صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







فضح جهالات الغامدي

  

سمير بن خليل المالكي

 
بسم الله الرحمن الرحيم
فضح جهالات الغامدي


الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه .
أما بعد ، فإن من أعظم بلاء المسلمين تصدر أهل الجهل والهوى للعلم والفتوى ، ولا أضر على البشرية كلها من ظهور أولئك الشرذمة المتعالمين ، الذين نصبوا أنفسهم للكلام في مسائل الدين ، ويحسبون أنهم مهتدون ، وأنهم يحسنون صنعا بما يقولون وبما يكتبون .
* إن لكل علم و فن ضوابط و قواعد وأسسا يبنى عليها ، لا يستقيم إلا بها ،
فإذا ما و هنت قاعدة من قواعده ، تداعت لها سائر القواعد بالوهن والسقوط .
وإن أعظم العلوم وأشرفها ، العلم الشرعي المستمد من الوحي الإلهي ، وهو _ بلا شك _ أكثر العلوم انضباطا وتقعيدا و تأصيلا .
ولهذا فإنه لا يصلح لآحاد الناس ، مهما بلغت عقولهم من الفطنة والذكاء و الدهاء ، ومهما عظمت ثقافاتهم و تنوعت في علوم شتى ، أن يتقحموا هذا العلم العظيم المتين ، حتى لو كان الكلام في فروعه ، لأنها مقيدة بأصولها لا تنفك عنها ، و إنما اختص بالكلام فيه ، أهله الراسخون فيه ، الذين مرسوا عليه ، وتلقوه من ينابيعه وإخاذاته ، كابرا عن كابر ، أخذ كف بكف ، ونقل خلف عن سلف .
 

****


" قرن الشيطان "

لقد طلع علينا دعي من أدعياء العلم ، وما هو من أهل العلم ، بل هو من دعاة الفتنة والضلالة ، يريد أن ينشر فتنته وضلالاته في هذه الأمة ، ويزعم أنه يبتغي الإصلاح ، وأنه يريد أن يرفع عن الناس في هذه البلاد الإصر والأغلال التي كانت عليهم ، والتي فرضها علماء وشيوخ و قضاة هذه البلاد من عشرات السنين !
ومقتضى كلامه ، أن عامة الناس في هذه البلاد ، على اختلاف ثقافاتهم ومعارفهم ، وعلى رأسهم ولاة السلطة والحكم ، كانوا كلهم على جهل وتقليد أعمى لأولئك العلماء ، حيث قلدوهم في تحريم الاختلاط ومنعه في ميادين العمل والتعليم .
وقلدوهم كذلك في تحريم الخلوة بالأجنبية ، ومصافحتها ، وملاصقتها ، وجعلوا ذلك كله من الجرائم التي يعاقب عليها بأنواع من التعزير .
وقلدوهم أيضا في الإلزام بإغلاق المحلات التجارية ونحوها أوقات الصلوات ، حتى يتسنى للناس أداؤها جماعة في بيوت الله .
إلى غير ذلك مما زعمه ذلك الجاهل الدعي ، الذي أظهر للأمة شذوذه وتخليطه في الحكم و الرأي .
* ولقد انبرى له بعض الفضلاء ، ودحضوا شبهاته وفضحوا جهالاته ، ولكنه أبى إلا العناد والمكابرة .
وقد ظننت في أول الأمر أنه من جملة الباحثين من طلبة العلم ، الذين اشتبهت عليهم بعض المسائل ، لكني تيقنت بعد ، أنه داعية للفتنة ، وأنه يقصد إضلال الناس والتلبيس عليهم ، ونشر الرذائل بينهم و إبعادهم عن الفضائل التي تقربهم إلى ربهم .
 

****


" تخليط .. وتخبيط "

