صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







اعقل ما تقول

سلمان بن يحي المالكي
slman_955@hotmail.com

 
ـ اللسان نعمة جليلة، ومنحة إلهية عظيمة، وهو مع ذلك مخلوق صغير، ذو حدين، سلاح فتاك خطير، لذا: جاء الإسلام بحفظه ورعايته، ونهى عن أشياءَ ذميمةْ مما تتحركُ به ألسنةُ الناس، لفحشها وقبحها عند الله عز وجل وعند الخلق، هذا اللسان من أعظم الجوارح خطورة؛ إذْ هو أسرع الأعضاء حركة وأسهلها تقلبا، فلا شيء أسرع وأسهل حركة منه، ولهذا كان الزلل بهذا العضو وهذه الجارحة من أعظم الزلل وأكبره عند الله عز وجل، وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم من أكبر الأسباب التي تكُبُ الناسَ في النار وترميهم فيها حصائد ألسنتهم ونتائج كلامهم فقال "وهل يَكُبُّ الناسَ في النار على وجوههم أو قال: على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم" وأخبر صلى الله عليه وسلم " إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى، ما يظن أن تبلغَ ما بلغت [أي: لا يقِّدرُ خطورتها] فيكتُبُ الله عليه بها سخطه إلى يوم القيامة" [رواه أحمد] وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا النَّجَاةُ ؟ قَالَ: أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ، وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ" [رواه الترمذي] وأخبر عليه الصلاة والسلام" أن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأساً، يهوي بها سبعين خريفاً في النار" [رواه الترمذي] فهذا المتكلم لا يرى فيها كلمته التي ألقاها بين الناس وخرجت من فيه بأساً، ويظن أنه لا شيء فيها، ولكنها في الحقيقة تهوي به سبعين خريفاً في نار جهنم نسأل الله العفو والعافية، ولذلك كان لا بد من المحافظة عباد الله على هذا اللسان، وتسخيره في مجالات الخير من إصلاح ودعوة وطلب علم وذكر لله عز وجل إلى غير ذلك مما ينفع في الدنيا والآخرة.

ـ إننا لو تأملنا في ألفاظ الناس اليوم وما يتكلمون وتتلفظ به ألسنتهم، وجدنا أنها ألفاظ عامة مسْتشْنعة بشعة، أو أنها مخالفةٌ للأدب الإسلامي الرفيع، وربما وصل بها الحد إلى أن تمسَّ العقيدةَ والتوحيدَ الخالص، وإذا تأملت ودققت النظر فيها عرفت مصدر الخطرِ وعِظَم الأمر وجهل المتكلمين بما يقولون، وبعضُ هذه الألفاظِ التي يستخدمها العامة، ورد فيها النهي الصريح، والحرمة الأكيدة، وسوف نضربُ في هذه الخطبة بعضَ الأمثلةِ على ما يتداولُه الناسُ اليوم في كلامهم وما تلوكوه ألسنتهم، ومن هذه الأمثلة:
1. دعوتُ كثيرٍ من الناس لأنفسهم ولغيرهم بقول " اللهم اغفر لفلان إن شاء لله" أو " اللهم ارحم فلان إن شاء الله" وهذه من الألفاظِ والدعواتِ المنهيةْ عنها المنتشرةِ بين الناس، وقد جاء في الحديث الصريح الصحيح، النهيُ عن التلفظ بمثل هذه الدعوات وما شابهها، والعلة في النهي لا لذات الدعوة، وإنما لقرن الدعاء بالمشيئة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "لا يقول أحدُكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، اللهم ارزقني إن شئت، ليعزم في المسألة[ أي: ليقول: اللهم اغفر لي فقط] فإن الله لا مكره له" [رواه أحمد].

2. ومن ذلك أيضا: فإن بعض الناس إذا أراد أن يحلف أو يعزم على نفسه في مسألة ما قال: أنا بريء من الإسلام لو فعلت كذا، أو: أنا يهودي أو نصراني إن فعلت كذا، يريد أن يمنع نفسه من الوقوع في هذا الأمر بعزم وقوة، أو يثبت للآخر صدقه في الكلام، وهذا لفظ خطير، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح الذي رواه النسائي عن بريدة رضي الله عنه" من قال: إني بريء من الإسلام، فإن كان كاذباً فهو كما قال، وإن كان صادقاً لم يعد إلى الإسلام سالماً" [أي: سيناله شيء من الخدش في العقيدة بسبب كلامه] وبعض الناس يحلف بغير الله تعالى، كأن يحلف بالأمانة، فيقول مثلا: والأمانةْ ما فعلت كذا، أو يحلِّفَ شخصا فيقول له: بأمانتك حصل كذا وكذا.. إلخ، والنبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح" من حلف بالأمانة فليس منا" [رواه أبو داود] ومنهم من يحلف بشرفه أو بالنبي وحياته وجاهه، وهذه كلُها من الألفاظ المحرمة، وقد قال عليه الصلاة والسلام "من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك" .

