صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







خطبة استوصوا بالنساء خيراً

يحيى بن موسى الزهراني

 
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، لا يبلغ مدحته المادحون ، ولا ينال من عظمته القادحون ، ولا يحصي نعماءه العادّون ، ولا يحصر آلاءه الحاسبون ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له تائبون ، وبه مستعينون ، وله عائدون ، وبه عائذون ، عليه يتوكل المتوكلون ، هو المستعان ، ومنه الفرج ، برحمته يتعلق المذنبون ، وبرأفته يأمل العاصون ، ولجنته يتطلع المتقون ، فلا حول ولا قوة إلا بالله ، نعم المولى ونعم النصير ، وهو على كل شيء قدير ، وأشهد أن نبينا محمدًا عبد الله ورسوله ، الهادي البشير ، والسراج المنير ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وكل تابعٍ مستنير ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المرجع والمصير . . أما بعد :
فإنَّ خير ما وصّى به الموصون ، ووعظ به الواعِظون ، تقوى الله عز وجل ، فاتقوا الله رحمكم الله ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } ، في هذه الخطبة ، ندخل في مفاوز ومغاور ، لنعاون ونشاور ، نسبر آلاماً عظاماً ، ونتحرى أدواءً جساماً ، نتبين الأعراض ، ونحدد الأمراض ، ونصف العلاج ، ليحصل الفرج والانبلاج ، فبسم الله نبتدي ، وبنوره نهتدي ، وبحمده ننتهي .
أيها الأخوة في الله : لقد أتى على المرأة حين من الدهر ، لم تكن شيئاً مذكوراً ، لم تقم لها قائمة ، فكانت تائهة عائمة ، مسلوبة الإرادة ، محطمة العواطف ، مهضومة الحقوق ، مغلوبة في أمرها ، متدنية في مكانتها ، مُتَصَرَّفاً بشؤونها ، بل كانت تعد من سقط المتاع والأثاث ، ومن جملة الميراث ، ثم انتهى بها الأمر ، إلى وأدها في مهدها ، وقتلها في صغرها ، قال تعالى : { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ } ، وبعد تلكم الويلات ، وإثر تلكم النقمات ، التي كانت تحيط بالمرأة ، جاء الإسلام وأشرق نوره ، وظهر وبان أمره ، فأعلن مكانة المرأة ، ورفع قدرها ، وأعظم شأنها ، فأخذت كامل حقوقها ، ومن أعظم ذلك الصداق ، فالمهر ملك لها وحدها ، تقديراً لها ، ورمزاً لتكريمها ، ووسيلة لإسعادها ، وثمناً لاستمتاع الزوج بها ، فالمَهر حقٌّ للمرأة لا يجوز للآباء أو الأوليَاء اختصاصُهم به ، أو الاستيلاء عليه ، أو الاستئثار به ، قال سبحانه : { وَءاتُواْ ٱلنّسَاء صَدُقَـٰتِهِنَّ نِحْلَةً } ، ومن أخذ من مهر الفتاة ولو شيئاً يسيراً ، بغير إذنها أو رضاها ، فقد أتى باباً عظيماً من أبواب الظلم والتعسف ، وأكل الأموال بالباطل وسوء التصرف ، قال الواحد المتصرف : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهاً وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ } ، كانوا في الجاهلية الجهلاء ، والأثرة العمياء ، يرثون نساء أقربائهم ، فإن شاءوا تزوجوهن بلا صداق ، أو زوجوها وأخذوا صداقها ، أو منعوها من الزواج ليأخذوا بعض مهرها ، فحرم الله ذلك تحريماً ، ونهى عنه نهياً ، فذلكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم ، قال صلى الله عليه وسلم : " إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة " [ أخرجه البخاري ] ، ألا فاعلموا أن ما أخذ بسيف الحياء فهو حرام ، فيجب إعطاء المرأة مهرها كاملاً ، ولها فيه حرية التصرف بضوابطه الشرعية ، وحقوقه المرعية ، فإن وهبت أحداً منه شيئاً عن طيب نفس منها فلها ذلك ، لقوله تعالى : { فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً } ، فأعطوا النساء مهورهن , عطية واجبة ، وفريضة من الله لازمة ، فإن طابت أنفسهن لكم عن شيء من المهر ، فخذوه وتصرَّفوا فيه , فهو حلال طيب ، ولا تأخذوه بالقوة والعنجهية ، أو التحايل والهمجية ، فذلك معصية لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، وتعد لحدود الله ، قال الله تعالى : { وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ } ، فسبحان الله أيها الآباء والأولياء ، كيف تأخذون المهور ، وتستحكمون عليها ، وتستأثرون بها ، ثم ربما أنفقتموها في مصالح جميع الأبناء ، وصاحبة الشأن والمال ربما لم تدرك منه شيئاً ، فهذا سحت حرام ، فاتقوا الله أيها الأولياء الكرام ، أحسنوا إلى النساء وأكرموهن ، وأعطوهن مهورهن ، وأوفوهن حقوقهن ، فهذا هو أمر رب العالمين ، وأمر نبي الثقلين .
