صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







ماذا وراء الإساءة  لمعلم البشرية وهادي الإنسانية محمد صلى الله عليه وسلم ؟!
ردٌّ على سفاهات بعض القسيسين نحو نبيِّ الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم

اضغط هنا لتحميل الكتاب على ملف وورد

خالد بن عبدالرحمن الشايع

 
     الحمد لله وحده ، وصلى الله وسلم على من لا نبيَّ بعده ، نبينا محمد ، وعلى إخوانه من النبيين ، وآل كلٍّ ، وسائر التابعين إلى يوم الدين ، أما بعد :
    فقد تأذَّى المسلمون في أرجاء الأرض وتكدَّروا كثيراً جرَّاء ما صدر عن عدد من القسيسين من الإساءة للإسلام ولتشريعاته،والتنقص لسيد الأولين والآخرين ورسول رب العالمين نبينا وسيدنا محمد بن عبد الله  صلى الله عليه وسلم  .

    ولدى توقفنا عند هذه القضية الأخيرة ، أعني نيل عدد من الموتورين من الكفار من اليهود والنصارى والهندوس وغيرهم ، نيلهم من خاتم الأنبياء والمرسلين محمد  صلى الله عليه وسلم   ووصفه بأوصاف الكذب والزور والبهتان ، وخاصة ما تفوَّه به القساوسة ( جيري فالويل ) و ( بات روبرتسون ) و ( فرانكلين جراهام ) و ( جيري فاينز ) .

   
إذا تأملنا في خلفيات هذه التهجمات فلنا أن نقف الوقفات التالية :
   
أولاً : أن هذه الأباطيل التي قالها أولئك الأفَّاكون لم تخرج عن نهج الكفار الحاقدين الذين يؤزهم الشيطان في كل زمان ومكان لمحاربة الحق والنيل من الهداة المصلحين من الأنبياء والمرسلين وأتباعهم ، وهذا ما أخبر الله عنه في كتابه الكريم :
    قال تعالى :
( فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَآؤُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ ) (آل عمران:184) .
    وقال سبحانه عن اليهود :
( لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُواْ وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ ) ( المائدة : 70).
    وقال الله سبحانه :
( قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ  . وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ  ) ( الأنعام : 33 و 34 ) .

   
ثانياً : إننا عندما نتأمل في قائمة من صدر منهم ذلك الإفك فهم في حقيقة الأمر من جملة القَسَاوِسَةُ المنحرفين ، الذين نسمع عنهم بين حين وآخر من الانحرافات الأخلاقية والسقطات المزرية ما يجعلهم لا يرتقون للحكم على آحادٍ الناس ، حتى تحدثهم شياطينهم بالحكم على سيد الأولين والآخرين محمد  صلى الله عليه وسلم   !!.

    
ثالثاً : إنَّ من المؤسف لحال البشرية اليوم ، مع ما وصلت إليه من التقدم في مجالات عديدة من علوم الدنيا ، بما تتضمنه من الاكتشافات المبهرة ، ثم يأتي في هذا الخضم من العواصم التي تدَّعي التحضر أصواتٌ مبحوحة وكتابات ساقطة تتردى معها تلك المجتمعات في مهاوٍ سحيقة من الفحش والإسفاف ، وخاصة تلك التأثيرات المنبثقة من اللوبي الصهيوني في الحكومات الغربية ، أو حتى التيارات المتطرفة هناك ، والتي سعت بكل قوة لحرب كل ما يَمُتُّ للإسلام بصلة.

   
رابعاً : لقد كان أولئك الذين وقعوا في المعصوم  صلى الله عليه وسلم  في عافية من دنياهم وانهماك في شهواتهم قبل أن تصدر منهم كلمات الإفك ، ولكنهم بما قالته ألسنتهم وكتبته أيديهم قد أدخلوا أنفسهم في الوعيد الإلهي : ( إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ)  (الكوثر : 3) أي : إنَّ مبغضك يا محمد، ومبغض ما جئتَ به من الهدى والحق والبرهان الساطع والنور المبين ( هُوَ الأَبْتَرُ ) : الأقل الأذل المنقطع كل ذِكرٍ له .
    فهذه الآية تعم جميع من اتصف بهذه الصفة من معاداة النبي  صلى الله عليه وسلم  أو سعى لإلصاق التهم الباطلة به ، ممن كان في زمانه ، ومن جاء بعده إلى يوم القيامة .