طلع علينا أولا بمقالاته العرجاء عن الاختلاط ، لكنه أوغل في الإضلال ، حين أباح ما هو أعظم من الاختلاط !
لدرجة أدهشت إخوانه من دعاة الشهوات ، وجعلتهم يعرضون عن ذكر تلك الترهات الشاذة ، التي اجترأ على ذكرها و نشرها وإذاعتها بين العامة .
ولم نكد نفرغ من الجدال معه في تلك المسائل " المختلطة " ، حتى طلع علينا بتخبيط آخر .
قال _ ولبئس ما قال _ إن إلزام البائعين بإقفال محلاتهم ودكاكينهم و مؤسساتهم أوقات الصلوات ، ضرب من التشدد والتعنت ، من قبل ولاة الأمر ، لأن صلاة الجماعة في حق كل الرجال سنة ، وليست فرضا من فروض الأعيان ، وأن الواجب هو : تغيير تلك السياسة التي ما أنزل الله بها من سلطان !
* و كالعادة ، بدأ أولا بإثارة القضية في مقابلة صحفية ، ثم أشار إلى بحث " لفضيلته " ! من كذا صفحة ، وقد بلغت 200 ، كبحثه السابق عن الاختلاط !
( ولا أدري ما سر الرقم 200 في بحوث الأستاذ " العلامة " )؟
وكما حصل من لغط في السابق عن الاختلاط ، حصل في هذه بلبلة أيضا في وسائل الإعلام ، التي تحرص على نشر كل ما فيه إثارة ، حتى لو "بالسباحة ضد التيار " !
وليس " الخلط و التخبيط " في مقالاته لمجرد ذكره الخلاف في حكم " الاختلاط " أو حكم " صلاة الجماعة " ، فإن الخلاف في ذلك يظل خلافا فرعيا ، لو التزم فيه بآداب الخلاف ، وروعيت فيه القواعد العامة الشرعية والأصول المرعية ، وهذا لا يتأتى إلا بالعلم الشرعي المبني على أسس صحيحة .
وهذا المتطفل لا حظ له من العلم بتلك الأصول وإدراكها إلا الثرثرة ، ولا قدرة له على الجدال فيها إلا بالمكابرة .
ولهذا تراه منفلت الزمام ، يتلون عند كل مسألة بلون ، و يثبت هنا ما ينفيه هناك ، وينقض هنا ما يبنيه هناك ، في سلسلة لا تنتهي من الجهالات ، والضلالات والتناقضات .
* زعم أن له قدرة على استنباط الأحكام من نصوص الكتاب و السنة ، دون الحاجة إلى النظر في فقه من سبق من أهل العلم .
كان هذا شأنه في مقالات الاختلاط ، وقد اعترض على كل ما ذكره أئمة الفقه والتفسير و شراح الأحاديث ، من توجيه لتلك النصوص التي أوردها وشبه بها .
وصرح بأن كلامهم لا حجة فيه ، وأنه مجرد تحكم لا دليل عليه !
* مثال ذلك :
قصة دخول النبي صلى الله عليه وسلم على أم حرام ، فقد اتفقت كلمة الأئمة و شراح الحديث على أن تلك كانت حادثة عين لا يصلح أن تعمم في الحكم ، واختلفوا في توجيه القصة ، فالأكثرون قالوا بأن هناك محرمية بينهما ، وبعضهم ذهب إلى أن ذلك من خصوصيات النبي صلى الله عليه وسلم .
وإنما قال الأئمة ذلك لما تقرر عندهم من قواعد كلية في حكم مخالطة الأجنبية ، والخلوة بها ، والنوم عندها ، وملامستها ، ونحو ذلك .
وأعرض "الجهول" عن ذلك التوجيه ، ولم يرفع به رأسا ، ووصف قائليه بالتعنت والتحكم ، ومنهم الأئمة الحفاظ : ابن عبدالبر ، والنووي ، وابن حجر العسقلاني ، شراح الموطأ والصحيحين .
* وقد أجاب الأئمة على بعض الحوادث الأخرى ، بأنها كانت قبل الحجاب ، فاعترض " المتعالم " على ذلك ، بأن الحجاب خاص بأمهات المؤمنين !
ومقتضى كلامه أنه لا يوجد حجاب عام فرض على المؤمنات ، وإنما الحجاب كله خاص بأمهات المؤمنين .
ومعلوم _ قطعا _ أن الحجاب منه ما هو مفروض على سائر المؤمنات باتفاق الأمة ، كآية النور { وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن .. } الآية .
