صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







إنفلونزا الخنازير
داءٌ ودواءٌ - فوائد وأحكام

يحيى بن موسى الزهراني

 
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله نبي الأميين ، صلى وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . وبعد :
فإن العالم بأسره بجميع وسائل إعلامه ، يمعن النظر عن كثب على هذا الأمر الخطر ، والمصاب الجلل ، الذي دق نواقيس الخطر ، فيما يسمى بـ" إنفلونزا الخنازير " ، هذا المرض الذي جره إلى العالم البعد عن منهج الخالق الرازق المحيي المميت ، الواحد الأحد ، الفرد الصمد ، الذي له ملك السموات والأرضين ، فمتى ابتعد الناس عن ربهم أصابتهم البلاقع ، وداهمتهم الفواجع ، وحلت بهم المواجع .
ونحن اليوم نسمع ونشاهد ما يؤلم القلوب ، ويدمع المقل ، من ويلات شهوات مسعورة ، تتداعى على عتباتها أرواح كثير من البشر ، كل ذلك بسبب البعد عن خالقهم وموجدهم ، ولا غرو أن يصاب البشر ، بما يؤرق حياتهم ، وينغصها ويحيلها إلى جحيم لا يطاق .
إن المعاصي سبب عظيم لما يحصل في العالم من ويلات ونكسات ، ونكبات ونحسات ، أصابت جميع البشر ، وأكلت اليابس والأخضر ، دارت رحاها في كل قطر ومصر من أقطار الأرض وأمصارها ، ولا مخرج من ذلك ، ولا منقذ منه ، إلا التمسك بالإسلام واتخاذه ديناً قيماً ، ودستوراً وحكماً ، وإلا فإن مسلسل الكوارث لن يتوقف ، وها نحن اليوم نسمع عن شيء من ذلك ، ألا وهو ذلك القاتل السفاح الذي يقتل البشر ، ويمرض الآخرين ، إنه : انفلونزا الخنازير .
وسيكون حديثنا في هذه العجالة عن هذا المرض الخطير ، وما يلحقه من أحكام ، فبالله التوفيق ، ومنه العون والتسديد :

تأثير المرض على الاقتصاد العالمي :

الاقتصاد العالمي اليوم منهك بما فيه الكفاية ، لأنه نظام رأسمالي يعتمد على الربا ، وأكل أموال الناس بالباطل ، وجاء هذا المرض ليدعو دول العالم لإنفاق المزيد من الأموال لإيجاد علاج ناجع له ، مما سيزيد من كثرة البطالة على مستوى العالم ، الأمر الذي سيؤدي لانتشار الجريمة والأوبئة ومزيد من الأمراض الأخرى ، مما سيسهم في مزيد من النكبة الاقتصادية العالمية .

علاج المرض :

ولو تأمل العقلاء على مستوى العالم بأسره أن العلاج الحقيقي لهذا المرض هو اتخاذ الإسلام ديناً ، واتباع أوامره ، واجتناب نواهيه ، وتحكيم سنة نبيه صلى الله عليه وسلم بين الناس كافة ، لأنه صلى الله عليه وسلم أرسل إلى الناس كافة .
ولا بأس بالتدابير الوقائية والعلاجية الطبية ، لكنها أمور ثانوية ، والأصل الحذر من المعصية والوقوع في الذنب ، فإن الحرام سبب للأوبئة والأمراض المهلكة ، كما سيأتي بيانه بعد قليل .

اسم المرض :

أطلق على هذا المرض الفتاك اسم [ H1 N1 ] ، هذا هو اسم مرض انفلونزا الخنازير ، أجارنا الله وجميع المسلمين منه .

تحذير دولي :

تم رفع التحذير من هذا المرض الخطير المميت إلى الدرجة الخامسة ، في مقياس من 6 درجات ، وهذا يعني أن الحالة ربما أصبحت وباءً عالمياً .
وكما قال بعض الأطباء : أنه ليست هناك دولة في العالم بمعزل عن الإصابة بهذا المرض ، لأنه ينتقل عن طريق الإنسان ، والناس من طبيعتهم المخالطة والاجتماع ، لذلك من البدهي جداً الإصابة بهذا المرض الخطير .
وقالت منظمة الصحة العالمية : أن العالم بأسرة معرض للإصابة بمرض انفلونزا الخنازير .
وفي تقرير خطير للغاية : إذا لم يتم علاج المرض بأقصى سرعة ، وإلا فإنه ربما أصيب نصف البشر بهذا الداء الفتاك .

سبب المرض :

لا يغفل الناس أن سبب المرض هو معصية الله تعالى ، فكلما عصى الناس ربهم سلط عليهم عذاباً وأموراً ينكرونها ، ليراجعوا أنفسهم ، ويتركوا المعاصي ، ويعودوا إلى ربهم الذي خلقهم ورزقهم وأحياهم ووهب لهم كل ما يريدون من الخيرات والنعم ، فلازم ذلك أن يشكروه ولا يكفروه ، ويطيعوه ولا يعصوه .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : " يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ ، خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ : لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ ، حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا ، إِلاَّ فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ ، وَالأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلاَفِهِمُ الِّذِينَ مَضَوْا ، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ ، إِلاَّ أُخِذُوا بِالسِّنِينَ ، وَشِدَّةِ الْمَؤُنَةِ ، وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ ، إِلاَّ مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ ، وَلَوْلاَ الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا ، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ ، إِلاَّ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ ، فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ ، وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ ، وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ ، إِلاَّ جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ " [ رواه ابن ماجة وحسنه الألباني هناك ، وقال في صحيح الترغيب والترهيب ، والسلسلة الصحيحة : صحيح لغيره ] .

بلد انتشاره :

انتشر هذا المرض العضال ، والداء القتال في دولة المكسيك ، ثم سرى انتشاره بين دول العالم ، عن طريق التنفس والاختلاط ، هذا وقد خسر الطيران المكسيكي الملايين من الدولارات بسبب توقف الرحلات من وإلى هذه الدولة الموبوءة .
بل أمر رئيس البلاد هناك بإيقاف جميع الأعمال ، وعدم خروج الناس من منازلهم لمدة خمسة أيام للحد من خطورة المرض ، وعدم انتشاره بين الناس ، في تدابير وقائية .
ولعلنا في هذه الصفحات والأسطر نتحدث عن هذه الحيوان الخبيث ، المسبب لهذا الوباء الخطر :

الخنزير :

بكسر الخاء ، وهو حيوان دجون من الفصيلة الخنزيرية ، والجمع خنازير ، وله كنىً كثيرة منها : أبو دلف ، وأبو قادم ، وغيرهما ، والأنثى منه تسمى : خنزيرة .
وهو يشترك بين البهيمية والسبعية ، فالذي فيه من السبع : الناب ، وأكل الجيف ، والذي فيه من البهيمية : الظلف ، وأكل العشب ، والعلف ، وهذا النوع يوصف بالشبق .
والخنازير من أنسل الحيوانات ، ومدة الحمل : أربعة أشهر ، وقد يصل عمرها إلى خمس عشرة سنة [ حياة الحيوان 1/290 ، والحيوان للجاحظ 4/55-56 ] .

أعدادها :

يوجد في العالم 840 مليون رأس من الخنازير في إحدى الإحصائيات .

أكبر منتج لها :

تعد البرازيل أكبر دولة منتجة للخنازير ، وتكر في جنوب شرقي الولايات المتحدة ، وجزر الهند ، واستراليا ونيوزيلندا وأوروبا وروسيا والصين وغيرها .

