اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/Doat/sudies/91.htm?print_it=1

بعض السنن والأحكام المتعلقة بعيد الأضحى

عبد الرحمن بن صالح السديس
@assdais

 
 بسم الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على عبده ورسوله محمد وآله وسلم تسليما، أما بعد

فهذه بعض السنن والأحكام المتعلقة بالعيد، وأسال الله أن يتقبل منا جميعا، ويجعلنا من الفائزين بفضله، الذين منّ عليهم بمغفرته، وأن يتم علينا النعمة بدوام طاعته، ويجعله عيد عز ونصر للأمة.

يوم عيد الأضحى هو يوم الحج الأكبر، وهو أفضل أيام السنة، فعن عبد الله بن قرط رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن أعظم الأيام عند الله تبارك وتعالى يوم النحر ثم يوم القر». رواه أبو داود، وصححه ابن خزيمة وابن حبان.

لا بأس بالتهنئة يوم العيد وقبله، فهي من باب العادات، ومردها لعرف الناس.
قال الإمام ابن تيمية في التهنئة يوم العيد: «قد روي عن طائفة من الصحابة أنهم كانوا يفعلونه .. وأما الابتداء بالتهنئة؛ فليس سنة مأمورا بها، ولا هو أيضا مما نهي عنه، فمن فعله فله قدوة ومن تركه فله قدوة». اهـ.

يستحب غسل العيد لهذه الأدلة:
عن ابن عباس قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل يوم الفطر ويوم الأضحى». رواه ابن ماجه، لكنه ضعيف.
ولقياسه على الجمعة، فكلاهما عيد واجتماع، والمعنى فيهما واحد.
ولقول علي رضي الله عنه حين سأله رجل عن الغسل؟ قال: «اغتسل كل يوم إن شئت، فقال: الغسل الذي هو الغسل؟ قال: يوم الجمعة، ويوم عرفة، ويوم النحر، ويوم الفطر». رواه الشافعي وابن أبي شيبة بسند صحيح.
وفي الموطأ أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما «كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو إلى المصلى». وهو صحيح.

قال العلامة ابن عقيل رحمه الله في غسل العيد: «المنصوص عن أحمد أنه قبل الفجر وبعده؛ لأن زمن العيد أضيق من وقت الجمعة، فلو وقف على الفجر= ربما فات، ولأن المقصود منه التنظيف، وذلك يحصل بالغسل في الليل لقربه من الصلاة». اهـ.
وقيل: إن اغتسل قبل الفجر= لم يصب سنة الاغتسال.
قال ابن قدامة: «الأفضل أن يكون بعد الفجر، ليخرج من الخلاف، ويكون أبلغ في النظافة، لقربه من الصلاة».

في الصحيحين عن عمر رضي الله عنه أنه رأى حلة من إستبرق تباع بالسوق.. فقال: «يا رسول الله، ابتع هذه فتجمل بها للعيد».
فقد تقرر عندهم لبس أحسن الثياب في العيد.
وروى البيهقي أن ابن عمر كان يلبس في العيدين أحسن ثيابه. وسنده صحيح.

وفي الصحيحين واللفظ لمسلم من حديث أبي سعيد الخدري  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «غسل يوم الجمعة على كل محتلم، وسواك، ويمس من الطيب ما قدر عليه».
قال الإمام مالك: سمعت أهل العلم يستحبون الطيب والزينة في كل عيد.

الغسل واللبس الحسن يفعله بعض الناس عادة= فافعله سنة واتباعا وطلبا للثواب.

روى الشافعي في «كتاب الأم»: من طريق التابعي سعيد بن المسيب قال: «كان المسلمون يأكلون في يوم الفطر قبل الصلاة، ولا يفعلون ذلك يوم النحر». وسنده صحيح.
عن بريدة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يأكل يوم الأضحى حتى يرجع فيأكل من أضحيته»، وفي رواية: «حتى ينحر»، و«حتى يصلي». وصححه بعض المتأخرين.
وقال الحاكم في «المستدرك» بعد رواية حديث بريدة وتصحيحه: «هذه سنة عزيزة من طريق الرواية، مستفيضة في بلاد المسلمين».
وجاء في رواية في حديث بريدة: «فيأكل من كبد أضحيته»، ونص الإمام إسحاق بن راهويه أنه سنة. واستحبه طائفة من فقهاء المالكية الشافعية والحنابلة.

عن ابن عمر، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج إلى العيد ماشيا، ويرجع ماشيا». رواه ابن ماجه.
وروى الترمذي عن علي رضي الله عنه قال: «من السنة أن تخرج إلى العيد ماشيا».
ولكنهما ضعيفان.
لكن قال الترمذي: أكثر أهل العلم يستحبون أن يخرج الرجل إلى العيد ماشيا.

عن ابن عمر «أنه كان يغدو يوم العيد، ويكبر ويرفع صوته، حتى يبلغ الإمام». رواه ابن أبي شيبة بسند حسن.
وروى أيضا بسند صحيح عن الإمام التابعي ابن شهاب الزهري ، قال: «كان الناس يكبرون في العيد حين يخرجون من منازلهم حتى يأتوا المصلى، وحتى يخرج الإمام، فإذا خرج الإمام سكتوا، فإذا كبر كبروا».