قالت عائشة رضي الله عنها " يرحم الله نساء المهاجرات الأول ، لما أنزل الله { وليضربن بخمرهن على جيوبهن } شققن مروطهن فاختمرن بها " .
رواه البخاري [ 4758 ] .
فدل الحديث على اختلاف حال النساء
بعد نزول الآية ، عن حالهن قبلها .
قال الحافظ ( " فاختمرن " أي : غطين وجوههن ، وصفة ذلك أن تضع الخمار على رأسها ، وترميه من الجانب الأيمن على العاتق الأيسر ، وهو التقنع ) .انظر الفتح [ 8/ 490] . * وكذلك آية الأحزاب { يدنين عليهن من جلابيبهن } ، هي عامة في النساء المؤمنات بالنص والإجماع .
قال ابن رجب " وقد فسر عبيدة السلماني قول الله عز و جل { يدنين عليهن من جلابيبهن } ، بأنها تدنيه من فوق رأسها فلا تظهر إلا عينها ، وهذا كان بعد نزول الحجاب ، وقد كن قبل الحجاب يظهرن بغير جلباب ، ويرى من المرأة وجهها و كفاها .. ثم أمرت بستر وجهها وكفيها .." انتهى باختصار، من فتح الباري لابن رجب [ 2 / 346 ] .
قال سمير : و المقصود أن قول شراح الأحاديث عن حكم منسوخ بالحجاب يقصد به أحيانا الحجاب العام في كل النساء .
* وأما آية الحجاب الثالثة ، وهي قوله تعالى { وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب } ، فهذا حجاب آخر ، وهو الذي اختلف في كونه خاصا بأمهات المؤمنين ، أو عاما لكل المؤمنات .
فعلى فرض أن الحجاب في هذه الآية الأخيرة كان خاصا ، فإن هناك حجابا عاما مشتركا في الحكم ، قد نسخ ما كان قبله من أحكام ، في اللباس و الصلاة ، وفي المخالطة مع الرجال أيضا .
* وفي حكم " مصافحة النساء " ، لم يأت بحديث واحد يبيح المصافحة ، وقد خطأ أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وكذب روايتها الصحيحة الصريحة في نفي مصافحة النبي صلى الله عليه وسلم للنساء ، دون أي مستند ، سوى الهوى والرأي المجرد !
* لكنه في مسألة صلاة الجماعة نحى منحى آخر ، و عكس القضية رأسا على عقب ، وأكثر من النقول من كتب المذاهب ، و طعن في دلالة النصوص الصريحة على فرضية صلاة الجماعة ، و طعن في صحة بعض الأحاديث ، مع ورودها في أحد الصحيحين ، مخالفا بذلك إجماع الأمة على قبول أحاديثهما !
فكان في مسألة " الاختلاط " ، "ظاهريا " صرفا ، يقف عند ظاهر النصوص دون تقييد ، ويرفض كل متابعة أو تقليد .
وفي مسألة " صلاة الجماعة " ، كان " مقلدا " متعصبا أعمى للرأي والهوى ، وليته تعصب لمذهب معين ، بل جعل يتنقل في الكتب ، و يتقلب في التعصب ، لأن ظاهر النصوص في هذه المسألة لا يتمشى مع مراده وهواه !
* ومما يدلك على تخبطه وتناقضه وكيله بمكيالين في القضيتين ، أنه جعل أحاديث الاختلاط وتوابعه دالة على العموم ، مع كونها حوادث أعيان لا عموم لها ، كقصة أم حرام ، والمصافحة وقت البيعة ( مع عدم ثبوتها ) ، وقصة الإرداف ، وغيرها ، وهي محتملة للخصوصية والنسخ والتقييد .
لكنه عكس الأمر في أحاديث صلاة الجماعة ، فخصص عمومها من غير دليل ، كحديث الهم بإحراق البيوت على المتخلفين عنها ، حيث خصها بالمنافقين !!
وطعن في حديث ابن أم مكتوم ، مع إخراج مسلم له في صحيحه ، ومع ورود ما يشهد له من أحاديث أخرى ، ولم يسبقه أحد ممن يعتد بقوله إلى ذلك التضعيف ، لكنه أعمل عقله في شيئ لا يحتمله ، وتقحم علما لا يحسنه .
وسيأتي مزيد بيان لخلطه وتخبيطه في الأصول بعد قليل إن شاء الله .
 