أنواعها :

للخنازير أنواع كثيرة منتشرة في العالم ، وإليك شيء من أنواعها وأصنافها ومواطن عيشها :
1- خنزير الأرض : وهو حيوان ينتمي إلى عائلة السنجاب ، وهو من مجموعة القوارض ، تعيش في أمريكا الشمالية ، له ذيل كثيف ، ورأس عريض مسطح ، ذو لون بني أو رمادي ، ويعيش في الجحور التي يحفرها .
2- خنزير البحر : وهو أصغر أنواع الدلفين ، وظهورها سوداء ، وبطونها وجوانبها بيضاء ، ويعيش كثير منها في المياه الباردة كالمحيط الأطلسي الشمالي ، وفي الأنهار وغيرها وهو من فصيلة الحوت ، سئل الإمام مالك عنه فقال : " أنتم تسمونه خنزيراً ، والعرب لا تسميه بذلك ، لأنها لا تعرف في البحر خنزيراً ، والمشهور أنه الدلفين ، ويجوز أكله [ حياة الحيوان الكبرى 1/293 ، 323 ] .
3- خنزير الثالول : وهو خنزير إفريقي متوحش وكبير ، وللذكر أنياب منحنية في رأسه الكبير المسطح ، ويوجد بين الأنياب والعيني ثلاثة ثواليل ، اشتق منها الاسم ، يعيش في منطاق رملية وجافة ، ويكثر في جنوب إفريقيا وأثويبيا .
4- الخنزير البري : وهو أسود مشوب بلون رمادي ، وله شعر قصير ، وهلب خشن ، وهو نوع قوي وشرس ، وله نابان قويان في فكه السفلي ، يعيش في الأدغال الكثيفة ، وموطنه أوروبا وجنوب غرب أسيا ووسطها ، وشمال إفريقيا ، وهو أكلة مفضلة لسكان أوروبا .
5- خنزير غينيا : حيوان ثديي صغير ، وهو مستأنس أليف ، وهي ليست خنازير حقيقية ، بل هي قوارض ، له رأس كبير ، وأذنان صغيرتان ، وأرجل صغيرة وقصيرة ، ومعظمها له فرو طويل خشن أو رمادي وغير ذلك ، وكما أسلفت يعيش في غينيا .
6- خنزير الماء : وهو أكبر الحيوانات القارضة حجماً ، وهو يشبه الخنزير العادي ، ويغطي جسمه المكتنز شعر ذو لون بني مائل للحمرة أو رمادي ، وهو كبير الرأس ، قصير الذنب ، يستطيع السباحة بسهولة ، وموطنه بنما الشرقية ، وشرقي جبال الأنديز في أمريكا الجنوبية .
7- الخنزير الهندي : وحشي يتميز بجلد خشن مجعد ، ذو لون رمادي غامق ، وله أذنان صغيرتان ، وذيل قصير ، وأنياب طويلة ، ويعيش في إندونيسيا [ الموسوعة العربية 10/163،335 ] .

شكلها :

منظره مقزز ، لا يُشعر بالراحة ، تبغضه عندما تشاهده .
قال القزويني : " الخنزير حيوان سمج ، تكرهه العين ، له نابان مثل الفيل ، ورأس كرأس الجاموس ، وله ظلف كظلف البقر والغنم [ عجائب المخلوقات 411 ] .
وهو حيوان ثديي ذو عمود فقري ، يغذي أولاده على اللبن [ الموسوعة العربية 8/11 ] .

ذكرها في القرآن :

ورد ذكر الخنزير في القرآن الكريم ، خمس مرات كما يلي :
في قوله تعالى : { إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ البقرة173 ] .
وفي قوله تعالى : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ المائدة3 ] .
وفي قوله تعالى : { قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَـئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ } [ المائدة60 ] .
وفي قوله تعالى : { قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ الأنعام145 ] .
وفي قوله تعالى : { إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالْدَّمَ وَلَحْمَ الْخَنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ النحل115 ] .

حكم قتلها :

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَماً مُقْسِطاً ، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ ، وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ ، وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ ، وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لاَ يَقْبَلَهُ أَحَدٌ " [ متفق عليه ] .
قال النووي رحمه الله معلقاً على الحديث السابق : " وَفِيهِ دَلِيل لِلْمُخْتَارِ مِنْ مَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْجُمْهُور أَنَّا إِذَا وَجَدْنَا الْخِنْزِير فِي دَار الْكُفْر أَوْ غَيْرهَا وَتَمَكَّنَّا مِنْ قَتْله قَتَلْنَاهُ ، وَإِبْطَال لِقَوْلِ مَنْ شَذَّ مِنْ أَصْحَابنَا وَغَيْرهمْ فَقَالَ : يُتْرَك إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَاوَة " [ شرح النووي على مسلم 1 / 281 ] .
قال الخطابي : وفي قوله : " ويقتل الخنزير " ، دليل على وجوب قتل الخنازير ، وبيان أن أعيانها نجسة [ حياة الحيوان 1/290 ] .
وقال ابن حجر رحمه الله تعالى : " والجمهور على جواز قتله مطلقاً " [ فتح الباري ] .

ما شُبِّهَ بلحم الخنزير :

عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ _ بريدة بن الحصيب رضي الله عنه _ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ ، فَكَأَنَّمَا غَمَسَ يَدَهُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ وَدَمِهِ " [ رواه مسلم ] .
قَالَ الْعُلَمَاء : النَّرْدَشِير هُوَ النَّرْد ، فَالنَّرْد عَجَمِيّ مُعَرَّب ، وَ ( شِير ) مَعْنَاهُ الفرس الحُلْو ، والمقصود به لعبة الطاولة أو الزهر التي يلعبها بعض الناس اليوم .
وَهَذَا الْحَدِيث حُجَّة لِلشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُور فِي تَحْرِيم اللَّعِب بِالنَّرْدِ .
وَأَمَّا الشِّطْرَنْج : فَقَالَ مَالِك وَأَحْمَد : حَرَام ، قَالَ مَالِك : هُوَ شَرّ مِنْ النَّرْد ، وَأَلْهَى عَنْ الْخَيْر ، وَقَاسُوهُ عَلَى النَّرْد .
وَمَعْنَى : " غمس يَده فِي لَحْم الْخِنْزِير وَدَمه " وَهُوَ تَشْبِيه لِتَحْرِيمِهِ بِتَحْرِيمِ أَكْلهمَا ، وَاللَّهُ أَعْلَم [ شرح النووي على مسلم 7 / 446 ] .
وجاء في تحريم اللعب بالنرد هذا الحديث :
عَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ " [ رواه أبو داود وأحمد وابن ماجة ومالك ] .
قال الشوكاني رحمه الله : " وَسَبَبُ تَحْرِيمِهِ أَنَّ وَضْعَهُ عَلَى هَيْئَةِ الْفَلَكِ بِصُورَةِ شَمْسٍ وَقَمَرٍ وَتَأْثِيرَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ تَحْدُثُ عِنْدَ اقْتِرَانَاتِ أَوْضَاعِهِ لِيَدُلَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ أَقْضِيَةَ الْأُمُورِ كُلِّهَا مُقَدَّرَةٌ بِقَضَاءِ اللَّهِ لَيْسَ لِلْكَسْبِ فِيهَا مَدْخَلٌ ، وَلِهَذَا يَنْتَظِرُ اللَّاعِبُ بِهِ مَا يُقْضَى لَهُ بِهِ وَالتَّمْثِيلُ بِقَوْلِهِ " فَكَأَنَّمَا صَبَغَ يَدَهُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ [ نيل الأوطار 12 / 418 ] .
وقال المناوي رحمه الله : " سبب حرمته أن واضعه سابور بن أزدشير أول ملوك ساسان ، شبه رقعته بوجه الأرض ، والتقسيم الرباعي بالفصول الأربعة ، والشخوص الثلاثين بثلاثين يوماً ، والسواد والبياض بالليل والنهار ، والبيوت الاثني عشر بشهور السنة ، والكعاب الثلاثة بالأقضية السماوية فيما للإنسان وعليه وما ليس له ولا عليه ، والخصال بالأغراض التي يسعى الإنسان ، واللعب بها بالكسب ، فصار من يلعب بها حقيقا بالوعيد المفهوم من تشبيه أحد الأمرين بالآخر ، لاجتهاده في إحياء سنة المجوس المستكبرة على الله " [ فيض القدير 6 / 219 ] .
قال شيخ الإسلام رحمه الله : " وقد أجمع العلماء على أن اللعب بالنرد والشطرنج حرام إذا كان بعوض وهو من القمار والميسر الذي حرمه الله والنرد حرام عند الأئمة الأربعة سواء كان بعوض أو غير عوض ولكن بعض أصحاب الشافعي جوزه بغير عوض لاعتقاده أنه لا يكون حينئذ من الميسر وأما الشافعي وجمهور أصحابه وأحمد وأبو حنيفة وسائر الأئمة فيحرمون ذلك بعوض وبغير عوض وكذلك الشطرنج صرح هؤلاء الأئمة بتحريمها مالك وأبو حنيفة وأحمد وغيرهم وتنازعوا أيهما أشد فقال مالك وغيره الشطرنج شر من النرد وقال أحمد وغيره الشطرنج أخف من النرد ولهذا توقف الشافعي في النرد إذا خلا من المحرمات إذ سبب الشبهة في ذلك أن أكثر من يلعب فيها بعوض بخلاف الشطرنج فإنها تلعب بغير عوض غالبا وأيضا فظن بعضهم أن اللعب بالشطرنج يعين على القتال لما فيها من صف الطائفتين والتحقيق أن النرد والشطرنج إذا لعب بهما بعوض فالشطرنج شر منها لأن الشطرنج حينئذ حرام بإجماع المسلمين " [ مجموع الفتاوى 32 / 244 ] .

