اطبع هذه الصفحة

http://saaid.net/Doat/shaya/7.htm?print_it=1

القرآن هدى وطمأنينة وليس مصدر تشويش ولا ارتباك
تعقيب على استنكار أحد الكتاب تحفيظ بعض سور القرآن للأطفال

خالد بن عبدالرحمن الشايع

 
الحمد لله وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، أما بعد :
فقد اطلعت على ما كتبه الأستاذ سعد بن عبدالله الدوسري في هذه الجريدة : جريدة الرياض في عددها ( 13662 ) الصادر يوم السبت 17 شوال 1426هـ تحت عنوان ( المعارج ) واستطرد في مدى مناسبة تعليم طلاب الصف الخامس الابتدائي لسورة المعارج .
وقد خلص الكاتب في مقاله إلى ما يأتي :
1/ أن طالب الصف الخامس طفلٌ غير مدرك لبعض مما يرد في السورة الكريمة .
2/ تساءل الكاتب : ( أيجب أن يحفظ هذا الطفل كل أهوال يوم القيامة التي لم نهيؤه ثقافياً ونفسياً، لإدراكها؟! ).
3/ تساءل الكاتب : ( أيجب أن نجعله يحفظ دون أن يفهم، وكيف له أن يفهم الحفاظ على فروج الأزواج؟! ) .
4/ تساءَل الكاتب : ( أيجب أن نجبره على حفظ، دون فهم ما تملكه الأيمان، خاصة أنه لم يعد هناك ما تملكه الأيمان؟! ) .
5/ دعى الكاتب المذكور إلى إيجاد جهة تربوية تشرف على اختيار السور التي يجب أن تتلى أو تحفظ في هذه المراحل، بحيث تراعي ـ كما يقول ـ ( عدم وقوع الطفل في حالة من الارتباك الثقافي والشرعي،والتي قد تؤدي إلى أن يعتبر الطفل القرآن الكريم، مصدراً لارتباكه أو خوفه أو تشوشاته ؟!).

## والجواب عما ذكره الكاتب فيما يأتي :
أولاً : تمنيت من الأخ سعد لو أنه لم يخض في موضوع ليس من تخصصه ، فإن من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب ، ولهذا وقع في زلل كبير، أوضح لدى المتخصصين ما لدى الكاتب من خلفية فكرية هشَّة ، واستيعاب تربوي ضئيل ، ومن يطالع قائمة موضوعات مقالات الأخ سعد في موقع جريدة الرياض يمكنه أن يكون التصور العام عن أُفق الكاتب العلمي وتصوراته الثقافية ، وما كان له أن يخوض في موضوع شرعي لها تفصيلاته التربوية والنفسية الدقيقة .

ثانياً : ارتكز الكاتب في نقده على كون الطالب في تلك المرحلة غير مدرك لبعض ما جاء في السورة.
وهذا المبرر يدرك التربويون والمتخصصون في المناهج وغيرهم ، وخاصة علماء نفس مراحل النمو ، يدرك هؤلاء المتخصصون أنه لا ينبغي أن يكون عدم الإدراك مانعاً من تمكين الطالب من الحفظ ، للقرآن الكريم وغيره ، فلم يزل الصغار في أصقاع الدنيا في القديم والحديث يلزمون بحفظ النصوص القرآنية والحديثية والمصطلحات والأناشيد وغيرها ، بمختلف مللهم ولغاتهم ، مع عدم إدراكهم ولا فهمهم لكل دلالات ما يحفظونه .
قال البخاري رحمه الله في جامعه الصحيح ، في كتاب فضائل القرآن : باب تعليم الصبيان القرآن ، ثم أسند عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : جمعت المحكَم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت له : وما المحكم ؟ قال : المفصَّل . وكان عمره آنذاك نحو عشر سنين .
ومعلومٌ من سيرة ابن عباس أن حفظه للقرآن وهو في هذا العمر كان بإشراف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم ينهه عليه الصلاة والسلام عن حفظ سورة المعارج ، ولا غيرها ، كما أنه عليه الصلاة والسلام وهو أنصح الخلق للخلق ، وهو أغير الخلق على الدين وعلى القرآن الكريم ، لم يتخوف مما زعمه الكاتب المذكور ( وقوع الطفل في حالة من الارتباك الثقافي والشرعي، والتي قد تؤدي إلى أن يعتبر الطفل القرآن الكريم، مصدراً لارتباكه أو خوفه أو تشوشاته ) !!.