وليس للتكبير صفة خاصة، وقد روي عن بعض الصحابة: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد. وروي التكبير ثلاثا، وقد استحب كل صفة من هذه طائفة من العلماء، وكله حسن، والأمر واسع.

وفي الصحيحين عن ابن عباس: «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوم الفطر ركعتين لم يصل قبلها ولا بعدها».

وكان يصليها في مصلى العيد في الصحراء.
وينتبه إلى أنه من بعد صلاة الفجر إلى بعد طلوع الشمس بعشر دقائق تقريبا=وقت نهي عن الصلاة، فإذا حضرت لمصلى العيد وهو الصحراء في هذا الوقت= فلا يجوز أن تصلي ركعتين، أما إن كان في مسجد= فتشرع تحية المسجد عند طائفة من الفقهاء ولو في وقت النهي؛ لأنها من ذوات الأسباب.

صلاة العيد من شعائر الإسلام الظاهرة العظيمة، وفيها شهود اجتماع المسلمين وصلاتهم ودعوتهم، وقد اختلف أهل العلم في حكمها، فمنهم من يرى أنه فرض على الأعيان، وهو مذهب أبي حنيفة ورواية عن أحمد اختارها ابن تيمية وابن القيم وابن سعدي وغيرهم.
ومنهم من يرى أنها فرض كفاية وهو ظاهر مذهب الحنابلة وقول بعض الشافعية.
وقال بعضهم هي سنة مؤكدة، وهو قول المالكية وأكثر الشافعية.

ففي الصحيحين عن أم عطية، قالت: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن نخرجهن في الفطر والأضحى: العواتق، والحيض، وذوات الخدور، فأما الحيض فيعتزلن الصلاة، ويشهدن الخير، ودعوة المسلمين، قلت: يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب، قال: «لتلبسها أختها من جلبابها».
وفي لفظ للبخاري: «كنا نؤمر أن نخرج يوم العيد حتى نخرج البكر من خدرها، حتى نخرج الحيض، فيكن خلف الناس، فيكبرن بتكبيرهم، ويدعون بدعائهم يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته».

وعلى المرأة اجتناب الزينة والطيب، ففي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيبا».

وإذا أرادت الخروج متطيبة ومتزينة؛ فيجب أن تمنع، قالت عائشة رضي الله عنها: «لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ما أحدث النساء لمنعهن المسجد كما منعت نساء بني إسرائيل». متفق عليه.

ويقول المصلي بين كل تكبيرتين من التكبيرات التي قبل القراءة: (الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم تسليما كثيرا)، روي هذا عن ابن مسعود واحتج به الإمام أحمد.
والذكر بين التكبيرات غير مخصوص بهذا فلو سبح وهلل، أو دعا وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم= فلا حرج، ومن أهل العلم من يرى أن تكون التكبيرات متتابعة ولا ذكر بينها.

اختار ابن تيمية وابن القيم وابن سعدي وغيرهم أن خطبة العيد تُبدأ بالحمد لا بالتكبير؛ لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه افتتح خطبة بغير الحمد.

خطبتا العيد سنة لا يجب حضورها ولا استماعها، لكن في حضورها خير كثير، وشهود لدعوة المسلمين والتأمين عليها، والاستماع للذكر.
فعن عبد الله بن السائب، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى العيد، قال: «من أحب أن ينصرف فلينصرف، ومن أحب أن يقيمَ للخطبة فليُقمْ». رواه أبو داود والنسائي واللفظ له، وغيرهم، وصححه الحاكم.

يسن للخطيب أن يخفف الخطبة، ويقرأ في الصلاة بـ(سبح) و(الغاشية)، ففي صحيح مسلم عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في العيدين، وفي الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى، وهل أتاك حديث الغاشية».
أو (ق) و(القمر)، ففي صحيح مسلم عن أبي واقد الليثي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ يوم العيد بـ (اقتربت الساعة)، و(ق والقرآن المجيد).

ولعله اختار صلى الله عليه وسلم سورة ق والقمر لما فيهما من تقرير الأصول العظيمة من الإيمان والبعث والقدر ومصير المكذبين وجزاء المؤمنين..

وفي الصحيحين أن خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في العيد، كان فيها بيان حرمة دماء المسلمين وأعراضهم، وأمرهم بتبليغ ذلك، وذكرهم لقاء ربهم وأنه سيسألهم عن أعمالهم.

وكان في خطبته أيضا: «فأمر بتقوى الله، وحث على طاعته، ووعظ الناس وذكرهم، ثم مضى حتى أتى النساء، فوعظهن وذكرهن، فقال: تصدقن، فإن أكثركن حطب جهنم». متفق عليه، واللفظ لمسلم.

وكان صلى الله عليه وسلم يعلم الناس ما يحتاجونه كما فعل ذلك في عيد الأضحى كما في الصحيحين، فيسن للخطيب أن يبين ما يحتاجه الناس من فقه في هذا اليوم.