من يصبح خنزيراً :

هناك أناس يغضب الله عليهم ، فيحولهم إلى خنازير ، لكن لماذا يفعل الله بهم ذلك ، لنتأمل هذه الأحاديث الواردة بهذا الشأن :
عن عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ الأَشْعَرِيُّ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو عَامِرٍ - أَوْ أَبُو مَالِكٍ - الأَشْعَرِيُّ وَاللَّهِ مَا كَذَبَنِي سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ ، وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ يَرُوحُ عَلَيْهِمْ بِسَارِحَةٍ لَهُمْ ، يَأْتِيهِمْ _ يَعْنِى الْفَقِيرَ _ لِحَاجَةٍ ، فَيَقُولُوا : ارْجِعْ إِلَيْنَا غَداً ، فَيُبَيِّتُهُمُ اللَّهُ ، وَيَضَعُ الْعَلَمَ ، وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ " [ رواه البخاري ] .
الحر : الفرج ، والمراد به الزنا ، علم : هو الجبل العالي ، المعازف : آلات الملاهي ، سارحة : الماشية تسرح بالغداة إلى رعيها ، وتروح : ترجع بالعشي إلى مألفها ، يأتيهم لحاجة : يأتيهم يطلب حاجة ، فيبيتهم الله : يهلكهم ليلاً ، يضع العلم : يوقعه عليهم .
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ، لَيَبِيتَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى أَشَرٍ وَبَطَرٍ ، وَلَعِبٍ وَلَهْوٍ ، فَيُصْبِحُوا قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ ، بِاسْتِحْلاَلِهِمُ الْمَحَارِمَ ، وَاتِّخَاذِهِمُ الْقَيْنَاتِ ، وَشُرْبِهِمُ الْخَمْرَ ، وَأَكْلِهِمُ الرِّبَا ، وَلُبْسِهِمُ الْحَرِيرَ " [ رواه أحمد ] .
عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ ، يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا ، يُعْزَفُ عَلَى رُءُوسِهِمْ بِالْمَعَازِفِ وَالْمُغَنِّيَاتِ ، يَخْسِفُ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ ، وَيَجْعَلُ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ " [ رواه ابن ماجة وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 5454 ] .
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ : يَا أَنَسُ : " إِنَّ النَّاسَ يُمَصِّرُونَ أَمْصَاراً ، وَإِنَّ مِصْراً مِنْهَا يُقَالُ لَهُ الْبَصْرَةُ أَوِ الْبُصَيْرَةُ ، فَإِنْ أَنْتَ مَرَرْتَ بِهَا ، أَوْ دَخَلْتَهَا ، فَإِيَّاكَ وَسِبَاخَهَا وَكِلاَءَهَا وَسُوقَهَا وَبَابَ أُمَرَائِهَا ، وَعَلَيْكَ بِضَوَاحِيهَا ، فَإِنَّهُ يَكُونُ بِهَا خَسْفٌ وَقَذْفٌ وَرَجْفٌ ، وَقَوْمٌ يَبِيتُونَ يُصْبِحُونَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ " [ رواه أبو داود وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 7859 ] .
هذه الأحاديث وغيرها كثير ، تدل على أن هناك فئة من الناس يرتكبون أعمالاً محرمة ، وكبائر مجرمة ، يحولهم الله تعالى بذلك الجرم والإثم إلى قردة وخنازير والعياذ بالله .
فعلى المسلم أن يحرص على طاعة الله تعالى ، ويحذر معصيته ، فربما أُخذ المفتون وهو يرى أنه سيعيش عمراً طويلاً ، فالبدار البدار بالتوبة النصوح ، قبل أن تغرغر الروح ، ولا تنفع ساعة مندم .
فاحذروا هذه الموبقات ، والمهلكات التي جاءت في هذه الأحاديث وهي :
شرب الخمر وتعاطي المسكرات ، وأشد من ذلك وأخطر ، تعاطي المخدرات التي دمرت البيوت والأسر والمجتمعات .
ثم الحذر من الأغاني والموسيقى ، لأنها حرام بنص القرآن والسنة ، وإجماع علماء الأمة ، لما فيها من تقسية القلوب ، وأنها بريد للزنا ، وفعل الخنا ، ولما فيها من إضاعة للوقت في معصية الله عز وجل .
وكذلك أكل الربا ، ولبس الحرير والذهب المحرمان على الرجال ، وكذلك استحلال كل حرام ، فهذه الأمور تؤدي إلى غضب الجبار الواحد القهار ، مما يجعل بعض الناس قردة وخنازير والعياذ بالله .

لحم الخنزير وباءٌ وداءٌ :

لقد أثبت العلم الحديث أن الخنزير يصاب ببعض الديدان الخطيرة ، التي تنتقل منه للإنسان ، وأنها تغلف نفسها داخل لحم الخنزير بحويصلات واقعية ، تكون في حالة سكون ، إلى أن يتناولها الإنسان واخل وجبة من لحم الخنزير ، فتأتي عصارة المعدة فتذيب الأكياس التي تتحوصل فيها الديدان ، وتخرج منها لتتعلق بالأمعاء عن طريق خطاطيف في فمها ، وتتغذى على غذاء الإنسان ، ولا يمكن التخلص منها .
كما يوجد في لحم الخنزير أنواع أخرى من البكتيريا والجراثيم تصيب أجهزة أخرى .
ثم أثبت العلم أن شحم الخنزير يسبب ترسبات في كلى الإنسان ، ينشأ عنها الحصوات التي تصيبها ، وتشير آخر الأبحاث أن لحم الخنزير يحتوي على نمط من الأحماض الأمينية تسبب الإصابة بمرض السرطان .
قال الدكتور غياث : يصاب الخنزير بحوالي ست وستين مرضاً طفيلياً ، يمكن انتقال ثلاثين منها للإنسان ، ويصاب الخنزير بأربع وثلاثين مرضاً فيروسياً ، ينتقل منها ثمانية أمراض للإنسان ، ويصاب بالأمراض الجرثومية والفطرية ، وأمراض التغذية ، وكلها تنتقل للإنسان عن طريق الخنزير [ أسماء الحيوان في القرآن 96 ] .