****


" استغلال المنصب "

زعم ذلك النكرة أنه لا يتحدث بصفته الرسمية ، بل بصفته الشخصية وبشهرته العلمية فقط !
وقد كذب في دعواه ، فإنه لولا منصبه الرفيع في هيئة الأمر بالمعروف ، لما التفت إليه أحد ، ولوجد نفسه مضطرا إلى عرض مقالاته و بحوثه (المئوية) المختلطة ، في " حراج الخردوات " ، أو فرشها أمام المساجد عقيب الصلوات ، وأظنه سيضطر حينها لتغيير فتواه في حكم صلاة الجماعة ، لينفق بضاعته المزجاة على أكبر عدد من المصلين .
* لقد ناح قبل هذا " المخبول " ، مئات من دعاة التغرير والفتنة ، ممن هو أكثر منه علما و شهرة ، و أفصح منه لسانا ، وألحن منه حجة ، و لم تلق دعواتهم المنكرة مثل ذلك "الصدى" الإعلامي ، ولا الاحتفاء الصحفي ، الذي حصل له لأجل منصبه .
ولا ريب أن هذا المتشبع بما لم يعط من العلم والفهم ، لو كان في منصبه اللائق به والمناسب لتخصصه في الإدارة أو المحاسبة ، لما حصل على تلك المزية .
وغاية ما يقال حينذاك : إن في مؤسسة ( كذا ) ، محاسبا " مخبولا " متطفلا على العلم ، يرى إباحة ملامسة النساء ، وترك صلاة الجماعة في المساجد ، وينكر على كل من يخالفه من العلماء والقضاة والأمراء ويعترض على السياسة الموافقة لنصوص الشريعة ، المعمول بها من عقود عديدة !
 

****


" الافتئات على الأنظمة "