أيها الأخوة الفضلاء : إن منع الآباء الخاطبَ الكفء الحذق ، ذا الدين والخلُق ، مخالفٌ لأمرِ الشّريعة ، يقول النبيّ صلى الله عليه وسلم : " إذا جاءكم مَن ترضون دينَه وخلقه فزوِّجوه ، إلاّ تفعلوا تكن فتنةٌ في الأرض وفساد عريض " [ أخرجه الترمذي ] ، ألا وإن من الخيانة ، وتضييع الأمانة ، أن يزوج الولي ابنته لرجل فاسق عاص لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، كمن لا يصلي ، أو سيء الخلق والمعاني ، أو يتعاطى الخمور والمسكرات ، والدخان والمفترات ، أو غير ذلك من المعاصي والموبقات ، ولو كان يملك الملايين من الريالات ، والقصور والبيوتات ، فذلك ظلم للفتاة ، وغش تأباه ، قال صلى الله عليه وسلم : " ما من عبد يسترعيه الله رعية ، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته ، إلا حرم الله عليه الجنة " [ متفق عليه ] ، لقد اغتالوا البنت حية ، لم يدفنونها في قبرها كالجاهلية ، بل هالوا عليها تراب الجحيم ، في سجن زوج لا تطيقه ولا تريده ، من أجل حفنة قذرة من المال ، فسبحان الله العظيم ، ألم يسمعوا قول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم : " لا تُنْكَحُ الثَّـيِّبُ حتَّـى تُسْتَأْمَرَ ، ولا تُنْكَحُ البِكْرُ حتَّـى تُسْتَأْذَنَ " [ أخرجه مسلـم ] ، ألا فاعلموا أن زواجاً يكثر مهره ، ويعظم همه ، ويزداد غمه ، وتكثر تكاليفه ، معقد أوله ، ومؤلم آخره ، والواقع خير شاهد ، وعند جهينة الخبر اليقين .