بيع الخنزير وشرائه :

قال ابن بطال رحمه الله : " أجمع العلماء على أن بيع الخنزير وشرائه حرام ، ثم قال : ألا ترى أن عيسى ابن مريم يقتله عند نزوله ، فقتله واجب .
والخنزير حرام في شريعة عيسى عليه السلام ، وقتله له تكذيب للنصارى أنه حلال في شريعتهم . وقال بن قدامة رحمه الله : " وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ بَيْعَ الْخِنْزِيرِ ، وَشِرَاءَهُ ، حَرَامٌ ؛ وَذَلِكَ لِمَا رَوَى جَابِرٌ قَالَ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِمَكَّةَ يَقُولُ : " إنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَا بَيْعَ الْخَمْرِ ، وَالْمَيْتَةِ ، وَالْخِنْزِيرِ ، وَالْأَصْنَامِ " [ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ] [ المغني 8/473 ] .
عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم : " نهى عن ثمن الكلب ، وثمن الخنزير ، وثمن الخمر ، وعن مهر البغي ، وعن عسب الفحل " [ رواه الطبراني في الأوسط ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 6948 ] .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله حرم الخمر وثمنها ، وحرم الميتة وثمنها ، وحرم الخنزير وثمنه " [ رواه أبو داود وغيره وصححه الألباني ] .
الخلاصة : أجمع الفقهاء على عدم صحّة بيع الخنزير وشرائه ، لحديث جابر بن عبد اللّه : " إنّ اللّه تعالى ورسوله حرّم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام ، فقيل : يا رسول اللّه ، أرأيت شحوم الميتة فإنّه يطلى بها السّفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها النّاس ، فقال : لا ، هو حرام ، ثمّ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عند ذلك : قاتل اللّه اليهود إنّ اللّه لمّا حرّم شحومها جملوه ثمّ باعوه فأكلوا ثمنه " ولأنّ من شرط المعقود عليه _ سواء أكان ثمناً أم مثمّناً _ أن يكون طاهراً وأن ينتفع به شرعاً .
والأصل في حلّ ما يباع ، أن يكون منتفعاً به ، لأنّ بيع غير المنتفع به شرعاً لا يتحقّق به الرّضا ، فيكون من أكل المال بالباطل ، وهو منهيّ عنه لقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً } .
والخنزير إن كان فيه بعض المنافع إلاّ أنّها محرّمة شرعاً ، والمعدوم شرعًا كالمعدوم حسّاً [ الموسوعة الفقهية 20/35 ] .

اقتناء الخنازير :

لا يجوز للمسلم أن يقتني الخنازير أو يربيها أو يهتم بها ، لأنها نجسة ، محرمة البيع والشراء والأكل والتداوي .
وإن مما يؤسف له ، أن وسائل الإعلام نقلت أن هناك من الدول العربية والإسلامية من سمحت بتربية هذه الحيوانات القذرة النجسة المحرمة في كتاب الله ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، على أراضيها ، مخالفة أوامر الكتاب والسنة ، في إظهار واضح ، وتعد للشريعة فاضح ، وبينت وسائل الإعلام أن هناك من هذه الدول من بلغ تعداد الخنازير فيها إلى مئات الآلاف ، في صورة مزرية ، ومشهد مؤسف ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
في حين كان الأجدر بهم أن يتمسكوا بشرع الله تعالى ، ويحكموا سنة نبيه صلى الله عليه وسلم بينهم ، ويعتزوا بهذا الدين ، ولا يرضوا بالدنية فيه ، ولا الترف الفاحش ببيع ما حرم الله ورسوله ، وأجمع العلماء على تحريمه ، كبيع الخنزير وشرائه ، والاكتساب من وراء ذلك الربح المحرم .
فكيف تسعة أمة لنيل الريادة ، وتقلد السيادة ، وهي لم تستطع حتى الآن النهوض من كبوة الحرام وتعاطيه ، فأين العزة المرجوة ، والغيرة المطلوبة ؟
إنها سراب بقيعة ، لا يعني لكثير من دول العرب والإسلام شيء ، المهم المادة والرغبة والشهوة وهذا هو الأصل عندهم ، وما عدا ذلك فهو أمر كمالي لا يُنظر إليه .
قال سماحة العلامة مفتي الديار السعودية الشيخ / محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله : " لا يجوز للمسلم أن يستورد لحم الخنزير ، ولا أن يقر في يد مسلم ؛ بل يتعين إتلافه لكونه محرماً رجساً ، ويعزر من يستورده ومن وجد عنده أو عامل فيه " [ فتاوى ورسائل محمد بن إبراهيم آل الشيخ 12 / 212 ] .
واتّفق الفقهاء على أنّه لا قطع ولا ضمان على من سرق أو أتلف خنزير المسلم لكونه غير محترم ، ولا متقوّم ، لعدم جواز تملّكه وبيعه واقتنائه ، وكذلك الخنزير الذي يملكه غير المسلم ، سواءً أظهر غير المسلم خنزيره أم أخفاه [ الموسوعة الفقهية 20/37 ] .

موقف المسلم من الحرام ؟
على الأمة أن تتربى وتربي أجيالها على مخافة الله عز وجل ، امتثالاً لقوله تعالى : { أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى } [ العلق14 ] ، ذكر أن عمر بن الخطاب مر على غلام يرعى غنمه قال : يا غلام بعني واحدة ، فقال الغلام : هي ليست ملكي إنما هي لسيدي وأنا الوكيل عنها ، فقال له عمر بن الخطاب مختبراً : يا غلام بعني واحدة وخذ ثمنها ، وقل لسيدك الذئب أكلها ؟ _ يرسم له طريق الحرام مختبراً له _ فقال الغلام : فأين الله ، أين أكون من الله إن قلت هذا ؟ ويهتز عمر بن الخطاب للكلمة ، ويشتري العبد من سيده ويعتقه ويقول له : هذه كلمة أعتقتك في الدنيا ، أسأل الله تعالى أن يعتق بها رقبتك يوم القيامة .
ثم ينبغي أن يعلم المسلم أن الله تعالى قد جعل في الحلال ما يغني عن الحرام ، النكاح بدل الزنى ، التجارة بدل الربا ، المشروبات اللذيذة التي لها الفائدة للبدن والروح بدل الخمرة والمخدرات ، ولحم بهيمة الأنعام وما أحل أكله بدل لحم الخنزير المحرم أكله .
ثم لابد أن يعلم المسلم أيضاً كيف يكون حال صاحب المعصية يوم القيامة ، المتمتع بالحرام ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :" يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً ، ثُمَّ يُقَالُ يَا ابْنَ آدَمَ : هَلْ رَأَيْتَ خَيْراً قَطُّ ، هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ ؟ فَيَقُولُ : لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ ، وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْساً فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِي الْجَنَّةِ ، فَيُقَالُ لَهُ يَا ابْنَ آدَمَ : هَلْ رَأَيْتَ بُؤْساً قَطُّ ، هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ ؟ فَيَقُولُ : لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ ، مَا مَرَّ بِي بُؤُسٌ قَطُّ ، وَلاَ رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ " [ رواه مسلم ] .
ثم تذكر أيها المسلم زوال هذه الحياة الدنيا ، وأنها في الآخرة وقت يسير ، ومتاع قليل ، قال تعالى : { وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ } [ الروم55 ] .
ثم اعلم أن الحرام تذهب لذته ، وتبقى تبعاته ، ويبقى سواد الوجه عند الله يوم القيامة .
فقليل من حلال ، خير من كثير من حرام ، وما نبت من السحت فالنار أولى به .

ضرر لحم الخنزير :

قال فضيلة الشيخ العلامة / صالح الفوزان ، عضو هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية : الْخِنْزِيرِ : هو الحيوان المعروف بالقذارة والدناءة ، حرم الله أكله لما فيه من الأضرار البالغة ، وما يورثه من الأمراض الخطيرة ، كما قرر ذلك أهل الطب ، فإن الخنزير فيه جراثيم وأمراض خطيرة اكتشفت ولا تزال تكتشف ، والله جل وعلا لا يحرم على عباده إلا ما فيه مضرة عليهم [ المنتقى من فتاوى الفوزان 1/94 ] .
قال أبو حيان رحمه الله : ومن المضار الصحية في لحم الخنزير : ما قرره الأطباء من أنه ينتج عنه دود العضل ، والدود معروف ، وغالباً يكون في المعدة ، ويُعالج بالدواء وينتهي ، حتى الدودة الشريطية التي طولها اثنا عشر متراً ، وتعيش في المعدة ، ولكنها
تُعالج وتخرج بدواء خاص ، أما الدود الذي في العضل ، في الفخذ أو في اليد أو في الزند فلابد من شق العضلة ، ولقطه بالملقاط : واحدة ، واحدة ، وهذه أكبر مصيبة [ شرح بلوغ المرام للشيخ عطية محمد سالم 3 / 175 ] .