لا ريب أن كل مؤسسات الدولة التي وضعت لها أنظمة وقوانين لسياسة العباد والبلاد ، لم يرد فيها نص يصرح باستحبابها ، فضلا عن إيجابها .
فلو طلع علينا من ينادي بإلغائها ، لأنه لا يوجد نص صريح يدل على وجوبها ، أو يحرم مخالفتها ، لعد ذلك شذوذا وتنطعا من ذلك القائل .
وأشد منه شذوذا ، و أكثر غرابة ، لو صدر ذلك الاعتراض من رؤساء تلك الإدارات الذين وكل إليهم أمر تنفيذها !
* ومعلوم أن نظام " الهيئة " ، قائم في الأصل على الحسبة في أمور الدين والأخلاق ، ورأسها : إقامة الصلاة ، وحفظ الأعراض .
فأراد هذا الفتان المضل ، بنشره لتلك المقالات ( المعارضة ) ، أن يسعى لتقويض ذلك النظام ، الذي وكل بحفظ ذينك الأصلين .
*إن الاختلاط بالنساء ، وأكبر منه الخلوة ، وأكبر منها الملامسة والملاصقة ، من أعظم أسباب الفتنة ، لا يشك في هذا عاقل ، فلو فرض أنه لم توجد نصوص تحرمها ، لكان الواجب منعها ، حفظا للأعراض وسدا لذريعة الفساد .
وإن إغلاق المحلات أوقات الصلوات ، والأمر بإقامتها في الجماعات ، لو فرض أنه ليس من الواجبات ، فإنه من أعظم المندوبات ، لا خلاف في ذلك عند كل العقلاء ، و هو من تعظيم شعائر الله ، وفيه من المصالح العامة للعباد والبلاد ، وفي تركه من المفاسد ما قد يترتب عليه تضييع الصلاة بالكلية ، أو تأخيرها عن أوقاتها .
فالعمل بمثل ذلك النظام ، في حفظ الصلاة والأعراض ، يعد طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، وفيه متابعة للسياسة الشرعية التي رسمها ولاة الأمور من العلماء ووافقهم عليها الملوك و الأمراء ، وقام عليها نظام الحسبة منذ تأسيسه ، وهو أولى بالطاعة و الاتباع من كثير من أنظمة الدولة .
* ويقال لهذا " المفتئت " ، لماذا لم تعترض على سياسة إغلاق المساجد في غير أوقات الصلوات ، مع أن السنة إبقاؤها مفتوحة طوال الليل و النهار ؟
ولماذا لا تعترض كذلك ، على منع الناس من المقيل و النوم ، بل حتى السكن في المساجد ، مع أنها مباحة في الأصل ، ولا توجد نصوص تمنعها أو تحرمها ؟
بل وجدت نصوص تدل على إباحتها ، فقد صح عن ابن عمر وغيره أنهم كانوا ينامون في المسجد النبوي .
وبوب البخاري لذلك بقوله : باب نوم الرجال في المسجد .
وذكر الحافظ في شرح الباب أن الجمهور قد أجازوا ذلك .
وقد بوب قبل ذلك البخاري ب : باب نوم المرأة في المسجد .
وساق قصة الوليدة السوداء التي كان لها خباء دائم في المسجد تسكن فيه .
قال الحافظ < وفي الحديث إباحة المبيت والمقيل في المسجد لمن لا مسكن له من المسلمين ، رجلا كان أو امرأة ، عند أمن الفتنة > .
الفتح [ 1 / 535 ] .
فإذا كانت الأنظمة و السياسة ، أو العرف ، قد فرضت إغلاق المساجد ، ومنع النوم والسكنى فيها ، صيانة لها ، ودرءا لمفاسد محتملة ، ولم يعترض على ذلك أحد، ولا ذاك "المعترض" ، فلأن تقفل المحلات ، أوقات الصلوات ، محافظة على أدائها في أوقاتها ، وتعظيما لها و لشعائر الدين ، من باب أولى .
والمقصود : أن الذي أشاعه ذلك الجاهل في مقالاته ، يعد افتئاتا سافرا على ولاة الأمر ، ومعارضة صريحة ، بل ومعاكسة لنظام " الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " ، الذي ( كلف ) بإدارته و تطبيقه ، لا بالسعي لهدمه و تقويضه .
 

****


" دعاة على أبواب جهنم "

لقد تأملت كثيرا في تحليل مثل تلك الظاهرة ، فألفيتها لا تختلف كثيرا عن مثيلاتها من الظواهر الشاذة في الأمة في كل زمان .
* فدعاة السوء يعمدون في بادئ الأمر إلى إثارة الشبهات في المسائل المتعلقة بالعفة و الاخلاق ، ولا يكادون يفرغون من مسألة حتى يخوضوا في غيرها ، وقد اتخذوا من إشاعة الخلاف واتباع المتشابه ، وسيلة للتشكيك في أصل الدين .
ومعلوم قطعا ، أن مسائل الفروع قد حصل فيها خلاف كثير ، بعضه سائغ معتبر ، وبعضه شاذ خارج عن القواعد ، لا حظ له من النظر .
@وليس كل خلاف جاء معتبرا
إلا خلاف له حظ من النظر @
لكن دعاة الفتنة اتخذوا من ذلك الخلاف في مسائل الفروع ، ذريعة للتشكيك في أصل الدين ، وسبيلا لإشاعة الفتنة والبلبلة في المسلمين ، واختاروا مسائل معينة يدندنون حولها في كل حين .
* وقد وجد دعاة الفتنة والشهوات في المرأة غايتهم ، فاخترعوا لها قضية ، واحتسبوا في الدفاع عنها ، لا صونا لها ، ولا حفظا لعرضها ، بل لإشاعة الفتنة بها .
بدأوا بقضية الحجاب أولا ، لأنها أكبر عائق يعترض طريق دعوتهم ، كما حصل في مصر ، إذ انبعث أشقاها يدعوهم إلى السفور ، حتى قامت تلك المظاهرة المشهورة التي أحرقت فيها "حمالة الحطب" الحجاب أمام الشعب !
وحصل عندنا هنا في بلاد الحرمين موقف مشابه قبل نحو عقدين ، و قام دعاة الفتنة ، و دعاة تحرير ( بل تجرير ) المرأة ، ودعاة التغريب والتغرير بالأمة ، بحملة شرسة على الدين والعفة ، لنشر كل رذيلة وقمع كل فضيلة .
لكن فضل الله عظيم ورحمته واسعة ، فقد قمعت كثير من تلك التيارات التغريبية وأسكتت وأرغمت على الدخول في جحورها :
@ وإن رغمت أنوف من أناس
فقل يا رب لا ترغم سواها @
ثم طلع علينا مثل هذا "النكرة" ، يريد أن يعيدها جذعة ، و أن يتزعم الفتنة ، فبدأ دعوته بنفس القضية ، "قضية المرأة" ، لكنه ارتكب حماقة كبرى ، حين جعل "بيضه" كله في سلة واحدة ، وأفصح عن مكنون قصده من أول مرة ، في أول ظهور له على "مسرح القضية" ، و لم يسلك طريقة من سبقه من دعاة الفتنة ، في التدرج في الدعوة إلى الانحلال ، بل رمى بكل ما في نخالة فكره من فتنة و شبهة ، ففضح نفسه في الحال ، وكشف عن سوء نيته من أول مقال .
لم يأت بجديد ، فقد اعتمد في مقالاته عن الاختلاط ، على بحوث سابقة كتبها أمثاله من المجاهيل النكرات ، و أعاد هو صياغتها و نشرها .
 