ثالثاً : حاول الكاتب أن يبرر لدعواه بأن السورة فيها وصفٌ لأهوال يوم القيامة ، وأن الطالب غير مهيأ ثقافياً ولا نفسياً لإدراكها ، ولعل الكاتب لم يدرك أن في قصار السور أيضاً من ذكر أهوال القيامة ما هو على غرار ما أخبر الله به في فاتحة سورة المعارج ، وبإمكانه أن يفتح المصحف على سورة القارعة والعاديات والزلزلة والليل والفجر والغاشية والأعلى وغيرها ، فهل يتم إلغاء تحفيظ أطفال المسلمين لهذه السور بالنظر لمبرر الكاتب المذكور . أو يلغى تحفيظ سورة الإخلاص والمسد وغيرهما لما فيها من كلمات غير مفهومة ، مثل : الصمد ، مسد ، وغيرها ، وهذا سيعمم على سور القرآن ، مع اختلاف معايير الفهم والوضوح ، بما يعني ألا يحفظ الصغار شيئاً من القرآن .

رابعاً : تساءل الكاتب عن مبرر حفظ الطالب لما يتعلق بحفظ الفروج وما تملكه الأيمان ، وهذه سقطة مريعة من الكاتب ، أكاد أجزم أنها ليست من بنات أفكاره ، لو كان يدرك الحد الأدنى من أسس التربية ومقاصد التشريع ، إذ لم يزل المربون في كل الملل يربون الصغار على مكارم الأخلاق وعلى العفاف ، وإن لم يدرك الصغار ماهية الأشياء التي يتعففون عنها بالتفصيل .
وهل وجد الكاتب أحكم وأجزل وأعمق من هذا الكلام الرباني : ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ . إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ) [المعارج : 29و30] .
إنها إيماءة العفاف ولفتة الطهر ، حول مسألة تتشوف لها نفوس البشر ، لكن الكلام الإلهي نحوها يهذب المشاعر ويوجه الميول دون استفزاز للغرائز ولا تحريك للعواطف ، وهذا منهج تربى ودرج على تلاوته وحفظه وفهمه ملايين أطفال المسلمين ، فهل إذا وَهَنَ فهم أحد من الناس ، أو قعدت به مداركه عن استيعاب هذا السمو القرآني ، ينتكس على رأسه فيذهب متهكماً ليتباكى على الأطفال ، أو يعيب تعليمهم !! ( كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ) [الكهف : 5] .
وقل مثل ذلك في مسألة ملك اليمين ، فهل عدم العمل بمسألة من الدين في زمن من الأزمان يحمل على هجر نصوصها ، وتجنب حفظها ؟.
إن الجهة التربوية التي لمزها الكاتب في نهاية مقاله ، تدرك ما في حفظ الطالب في تلك المرحلة لهذه الآيات ، ومنها آيات ملك اليمين ـ تدرك ـ ما في ذلك من المهارات والمكتسبات التي يظفر بها الطالب : تربوية ونفسية واجتماعية ولغوية ، حتى وإن خفيت على الكاتب المذكور .

خامساً : إن مسألة الحفظ التي دندن عليها الكاتب المذكور قد سبقه لهذا التشويش غيره ، وكانوا كما أخبر الله عن أمثالهم في القرآن الكريم : ( لَقَدِ ابْتَغَوُاْ الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاء الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ ) [التوبة : 48] .
ومع كل هذا التشويش والتشكيك الذي قذفوا به لتوهين الهمم في مجال الحفظ للنصوص والمتون الشرعية ، مع كل ذلك لم يزل خبراء المناهج وعلماء النفس يقررون ما للحفظ من أثرٌ عظيم في تحفيز الملكات العلمية لدى الطفل ، بالنظر لارتباطه بصفات شخصية لدى المتعلم ، فقد أكدت الدراسات التربوية الحديثة أن ثمة صفات شخصية لها دور فعال في عملية الإنجاز أياً كان ، دراسةً واستيعاباً ، أو حفظاً واستذكاراً ، وهذه الصفات هي : ( الرغبة : Desire ) و ( التطلع : Expectation ) و ( الاهتمام : Interest ) . فإذا اجتمعت هذه الصفات أوجدت لديه التركيز بإذن الله تلقائياً ، فلا يجد صعوبةً كبيرة في الإنجاز ، ومن هنا يعلل علماء النفس تذكر الإنسان الأشياء التي تهمه ، ونسيانه ما ليس كذلك .
وإذا كان المسلم في غير مجال القرآن الكريم قد لا تتوافر لديه كل أو بعض هذه الصفات ، إلا أنه في مجال القرآن الكريم حفظاً ودراسةً وتدبراً تتدافع في حسه الكامن هذه الصفات بصورة لا تتوافر عند غير المسلمين ، فمَن مِنَ المسلمين لا يرغب ولا يهتم بحفظ كتاب الله ؟.

