صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







نَشَاطُ الشَّبَابِ السَّلَفِيِّ بَيْنَ مَخَاوِفِ الاسْتِعْجَالِ وَعَوَاقِبِ الاسْتِبْدَال

رضا أحمد صمدي

 
 كانت الصحوة على مَوْعِدٍ قَدَري لازِبٍ بهذه الدعوة السلفية المباركة .
تأصّلت بها ، وتَجَذَّرت في تربتها ( أي الصحوة ) عروق الشجرة السلفية المباركة ، فَأَصْلُهَا ثابتٌ وفَرْعُها في السماء
إنني أرى الصحوة بكل فصائلها المنْـتَمية إلى أهل السنة والجماعة كَوْكَبَةً من السلفيين المخلصين ، يَتَفَاوَتُ تَمَسُّكُ بعضُهم بأصول السلف ، ويَتَبَايَنُ تطبيقُ بعضِهم الآخر بسيرةِ السلف وطريقةِ حياتهم فأين مِنْ شباب الصحوة مَنْ يعتقد عقيدةً غيرَ التي كان عليها محمد صلى الله عليه وسلم أو ينادي لها ؟ وأين مِنْ شباب الصحوة مَنْ يتعصب للعقيدة الأشعرية ويتعارك في سبيل بقائها وإبقائها ؟ وأين مِنْ شباب الصحوة مَنْ يعتبر البدعة شُريان حياتِه ، عليها تتغذى تفاصيل شئونه الدينية ؟ إِنْ وُجد مِنَ الشباب المسلم مثلُ تلك الشريحة فإنها قليلةٌ ، وإنْ كَثُرَتْ فلا تنتمي لتيار شباب الصحوة في قليل أو كثير
نعم . . . أنا أقصد تلك العصابة المؤمنة التي انتفضت أَرَقَاً لحال أمتها ، جَزَعَاً مما آل إليه حال الإسلام والمسلمين ، فَأَكَبَّتْ تُصلح من حالها استعدادا لليوم الفاصل مع مَنْ دَبّر المكائد لهذا الدين ، وحَاكَ المؤامرات لاستِئْصاله ، فترى الشباب الركّع السُّجّد ، المتهجّد المُتَبَتِّل ، التالي للقرآن في ميادين الجامعات ، وعلى كراسي الحافلات ، مجاهرا بانتمائه لهذا الدين الشامخ ، مُسْتَعْلِنَا بمَرْجِعِيَّتِه الخالدة ، رافعا عَقِيْرَتَه أمام كل من أراد أن ينحّي منهاجه عن حياة الناس هؤلاء هم ماءُ المجتمع ورُوَاؤُه وهؤلاء هم شَامَة شباب الإسلام وغُرَّتُه وتَحْجِيْلُه ، هؤلاء كلهم يحب أبا بكر وعمر وعثمان وعلي ، ويرى القُدْوَة في خالد بن الوليد والمثنّى بن حارثة ، هؤلاء كلهم لا يقرأ سيرةً أحد من الناس مثلَ سيرة الصحابة ، لا تَهَشُّ نفسه لسماعِ أحوالِ قوم مِثْلَمَا
يَطْرَبُ لسماع سيرة الغُرِّ المَيَامِيْن من صَحْب النبي الأمين صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم
ألم تر إلى أولئك الشباب مَنْ يسمّي أبناءه بأسماء الصحابة ، فهذا يسمي ابنه عمر ، تَيَمُّنَا بأول فاتح للقدس ، وآخر يسمي ابنته عائشة تمجيدا لسيرة زوجة من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ، ألم تر الواحد منهم يَكِدُّ نهاره وليله في العمل لهذا الدين ؟ يدعو هذا ويناقش ذاك ، يهادي هذا ، ويحاور ذاك ، وآماله معقودة على أن يعودَ لهذا الدين عزُّه ، وترجع للأمة سيادتها في  الأرض ، وتَئُوْبَ خلافة الإنسان المؤمن لهذا الكون بعض أولئك الشباب تَغُرُّهُ فَوْرَتُه ، وتَخْدَعُه جَذْوَةُ الأفكار الطارئة ، وتَسْتَمِيْلُه الآراء المُحْدَثة ، فَتَتَهَادى به تلك الظنونُ شيئا قليلا ، ولكن المرجعيّة العامة ، والأَوْبَة الكاملة إنما لذلك العصر الرشيد ، عصر الأولين من صحابة النبي الأمين
قد ترى بعضهم قَصَّر في هديه الظاهر ، أو قَارَفَ بعضا من تلك القاذورات ، أو تَخَلَّل معتقدَه شيءٌ من تلك الأهواء ، أو تَسَلَّلَ إلى فكره بعضٌ من تلك المحدثات ، ومَنْ ذا الذي ما سَاء قَطْ !؟