أيها المسلمون : نحن في زمن قلت فيه فرص الوظيفة ، وتدنى فيه مستوى المعيشة ، وزاد فيه منسوب البطالة ، أجارات مرتفعة ، ومعيشة غالية ، ومهور عالية ، وأنى للشباب الإتيان بكل تلكم التكاليف ، فهنا يجب أن نقف جميعاً وقفة صادقة مع أنفسنا ، من تسهيل للمهور ، وتيسير للزواج ، صيانة لأعراض الفتيات والأزواج ، ولا يمكن أن يحصل ذلك ، إلا بتطبيق الرجال قول الله تعالى : " الرجال قوامون على النساء " ، والانصياع لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " [ أخرجه البخاري ] ، فالقوامة بيد الرجل ، والحل والربط بيد الرجل ، أما المرأة فهي تابعة لزوجها ، لا تخرج عن رأيه ومشورته قيد أنملة ، فلا يُترك لها زمام التصرف ، وخطام التفاوض ، فهذا غير مشروع ، لاسيما في وقتنا هذا ، الذي طغت فيه الفضائيات ، وتقليد الأفلام والمسلسلات ، حتى تغالت في المهور الأمهات ، وأرهق كاهل الشباب بطلبات ، تنوء بحملها الجبال الراسيات ، قال عليه الصلاة والسلام : " خير الصداق أيسره " [ أخرجه الحاكم ] ، وقال صلى الله عليه وسلم : " إن من يُمن المرأة ، تيسير خطبتها ، وتيسير صداقها ، وتيسير رحمها " [ أخرجه الإمام أحمد بسند جيد ] ، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " ألا لا تُغلوا في صُدُق النساء ، فإنه لو كان مكرمة في الدنيا ، أو تقوى عند الله عز وجل ، كان أولاكم به النبي صلى الله عليه وسلم " [ أخرجه الخمسة وغيرهم وهو أثر صحيح ] ، خمسون ألفاً مهراً ، وآلاف للأم طوعاً أو كرهاً ، فذلكم المهر كثير ، وعلى الشباب كبير ، وما يتبعه من هداياً وتبذير ، لهي أمور تنبئ عن شر خطير ، وهول مستطير ، فلا غرو أن يكون اليوم نكاح وغداً فراق ، ولا عجب أن يكون زواج يعقبه طلاق ، ولا غرابة أن يُكن الزوج لزوجته العداء ، فاتقوا الله أيها الآباء والأمهات ، ساهموا في بناء اللبنات ، سهلوا المهور ، يسروا الزواج ، كونوا قدوة صالحة ، ونواة طيبة ، فأين نحن عن أبي طلحة عندما تزوج أم سليم مقابل إسلامه ، ورجل تزوج بامرأة بما معه من القرآن ، يعلمها ويكون ذلك مهرها ، وتزوج صحابي بخاتم من حديد ، وآخر بوزن نواة من ذهب ، أين نحن عن تلكم الأمثال الرائعة ، والصفحات الناصعة ، لقد ضربوا لنا أروع المثل في شأن المهر وتسهيله ، والصداق وتيسيره ، فأفيقوا من غفلتكم ، واستيقظوا من رقدتكم ، يرحمكم ربكم ، ويغفر لكم ذنوبكم .
أخوة الإيمان : لقد عاينا عادات ، وباينا منكرات ، ما أنزل الله بها من آيات بينات ، فأين أنتم عن كتاب رب البريات ، وهدي نبي الهدى والرحمات ، لقد قُصمت الظهور ، وتعسرت الأمور ، بسبب كثير من التغيير والتغبير ، فليلة الحنا ، وليلة ثانية بعد الزواج ، وكوشة وإزعاج ، ومخالفات واتباع مزاج ، وأخطر من ذلك وأعظم ، وأشد منه وأطم ، ما يحدث في قاعات النساء من ألبسة خليعة ، وحركات مريعة ، تجلب الفجيعة والوجيعة ، وإننا لنخشى عقوبة الخالق جل جلاله ، حلويات وتمور ، يتمعر لها وجه الغيور ، نعم وخيرات ، تُرمى في سلات المهملات ، أموال تهدر ، ونقود تبعثر ، فلابد لهذا الدين ، من تطبيق وتمكين ، فأنشدكم الله أيها الأخوة في الله ، إلا وقفتم وقفة حازمة ، مع الله صادقة ، تأمرون بمعروف ، وتنهون عن منكر ، فما يحدث في أعراسنا ، وما يحصل في أفراحنا ، لنخشى عقوبته ، ونخاف تبعته ، نخشى أن تبدل النعم نقم ، وينتقم منا الجبار المنتقم ، قال المتفضل المنعم : { وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } فالاكتفاءُ بوليمة واحدةٍ ليلةَ الزفاف ، أحبّ للزّوجين وأسلم ، وأوفق لهدي الدين وأقوم ، إننا نرى تفاخراً بالأموال ، وتكاثراً بالأعمال ، إسراف وتبذير ، ووعيد من الجبار الكبير ، قال العلي القدير : { وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ } ، وقال سبحانه : { وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ } .
