ويقدر للوالدين حقوقهما ، فليس بعيب أن يقوم الرجل بإدارة منزله ، وإعانة أم أولاده على شؤون الحياة البيتية ، من ترتيب وغسيل وتنظيف ، وتربية ، هكذا كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم ، ولنا أيها الأزواج قدوة طيبة ، وأسوة حسنة ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ قال : سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا : مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ فِي الْبَيْتِ ؟ ، قَالَتْ : " كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ فَإِذَا سَمِعَ الْأَذَانَ خَرَجَ " [ أخرجه البخاري ] .
وفي مسند الإمام أحمد ، قِيلَ لِعَائِشَةَ رضي الله عنها : مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ ؟ ، قَالَتْ : " كَمَا يَصْنَعُ أَحَدُكُمْ ، يَخْصِفُ نَعْلَهُ ، وَيُرَقِّعُ ثَوْبَهُ " [ أخرجه أحمد ] .
وفي المسند أيضاً من حديث عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : سُئِلْتُ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ ؟ ، قَالَتْ : " كَانَ بَشَرًا مِنَ الْبَشَرِ ، يَفْلِي ثَوْبَهُ ، وَيَحْلُبُ شَاتَهُ ، وَيَخْدُمُ نَفْسَهُ " .
 


كتبه
يحيى بن موسى الزهراني
إمام جامع البازعي بتبوك

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
يحيى الزهراني
  • رسائل ومقالات
  • مسائل فقهية
  • كتب ومحاضرات
  • الخطب المنبرية
  • بريد الشيخ
  • الصفحة الرئيسية