سادساً : ما من شك أن فترة الصبا هي المرحلة الذهبية للحفظ ، فالأطفال دون سن المراهقة أو بعدها بقليل هم المادة الأساسية الأولى لحفظ القرآن الكريم ، ومرد ذلك من الناحية العلمية الفسيولوجية : أن الأطفال يتمتعون بالتذكر الآلي أو التلقائي ( Re_ Memory ) وهذا ما يفسر قدرة الأطفال على استرجاع الأناشيد دون أي فهم للمعنى ، في حين أنه إذا نما الطفل عقلياً تواكباً مع عمره ـ كما يقول د. مصطفى فهمي في كتابه علم النفس ـ وكانت مادة الحفظ في مستوى إدراكه ، فإنه يفضل التذكر القائم على الفهم .
وإلى هذا سبق علماؤنا المتقدمون ، كما ألمحنا لتبويب البخاري ، وفي هذا يقول العلامة ابن الجوزي رحمه الله : أما تدبير العلم فينبغي أن يُحمل الصبي من حين يبلغ خمس سنين على التشاغل بالقرآن والفقه وسماع الحديث ، وليحصل من المحفوظات أكثر من المسموعات ، لأن زمان الحفظ إلى خمس عشرة سنة ، فإذا بلغ تشتتت همته ، وأول ما ينبغي أن يكلف حفظ القرآن متقناً ، فإنه يثبت ويختلط باللحم والدم .
ويحبذ العلماء ، سواء علماء الشريعة أو بعض التربويين ، أن يبدأ الطفل في حفظ القرآن في سن مبكرة ، فيقول ابن سينا على سبيل المثال: "ينبغي البدء بتعلم القرآن بمجرد تهيؤ الطفل للتلقين جسمياً وعقلياً، وفي الوقت نفسه يتعلم حروف الهجاء ويلقن معالم الدين " .
وقد كشفت دراسة إحصائية تحليلية أن حفظ القرآن الكريم في سن مبكرة ينمي مدارك الأطفال واستيعابهم بدرجة أكبر من غيرهم ، بالإضافة إلى تمتعهم بقدر كبير من الاتزان النفسي والاجتماعي ، وقدرة كبيرة على تنظيم الوقت والاستفادة منه. وبينت الدراسة أن حفظ القرآن له دور كبير في زيادة التحصيل العلمي والتفوق ، حيث إن أكثر من (70%) من الطلاب الذين بدأوا الحفظ في سن مبكرة متفوقون في دراستهم ، ويحصلون على المراكز الأولى في المدارس والجامعات وأن ما يزيد على (60%) من الحفظة يسلكون طريق التعليم الجامعي ، بما في ذلك الكليات التطبيقية مثل الطب والهندسة والصيدلة والعلوم ويتفوقون فيها.
وتقرر الطبيبة البروفيسور / أمل المخزومي أخصائية الطب النفسي : بأن قراءة القرآن الكريم وحفظه يساعد كثيراً على تنشيط فَصَّي المخ لدى الأبناء ، وأنه ينمي الذكاء ويقوي الذاكرة .