عباد الله : لقد أصبحت ليالي الملكة والتأليف ، ليال باهضة التكاليف ، وكأننا في يوم زواج وإعلان ، لا يوم ملكة وعقد قران ، تذبح فيها كثير من النعم والبهائم ، حتى أضحى الشر عائم ، فيكفي في مثل تلكم الليالي ، دعوة أهل العروسين للفرح والتسالي ، ومن كان لديه فضل مال ، فلا يسرف فيه وينهال ، قال رب العزة والجلال والقوة والكمال : { وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً } ، وتذكروا يا رعاكم الله ، تذكروا الفقراء والمساكين ، والأيتام المنكسرين ، والأرامل والمعوزين ، فقد قال القوي المتين : { وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ } ، فاتقوا الله رحمكم الله ، فقد سمعتم النقول ، فحكموا العقول ، واقبلوا بالمعقول ، أقول ما سمعتم وأسأل الله التوفيق والتأييد ، والجنة يوم المزيد ، وأعوذ به من كل شيطان مريد ، وأستغفر الله الحكيم الحميد ، فاستغفروه إنه هو الرحيم الرشيد .


الحمد لله وكفى ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يعلم السر وأخفى ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير الورى ، أكرم من وطأت قدماه الثرى ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه أهل التقى ، وسلم تسليماً كثيراً . . وبعد :
أيها الأخوة في الله : إنّ نزغَاتِ الشياطين ، وغفلات الآدميين ، لا يسلم منها أحد ، فربما زلّت القدم ، ونزل الندم ، إذ كلُّ بني آدم خطَّاء ، وخيرُ الخطّائين التوّابون ، فالوقوع في الزلل خطأ ظاهر ، والعود عنه نصر باهر ، ألا فاعلموا أنّ التوبةَ من الخطأ والزّلل الملام ، والرجوعَ عنه بشجاعةٍ وإقدام ، لهو المحمدةُ الحقّة ، والشجاعة المتمكِّنَة ، والنجاةُ من المغبَّة ، فإذا أيقنتم بذلك ، فهناك أخطاء ومغالطات ، ومصائب مدلهمات ، وسراديب مظلمات ، رتع فيها أناس ، أضاعوا الإحساس ، شعروا أم لم يشعروا ، فوقع الظلم والعدوان ، والجور والاستهجان ، على المرأة من بني الإنسان ، فأمر الله في كتابه ، والنبي صلى الله عليه وسلم في سنته ، والقول الأكيد ، الذي ليس عنه محيد ، أن للمرأة حق في الميراث ، فليس الميراث للرجل وحده ، ومن ظن ذلك أو اعتقده ، فقد فسد دينه ، وطار عقله ، وذهب لبه ، لأن الله جل وعلا يقول في كتابه : { يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ } ، فالمرأة لها نصف ميراث الرجل ، لأن الرجل هو المسؤول عن الإنفاق ، وهو المكلف بجلب المهر باتفاق ، أما المرأة فلا نفقة عليها ، ولا مهر عليها ، لذا كان نصيبها من الميراث النصف ، وللرجل الضعف ، هذه حكمة العظيم البالغة ، فيحرم هضم ميراث المرأة ، أو كتابة الوصية للذكور دون الإناث ، أو توزيع التركة بما يخالف الكتاب العزيز ، واعلموا أنه لا وصية لوارث ، كما صح الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فمن طغى وعصى ، وتعدى وبغى ، وظلم وهضم ، فإن كان على قيد الحياة ، فليسرع بتنفيذ أمر الله في العدل ، في العطاء والبذل ، ومن مات ، وأصبح عظاماً ورفات ، فعلى ورثته أن يتقوا الله في ميتهم ، ولا يعرضوه لسخط ربهم ، وعقوبة خالقهم ، فللذكر مثل حظ الأنثيين ، وليعيدوا الأمور إلى نصابها ، والحقوق إلى أهلها ، ولا تغرنهم زهرة الحياة الدنيا وزينتها ، فالله جل وعلا يقول : { مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ * أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } ، فالظلم في الإرث ، من أعظم