اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/Doat/wadah/2.htm?print_it=1

القراءة .. بين العزوف والفوضوية

وضاح بن هادي
@wadahhade

 
بسم الله الرحمن الرحيم


تنتاب الحالة القرائية في مجتمعاتنا العربية اليوم – وفي ظل الثورة المعلوماتية – إشكاليتان أحدهما أشد قساوة من الأخرى :
تتقدمها إشكالية العزوف الملحوظ؛ كما تؤكده الدراسات المسحية سواء العربية منها أو الغربية بين الفرد العربي والكتاب أيّا كان طيفه وسنّه، ولازالت الدراسات والمقالات والمؤتمرات والجهود المجتمعية والمؤسساتية وأيضا الحكومية تحاول تضييق الخناق على هذه الظاهرة المقلقة والخطيرة ..

ومن الواقعية والإيجابية أيضا أن نقول : أن تلك الجهود المتضافرة - على شتاتها وتناثرها – مخّضت لنا عودة - ولو كانت متأخرة وركيكة – لأصل الصدارة الأممية المنطلقة من أول كلمات دستورنا الكريم ‘اِقرأ‘ ..
فأصبحنا نشهد حِراكا شبابيا ثقافيا، عبر الأندية والملتقيات ومواقع التواصل الاجتماعي، بل وأضحينا نلمس غيرةً وحرصا من قبل المعنيين بالمسئولية الأسرية أباً كان أو أمّاً للسؤال عن تنشئة أطفال قُرّاء ..

إلا أن هذه العدسة المشرقة لا تزال تنتابها إشكالية أخرى؛ قد تعادل مرارة الإشكالية الأولى، وربما أشد، وتتمثل في الفوضى وعدم المنهجية القرائية، فأضحى لدينا من شبابنا من يرى أن لديه الجدارة لأن يقرأ كل ما يقع في يده ..

وشخصيا واجهت سؤالا مرةً من شاب لم يطّر حتى شعر شاربه، يسألني : عن رأيي في قراءته للتوراة والإنجيل!!..

إضافة إلى ما تلمسه من إقبال شرائي وقرائي على جديد الروايات، الجنسية منها أو الخيالية أو حتى الدرامية، وباتفاق قُرّاء الإنسانية على أن الروايات غالبها، ومنها ما ذكرنا قد تصنع متعة أو نشوة مؤقتة، لكنها لا تصنع ثقافة ومعرفة مرجوّة ..

صورة كذلك من صور الفوضى المنهجية تلحظها في العشوائية الشديدة التي تكتنف عملية شراء الكتب، فلا هدف محدد، ولا منهج واضح يُنظّم العملية الشرائية؛ ولذا يكاد لا يُفارقني سؤال من مجهول لا أعرف احتياجه، ولا مستواه المعرفي، ولا حتى مبتغاه (ما الكتب التي تنصحني بشرائها؟)، ودائما ما يكون جوابي مفاجئا لسائلي، كمفاجئته لي بسؤاله، بأنني لا أستطيع أن اُجيبك بماذا تقرأ؛ إلا إذا أجبتني ما النقض الذي تُعاني منه ..

وفي ظني أن قدرة السائل والمسئول على معرفة ذلك النقص، هي أحد أهم محددات القضاء على تلك الفوضى التي نشهدها بين شبابنا اليوم؛ ثم ما الذي نريده من قراءاتنا؟ تسلية، أم اطلاع، أم نقد، أم تحسينٍ لقاعدة الفهم لدينا في مجالٍ ما؟ ثم كيف لنا أن نختار مجال قراءاتنا؟ وكيف لنا أن نختار الكتب التي تستحق أن تُقرأ في هذا المجال أو ذاك؟ ..

ولذا لا عجب أن ترى وتسمع من يتفاخر بعلاقته الحميمية ما بينه وبين الكتاب؛ إلا أن تلك العلاقة لم تُحدِث لديه أي تقدّم معرفي أو عقلي مأمول، وكل ذلك دلالة إخفاق في بناء المنهجية الصحيحة لتسيير تلك العلاقة كما يُراد لها أن تكون ..

وبإمكان الأمة اليوم أن تلئم الفجوة المعرفية لخدمة الإنسانية؛ متى ما أخذ قوّادها وروّادها الزمام بإسداء النصح لشبابها وتوجيههم للمجالات المعرفية الملّحة لخدمة الأمة والإنسانية، بل ورسموا لهم الطريق في الترّقي في سلالم تلك المعارف للوصول للغاية الأممية التي نرجوها؛ وهذا في حقيقته لن يتأتى إلا بقراءات منهجية جادّة، سُلّمية تدرجية، ضمن خطط زمنية واضحة ومحددة ..

ومتى ما سخّر الشباب جزء لابأس به من يومه وليلته للترقي في تلك القراءات؛ سيُصبح لا محالة معرفة ومرجع يُشار إليه في مجال تخصصه، في غضون سنوات قد لا تتجاوز السبع أو ربما العشر ..

دمتم بود
 

وضاح هادي
  • القراءة
  • التربية والدعوة
  • مشاريع قرائية
  • قراءة في كتاب
  • تغريدات
  • أسرة تقرأ
  • الصفحة الرئيسية