تحريم لحم وشحم الخنزير :

قال العلامة الشيخ / محمد العثيمين رحمه الله : " ولهذا أجمع العلماء على أن شحم الخنزير مُحَّرم مع أن الله تعالى لم يذكر في القرآن إلا اللحم ، فقال تعالى : { حُرِّمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهلَّ لغير الله به } ، ولا أعلم خلافاً بين أهل العلم في أن شحم الخنزير محرَّم " [ مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين 11 / 140 ] .
قد أجمع العلماء رحمهم الله على تحريم الخنزير كله لحمه وشحمه واحتجوا بهذه الآية الكريمة وما جاء في معناها .
وقال أيضاً : " وقالوا إنما حرم لخبثه والخبث يعم اللحم والشحم لكن الله سبحانه ذكر اللحم لأنه المقصود والباقي تبع واحتجوا على ذلك أيضا بما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يوم الفتح " إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام " ، فنص على الخنزير ، ولم يذكر اللحم فدل ذلك على تعميم التحريم " [ فتاوى إسلامية 3 / 544 ] .

تحريم التداوي بلحم الخنزير :

سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : فِيمَنْ يَتَدَاوَى بِالْخَمْرِ ، وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ ، هَلْ يُبَاحُ لِلضَّرُورَةِ أَمْ لَا ؟ وَهَلْ هَذِهِ الْآيَةُ : { وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إلَّا مَا اُضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ } فِي إبَاحَةِ مَا ذُكِرَ ؟ أَمْ لَا ؟
الْجَوَابُ : لَا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِذَلِكَ ، بَلْ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ { سُئِلَ عَنْ الْخَمْرِ يُتَدَاوَى بِهَا فَقَالَ : إنَّهَا دَاءٌ وَلَيْسَتْ بِدَوَاءٍ } .
وَفِي السُّنَنِ عَنْهُ أَنَّهُ { نَهَى عَنْ الدَّوَاءِ بِالْخَبِيثِ وَقَالَ : إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَ أُمَّتِي فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْهَا } .
وَلَيْسَ ذَلِكَ بِضَرُورَةٍ ، فَإِنَّهُ لَا يُتَيَقَّنُ الشِّفَاءُ بِهَا ، كَمَا يُتَيَقَّنُ الشِّبَعُ بِاللَّحْمِ الْمُحَرَّمِ ؛ وَلِأَنَّ الشِّفَاءَ لَا يَتَعَيَّنُ لَهُ طَرِيقٌ ، بَلْ يَحْصُلُ بِأَنْوَاعٍ مِنْ الْأَدْوِيَةِ ، وَبِغَيْرِ ذَلِكَ ، بِخِلَافِ الْمَخْمَصَةِ ، فَإِنَّهَا لَا تَزُولُ إلَّا بِالْأَكْلِ " [ الفتاوى الكبرى 3/328 ] .
بَلْ قَدْ قِيلَ : مَنْ اسْتَشْفَى بِالْأَدْوِيَةِ الْخَبِيثَةِ كَانَ دَلِيلًا عَلَى مَرَضٍ فِي قَلْبِهِ وَذَلِكَ فِي إيمَانِهِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ الْمُؤْمِنِينَ لَمَا جَعَلَ اللَّهُ شِفَاءَهُ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْهِ " [ مجموع فتاوى ابن تيمية 5 / 443 ] .

ما يُصْنَعُ من الخنزير :

هناك كثير من المصنوعات الغربية تعتمد في صناعتها على الخنزير ، كالمعاطف الجلدية ، منها ما يصنع من جلود الخنازير وغيرها ، فما حكم ما يصنع من جلود الخنازير ؟
أجاب سماحة الشيخ العلامة / عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى بقوله : " قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا دبغ الجلد فقد طهر " [ رواه مسلم ] ، وقال صلى الله عليه وسلم : " دباغ جلود الميتة طهورها " .
واختلف العلماء في ذلك ، هل يعم هذا الحديث جميع الجلود ، أم يختص بجلود الميتة التي تحل بالذكاة ؟ ولا شك أن ما دبغ من جلود الميتة التي تحل بالذكاة كالإبل والبقر والغنم طهور يجوز استعماله في كل شيء في أصح أقوال أهل العلم .
أما جلد الخنزير والكلب ونحوهما مما لا يحل بالذكاة ففي طهارته بالدباغ خلاف بين أهل العلم ؛ والأحوط ترك استعماله ، عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم : " ومن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه " ، وقوله عليه الصلاة والسلام : " " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك " [ رواه الترمذي والنسائي وأحمد وغيرهم ] [ مجموع فتاوى ابن باز 7 / 100 ] .

بيع لحم الخنزير :

إذا تبين لنا أن لحم الخنزير وما ينتج عنه يسبب أمراضاً فتاكة بالبشر ، فالعجيب أن من المسلمين من يعمل في بلاد الكفر في بيع لحمه .
وللأسف الشديد أنه يوجد في بلاد الإسلام من يبيع لحم الخنزير على السياح وغيرهم ، فما حكم بيع لحم الخنزير ؟
والجواب على ذلك ، ما أفتى به أعضاء اللجنة الدائمة للفتوى بالمملكة العربية السعودية وهو أنه لا يجوز بيع ما حرم أكله أو حرم استعماله ، ومن ذلك لحم الخنزير
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء [ 13 / 14- 15 ] .
ولا يجوز المتاجرة فيما حرم الله من الأطعمة وغيرها ، كالخمور والخنزير ولو مع الكفرة ؛ لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه " [ رواه البخاري ومسلم ] .
وعلى ذلك جاءت فتوى أخرى نصها :
أولا : يحرم العمل والتكسب بالمساعدة على تناول المحرمات من الخمور ولحوم الخنزير ، والأجرة على ذلك محرمة ؛ لأن هذا من التعاون على الإثم والعدوان ، والله تعالى نهى عنه بقوله في سورة المائدة : { وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } ، وننصح بالبعد عن العمل في هذا المطعم ونحوه ؛ لما في ذلك من التخلص من الإعانة على شيء مما حرمه الله .
ثانيا : يحرم على المسلم بيع المحرمات من الخنزير والخمر ، والأرزاق وجلب الزبائن بيد الله ، وليست في بيع المحرمات ، فعلى المسلم تقوى ألله عز وجل بامتثال أمره ، واجتناب نهيه ، قال الله تعالى { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا سورة الطلاق الآية 3 وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ } [ الطلاق 2-3 ] [فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 13 / 16 ] .
وربما تعذر البعض بأنه إذا لم يبع لحم الخنزير في متجره فإنه لا يأتيهم أحد من الزبائن الغربيين وغيرهم ممن يأكل لحم الخنزير فما النصيحة لهؤلاء ؟
الجواب : لا يجوز للمسلم بيع الخمر والخنزير ولا أكل ثمنها ، لأن الله حرمهما ، وإذا حرم الله شيئاً حرم ثمنه ، كما في الحديث الصحيح ، وإذا كان المال كله من بيع لحم الخنزير فهو مال حرام ، فلا يجوز قبول هديتهم ، أو الأكل من طعامهم ، وإذا كان مالهم مختلطاً من حلال وحرام فلا بأس بالأكل من طعامهم ، وقبول هديتهم ؛ لأن الله سبحانه أباح طعام أهل الكتاب ، وهو مختلط ، ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم أكل من طعامهم ، ولكن يجب نصيحتهم وتحذيرهم من بيع الخمر والخنزير ؛ عملاً بقول الله سبحانه : { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ } [ التوبة 71 ] ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان " [ رواه مسلم ] [ فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 13 / 17 ، 18 ] .
وفي فتوى مهمة أيضاً للجنة الدائمة : أنه لا يجوز التعامل في شراء وبيع أسهم الشركات التي تتعامل بالربا ، أخذاً أو عطاءً ، أو تبيع المحرمات من لحوم الخنزير ، والخمور ونحوها ، أو التي تعمل في التأمين التجاري ؛ لما فيه من الغرر والجهالة والربا [فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 14 / 395 ] .