3. ومن ذلك أيضا: أن بعض الناس يقول في عباراته أشياءَ تتضمن شركا صريحا؛ كقولهم: لولا فلانٌ ما حصل كذا، لولا الله وفلان ما نلت الوظيفة، أنا بالله وبك، أو أنا في جوار الله وجوارك، أو أنا في وجه الله ووجهك، أو يقول: أنا متوكل على الله وعليك، وهذا من الكلام الشنيع المحرم، وإنما الصحيح أن يقول: لولا الله ثم فلان، أنا معتمد على الله ثم عليك، وقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له " ما شاء الله وشئت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أجعلتني لله نداً [أي: أساويت مشيئتي بمشيئة الله] قل: ما شاء الله وحده" .

4. ومما يقع فيه كثير من الناس عباراتُ سب الدهر، كأن يقول أحدهم: يا خيبة الدهر، أو يقول: لعنة الله على الساعة أو اليوم أو السنة التي حدث لي فيها كذا وكذا، وهذا فيه سبب لله تعالى، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال" قال الله تعالى: يؤذيني بن آدم يسبُ الدهرَ وأنا الدهرْ، بيدي الأمرُ أقلب الليل والنهار" [رواه أبو داود] وقال عليه الصلاة والسلام" لا يقولن أحدكم: يا خيبة الدهر، فإن الله هو الدهر" [رواه أحمد].

5. ومما يقع في ألفاظ بعض العامة: مغالاتهم في المخلوقين ورفعهم فوق منزلتهم؛ كتسييدهم، كقول أحدهم: سيدي فلان، أو يا مولاي فلان، فهذا اللفظ حرام لا يجوز، ويعظم حرمة إذا كان نداءً للمنافق أو الفاجر أو المبتدع أو العاصي الفاسق، لقول النبي صلى الله عليه وسلم "لا تقولوا للمنافق: يا سيد، فإن قلتم ذلك فقد أغضبتم ربكم" [رواه النسائي] ولذلك: ما يقع عند بعض الناس من الكتابة على الرسائل أو الخطابات، السيد فلان، أو في الفواتير التجارية: السادة شركة كذا وكذا، هذا من المنهي عنه، وإنما الأصل أن يستعيض عنها بكلمة: المكرم فلان، أو حضرة فلان، إلى غير ذلك.

6. ومما نهى الشرع عنه تحية المسلمين بعضهم لبعض بتحيات الجاهلية، فقد رد الإسلام تحيات الجاهلية وتهنئاتها وتسمياتها ومسمياتها وعاداتها، حرصا منه حتى لا يقع المسلمون في مشابهة الكفار وأحوال الجاهلية، ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم المسلم أن يقول لأخيه: أنعم صباحاً، أو أنعمت صباحاً، وما شابه ذلك من الألفاظ؛ لأنها من تحيات الجاهلية، وإنما يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أو يقول: مرحباً وأهلاً، كما قال صلى الله عليه وسلم لابنته فاطمة "مرحباً بابنتي فاطمة" إلى غير ذلك من الألفاظ الحسنة الطيبة التي لا يُعلم فيها اختصاص بالكفار، فمتى عُلم اختصاصها بالكفار فلا يجوز التلفظ بها وإن كانت حسنة في ظاهرها، ولذلك نهى الإسلام عن أن يُهنئ المتزوج: بالرفاء والبنين، وإنما يقال "بارك الله لكما، وبارك عليكما، وجمع بينكما في خير".

7. ومما يقع في ألفاظ الناس: الدعاء بطول العمر والبقاء، فتجد أحدهم يقول: أطال الله بقاءك، أو أطال الله عمرك، أو أدام الله أيامك، وهذا اللفظ مكروه، ولما سئل الإمام أحمد عن الدعاء بطول العمر؟ كرهه، وقال: إنه أمر قد فُرغ منه[ أي: أن عمره قد كتب وهو في بطن أمه] أو يقولَ بعضهم في جوابٍ على كلمة حياك الله، أبقاك الله، أو: الله يبقيك، ويكفي أن في هذه الكلمة ونظائرها اعتراض على الله في الدعاء، فلا باقي إلا هو" كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرَامِ" .

8. ومما يقع في ألفاظ العامة: رجاؤهم وتعلقهم بغير الله عز وجل، فتجد أحدهم في لحظة الحرج ولحظة الشدة، يقول للآخر: أرجوك رجاءً حاراً، أو رجاءً خاصاً أو غير ذلك من ألفاظ الترجي، بينما من المفروض أن يتوجه في هذه الحالة إلى الله تعالى لأنه هو الذي يُرجى وحده عز وجل؛ لإزالة الضر وكشف الكربة وإزالة الخطر، وإن كان لا بد قائلا فليقل: أرجو الله ثم أرجوك، وهذه اللفظة " أرجوك" ليست محرمة، فإن رجا المسلم لأخيه المسلم في شيء يستطيع فعله لا حرج فيه، أما إنْ رَجَاه في عملٍ لا يقدر عليه إلا الله، فهذا هو المحرم، ولهذا تجد بعض الأمهاتِ الفارغاتِ قلوبَهن من الإيمان والتوحيد، وبعضُ الآباء الذين استزلّهم الشيطان، إذا ذهبوا بولدهم إلى الطبيب في حالة خطيرة، قالوا له: يا دكتور! أرجوك أنقذ ولدي أو بنتي، أو اشفي مريضي، وهذا مما لا يستطيع عليه الإنسان.