****


" خطوات الشياطين "
ربما كان بعض الشياطين من دعاة "تجرير" ! المرأة ، أشد امتعاضا من نشر مقالات ذلك المتعالم ، وإن أظهروا تأييدها واحتفوا بها ، لأنه فضح _ من حيث لا يشعر _ ذلك المخطط الدنيئ الذي رسموه من عقود عدة ، والذي كاد يؤتي ثماره الفجة في هذه البلاد المباركة ، التي هي معقل الدين وقبلة جموع المسلمين .
لم تتجاوز دعوة أكثر المستغربين فتنة ، و أخبثهم طريقة ، أمورا يمكن أن يتقبلها عامة الناس ، و يستجيب لهم فيها "صناع القرار" ، كالاختلاط ، و نزع "بعض" الحجاب ، و قيادة النساء للسيارات ، ونحو ذلك .
* أما الدعوة إلى إباحة :
1 _ وضوء الرجال والنساء جماعة ، و لو اقتضى النظر إلى مواضع الوضوء الأربعة وملامستها !
2 _ و الخلوة الكاملة ، بالجلوس والنوم ، ولو في البيوت المغلقة !
3 _ وملامسة الأيدي بالمصافحة ، والشعور بالتفلية !
4 _ وملاصقة الأبدان بالإرداف في وسائل النقل المختلفة !
إلى غير ذلك مما دعا إليه ذلك "المتهوك" ، فقد ترفع عن إشهاره والدعوة إليه عتاة المفسدين في هذه البلاد !
* وقد عهد من صنيع شيخهم الأكبر ، "أبي مرة" ، التدرج في إضلال بني آدم بخطواته المنظمة المرتبة . لكن "التلميذ" قد فاق شيخه هذه المرة :
@وكنت امرءا من جند إبليس فارتقى بي الحال حتى صار إبليس من جندي
فإن مات قبلي كنت أحسن بعده طرائق فسق ليس يحسنها بعدي @

****


" فلما أدركه الغرق .. "
في برنامج "البينة" ، عقدت مناظرة بين بعض الفضلاء ، وبين هذا المتطفل على العلم ، واقتصر على ذكر إباحة الاختلاط ، و جبن عن التصريح بإباحة بقية المسائل ( الخلوة والنوم والملامسة والملاصقة .. ) ، التي أيدها بقوة في مقالاته السابقة !
ولما قرئت عليه بعض تلك العبارات الواردة في تلك المقالات ، ارتبك ارتباكا ظهر على وجهه الكالح ، وسقط في يده ، فبادر إلى نفي القول ، وأصر على تكذيبه !!
فإما أنه لا يعرف ماذا كتب في تلك المقالات من خرافات ومجازفات ، أو أنه فضل أن يكذب نفسه ويتبرأ من مقاله لظهور شناعته ونكارته .
ولهذا فإنه أخذ يتلجلج في الكلام ، ولم يجد بدا ، بعد أن وجه له سؤال صريح : هل ترى إباحة تلك الأمور ؟ إلا أن يتناقض ، فكذب بعضها ، و قيد إباحة بعضها بقيود ( سبق أن أنكر مثلها على مخالفيه ) ، وأقر بأخرى على تخوف ، حتى لا يفتضح على الملأ ، لأن الكلام من وراء الكواليس أو في المجالس "الخاصة " ، ليس كمواجهة الجماهير الغفيرة أمام "الشاشة" !
وقد سئل هذا المتناقض : هل يبيح من أهله وكرائمه ، شيئا مما أباحه من نساء المؤمنين ، من خدمة الضيوف من الرجال ، والخلوة بهم ، والوضوء معهم ، ومصافحتهم ، وملاصقتهم ...الخ ؟
فاضطرب جدا ، واسود وجهه من سوء ما سمعه ، لأنه لم يجد جوابا لمثل ذلك السؤال ، ولا زلنا حتى هذه الساعة ، وإلى أن يعلن توبته مما قاله و نشره ، نطالبه بالجواب الواضح الصريح بدون حيدة ولا لجلجة !
ولا يحل لمؤمن ، ولو كان أميا ، أن يستبيح من أعراض المؤمنات ما لا يرضاه هو لأهله ، فكيف بمن تصدر للمشيخة والإفتاء و حشر نفسه في زمرة الفقهاء و العلماء ؟
 

****


" المقاصد و الوسائل "