الحكمة في تحريم لحم الخنزير :

ما الحكمة من تحريم أكل لحم الخنزير ؟
أجاب على هذا السؤال سماحة العلامة الشيخ / عبد العزيز بن باز رحمه الله فقال " : إن الله أحاط بكل شيء علماً ، ووسع كل شيء رحمة وحكمة وعدلاً ، فهو سبحانه عليم بمصالح عباده ، رحيم بهم ، حكيم في خلقه وتدبيره وشرعه ، فأمرهم بما يسعدهم في الدنيا والآخرة ، وأحل لهم ما ينفعهم من الطيبات ، وحرم عليهم ما يضرهم من الخبائث ، وقد حرم الله أكل الخنزير وأخبر بأنه رجس ، قال تعالى : { قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ الأنعام145 ] ، فهو إذن من الخبائث ، وقد قال تعالى { وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ } [ الأعراف157 ] .
وقد ثبت بالمشاهدة أن غذاءه القاذورات والنجاسات ، وأنها أشهى طعام إليه ، يتتبعها ويغشى أماكنها ، وقد ذكر أهل الخبرة : أن أكله يولد الدود في الجوف ، وأن له تأثيراً في إضعاف الغيرة والقضاء على العفة ، وأن له مضار أخرى كعسر الهضم ، ومنع بعض الأجهزة من إفراز عصاراتها لتساعد على هضم الطعام ، فإن صح ما ذكروا فهو من الضرر والخبث الذي حُرِّم من أجله ، وإن لم يصح فعلى العاقل أن يثق بخبر الله وحكمه فيه بأنه رجس ، ويؤمن بتحريم أكله ، ويُسَلِّمُ الحكم لله فيه ، فأنه سبحانه هو الذي خلقه ، وهو أعلم بما أودعه فيه ، { أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } [ الملك14 ] [ فتاوى إسلامية 3 / 545 ] .
وقال سماحته أيضاً : " وقد أثبتت الأبحاث العلمية والطبية أن الخنزير من بين سائر الحيوانات يُعَدّ مستودَعاً للجراثيم الضارة بجسم الإنسان ، وتفصيل هذه المضار والأمراض طويل ، وهي باختصار : الأمراض الطفيلية ، الأمراض البكتيرية ، الأمراض الفيروسية ، الأمراض الجرثومية ، وغيرها .
وهذه الأضرار وغيرها دليل على أن الشارع الحكيم ما حرَّم تناول لحم الخنزير إلا لحكمة جليلة ، هي الحفاظ على النفس ، التي يُعَدُّ الحفاظ عليها أحَدَ الضروريات الخمس في الشريعة الغراء " .
وقال العلامة الشيخ / محمد العثيمين رحمه الله : " والمؤمن بمجرد أن يقال هذا حكم الله ورسوله فهو عنده حكمة الحكم ، كما قال الله تعال : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً } [ الأحزاب36 ] ، وقال تعالى : { إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ } [ النور 51-52 ] .
وعَنْ مُعَاذَةَ قَالَتْ : سَأَلْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها فَقُلْتُ : مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِى الصَّوْمَ وَلاَ تَقْضِى الصَّلاَةَ ؟ فَقَالَتْ : أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ ؟ قُلْتُ : لَسْتُ بِحَرُورِيَّةٍ وَلَكِنِّي أَسْأَلُ ، قَالَتْ : كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ _ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم _ فُنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ ، وَلاَ نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلاَةِ " [ رواه مسلم ] .

فائدة مهمة :

" حرورية " مؤنث " حروري " نسبة إلى حروراء ، بلدة على ميلين من الكوفة ، ويقال لمن يعتقد مذهب الخوارج ( حروري ) لأن أول فرقة منهم خرجوا على علي رضي الله عنه بالبلدة المذكورة ، فاشتهروا بالنسبة إليها ، وهم فرق كثيرة ، ومن أصولهم المتفق عليها بينهم ، الأخذ بما دل عليه القرآن ، ورد ما زاد عليه من الحديث مطلقاً ، ولهذا اسنفهمت عائشة معاذة استفهام إنكار " [ فتح الباري ] .
عودة للموضوع :
فالمؤمن يقتنع بالحكم الشرعي بمجرد ثبوته حكماً من الله ورسوله ، ويستسلم لذلك ويرضى به .
لكن إذا كنا نخاطب شخصاً ضعيف الإيمان أو شخصاً لا يؤمن بالله ورسوله فحينئذ يتعين علينا أن نتطلب الحكمة وأن نبينها .
ولهذا ينبغي لطالب العلم في هذا الوقت الذي ضعف فيه اليقين وكثر فيه الجدل ، أن يكون لديه علم في الحكم الشرعية التي تبني عليها الأحكام ، ليكون مقنعاَ لمن هو بحاجة ، بالدليل والتعليل ، حتى لا تبقى شبهة لمعارض أو مشاغب والله المستعان .
وهناك علة أخرى مهمة ألا وهي أن الخنزير مفقود الغيرة ، لا يغار الذكر على أنثاه وقد شاهدنا من أكثر من أكل لحم الخنزير أنه سلب الغيرة ، فيرى زوجه تلاعب غيره على مرأى منه ولا يتأثر ، وأي مضرة ومصيبة في افتقاد الرجل الغيرة ؟
نعم والله إن الغرب الكافر الذين يأكلون لحم الخنزير ويستخدمون شحمه وزيته وغير ذلك من أجزائه ، أنه لا غيرة لديهم ، فالمرأة تتزوج عندهم برجل واحد ، ولها أكثر من صديق على مرأى ومسمع من زوجها ، فلو كانت هذه الخصلة الذميمة في أكله ، لكفت في تحريمه ، فما بالنا إذا كانت هناك أسباب أخرى تدعو إلى تحريم أكل الخنزير وشحمه .

ما غُذِّيَ بلحم الخنزير :

هناك بعض الطيور أو الحيوانات ومنها الدجاج الذي يتغذى بمأكولات مختلفة ، ومن بين هذه المأكولات طحين لحوم الحيوانات الميتة وفيها لحم الخنزير ، فهل هذا الدجاج المغذى بهذا اللحم حلال أم حرام ؟ وما حكم بيضه ؟

الجواب :
أجاب عليه أعضاء اللجنة الدائمة للإفتاء فقالوا :
إذا كان الواقع كما ذكر من التغذية ففي أكل لحمه وبيضه خلاف بين العلماء ، فقال مالك وجماعة إن أكل لحمه وبيضه مباح ، لأن الأغذية النجسة طهرت باستحالتها إلى لحم وبيض ، وذهب جماعة منهم الثوري والشافعي وأحمد إلى تحريم أكلها بيضها وشرب لبنها .
وقيل إن كان أكثر علفها النجاسة فهي جلالة فلا تؤكل ، وإن كان أكثر علفها طاهراً أكلت ، وقال جماعة بالتحريم ، لما رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم : " نَهَى عَنْ لَبَنِ الْجَلاَّلَةِ " [ وصححه الترمذي وابن دقيق العيد ] ، ولما رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَكْلِ الْجَلاَّلَةِ وَأَلْبَانِهَا " ، والجلالة : هي التي تأكل العذرة ، وسائر النجاسات ، والراجح القول بالتفصيل ، وهو الثاني فيما تقدم " [فتاوى إسلامية 3 / 550 ] .

إطعام لحم الخنزير للقطط :

هناك معلبات طعام للقطط ، تحتوي على لحم خنزير ، هل يجوز شراؤها وإطعامها للقطط ؟
الجواب :
تم عرض هذا السؤال على فضيلة الشيخ / محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى فأجاب :
إذا كان ذلك بشراء للمعلبات فلا يجوز ، لأنه لا يجوز دفع ثمن لحم الخنزير وشراؤه ، وإن كان وجده مرمياً فأطعمه قطته فلا بأس بذلك ، والله أعلم .