إننا نعتذر للألوسي المفسّر حين أتى على ذكر ابن عربي الصوفي في تفسيره مادحا ممجّدا ، ونقول : سلفي سني قُحّ ، لا تضرُّه بعضُ تلك الهَنَات ، وندافع عن محمد رشيد رضا أن طريقته سلفية ، وشمائلُه سُنّية ، مع اشتمال فكره على الكثير مما تسرّب إليه من شيخه وشيخ شيخه ، ونعتذر لذاك العالم السلفي الذي فيه بعضُ تصوفٍ ، أو ذاك العالم السلفي الذي تأثر ببعض هَنَات وأخطاء الأشاعرة ، ونقول : الأصل في بضاعتهم السلامة ، والخطأ طارئٌ عارِضٌ ، والماء إذا . بَلَغَ القُلَّتين لم يَحْمِلِ الخَبَثَ هؤلاء كلهم ذَخيرة الصحوة ، لا جَرَمَ أن تكون الصحوة كلها سلفية ، أي أنّ مرجعيتها إلى أناس سَلَفُوا ومَضَوْا ، لا يَرْكَنُوْنَ إلى مرجعية عصرية كما يفعل المادّيون، أو مرجعية مُسْتَقْبَلِيَّةِ كما يفعل المفتونون بالعلم ، فالسلفية بمعناها العام : الرجوع للسلف والماضي ، وبحمد الله فصحوتنا كلها تَعْتَدُّ بماضيها وتاريخها التليد ، وتَصْرَخُ بين العالمين بتراثها ، وتعتقد عقيدة جازمة أن الأمة الإسلامية بدون ماضيها وتراثها وسلفها لا قيمة لها
هؤلاء هم الذي تعوّل عليهم الصحوة في استعادة أمجاد الأمة ، وهؤلاء هم الذي تقوم عليهم الحضارة والسيادة . . ولكن مَنِ المُؤْتَمَنُ على عقيدة السلف ؟ مَنِ المطالَب بإحياء منهج السلف في العصر الحاضر بكل تفاصيله وشئونه ؟ مَنِ الذي يَخْتَصُّ بتذكير الناس بثوابت الدين والأمة كما فهِمها السلف الصالح من الصحابة والتابعين وأعلام الأمة الميامين ؟ إن الإجابة عن هذا السؤال ليست حِكْرَاً على من حَفِظَ كتب ابن تيمية ، أو هَضَمَ كل كتب السلف أجمع ، بل الإجابة من حق من أخرج هذا المحفوظ ، وهذا التراث السلفي ، وجعله سَهْلَ المَنَال أمام الناس ، تطبيقاً ، ودعوةً  ، وتحقيقاً إذا أراد الناس أن يَرَوْا أنموذج الزهد رأوه في السلفيين ، إذا أراد الناس أن يروا نموذج العبادة بحثوا فلم يروا مثل السلفيين ، إذا أرادوا أن يشاهدوا نموذج الخُلُق القويم فلن يروا ما يصلح للعرض مثل نماذج السلفيين ، أما في العلوم والفنون فهم أسد الشرى والمبرزون في كل ميدان ، والسلفيون هنا كما قَرَّرْتُ وأَصَّلْتُ هم كل من اعْتَدَّ بالسلف أنموذجا ، في المعتقد ، والمنهج  ، والسلوك
وهؤلاء لا يضرهم انتماؤهم لجماعة أو انضوائهم تحت حَرَكة ، ما دامت الأصول العامة والثوابت تامة كاملة ، وحركة هؤلاء ونشاطهم في المجتمع هو التيار الهادر الذي يُرْهِصُ بالنصر القريب لهذا المنهج القويم نحن لا نتوقع أن يعود الناس إلى مِثْل ما كان عليه النبي والصحابة حَذْو القُذّة بالقُذّة، ولكن تحقق البعض منه وارد ، بل هو حاصل إذا أفسحنا لأعيننا النظر . والتبصّر بإنصاف وعدل وقسطاس مستقيم
لكن ثُلَّةً من الشباب السلفي الأصل ما زالت تَحُوْطُهُ الرِّيَب ، وتَعُوْقُهُ الشكوك ، حول تلك الجماعة أو تلك الحركة ، حول ذلك العالم أو ذلك الشاب الملتزم ، والبعض منهم ( وهم قليل ) يمضي شَطْرا من حياته في سَبْر الأفراد ، بل سَبْر تفاصيل حياتهم وأقوالهم وشئونهم العامة والخاصة ، بل تحولت حياة البعض من ذلك البعض من ذلكم البعض إلى مَسِيْرَةٍ بَحْثِيَّةٍ مُرْهِقَة حول أقوال فلان وفتاوى علان ومقصودات تِلْتَان)( ، حتى إذا تخصّص وتحقق من فلان ، أمضى برهة من دهر في التحقق من نوايا علان ، وهكذا تمضي حياته كأنه ضابط في المباحث الجنائية مُوَكَّل بالبحث عن المجرمين ، فينسى في غمرة تحقيقاته أنه ما كان سلفيا إلا لأنه ناصح أمين ، ومُصْلِحٌ مَكِيْن ، كشأن الأنبياء وأتباع الأنبياء .
