صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







سياسة فقه الأزمات [ عام الرمادة أنموذجا ]

سلمان بن يحي المالكي
slman_955@hotmail.com

 
وقعت أزمة في عهد عمر رضي الله عنه في أواخر سنة 17هـ، وبداية عام 18هـ ، تمثلت في حصول قحط شديد بين الناس في أرض الحجاز، حتى تجمع في المدينة من غير أهلها قرابة الستين ألفا من العرب، فقلّ الطعام، وجفت ينابيع الأرض، وغارت مياه الأبار، حتى كانت الوحوش تأوي إلى الناس، وكان الناس يحفرون نفق اليرابيع والجرذان، ليأكلوا ما فيها من حشرات، وحتى جعل الرجل يذبح الشاة فيعافها من قبحها وإنه لمقفر، ودامت هذه الأزمة تسعة أشهر، أياما بليالي، حتى سمي العام الذي وقعت فيه عام الرمادة، فكانت الريح تأتي على الأرض فلا تُسْفي إلا ترابا كالرماد، وقيل: أصبحت الأرض سوداء كالرماد من قلة المطر، وقيل: تغيرت ألوان أجساد الناس فكانت شبيهة بالرماد، حتى نحل جسم عمر واسود لونه رضي الله عنه، فما أن وقعت ونزلت بساحة المسلمين حتى اتخذ عمرُ التدابير اللازمة والمواقف النبيلة في حلها وإدارتها، فما هي التدابير التي اتخذها عمر لحل هذه الأزمة؟

أولا: لقد حث الناس على كثرةِ الصلاة والدعاء واللجوء إلى الله، قال ابن سعد في الطبقات من خبر عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "كان عمر بن الخطاب أحدث في عام الرمادة أمراً ما كان يفعله، لقد كان يصلي بالناس العشاء، ثم يخرج حتى يدخل بيته، فلا يزال يصلي حتى يكون آخر الليل، ثم يخرج فيأتي الأنقاب [أطراف المدينة] فيطوف عليها، وإني لأسمعه ليلة في السحر وهو يقول: اللهم لا تجعل هلاك أمة محمد على يدي" وأخرج أيضا من خبر سليمان بن يسار قال: "خطب عمر بن الخطاب الناس في زمن الرمادة، فقال: أيها الناس اتقوا الله في أنفسكم، وفيما غاب عن الناس من أمركم، فقد ابتليت بكم وابتليتم بي، فما أدري السخطى عليَّ دونكم، أوعليكم دوني، أوقد عمتني وعمتكم، فهلموا فندع الله يصلح قلوبنا، وأن يرحمنا، وأن يرفع عنا المحل، قال: فرئي عمر يومئذ رافعاً يديه يدعو الله، ودعا الناس، وبكى وبكى الناس ملياً، ثم نزل" وكان يقول: اللهم لا تهلكنا بالسنين[أي بالقحط] وارفع عنا البلاء، يردد هذه الكلمة، وكان ينادي في الناس: أيها الناس استغفروا ربكم ثم توبوا إليه وسلوه من فضله، واستسقوا سقيا رحمة.

ثانيا: طلب الغيث من الله، خرج عمر مرة يستسقي، فنادى في الناس فأوجز، ثم صلى ركعتين فأوجز، ثم قال: "اللهم عجزت عنا أنصارنا، وعجز عنا حولنا وقوتنا، وعجزت عنا أنفسنا، ولا حول ولا قوة إلا بك، اللهم اسقنا وأحيي العباد والبلاد" وعن خوات بن جبير قال: خرج عمر يستسقي بهم فصلى ركعتين فقال: اللهم إنا نستغفرك ونستسقيك؛ فما برح من مكانه حتى مطروا، فقدم أعراب، فقالوا: يا أمير المؤمنين، بينا نحن في وادينا في ساعة كذا، إذ أظلتنا غمامة، فسمعنا منها صوتاً: أتاك الغوث أبا حفص، أتاك الغوث أبا حفص" وروى ابن أبي الدنيا بسنده إلى الشعبي قال: خرج عمر يستسقي بالناس، فما زاد على الاستغفار حتى رجع، فقالوا: يا أمير المؤمنين، ما نراك استسقيت! فقال: لقد طلبت المطر بمحاديج السماء التي يُستنزل بها المطر؛ ثم قرأ: "اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا. يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا" ثم قرأ: "وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ" وروى الطبراني بسنده إلى أنس: "أن عمر خرج يستسقي، وخرج بالعباس معه يستسقي بقوله: اللهم إنا كنا إذا قحطنا على عهد نبينا توسلنا إليك بنبينا فتسقنا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا؛ قال: فيُسقون".