سابعاً : بالنسبة لقضية المعاني المجردة ، من جهة حفظه المحفوظات ولو لم يستطع إدراكها ؛ فالفهم الكامل لها وممارسة الاستنتاجات والتجريد أمور تأتي متأخرة عندما يتجاوز الأطفال سن السابعة، ويتم استيعابها في السنة الثانية عشرة، ولكن لا بد من البداية، ووضع البذور فيما قبل ذلك، نعم يتم ربط الاسم والمعنى بالشعور النفسي المطلوب، مع التيسير والتقريب ومراعاة أن يكون الطفل قد فهم ذلك المعنى الميسر.
وكمثال لتيسير فهم المعلومة وتقريبها نقول للأطفال : الجنة مكان جميل، يشبه البستان أو الحديقة التي زُرْناها، بل هي أحلى وأجمل منها بكثير، وهي مكان يجعله الله مكافأة للطيبين ، الذين يعملون الأعمال الطيبة، ويتركون الأعمال الشرِّيرة، فلنسع للقيام بالأعمال الطيبة التي تقربنا من الجنة، ويكون ذلك بأن نكون متسامحين ومطيعين لله تعالى ، متابعين للرسول صلى الله عليه وسلم، أما النار فهي مكان مُوحش، وحرارتها شديدة جدًّا، وهي عقاب للناس الأشرار، ويا رب نجِّنا منها، وأدخلنا الجنة. وهكذا ، لا أن نتعنَّت ونتهكم ، كما فعل الكاتب المذكور حين قال : (أيجب أن يحفظ هذا الطفل كل أهوال يوم القيامة التي لم نهيؤه ثقافياً ونفسياً، لإدراكها؟! ) .
وحول الخصائص التي يمتاز بها طلاب المرحلة الابتدائية ( من 7 إلى 10 سنوات ) وما يتعلق بنوعية ما يحفظونه ، يقول أ.د. عمر المفدى أستاذ علم نفس النمو والمراحل العمرية بجامعة الملك سعود : إن حفظ الأطفال حفظٌ آلي ، أي أنهم يحفظون الشيء كآلة التسجيل ، دون أن يتأثروا كثيراً بمعناه ، وهناك دراسات تجريبية تثبت ذلك ، ثم يقول : وهذه الخاصية يمكن الاستفادة منها في تحفيظ الأطفال القرآن الكريم ، لأن الحفظ مطلوبٌ في ذاته ، كما أن حفظ القرآن مطلوبٌ أن يكون حفظاً آلياً ، أي كما هو دون تغيير أي حرف ، وليس حفظاً بالمعنى .

ثامناً : نشير في هذا المقام إلى ما كشفته دراسة حديثة بعنوان : "أثر تحفيظ جزء "عم" في تقويم لسان طفل العام السادس" أجراها د. يحيى الببلاوي مدرس علم اللغة بكلية البنات بجامعة عين شمس بجمهورية مصر ، على عينة أطفال في السادسة من أعمارهم قبل بدئهم تعلم التلاوة والحفظ ، حتى تلقوا جزء "عم" عن محفظ جيّد ، وأفصحت الدراسة عن تأثر ألسنة هؤلاء الأطفال بلغة القرآن الكريم، بداية بتحقيق مخارج الأصوات، ومرورًا بلطف الانتقال من موضع صوتي إلى آخر حتى تلاوة الآيات البينات.

كما كشفت هذه الدراسة أن هؤلاء الأطفال الذين أتموا حفظ جزء عم يتميزون بعدة ميزات لغوية عن أقرانهم الذين لم يحفظوا شيئًا من القرآن الكريم حتى سن السادسة ومن بين هذه الميزات:
1- استطاع هؤلاء الأطفال تحصيل كثير من الألفاظ والتعبيرات؛ مما أدى إلى تنمية مخزونهم اللغوي.
2- استخدم هؤلاء الأطفال كثيرًا من هذه الألفاظ في مواضعها الصحيحة تعبيرًا عما يجول بخواطرهم من أفكار.
3- كشفت الدراسة عن إجادة هؤلاء الأطفال نطق المقاطع الصوتية ووضوحها لديهم، وإن لوحظ صعوبة في بعض الأنماط لديهم، ويؤكد الباحث أن هذه الأخطاء سرعان ما تزول حيث يتخلص الأطفال من القلق والخوف والخجل .