فوارق قياس الخنزير على الكلب في الولوغ :

سئل فضيلة الشيخ _ العثيمين _ رحمه الله ، هل يصح قياس الخنزير على الكلب في الولوغ ؟
الجواب : " إذا ولغ الكلب في الإناء فإنه يغسل سبع مرات إحداهن بالتراب ، كما ثبت به الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد قاس بعض الفقهاء الخنزير على الكلب ؛ لكن هذا القياس غير صحيح ؛ لأن الخنزير تحدث الله عنه في القرآن الكريم وهو معروف ، ومع ذلك لم يلحقه النبي صلى الله عليه وسلم بالكلب ، وكل شيء وجد سببه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يحكم فيه بشيء ، فإنه لا يصح أن يحكم فيه بشيء يخالف ما كان عليه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم . وعلى هذا فالخنزير نجاسته كغيرها من النجاسات ، إذا ولغ في الإناء لا نغسله سبع مرات .

الكسب من بيع لحم الخنزير :

الكسب الذي يأتي من بيع لحم الخنزير كسب محرم ، يجب على صاحبه أن يتوب إلى الله من العمل الذي كسبه منه ، ويقلع عنه ، ويندم على ما مضى ، ولا يجوز له أن ينتفع بما بقى عنده منه ، ولا أن يهديه [ فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 14 / 454 ] .

العمل في محلات بيع لحم الخنزير :

لا يجوز أن يعمل المسلم في محلات تبيع الخمور أو تقدمها للشاربين ، ولا أن يعمل في المطاعم التي تقدم لحم الخنزير للآكلين ، أو تبيعه على من يشتريه ، ولو كان مع ذلك لحوم أو أطعمة أخرى ، سواء كان العمل في ذلك بيعاً أو تقديماً لها ، أم كان غسلاً لأوانيها ، لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان ، وقد نهى الله عن ذلك بقوله : { وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } [ المائدة 2 ] ، ولا ضرورة تضطر المسلم إلى أن يعمل في محلات بيع لحم الخنزير وغيره من المحرمات ، فإن أرض الله واسعة ، وبلاد المسلمين كثيرة ، والأعمال المباحة فيها شرعاً كثيرة أيضاً ، فعلى المسلم أن يكون مع جماعة المسلمين في بلد يتيسر فيها العمل الجائز ، قال الله تعالى : في سورة الطلاق : { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ * وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا } وقال سبحانه : { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا وبالله التوفيق } ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم [ فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 14 / 455 ] .

قاعدة فيما يحرم من الحيوانات وما يحل :

بين الله تعالى في الكتاب والسنة كل شيء ، فالقرآن الكريم كما قال الله عنه " تبياناً لكل شيء " .
والسنة متممة ومكملة ومفصلة لما أجمل ومفسرة لما أبهم في القرآن ، ففي القرآن والسنة الشفاء والنور والهداية والاستقامة لمن تمسك بهما ، ولا يوجد مسألة من المسائل التي تحدث إلا وفي القرآن والسنة حلها وبيانها ، لكن منها ما هو مبين على سبيل التعيين ، ومنها ما هو مبين على سبيل القواعد والضوابط العامة ، ثم الناس يختلفون في هذا اختلافاً عظيماً ، يختلفون في العلم ، ويختلفون في الفهم ، كما يختلف أيضاً إدراكهم لما في القرآن والسنة بحسب ما معهم الإيمان والتقوى ، فإنه كلما قوي الإيمان بالله عز وجل وقبول ما جاء به في القرآن والسنة وتقوى الله عز وجل في طاعته ، قوي العلم بما في القرآن والسنة من الأحكام .
وإني أقول إن القرآن والسنة فيهما الهدى والعلم والنور وحل جميع المشكلات ، وإن نظامهما ومنهاجهما أكمل نظام وأنفعه وأصلحه للعباد ، وأنه يغلط غلطاً بيناً من يرجع إلى النظم والقوانين الوضعية البشرية التي تخطيء كثيراً ، وإذا وفقت للصواب فإنما تكون صواباً بما وافقت به الكتاب والسنة .
وأقول : إن هناك ضوابط بما يحرم ، فالأصل في كل ما خلق الله - تعالي - في هذه الأرض أنه حلال لنا من حيوان وجماد ، لقوله - تعالي - " هو الذي الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً " . فهذا عام خلقه لنا لمنافعنا أكلا وشرابا وانتفاعا على الحدود التي خدها الله ورسوله ، .
هذه قاعدة عامة جامعة مأخوذة من الكتاب وكذلك من السنة حيث قال رسول الله ، عليه الصلاة والسلام ، " وما سكت عنه فهو عفو " .
وعلى هذا فلننظر الآن في المحرمات فمنها الميتة لقوله - تعالى - " إنما حرم عليكم الميتة " .
ومنها الدم المسفوح لقوله - تعالى - " قل لا أجد فيما أوحي إلى محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتاً أو دماً مسفوحاً " .
ومنها لحم الخنزير لقوله - تعال - في هذه الآية " أو لحم خنزير " .
وإنما حرمت هذه الثلاثة لأنها رجس فإن قوله " فإنه " أي هذا المحرم الذي وجده الرسول ، عليه الصلاة والسلام ( رجس ) وليس الضمير عائداً إلى لحم الخنزير فقط كما قاله بعض أهل العلم ، لأن الاستثناء ( إلا أن يكون ) أي ذلك المطعوم " ميتة أو دما مسفوحاً أو لحم خنزير فإنه " . أي ذلك المطعوم من الميتة والدم المسفوح ولحم الخنزير (رجس) .
ومنها الحمر الأهلية ، ثبت ذلك في الصحيحين عن النبي ، - صلى الله عليه وسلم - ، أنه أمر أبا طلحة فنادى إن الله ورسوله ينهيانكم عن الحمر الأهلية فإنها رجس .
ومنها كل ذي ناب من السباع ، يعني كل ما له ناب السباع يتفرس به مثل الذئب والكلب ونحوها فإنه محرم ، ومنها كل ذي مخلب من الطير كالصقر والعقاب والبازي وما أشبه ذلك ومنها ما تولد من المأكول وغيره كالبغال فإن البغل متولد من الحمار إذا نزا على أنثنى الخيل ، والخيل مباحة والحمر محرمة فلما تولد من المأكول وغيره غلب التحريم فكان حراماً .
وهذه المسائل موجودة والحمد لله في السنة مفصلة وكذلك في كلام أهل العلم والأمر بين إذا أشكل عليك الأمر فارجع إلى القاعدة الأساسية التي ذكرناها من قبل وهو أن الأصل الحل لقوله - تعالى- " هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً " .
وأما الشبة فهذا لجأ إليه بعض أهل العلم وقال إنه إذا لم نعلم حكم هذا الحيوان هل هو محرم أم لا ؟ فإننا نلحقه حكما بما أشبهه ولكن ظاهر الأدلة يدل على أن المحرم معلوم بنوعه أو بالضوابط التي اشرنا ، كما حرم النبي ، عليه الصلاة والسلام " كل ذي ناب من السباب وكل ذي مخالب من الطير " [فتاوى إسلامية 3 / 536 ] .

الأكل من الحلال الطيب :
إن للأكل من الحلال والطيب من المطاعم أثراً عظيماً في صفاء القلب واستجابة الدعاء وقبول العبادة كما أن الأكل من الحرام يمنع قبولها ، قال - تعالى - عن اليهود " أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم سماعون للكذب أكالون للسحت " . أي الحرام ، ومن كانت هذه صفته كيف يطهر الله قلبه وأنى يستجيب له ؟ قال ، - صلى الله عليه وسلم - ، " أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال - تعالى - " يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً " وقال - تعالى - " يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات من رزقناكم " ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يقول يارب يا رب ومعطعمه حرام ومشربه حرام وملسه حرام وغذي بالحرام فأني يستجاب له .