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " إنَّ الله منتقمٌ لرسوله ممن طعن عليه وسَبَّه ، ومُظْهِرٌ لِدِينِهِ ولِكَذِبِ الكاذب إذا لم يمكن الناس أن يقيموا عليه الحد ، ونظير هذا ما حَدَّثَنَاه أعدادٌ من المسلمين العُدُول ، أهل الفقه والخبرة،عمَّا جربوه مراتٍ متعددةٍ في حَصْرِ الحصون والمدائن التي بالسواحل الشامية،لما حصر المسلمون فيها بني الأصفر في زماننا،قالوا:كنا نحن نَحْصُرُ الحِصْنَ أو المدينة الشهر أو أكثر من الشهر وهو ممتنعٌ علينا حتى نكاد نيأس منه،حتى إذا تعرض أهلُهُ لِسَبِّ رسولِ الله والوقيعةِ في عرضِه تَعَجَّلنا فتحه وتيَسَّر، ولم يكد يتأخر إلا يوماً أو يومين أو نحو ذلك،ثم يفتح المكان عنوة ، ويكون فيهم ملحمة عظيمة ، قالوا : حتى إن كنا لَنَتَبَاشَرُ بتعجيل الفتح إذا سمعناهم يقعون فيه ، مع امتلاء القلوب غيظاً عليهم بما قالوا فيه " انتهى [1].   

    والأيام بيننا وبين أولئك القساوسة المبطلين لننظر من تكون له العاقبة ، ومن الذي يضل سعيه ، ويكذب كلامه ، وتظهر للعالمين أباطيله وافتراءاته ، فقد قالها أمثالكم ، فلمن كانت العاقبة ، وأين آثارهم وأين مثواهم ؟.
    يقول الله تعالى :
( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) ( التوبة: 61 ) .
    ويقول سبحانه :
( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً ) ( الأحزاب : 57) .
 
   
خامساً : قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ :
    ومن سُنَّةِ الله أنَّ من لم يُمكن المؤمنين أن يعذبوه من الذين يؤذون الله ورسوله فإنَّ الله سبحانه ينتقم منه لرسوله ويكفيه إياه ، كما قال سبحانه :
( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ . إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ) [الحجر : 94 و 95].

     والقصة في إهلاك الله واحداً واحداً من هؤلاء المستهزئين معروفة ، قد ذكرها أهلُ السِّيَر والتفسير ، وهم على ما قيل : نفرٌ من رؤوس قريش ، منهم : الوليد بن المغيرة ، والعاص بن وائل ، والأسودان بن المطلب وابن عبد يغوث ، والحارث بن قيس  .
     وقد كتب النبيُّ  صلى الله عليه وسلم  إلى كِسرى وقَيصَر ، وكلاهما لم يُسْلِم ، لكنَّ قَيصر أكرم كتاب رسول الله  صلى الله عليه وسلم  ، وأكرم رسوله ، فثَبَتَ ملكُه ، فيقال : إنَّ الملك باقٍ في ذريته إلى اليوم ، وكسرى مزَّق كتاب رسول الله  صلى الله عليه وسلم  ، واستهزأ برسول الله ، فقتله الله بعد قليل ، ومزَّق مُلكَه كلَّ مُمَزَّق ، ولم يبق للأكاسرة ملكٌ .

     وهذا والله أعلم تحقيق قوله تعالى :
( إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ)  (الكوثر : 3) ؛ فكُلُّ من شَنَأَهُ أو أبغضه وعاداه فإنَّ الله تعالى يقطع دابره ، ويمحق عينه وأثره ، وقد قيل : إنها نزلت في العاص بن وائل ، أو في عقبة بن أبي معيط ، أو في كعب بن الأشرف ، وقد رأيتَ صنيع الله بهم .

     ومن الكلام السائر : " لحوم العلماء مسمومة " فكيف بلحوم الأنبياء عليهم السلام ؟. 
     وفي الصحيح عن النبي  صلى الله عليه وسلم  : قال : " يقول الله تعالى :  من عادى لي ولياً ، فقد بارزني بالمحاربة "  فكيف بمن عادى الأنبياء ؟ ومن حَارَبَ الله تعالى حُرِبَ .
     وإذا استقصيت قصص الأنبياء المذكورة في القرآن تجد أممهم إنما أُهلكوا حين آذوا الأنبياء وقابلوهم بقبيح القول ، أو العمل .
     وهكذا بنو إسرائيل إنما ضربت عليهم الذِّلة وباؤوا بغضِبٍ من الله ، ولم يكن لهم نصير لقتلهم الأنبياء بغير حق ، مضموماً إلى كفرهم ، كما ذكر الله ذلك في كتابه .