تاسعاً : لم يزل المسلمون وعلى مدى أربعة عشر قرناً يحفظون أبناءهم وبناتهم كتاب ربهم ، ويتدرجون في تحفيظهم من سورة الناس ثم الفلق ثم الإخلاص ، وهكذا ، جزءاً بعد جزء ، ولم يتجنبوا سورة أو آية خشية أن ( تؤدي إلى أن يعتبر الطفل القرآن الكريم، مصدراً لارتباكه أو خوفه أو تشوشاته ) ـ كما يزعم الكاتب ـ لم يجتنبوا سورة المعارج ، ولا غيرها ، بل كان من علامات نبوغ صغارهم أن يتموا حفظ كتاب الله ، بما في ذلك سورة المعارج ، وهم في سن صغير ، عشر سنوات أو نحوها ، وهذا ما يظهر لكل من تتبع سير النبلاء من علماء وأمراء ، وهذا والله أعلم تحقيق لما خص الله به كلامه الكريم ، إذ قال : ( وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ ) [القمر : 17 و22 و32 و40]
قال ابن عطية رحمه الله في المحرر الوجيز : ( يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ ) معناه : سهَّلناه ، وقربناه، و ( لِلذِّكْرِ): الحفظ عن ظهر قلب ، فهو يُسْرٌ بما فيه من حسن النظر وشرف المعاني ، فله لوطة بالقلوب ، وامتزاج بالعقول السليمة . قال ابن جبير : لم يُستظهر من كتُب الله سوى القرآن .
وقوله : ( فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ ) استدعاء وحض على ذكره وحفظه ، لتكون زواجره وعلومه وهداياته حاضرة في النفس .
وقال ابن سعدي رحمه الله : ( وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ ) أي : ولقد يسرنا وسهلنا هذا القرآن الكريم ، ألفاظه للحفظ والأداء ، ومعانيه للفهم والعلم ، لأنه أحسن الكلام لفظاً ، وأصدقه معنى ، وأبينه تفسيراً ، فكل من أقبل عليه يَسَّر الله عليه مطلوبه غاية التيسير ، وسهَّله عليه .

وبعد :
فإن الحامل على تحرير ما تقدم هو الغيرة على كتاب الله ، وعلى شرع الله ، خاصةً وأن عدداً من الكُتَّاب قد أسألوا أحبار أقلامهم بالسوء نحو إرثنا العظيم من الكتاب والسنة ، وخاصة العلوم الشرعية المقررة في المدارس والجامعات ، فصاروا يتعاقبون على تشويهها والتنفير منها ، في جرأة ممجوجة وتهجم مأفون ، حتى إنه يوشك ألا يمر يومٌ إلا ونسمع ونقرأ من جرأتهم ما يفطر الأكباد ، وقد كانت كتابة الأخ سعد الدوسري من أقبحها ، مع أننا لم نعلم عنه من سوء كهذا من قبل ، بخلاف غيره ، مثل ما نشره موقع إيلاف الإلكتروني الذي يرأس تحريره ( عثمان العمير ) من تهجم وتجريح لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم من خلال مقال لأحد كُتابه ، وكمثل كاتبة تدعى ( بدرية البشر ) في جريدة الشرق الأوسط في عددها ( 9849 ) الصادر في 13 شوال 1426هـ بأسلوب متحامل ومتهكم في مسألة شرعية ، وكمثل ما كتبه المدعو ( محمد علي المحمود ) في جريدة الرياض ( 13625 ) و ( 13632 ) وغيرهم كثير ، ينتقدون آيات قرآنية وأحاديث نبوية ، يحكمون عليها بعقولهم الضعيفة وأهواءهم السقيمة ، بلا حياء من الله ، ولا خوف من سلطان ، ولا خجل من الناس ، ساء ما يعملون . وليس هذا منهم من قبيل النقد الهادف ، لأنه يفتقد الموضوعية والإنصاف والتخصص ، وإني لأدعو كل صاحب قلم أن يكون متثبتاً ومحتاطاً فيما يكتبه ، وخاصة إذا كان من المسائل الشرعية ، حتى لا يقول على الله بلا علم ، أو كان أمراً عاماً يتصل بالمصالح العليا للوطن أو بعلاقات الناس ومعايشهم ، وأن يكون مفتاح خير وبر ، لا مفتاح شر وفتنة وتفريق .

أحرر ما تقدم إعذاراً إلى الله من تهاون رؤساء تحرير تلك الصحف ، الذين لم تتمعر وجوهم لهذه الحملة الجائرة ، مستحضراً قول رب العزة والجلال : (أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ ) [الذاريات : 53].

هدانا الله جميعاً لمرضاته ، وجنبنا أسباب غضبه وعقابه ، والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه والتابعين بإحسانٍ إلى يوم الدين .


تحريراً في 20/10/1426هـ.
KHALIDSHAYA@HOTMAIL.COM
 

خالد الشايع
  • الدفاع والنصرة
  • مقالات دعوية
  • شئون المرأة
  • أخلاقيات الطب
  • بر الوالدين
  • ردود وتعقيبات
  • بصائر رمضانية
  • الصفحة الرئيسية