هؤلاء الذي أحاطوا حياتهم بمهام استخباراتية ، تفتّش في نوايا فلان وخبايا علان إذا ما دُعُوا إلى الله لينصروا شرعه ، أو إلى رسوله ليَهبوا في الذود عن سنته ، دعوة ومواجهة للأمة ، تذرّعوا بالمخاوف العتيقة التي كان يلقيها إبليس اللعين لأوليائه ، يخوفهم بها ، فكما أن مصلحة الدعوة باتت صنما يعبده البعض ليترخّص في كل شئون دعوته ، فقد باتت صنما يترخّص به أولئك البطّالون أيضا ليتركوا الدعوة عن بّكْرَةِ أبيها ، أو ليخفِّفُوا من مسئولياتهم تجاه دينهم وأمتهم
وفي خِضَمِّ المواجهات بين جموع البشر ، والتدافع بين اتجاهاتهم وعقائدهم ونظرياتهم ، كلٌّ ينصر نِحْلَتَه ، ويُظَاهِرُ مِلَّتَه ، فالديمقراطيون يريدونها مِلّة ديمقراطية ، ويتابعهم أو ينساق وراءهم بعض المُغَرَّر بهم ، وفي سبيل ذلك يبذلون الغالي والرخيص ، والشَّهْوانيون يريدونها حياة شهوانية ، وفي سبيل ذلك يفعلون الجائز والمستحيل ، حتى النصارى والصليبيون هَبُّوا لنصرة دينهم ، بل النساء ، بل الصبية والأطفال ، مَنْ لا مبدأ له ولا عقيدة ، من لا هدف له ولا معنى ، صارت له قَامَة ، ورأى الناس له هَامَةً ، وبات صوته مسموعا بين جَنَبَات مجتمعنا الكبير، فأين تلك الثلة من الشباب السلفي ؟ صاحب المنهج الأبي ؟ أين طلبة العلم ؟ أين المتخصصون في التحقيقات ؟ عن فلان وعلان وتلتان ؟ أين صوتهم ؟ أين زئيرهم في ساحات الوغى ؟ أوليس الدعاة على أبواب جهنم من الديمقراطيين والعلمانيين والشهوانيين يستحقون أن نحذّر الأمة منهم ، وأن نواجههم ونواجه مشروعهم ، أن نَمْنَعَ وِصَايَتَهم على الأمة ، ونبلغ إلى الأمة حكم الشرع في عقائدهم وأباطيلهم ؟ يجيئك ذاك الصنم . . . هذا يضر بمصلحة الدعوة . . . فأين كانت تلك المصلحة حين قُلْتَ في ذاك وذاك ما لم يَقُلْهُ الفرزدق في جرير!؟ أين كانت مصلحة الدعوة حين كُنْتَ تُحذّر من السماع لفلان ، ومن مقابلة علان أو الزواج من تلتان ؟ وفلان وعلان وتلتان قَرِيْنُك في المنهج وصِنْوُكّ في المعتقد ، بَيْدَ أنكَ خالفتَه في شيءٍ كفُوَاقِ ناَقة ، فاعتبرتَه كأنه ذِمِّي أو حَرْبي ، وقلتَ عنه أخطرُ من اليهود والنصارى ، بل حَكَمْتَ أن العلماني أفضل منه معتقدا وفطرة ! ! !