إن هذا الدين قد شرع لمصالح العباد في الدارين ، وقد انتظمت أحكامه التكليفية على أصلين عظيمين : الأمر والنهي .
وقسم الأصلان إلى قسمين : مقاصد و وسائل .
فلما نهى الله عن الزنا ، نهى عن وسائله وأسبابه المفضية إليه ، كالنظر ، والخضوع في القول ، والخلوة ، والسفر بغير محرم .. إلخ. وقد تفاوتت درجات النهي بحسب خطرها وقربها من مقارفة المقصد الأعظم .
فالاختلاط ، مثلا ، لما غلب على الظن إفضاؤه إلى الوقوع في المناهي التي هي وسائل أقرب ، وربما جر ذلك إلى الوقوع في المنهي الأكبر ، منع .
واستثني منه ما كان خطره أقل ، وكان لحاجة ، كالاختلاط العابر في الأسواق وغيرها .
ومن هنا يعلم خطأ من يطالب بنص شرعي صريح في منع الاختلاط المتنازع فيه ، ولا يفطن أن الوسائل لا يشترط أن يرد فيها أدلة تنص على عينها ، وإلا لانخرم عقد الدين كله ، وقانون السياسة الشرعية ، لأن كل مقاصده مناطة بوسائله و أسبابه ، ولا يتم تحصيل هذه ، أو تكميلها ، إلا بتلك .
وعليه ، فإننا نحن من يطالب هذا الجاهل وأضرابه بالدليل على الإباحة وليس عندهم إلا التشبيه بنصوص ، أكثرها إنما وردت في أحوال خاصة لا يصلح تعميمها ، و لا دليل فيها على إباحة الاختلاط المتنازع فيه .
فأين النصوص الواردة في إباحة الاختلاط المرتب ، في أوقات معينة يلتقي فيها الرجال والنساء ( وأكثرهم في سن الشباب ) ، ويحصل بينهم من الألفة والمحادثة و الملاطفة ، بحكم "الزمالة" ، التي قد تتطور إلى صداقة ، ثم هي قابلة لأن تتطور ، ( أو تتدهور ) إلى شيئ آخر ، بحسب ما فطرت عليه طبائع البشر ؟
نحن نتحداهم أن يوردوا نصا واحدا يبيح جلوس الرجال والنساء في مكان واحد يختلطون بالكلام والنظر ويتلاطفون ويتمازحون .. إلى غير ذلك ، مما يحصل غالبا في الاختلاط المرتب المنظم ، وربما حصل فيه تجاوزات أكبر من ذلك .
فالعبرة إذا في قضية " الاختلاط " ، إباحة ومنعا ، هي في نوعه وحاله ، وما يترتب عليه غالبا من مفاسد ، وما يتحصل من وجوده من مصالح .
* وليس ضابط المنع والإباحة في الاختلاط يكون بمجرد الاشتراك في العمل الظاهر ، ولا بتقييده بالزمان أو بالمكان ، كما قد يظن بعض الجهال ، وإنما يكون بحسب النوع والحال .
فوجود الاختلاط في الأسواق ، مثلا ، إن كان عابرا ، وليس فيه إلا وجود رجال ونساء أجانب ، كل يسعى في حاجته ومصلحته ، وإن حصل كلام ، أو حتى نظر ، أثناء البيع أو الشراء ، فإنه عادة ما يكون عابرا من غير قصد ، ثم يقف الأمر عند ذلك ، لا يتعداه إلى غيره ، ويمضي بعدها كل إلى وجهته .
لكنه لو تطور فصار اختلاطا منظما ، متكررا ، وأفراده من الجنسين في حكم الأصحاب أو الأصدقاء ، قد اتفقوا على الإتيان إلى تلك الأسواق بشكل منتظم ، فإن ذلك حينئذ يأخذ حكم الاختلاط المحرم .
*وهذا يرد على من يتكلف فيقول : ما الفرق بين الاختلاط الواقع في التعليم و الوظائف ، وبين الاختلاط الحاصل في السفر بالطائرة إلى بلاد بعيدة كأستراليا ، مثلا ، وهو يستغرق وقتا أطول من ذاك ؟
والجواب على ذلك بأن نسأل : هل هذا السفر المختلط ، سيجلس فيه الرجال والنساء الأجانب ويحصل بينهم من الكلام و النظر والخلوة والملاطفة التي ستجر إلى أعلى منها ، وسيتكرر ذلك في أوقات مرتبة ، فتنقلب من مخالطة عابرة إلى زمالة ، فصداقة ...الخ ، كما هو المظنون والمتوقع في اختلاط التعليم والعمل ونحوهما ؟
ولهذا نقول : لو اتفق مجموعة من الفتيان والفتيات على السفر سويا في رحلات منظمة للعمل أو السياحة ، أو حتى لأداء النسك ، أو لو تواعدوا للطواف بالبيت ، كل فتاة بصحبة شاب ( وقد يمسك بعضهم بأيدي بعض على مذهب الإمام الغامدي ) ! مما قد يفضي إلى أمور كثيرة منكرة ، فإن ذلك يخرجه من دائرة المباح إلى حيز المنع .
* وشريعة أحكم الحاكمين تأبى أن تحرم شيئا ( قصدا أو وسيلة ) ، ثم تبيح ما هو مثله أو أشد منه .
فكيف تحرم النظر والخضوع في القول .. الخ ، منفردة ، ثم تبيحها وهي مجتمعة ( أغلب الظن ) في حال الاختلاط المنظم ؟
بل كيف تبيح ما هو أشد من ذلك مما زعمه ذلك " المنحرف " من ملامسة وملاصقة ؟!
* وكذلك أيضا ، لما أمر الله بالصلاة وعظم قدرها ، كانت وسائل المحافظة عليها مأمورا بها ، ووسائل تضييعها والسهو عنها منهيا عنها ، ولو لم ينص عليها بعينها .
وقد كره النوم قبل العشاء ، لئلا يفضي إلى تضييعها ، وكره الحديث بعدها محافظة على صلاة الفجر .
ولما كان الاشتغال بالبيع والشراء والتجارة مما قد يفضي إلى السهو عن الصلاة وتفويت وقتها ، ناسب أن يمنع نظاما و سياسة ، ولا يفتقر إلى نص بعينه ، يقول : أغلقوا المحلات أوقات الصلوات ، بل يكتفى بورود النصوص العامة في الأمر بإقامتها في أوقاتها ، لأن " مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب " .
فالمسألة إذا ليست مسألة بحث في الخلاف الفقهي ( الفرعي ) في حكم صلاة الجماعة في المساجد ، بل هي سياسة ونظام عام للأمة لحفظ الصلاة وتعظيمها ، وحض الرجال على أدائها في أوقاتها على وجه الكمال ، ولهذا فإن هذه السياسة الحسنة متبعة في كل المؤسسات الحكومية والأهلية ، ولم ينكرها أحد ، حتى جاء مثل هذا "المتخلف " ، يريد أن يعترض على ذلك المعروف ، كما اعترض على سابقه في منع الاختلاط وتوابعه ، ويشغل الأمة بإشاعة الخلاف في مسائل فرعية قد أشبعت بحثا وجدالا من قبل أن يولد هو بقرون ( ! ) .
 