فتوى مهمة :

يقول السائل : أعمل في توكيل ملاحي وأقوم بخدمة السفن العابرة ، ومعظم هذه السفن أجنبية والعاملون بها غير مسلمين ، ويقوم صاحب الشركة ببيع لحم الخنزير لهذه السفن في بعض الأحيان ، ثم يقوم بتوزيع أرباح هذا البيع علينا نحن الموظفين ونحن نقبلها على اعتبار أن بيع لحم الخنزير لغير المسلمين غير محرم ، ولم يرد نص في القرآن ولا السنة لتحريم بيعه على غير المسلمين ، وكذلك لأنه لا يصح أن نأخذ الخمر كقياس لأن لحم الخنزير متواجد من أيام الرسول عليه الصلاة والسلام ، ولو أراد تحريمه ولعنه لفعل كما فعل بالخمر، ولكن هناك من بدأ يشككنا في مدى حلال هذه النقود فهل هي حلال أم حرام ؟
وهل لأننا لا نشارك في البيع فإنه لا ضرر علينا من أخذ هذه الأرباح حيث إن صاحب العمل يعطيها لنا كصدقة ، فهل يحق لنا قبول الصدقة ونحن نعرف أصلها ؟؟ وهل ذكر الرسول عليه الصلاة والسلام أي حديث واضح وصريح ومؤكد يحرم فيه بيع لحم الخنزير لغير المسلمين ، حيث إن لحم الخنزير لم يحرم على أهل الكتاب .
الجواب :
الحمد لله .
أولاً : لا يجوز لأحد أن يفتي في دين الله تعالى بغير علم ، ويجب أن يعلم خطورة فعله هذا ، والله تعالى حرم ذلك بقوله : { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ } [ الأعراف/33 ] .
فلا يحل لأحد أن يقول : هذا حلال ، وهذا حرام ، وليس عنده دليل صحيح على ذلك ، قال الله تعالى : { وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ } [ النحل/116 ]
ثانياً : بيع لحم الخنزير حرام سواء بيع لمسلم أو لكافر ، والأدلة على ذلك :
قول الله تعالى : { قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ } [ الأنعام/145 ] ، وقد عَلَّمنا الرسول صلى الله عليه وسلم قاعدةً عظيمةً ، فقال : " إن الله إذا حرَّم شيئاً حرَّم ثمنه " [ رواه أبو داود ، وصححه الشيخ الألباني في " غاية المرام 318 ] .
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح وهو بمكة : " إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام " ، فقيل : يا رسول الله ، أرأيت شحوم الميتة فإنها يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ، ويستصبح بها الناس ؟ فقال : " لا ، هو حرام " ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك : " قاتل الله اليهود إن الله لما حرم شحومها جملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه " [ رواه البخاري ومسلم ] .
جملوه : أذابوه .
قال النووي : وأما الميتة والخمر والخنزير : فأجمع المسلمون على تحريم بيع كل واحد منها .
قال القاضي : تضمن هذا الحديث أن ما لا يحل أكله والانتفاع به لا يجوز بيعه , ولا يحل أكل ثمنه , كما في الشحوم المذكورة في الحديث [ شرح مسلم 11 / 8 ] .
قال ابن رجب الحنبلي _ بعد أن ساق أحاديث في تحريم بيع الخمر _ : " فالحاصل من هذه الأحاديث كلها : أن ما حرم الله الانتفاع به فإنه يحرم بيعه وأكل ثمنه كما جاء مصرحاً به في : " إن الله إذا حرَّم شيئاً حرَّم ثمنه " ، وهذه كلمة عامة جامعة تطرد في كل ما كان المقصود من الانتفاع به حراماً ، وهو قسمان :
أحدهما : ما كان الانتفاع به حاصلاً مع بقاء عينه ، كالأصنام ، فإن منفعتها المقصودة منها الشرك بالله وهو أعظم المعاصي على الإطلاق ، ويلتحق بذلك كتب الشرك والسحر والبدع والضلال ، وكذلك الصور المحرمة وآلات الملاهي المحرمة ، وكذلك شراء الجواري للغناء . . . .
والقسم الثاني : ما ينتفع به مع إتلاف عينه ، فإذا كان المقصود الأعظم منه محرّماً : فإنه يحرم بيعه ، كما يحرم بيع الخنزير والخمر والميتة مع أن في بعضها - كأكل الميتة للمضطر ودفع الغصة بالخمر وإطفاء الحريق به والخرز بشعر الخنزير عند قوم والانتفاع بشعره وجلده عند من يَرَى ذلك - ولكن لما كانت هذه غير مقصودة لم يعبأ بها وحرم البيع ، ولكن المقصود الأعظم من الخنزير والميتة : أكلها ، ومن الخمر شربها ، ولم يلتفت إلى ما عدا ذلك ، وقد أشار صلى الله عليه وآله وسلم إلى هذا المعنى لما قيل له : أرأيت شحوم الميتة فإنها يطلي بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس ؟ فقال : لا هو حرام ... " [ جامع العلوم والحكَم 1 / 415 ، 416 ] .

وقد سئلت اللجنة الدائمة : هل تجوز المتاجرة في الخمور والخنازير إذا كان لا يبيعها لمسلم ؟
فأجابت : " لا يجوز المتاجرة فيما حرم الله من الأطعمة وغيرها ، كالخمور والخنزير ولو مع الكفرة ؛ لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه " ، ولأنه صلى الله عليه وسلم لعن الخمر وشاربها وبائعها ومشتريها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها وعاصرها ومعتصرها " [ فتاوى اللجنة الدائمة 13/49 ] .
ثالثاً : وأما قول السائل : " إن بيع لحم الخنزير لغير المسلمين غير محرم ، ولم يرد نص في القرآن ولا في السنة لتحريم بيعه على غير المسلمين " ، فغير صحيح ، فقد سبق أدلة القرآن والسنة وإجماع العلماء على تحريم بيع الخنزير ، والأدلة بعمومها تدل على تحريم بيعه على المسلمين والكفار ، لأن الأدلة دلت على تحريم بيعه تحريماً عاماً ، ولم تفرق بين المسلمين وغيرهم .
بل لو قيل : إن المقصود من تحريم بيعه هو بيعه على الكفار أصالةً لم يكن ذلك بعيداً ، لأن الأصل في المسلم أنه لن يشتري الخنزير ، وماذا يفعل به ، وهو يعلم أن الله حرَّمه ؟!
وكذلك قوله : " إن لحم الخنزير متواجد من أيام الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولو أراد تحريمه ولعنه لفعل كما فعل بالخمر " غير صحيح .
لأنه لا يُشترط من تحريم الشيء أن يلعن الرسول صلى الله عليه وسلم مَنْ فَعَلَه ، بل يكفي أنه ينهى عنه ، أو يخبر أنه حرام . كما حرم بيع الخنزير .
رابعاً : وأما أخذكم هذه الأموال فالأجدر بكم بعد علمكم بأنه مال حرام التنزه والبعد عنه ، لاسيما وأخذكم هذا المال سيكون كالإقرار منكم لصاحب الشركة على
هذا العمل ، والواجب عليكم نصحه ، والإنكار عليه ووعظه لترك هذا العمل المحرم ، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه .
وأما ما أخذتم من هذه الأموال قبل علمكم بالتحريم ، فلا حرج فيه إن شاء الله تعالى ، قال الله تعالى في آيات تحريم الربا : { فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ } [ البقرة/275 ] ، نسأل الله تعالى أن يرزقكم حلالاً مباركاً فيه .
والله أعلم .
هذا ما تيسر جمعه في هذا الموضوع الخطير ، والمرض المميت ، عافانا الله وجميع المسلمين منه ، والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف النبيين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
 

كتبه
يحيى بن موسى الزهراني
إمام جامع البازعي بتبوك

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
يحيى الزهراني
  • رسائل ومقالات
  • مسائل فقهية
  • كتب ومحاضرات
  • الخطب المنبرية
  • بريد الشيخ
  • الصفحة الرئيسية