إن هذه الثلة من الشباب بحمد الله قِلَّةٌ في صفنا ، شُذَّاذٌ بيننا ، ولأجل ذلك لن تخطئَ عيناك كيف تقودُهم خُطاهُم نحو المهالك ، فبينما يحفظون في عقائد السلف أنهم يحبون الاجتماع والائتلاف ويبغضون الغلاف والفرقة تراهم على خلاف ذلك ونقيضه ، يعشقون الخلاف والاختلاف والتفرق والتّّشْظِيَة ، لا يَهْنَأُ لبعضهم بَالٌ إنْ رأى بين الدعاة أُلْفَةً ، ولا يُحِسُّوْن سعادةً إن أبصروا تعاونا بين هذا وذاك ، لا يزنون الأمور بالقسطاس المستقيم ، ولا يَنْقُدُون أو يحكمون على الآخرين بمعيار أهل السنة والجماعة في تقدير الغالب والمغلوب والقليل والكثير والأَعَمّ الأَفْشَى والأَخَصّ الأَرْدَى ، عما قليل سَتَنْزَوِي بهم آرائهم ، وتَتَحَلَّلُ في ثَرَى الأرض أهواؤُهم ، وتَنْقَرِضُ بين المَعْمَعَات فِتَنُهم كما انقرضت أهواءُ وبدعُ وفتنُ مَنْ قبلهم ، لأن الصحيح هو الذي يَصِحُّ ، وما عند الله خَيْرٌ وأَبْقَى ، وما كان لله دام واتصل وما كان لغيره انقطع وانفصل وقد أرانا الله عاقبة أمر هؤلاء المفرقين للصف والجماعات ، كيف تفرقت بهم أهواؤُهم أَيَادِيَ سَبَأ ، لم يعضّوا على السنة بالنواجذ ، بل استعملوا أنيابَهم ونواجذهم في عَضّ إخوانهم الدعاة والعلماء ، فلما فَنِيَ المعضوضون من مخالفيهم ، التفتوا إلى القريبين منهم وأعملوا فيهم العَضَّ والنَهْشَ والنَّهْسَ والمَضْغَ ، فهل تُحِسُّ منهم من أحد أو تسمع لهم رِكْزَاً ؟
إن هذه الثلة ومَنْ يَخْطُو خُطاها ، ويَتَلَمَّس منهاجها ويقتدي ببعض أساليبها يجب عليه أن يراجع نفسه ، ويحاور ضميره ، فالخَطْب عظيم ، والمعركة مع العدو فاصلة ، وليس ثمة واجب أوجب من السعي للتمكين لهذا الدين بمواجهة أعدائه الحقيقيين ، والنداء على ثوابت الإسلام والأمة ، وتذكير الخليقة بعهود الله ومواثيقه ، وليس من واجب أوجب من أن نسمع العامة المعتقد الصحيح ، وأن نذكّرهم أنهم عبيد لربهم ، وأنهم خاضعون لجبورته ، أسرى في يد الشريعة الطاهرة ، لا ينفكّون عنها بحال ، فمن لها إنْ لم يَقُل السلفي : أنا لها أنا لها . . ؟ من لها إن تخلّف عنها تلاميذُ ابن حنبل وابن تيمية وابن عبد الوهاب ؟ من لها إنْ خَذَلَها أتباع محمد صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي ؟ إنْ حِيْل بيننا وبين هذا الدور بتلك المخاوف المتوهمة ، والهواجس المظنونة فلن يمر وقت طويل لنرى فيه عقوبة الاستبدال قد حلّت بديارنا ، فيخرج من أصلاب غيرنا ، بل نرى من كانوا أعداء لنا قد تمسكوا بالمنهج الحق ، وحازوا الظّفَر وصارت لهم الحَظْوة والمُكْنة في الدنيا والآخرة ، وعندها تَذْكُرُ تلك الثلة قول الله تعالى : ( وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمَاً . غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُوْنُوْا أَمْثَالَكُمْ )
أيها الشباب السلفي . . تحركوا قبل أن يجرفكم التيار ، استبقوا الأحداث قبل أن تعلو رقابكم المقاصل ، هبوا لنصرة الدين قبل أن يأتي زمان تستنصرون فلا تُنصرون ، أروا الله من أنفسكم خيرا ، بشّروا بهذا المنهج الكامل الشامل ، أخبروا الناس بما خلقوا من أجله ، أنذروهم بما أنذرهم الله به ، أعلنوا هذا في كل الميادين يا أيها الشباب السلفي . . ما خلقتم للولائم ، ومفاخذة النساء ، ومثافنة السفهاء ، ما تعلمت علما لأجل الجدل ، وما حويت فهما لتكون مفلسا من العمل ، ولا رفع الله مقامك بهذا المنهج لتكون من الهمل بل
قَدْ هَيَّئُوْكَ لأمْرٍ لَوْ فَطِنْـتَ لَـهُ - - - فَارْبَأْ بِنَفْسِكَ أَنْ تَرْعَى مَعَ الهَمَل .
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
رضا صمدي
  • رسائل ومقالات
  • كتب وبحوث
  • صــوتـيـات
  • الصفحة الرئيسية