****


" الخلاف في الأصول "

وليس خلافنا مع أمثال هؤلاء الجهال في الفروع فقط ، بل هو خلاف في الأصول كبير .
وهناك فرق شاسع بين اختلاف أهل العلم في مسائل الفروع ، مهما كثرت ، وبين ما يشغب به دعاة الفتنة والشبهات من مسائل ، يريدون بها هدم الدين من أصله .
و إن من سنة أهل الزيغ والفتنة ، اتباع المتشابه من نصوص الكتاب والسنة ، والتلبيس على العوام بها ، ولهذا فقد حذرت نصوص الكتاب والسنة من أولئك ، الذين هم أعظم الناس فتنة وإضلالا للأمة ، وأشدهم هدما للدين و الملة .
قال الله عز وجل { .. فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله } .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم " إذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم". رواه البخاري [ 4547 ] .
وقال عمر بن الخطاب " ثلاث يهدمن الدين ، زلة عالم ، وجدال منافق بالقرآن ، وأئمة مضلون " .
رواه الدارمي في السنن [ 1 / 71 ] . قال الشاطبي " وهذه الأمور حقيق أن تهدم الدين .. " إلى أن قال " وأما الجدال بالقرآن ، فإنه _ من اللسن الألد _ من أعظم الفتن ، لأن القرآن مهيب جدا ، فإن جادل به منافق على باطل أحاله حقا ، وصار مظنة للاتباع على تأويل ذلك المجادل .. " .
انظر الموافقات [ 4 / 90 ] .
و دعاة الفتنة لا يرجعون في أقوالهم إلى أصول العلم ، ولا يضبطون مسائل الخلاف بالضوابط المعتبرة عند أهله ، ولهذا تجدهم يتخبطون في تقرير المسائل ، ولا يحسنون فهم الأدلة ولا الطريقة الصحيحة في الاستدلال بها ، لأنهم لا يريدون ذلك ، أو ليسوا أهلا لذلك ، بخلاف أهل العلم والفهم .
* ولهذا تجد في كلام فقهاء المذاهب عبارة ، ترد كثيرا في مسائل الخلاف ، وهي " هذا القول لا يستقيم في مذهبنا ، وإنما يصح في مذهب كذا " .
وذلك لأن مسائل الفروع عندهم منضبطة ، واختلافاتهم مؤصلة ، ليست بالتشهي والهوى ، بخلاف طريقة أهل الجهل و العمى .
* ومن أظهر سمات أهل الزيغ والضلال ، الاحتجاج برخص العلماء ، والتنقل من قول لآخر بالتشهي لا بتحري الصواب .
وقد أطال الشاطبي في الموافقات الكلام عن هذه الخصلة ، التي هي بريد إلى الزندقة ، ونقل عن ابن حزم الإجماع على فسق من تتبع الرخص.
و قال سليمان التيمي " إن أخذت برخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله " . [ الموافقات 5 / 135 ] .
وذكر الشاطبي أن ذلك يفضي إلى إسقاط التكليف في كل مسألة مختلف فيها . [ الموافقات 5 / 83 ] .
وذكر من مفاسده أيضا إفضاءه إلى الانسلاخ من الدين بترك اتباع الدليل إلى اتباع الخلاف ، إذ يصير بهذا الاعتبار سيالا لا ينضبط ، وانخرام قانون السياسة الشرعية بترك الانضباط إلى أمر معروف ، وإفضائه إلى القول بتلفيق المذاهب على وجه يخرق إجماعهم .
انظر الموافقات [ 5 / 102 ] .
قال الشاطبي " وقد زاد هذا الأمر على قدر الكفاية ، حتى صار الخلاف في المسائل معدودا في حجج الإباحة .. فيجعل الخلاف حجة في الجواز لمجرد كونها مختلفا فيها ، لا لدليل يدل على صحة مذهب الجواز ، ولا لتقليد من هو أولى بالتقليد من القائل بالمنع ، وهو عين الخطأ على الشريعة حيث جعل ما ليس بمعتمد معتمدا ، وما ليس بحجة حجة " .
[ الموافقات 5 / 92 _ 93 ] .
* ومن أعظم أسباب التخبط في الأحكام ، الجهل بمقاصد الدين الكلية والعلل الشرعية التي أنيطت بها تلك الأحكام .
فالمحرمات ، مثلا ، إنما منع تعاطيها لعلل وأسباب ، قد تظهر كلها أو بعضها ، وقد يعارضها ما هو أرجح منها وأولى .
وفقه المصالح والمفاسد وتعارضها والترجيح بينها ، وقاعدة سد الذرائع ، لا يفهمها إلا الراسخون في العلم .
*وأما عن تقحم هذا الجاهل وتكلفه في نقد الروايات ، فإنه من العجب العجاب ، لأنه لا يحسن فهم أبتثيات هذا العلم المتين ، ويحشر نفسه في عداد جهابذته والمبرزين فيه، فيضعف ويصحح بجهل فاضح .
وقد غلط كثير من الناس ، ومنهم هذا " المتكلف " ، حين ظنوا أن نقد الروايات يتأتى لكل باحث في كتب الرجال ، وربما اقتصر أكثرهم على المختصرات ، كتقريب ابن حجر ، فيقرأ عبارة مجملة في الراوي ثم ينقد بها الروايات ، ويضعف بها أحاديث الصحاح والسنن المشهورة !!
وهذه بدعة محدثة قد انتشرت في كثير من مؤلفات طلبة العلم وأبحاثهم في هذا الزمان ، وقلما يتنبه لها أو يحذر منها .
*إن طريقة أئمة الحديث في تصحيح الروايات و نقدها ، مبنية على السبر والانتقاء ، فليس كل روايات الثقات مقبولة ، ولا كل روايات الضعفاء مردودة .
يقول المعلمي اليماني في مقدمة تحقيقه لكتاب " الجرح والتعديل "
< ليس نقد الرواة بالأمر الهين ، فإن الناقد لا بد أن يكون واسع الاطلاع على الأخبار المروية .. خبيرا بعوائد الرواة ومقاصدهم وأغراضهم .. > إلى أن قال < وهذه المرتبة بعيدة المرام عزيزة المنال لم يبلغها إلا الأفذاذ > .
وقد نقل ابن أبي حاتم في مقدمة كتابه" العلل " قول ابن مهدي
< معرفة الحديث إلهام > .
وقوله < إنكارنا الحديث عند الجهال كهانة > .
وقول أحمد بن صالح < معرفة الحديث بمنزلة معرفة الذهب > .
* ومن الجهل والعبث أن يأتي الباحث إلى أسانيد الصحيحين ، مثلا ، ثم ينقدها بما حكاه ابن حجر في التقريب ، فيجد في الراوي مقالا ، فيحكم على الحديث بالضعف ، وكأن صاحبي الصحيحين يجهلان أحوال الرواة ، عجبي !
ومن أين أخذ ابن حجر وغيره أحوال الرجال إلا من كلام المتقدمين من أئمة الجرح و التعديل ، ومنهم أصحاب الصحاح والسنن ونحوهم ؟
وليس معنى ذلك أن ابن حجر وغيره قصدوا تضعيف الروايات بذكرهم لذلك الوصف المختصر في الرواة ، وإنما هو " تهذيب " ، و " تقريب " ، و" اختصار " لما قيل فيهم فقط .
و المقصود أن المعول عليهم في نقد الروايات والتصحيح والتضعيف هم أولئك الأئمة ، و لا يصلح أن يقحم الجهال أنفسهم في هذا الأمر .
والكلام في تفصيل ذلك وشرحه يحتاج إلى مجلدات .
* فقد تبين إذا ، أن خلافنا مع أولئك المتعالمين من أمثال هذا المتعالم ، ليس في فروع العلم وحدها ، بل في أصوله ، و لهذا أغلظت في العبارة في هذا الرد ، لأن صنيع هؤلاء من أعظم الفتن والإفساد في الأرض .

****


" الخاتمة "

لم يكن هذا " المتكلف " بدعا ممن سبقه من دعاة الفتنة والضلالة ، ولن يكون آخرهم ، ولن يقف عند هذا الحد من الإفساد ، والله أعلم . فإن أمثال هؤلاء لا ينفكون عن إحداث البدع في الأمة ، إذ كل همهم إثارة البلبلة والتلبيس على العامة ، لا النصح لهم في دينهم و دنياهم .
* هذا وأسأل الله العظيم أن يهدينا جميعا لما يحبه ويرضاه من القول والعمل ، وأن يجنبنا الفتن ، ما ظهر منها وما بطن ... والحمد لله أولا وآخرا .


وكتب : سمير المالكي
3 / 6 / 1431
0591114011

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
سمير المالكي
  • الكتب والرسائل
  • الصفحة الرئيسية