قال ابن القيم: كانت خطبته صلى الله عليه وسلم، إنما هي تقرير لأصول الإيمان من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله ولقائه، وذكر الجنة والنار، وما أعد الله لأوليائه وأهل طاعته، وما أعد لأعدائه وأهل معصيته، فيملأ القلوب من خطبته إيمانا وتوحيدا، ومعرفة بالله وأيامه..

ويلاحظ في صلاة العيد أن كثيرا من المصلين يجهرون بالتكبيرات مع الإمام في الصلاة كجهرهم بالتأمين! وهذا غير مشروع، بل يكبرون سرا كبقية التكبيرات.

من فاته بعض صلاة العيد يقضيه على صفته. أي يكبر التكبيرات الزوائد.

وإن فاتته صلاة العيد استحب له أن يقضيها على صفتها، كما صلاها الناس، يكبر في الأولى بعد تكبيرة الإحرام ست تكبيرات، وفي الثانية غير تكبيرة القيام خمس تكبيرات.

في البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق» يعني: ذهب من طريق ورجع من آخر.
وقد التمس العلماء حِكما كثيرة لهذا الفعل.. وقد سرد منها المرداوي في «الإنصاف» بضعة عشر حكمة!

بعد صلاة العيد يستحب المبادرة بذبح الأضحية، والسنة أن يتولاها صاحبها، وله أن يوكل في ذبحها، والأفضل إن وكل أن يشهد ذبحها..
ولو أخر الذبح إلى الليل جاز، وإن كان بعض العلماء قد كرهه، ويستمر وقت الذبح إلى نهاية عصر يوم 13 من ذي الحجة.

ولا يجزئ الذبح قبل صلاة العيد، ففي الصحيحين عن البراء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من ضحى قبل الصلاة، فإنما ذبح لنفسه، ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه، وأصاب سنة المسلمين».
والعبرة بوقت جواز الذبح بالمكان الذي تذبح في الأضحية، لا في مكان إقامة صاحبها، فمثلا: قد يكون صاحب الأضحية في بلد، وأضحيته في بلد آخر يسبقه في التوقيت.

ومن آداب الذبح:
ما روى شداد بن أوس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحد أحدكم شفرته، فليرح ذبيحته». رواه مسلم.
قال ابن قدامة في «المغني»: «ويكره أن يسن السكين والحيوان يبصره...
ويكره أن يذبح شاة والأخرى تنظر إليه.
ويستحب أن يستقبل بها القبلة». اهـ

ويجب أن يسمي عند الذبح؛ لقوله تعالى: {وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما أنهر الدم، وذكر اسم الله= فكل». متفق عليه.
فإن نسي التسمية؛ فالذبيحة حلال عند جماهير العلماء من السلف، والمذاهب الأربعة.

ويستحب التكبير مع التسمية ففي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه، قال: «ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين، ذبحهما بيده، وسمى وكبر، ووضع رجله على صفاحهما».

ويستحب أن يقول اللهم تقبل مني، ففي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عند الذبح: «باسم الله، اللهم تقبل من محمد، وآل محمد..».

وإن لم يباشر ذبحها؛ فليتأكد أن الذابح مسلم أو من أهل الكتاب ويذكر اسم الله، قال الله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ}. يعني: ذبائحهم. ومفهوم الآية تحريم ذبائح غيرهم من الكفار.

ولا يعطي الجزار منها شيئا مقابل ذبحه، ففي الصحيحين عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «ولا تعطي في جزارتها منها شيئا».

أكثر أهل العلم من المذاهب الأربعة وغيرهم (يستحبون) أن يُتصدق من الأضحية بالثلث فأكثر.
قال الإمام أحمد: «نحن نذهب إلى حديث عبد الله: يأكل هو الثلث، ويطعم من أراد الثلث، ويتصدق على المساكين بالثلث». يعني ابن مسعود، وروي معناه عن ابن عمر رضي الله عنهم.

قال الله تعالى: (وأطعموا البائس الفقير) وقال تعالى: (وأطعموا القانع والمعتر).
قال القرطبي في «تفسيره»: «كلما كان التصدق بلحم الأضحية أكثر= كان الأجر أوفر».

في الصحيحين من حديث عدد من الصحابة رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يوم العيد.

في فتاوى اللجنة الدائمة:
تخصيص زيارة القبور بالأعياد بدعة.
(ابن باز، عفيفي، ابن قعود، الغديان)

يوم العيد يوم فرح وشكر لنعمة الله على ما شرع لعباده من مواسم الطاعة، فالحذر من المعاصي، وفي الإنس المباح والمجالس الطيبة فسحة، قال الله تعالى: (ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها)، وفي الحديث الذي رواه الترمذي وصححه: «أتبع السيئة الحسنة تمحها» لا العكس!

اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

والله أعلم، وصلى الله على عبده ورسوله محمد.

 

عبد الرحمن السديس
  • مقالات متنوعة
  • فوائد حديثية
  • مسائل فقهية
  • فوائد تاريخية
  • مسائل عقدية
  • الصفحة الرئيسية