ثالثا: كتب إلى عماله في الأمصار طالبا الإغاثة، وفي رسالته إلى عمروِ بنِ العاص والي مصر بعث إليه: يا غوثاه يا غوثاه، أنت ومن معك ومَن قِبَلك وما أنت فيه، ونحن ما نحن فيه، فأرسل إليه عمرو بألف بعير تحمل الدقيق، وبعث في البحر بعشرين سفينة تحمل الدهن، وبعث إليه بخمسةِ آلاف كِساء، وأرسل إلى سعد بن أبي وقاص فأرسل له بثلاثةِ آلاف بعير تحمل الدقيق، وبعث إليه بثلاثةِ ألاف عباءة، وأرسل إلى والي الشام فبعث إليه بألفي بعير تحمل الزاد، ونحوُ ذلك مما حصل من مواساة المسلمين لبعضهم، لقد أحسّ عمر بمعاناة الناس، حتى قال أنس رضي الله عنه: كان بطن عمر يقرقر عام الرمادة، وكان يأكل الزيت ولا يأكل السمن، فقرقر بطنُه فنقره بأصبعيه فقال: قرقر أو لا تقرقر، إنه ليس لكِ عندنا غيره حتى يُحيىَ الناس [أي يأتي الله بالحياة والمطر] حتى قال أسلم رضي الله عنه: كنا نقول لو لم يرفع الله المَحْل عام الرمادةِ لظننا أن عمر يموت همّا لأمر المسلمين، وهكذا حلّ عمر رضي الله عنه الأزمة وأرجع الأمة إلى ربها.

في حالات ارتفاع الأسعار لا بد للمستهلكين والمشترين من توجيهات:
 أولا ـ عدم التوسعِ في الشراء وجعله هوايةً كما هو عند الغرب، فإن بعض الغربيين يجعلون من هواياتهمْ، التسوقَ والنزولَ إلى الأسواق والطوافِ بها، فأصبحت عندهم لذةً وشهوةَ نفس، مرّ جابرُ بن عبد الله ومعه لحم على عمرَ بنَ الخطاب رضي الله عنهما فقال ما هذا يا جابر: قال هذا لحم اشتهته فاشتريته، قال: أوكلما اشتهيت شيئا اشتريت، أما تخشى أن تكون من أهل هذه الآية " أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها " .
ثانيا ـ لا بد من تربية الأولاد على هذا المبدأ لتكون الأسرة متحدة في هذه السياسة في الشراء، مع مراعاةُ الأوليةْ في الإنفاق، وقد وُجد في بعض الدراسات أن الكمالياتْ هي ثلثا المشتريات، ووجد أن العربةَ التي تملؤها ربةُ البيت من البقالات والمحلات الكبيرة غالبها من هذا الجنس الذي يمكن الاستغناءُ عنه .
ثالثا ـ لا بد من ترشيدِ الاستهلاك والحرصِ على أن يُصرف الثلث في محله، وإذا صارت القضيةُ إنفاقا في سبيل الله جادت النفس، وأما بالنسبة لما يشتريه الإنسان في العادة، فالسياسية فيه قول الله تعالى" ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتعقد ملوما محسورا " .
رابعا ـ التحلي بخلق القناعة، والغنى في الحقيقة غنى النفس، والنبي صلى الله عليه وسلم أوصانا في أمور الدنيا إلى أن ننظر إلى من هو دوننا وليس إلى من هو فوقنا، فقال" انظروا إلى مَن أسفلَ منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله" [رواه مسلم] وقد قال صلى الله عليه وسلم " قد أفلح من أسلم ورُزق كفافا وقنعه الله بما آتاه " [رواه مسلم]

هي القناعة فالزمها تعش ملكا لو لم يـكن منك إلا راحةُ البدن
وانظر إلى مالك الدنيا بأجمعها هل راح منها بغير القطن والكفن

خامسا ـ الفطنةُ وعدمُ الاغترار بالعروض والإعلاناتِ والدعايات التجارية، فالعصر الذي أنت فيه عصر إعلام وإعلان، وهي تحوي كثيرا من المبالغات والكذب، وعلى العاقل ألا ينساق وراءها.
سادسا ـ الحذرْ من إنفاق المال في المحرمات، لأن الإنفاقَ في الحرام من أعظم التبذير، وقد قال الله " إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين "
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
سلمان المالكي
  • مـقـالات
  • رفقا بالقوارير
  • المرأة والوقت
  • الخطب المنبرية
  • إلى أرباب الفكر
  • وللحقيقة فقط
  • الهجرة النبوية
  • فتنة الدجال
  • الصفحة الرئيسية