الاعتراض على كتاب الله ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ألا ما أحوجَنا إلى الثقةِ بأمر الله ، والاعتدال في الرأي ، وتنسيقِ المواقف والإنصاف ، فلا يبقى في النّهايةِ إلا الحقّ ، ولا يصحّ إلا الصّحيح ، فاسعوا إلى الهدى والنور ، وانبذوا شعار الخور والفجور ، ولا تنتظروا أن يقودكم غيركم ، أو يُتصرف في شؤونكم ، فبادروا على بركة الله ، بتنفيذ أوامر الله ، وفق كتاب الله ، ومنهج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في الزواج والمهور والصداق ، والعدل في الإرث وعدم الاختلاق ، خذوا على أيدي السفهاء ، واكبحوا جماح النساء ، احذروا الإسراف ، ومراتع الإسفاف ، انتهوا عن التبذير ، ودعوا التقتير ، احذروا التصرف الأهوج ، والرأي الأعوج ، اهجروا ما يعرض عبر الشاشات ، وتقليد الكافرات ، اربئوا بأنفسكم عن النقيصة ، ومواطن الفضيحة ، فتلكم الخسارة الفادحة ، والرعونة الواضحة ، فهلا من رجل رشيد ، ذو رأي سديد ، يجمع الشتات ويقرب البعيد ، فالله الله ، أوصيكم بتقوى الله ، والخوف منه سبحانه ، فتقواه قائد إلى الجنان ، وخشيته دليل الإحسان ، فتوبوا إلى الله الواحد الديان ، ثم صلوا وسلموا على خير الأنام ، محمد عليه الصلاة والسلام ، فقد أمركم بذلك الملك العلام ، فقال في أعظم كلام : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً } ، اللهم صل وسلم على نبينا وحبيبنا محمد ، وعلى آله وأزواجه الأماجد ، وأصحابه والتابعين ومن تبعهم من الأقارب والأباعد ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، ودمر أعداء الدين ، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين ، اللهم آمنا في الأوطان والدور ، وأصلح الأئمة وولاة الأمور ، يا عزيز يا غفور ، اللهم احفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا ، وعن أيماننا وعن شمائلنا ، ومن فوقنا ، ونعوذ بك أن نغتال من تحتنا ، برحمتك يا أرحم الراحمين ، اللهم أعتق رقابنا من النار ، يا عزيز يا غفار ، اللهم ارحم آباءنا وأمهاتنا ، واغفر لهم الذنوب والخطايا ، واحفظهم من الأدواء والبلايا ، اللهم ارحمهم كما ربونا صغاراً ، وزدهم كرامة ووقاراً ، وغفراناً مدراراً ، اللهم ارزقنا برهم وطاعتهم ، واغفر لهم بعفوك وتقبل طاعتهم ، يا سميع الدعاء ، يا ذا المن والعطاء ، اللهم وفقنا لما تحب وترضى ، ووفقنا لليسرى ، وجنبنا العسرى ، واغفر لنا في الدنيا والأخرى ، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى ، والعفاف والغنى ، ومن العمل والقول ما تحب وترضى ، اللهم ألف بين قلوبنا ، واجعلنا أخوة متحابين ، ولا تشمت بنا الأعداء ولا الحاسدين ، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى ، وخذ بناصيته للبر والتقوى ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة ، وقنا عذاب النار ، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ، لا إله إلا الله المنان ، علا ذكره في كل زمان ومكان ، سبحان الله الواحد الديان ، سبحان من سبح له من في السهول والوديان ، سبحانه عدد السكون والجريان ، فاذكروه يذكركم ، واشكروه يزدكم ، سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين .


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
يحيى الزهراني
  • رسائل ومقالات
  • مسائل فقهية
  • كتب ومحاضرات
  • الخطب المنبرية
  • بريد الشيخ
  • الصفحة الرئيسية