9. ومما يقع في ألفاظ الناس قولهم: شاءت الظروف، أو شاءت الأقدار، وفي هذا مخالفة صريحة للتوحيد والعقيدة، لأن الظروف والأقدار ليست لها مشيئة، إنما هي مشيئة الله تعالى وحده فيها.

10. ومن التسميات المخالفة للعقيدة أيضا تسمية بعض الناس الورود والأزهار التي تتوجه للشمس حيال الشروق أو الغروب بعباد الشمس، أو عبادة الشمس، وهذا لفظ ممقوت، فليس في الوجود معبود سوى الله تعالى.

11. ومما يتلفظ به كثير من الناس قولهم: ما صدقّت على الله أن يحدث كذا، أو: ما صدقّت على الله أن تنتهي المشكلة، أو: أنجو من الحادث، وهذه العبارة من العبارات المشكلة الموهمة للسامع، فإما أن يقصد المتكلم من ورائها: الشك في قدرة الله، لأنه إذا قال: ما صدقت على الله أن يفعل كذا، كأنه يشك في قدرة الله ثم حصل ما أراد، وإما: أن يكون في هذه العبارة سوءُ ظنٍ بالله، كأن هذا القائل يقول: ما ظننت أن الله يخلصني من هذه المشكلة، أو ينجيني من هذا الحادث، وهذا يعني سوء ظن بالله عز وجل، وإن كان كثيرٌ من الذين يقولون هذه العبارة لا يعنون المعنى الفاسد والباطل، لكن لا بد من التصحيح والتنبه لمثل هذه العبارات، فالأولى أن يقول المسلم: ما صدقت أن يحدث كذا، ما ظننت أن يحدث كذا.

12. وكذلك من الألفاظ المنهية: ما يتقوله أهل البادية إذا جئته وسألته: كيف حالك؟ رد عليك: الله (ينشد) عن حالك، أو الله يسأل عن حالك! يقولونها للشخص إكراما له لما سأل عن حالهم، وهذه لفظة خاطئة تخالف المفهوم الصحيح للعقيدة، فالله عز وجل يعلم العلم كله، فلا يحتاج إلى سؤال عن أحد.

13. ومما يقع في ألفاظ العامة أيضا قولهم: لا حول لله، اختصار لعبارة: لا حول ولا قوة إلا بالله، أو قول بعضهم عند التكبير: الله أكبار بمد التكبير، والأكبار جمع كبر وهو الطبل، فإذا قلت: الله أكبار كأنك تقول: الله طبول، أو اختصار ما يقوله بعض الناس في تحيتهم لبعضهم: كالله بالخير، أو ساك الله بالخير، أو الله بالخير ونحو ذلك، وهذا خطأ فادح، لأن هذه الكاف كاف التشبيه، فكأنك تشبه الله تعالى، والله جل وعلى منزه عن الشبيه والنظير، فهذه من الألفاظ القبيحة لأن في اختصارها تغييراً وتحريفاً.

14. ومما يقع أيضا من الألفاظ ما ينبغي تركه أدبا لله تعالى كعبارة: تحياتي لفلان، أو أبلغ فلان تحياتي، قال العلماء: لا يُعلم أن أحدا جمع التحية بالتحيات إلا لله وحده في التشهد: التحيات لله، فينبغي ترك هذا اللفظ أدبا مع الله تعالى،

ـ يقع في ألفاظنا وعباراتنا تساهلاتٍ شنيعة تؤدي إلى قضايا خطيرة، إذا اعتقدها الإنسان ربما تخرجه من الملة، وإذا قلنا وذكرنا هذه التحذيرات لا نقول: إن كلَّ من تلفّظ بها فقد كفر، حاشا وكلا، حتى وإن كانت العبارة نفسها كفرا، لأن كثيراً من القائلين بهذه الألفاظ لا يقصدون معانيها، لا تنعقد قلوبهم بها، فلا بد أن نحذر ونصحح ألفاظنا، وإن لم نقصد حقيقة المعنى، فالقضية واسعة ومتشعبة، وهناك ألفاظ وأمثال مخالفة للعقيدة مخالفة صريحة، أو فيها سوء أدب مع الله عز وجل، فينبغي علينا أن ننقح وندقق في ألفاظنا وما تخرجه ألسنتنا، اللهم طهر قلوبنا من الرياء، وألسنتنا من النفاق، وأعمالنا من الكذب..


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
سلمان المالكي
  • مـقـالات
  • رفقا بالقوارير
  • المرأة والوقت
  • الخطب المنبرية
  • إلى أرباب الفكر
  • وللحقيقة فقط
  • الهجرة النبوية
  • فتنة الدجال
  • الصفحة الرئيسية