     ولعلك لا تجد أحداً آذى نبياً من الأنبياء ثم لم يَتُبْ إلا ولا بد أن يصيبه الله بقارعة .

     وقد ذكرنا ما جربه المسلمون من تعجيل الانتقام من الكفار إذا تعرضوا لسَبِّ رسول الله  صلى الله عليه وسلم  ، وبلغنا مثل ذلك في وقائع متعددة ، وهذا باب واسع لا يحاط به ، ولم نقصد قصده هنا ، وإنما قصدنا بيان الحكم الشرعي .
      وكان سبحانه يحميه ويصرف عنه أذى الناس وشتمهم بكل طريق ، حتى في اللفظ ، ففي "الصحيحين" عن أبي هريرة قال : قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم  : " ألا ترونَ كيف يَصْرِفُ الله عنِّي شَتْمَ قريشٍ ولعنَهم ، يشتمون مُذَمَّمَاً ، ويلعنون مُذَمَّمَاً ، وأنا مُحَمَّدٌ " [2] .
     فنَزَّه الله اسمَه ونَعْتَه عن الأذى ، وصرف ذلك إلى من هو مُذَمَّم ، وإن كان المؤذِي إنما قصد عينه .[3]

    
سادساً : إن العقلاء في البلاد الغربية النصرانية ينبغي أن يدركوا كم في تلك الكلمات والاستفزاز من الأخطار الكبيرة على رعاياهم ومصالحهم في أقطار الأرض ، وأنها قد تؤدي لمزيد التوتر ، بما يتعين معه تكميم أفواه الناعقين بذلك البهتان وكف أيديهم .

     فقد تأخذ الحميةُ بعض المتحمسين للثأر ممن وقع في رسول رب العالمين ، ومئات الملايين يفرحون أن يموتوا دفاعاً عن نبيهم وعن مكانته الشريفة أن تمتهن . ولكن من ضمن هؤلاء من لا يَقْدِر أن يصفِّي حسابه مع من قال الإفك والبهتان لبُعده عنه ؛ فيعمد إلى من يراهم يدينون بالنصرانية حوله فينتقم منهم ومن ممتلكاتهم لقربه منهم ، مع أن هذا العمل الأخير لا يجوز ، وقد حرمه ومنع منه رسول الله محمد  صلى الله عليه وسلم  فقال : " من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة " رواه البخاري .

    وحينئذ تسفك الدماء بسبب قساوسة جهلاء ، أعماهم الحقد وأزَّتهم قوى الشر والعدوان ، ممن عادوا واعتدوا على موسى وعيسى ومحمد وعلى إخوانهم من النبيين . صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .

khalidshaya@hotmail.com

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*  نشر بجريدة الرياض العدد ( 12625 ) الجمعة 14 ذو القعدة 1423هـ يوافقه 17 يناير 2003 .
[1]  " الصارم المسلول " ( 2 / 233 ـ 234 ) ط الأولى 1417هـ دار ابن حزم ، بيروت ، تحقيق محمد الحلواني ، محمد شودري .
[2] " صحيح البخاري " ( 3533 ) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
 قوله : " يشتمون مُذَمَّمَاً " : كان الكفار من قريش من شدة كراهتهم في النبي  صلى الله عليه وسلم  لا يسمونه باسمه الدال على المدح ، فيعدلون إلى ضده ، فيقولون : مُذَمَّم ، وإذا ذكروه بسوء قالوا : فَعَلَ الله بمذمم . ومذمم ليس هو اسمه ، ولا يُعرف به ، فكان الذي يقع منهم في ذلك مصروفاً إلى غيره . ينظر : " فتح الباري " ( 6 / 558 ) .
[3] ينظر : " الصارم المسلول " ( ص 164 ـ 165 ) .

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
خالد الشايع
  • الدفاع والنصرة
  • مقالات دعوية
  • شئون المرأة
  • أخلاقيات الطب
  • بر الوالدين
  • ردود وتعقيبات
  • بصائر رمضانية
  • الصفحة الرئيسية