صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







ما أشبه الليلة بالبارحة!!

د.سعد بن مطر العتيبي


في الآونة الأخيرة كثر الشانئون لعقوبة الردة في الشريعة الإسلامية، من حملة الفكر المستورد في عالمنا العربي، وكثر نقدهم وسخريتهم بالأحكام الشرعية؛ وقد ذكرتني الحملة التي شنت على الشيخ العلامة عبد الرحمن البراك في فتواه عن مضمون مقالين لبعض المستكتبين، تلك الفتوى التي بيَّن فيها تضمُّن الكلام للكفر، ولم يحكم على المستكتبين بالكفر، وإنما بين أن ما ارتكباه يستوجب المحاكمة الشرعية، التي ربما تكشف براءتهما في حال إعلانهما رفض ما تضمناه من كفر يتعلق بمناقضة معلوم من الدين بالضرورة.

وقد ذكرتني الحملة على الشيخ عبدالرحمن البراك -حفظه الله- حملة إعلامية صاحبت الحكم الذي أصدره شيخُنا وأستاذنا الدكتور فاروق عبدالعليم مرسي -أجزل الله مثوبته- رئيس محكمة الاستئناف في جمهورية مصر العربية -آنذاك- على المدعو (نصر أبو زيد)، حين قضى بردته والتفريق بينه وبين زوجه، وما قضى به أستاذُنا عقوبة مقننة، هي ما أمكنه من حكم على المذكور، وقد بيَّن فيها الحكم بجملة كبيرة من الأسباب القانونية القوية التي لا يجرؤ مُحامٍ محترم على إعطاء أمل بدفعها، ومع كلِّ ذلك ما زال القوم يتأوَّهون من ذاك الحكم القانوني القوي، الذي فرَّ المحكومُ عليه بعده إلى البلاد الأجنبية (هولندا)، التي صدر من أرضها فلم فتنة؛ ذلك الفيلم الذي تضمن مقاطع صوتية عربية اللغة لا يعرفها النائب الحاقد فولدرز! وما زالت هولندا تحتضنه من حين فراره، مع أنَّه مدان ومحكوم عليه بمقتضى القانون في بلده بوصفه مجرمًا، وهي التي خرجت منها الصومالية الحاقدة أيضًا.

وكنت قد كتبت مقالاً مكونًا من حلقتين تضمن رؤية استشرافية عنونتها بـ(أخطر آليات تحقيق الأماني الراندية)، وكان مما جاء فيها، ما يلي:

1 - ظهور الدعوات المناقضة للإسلام، كالفكر العلماني والليبرالي -وإن كان بلبوس إسلامي- مستغلة الانحراف الفكري، لفئة من المحسوبين على أهل العلم والدعوة، منذ قرن، كما في كتاب (الإسلام وأصول الحكم) الذي ألفه مرجليوث ووضع حاشيته طه حسين، كما يرى عدد من الباحثين، وإن نُسب إلى الشيخ علي عبد الرازق، ولم يستطع نفيه إلا في وقت متأخر على ما ذكر الدكتور محمد عمارة.

2- ظهور الدعوات التي تطالب بتغيير مناهج التعليم في البلاد الإسلامية ظهورًا خطِرًا، كما نشهد المناداة الإعلامية بتغيير المناهج في جميع بلاد الإسلام دون استثناء، ولم تخلُ تلك الدعواتُ من الإشارة إلى مراعاة الآخر، وإن كان الآخر ذلك الصهيوني المحتل لفلسطين.

3- ظهور التحريفات في الدين وتأويل النصوص من عدد من الكتّاب ممن يُحسبون على أمة الإسلام، ممن بلغت بهم الجرأة أو الجهل أو الانهزامية حدّ المجاهرة بإحياء الدعوى القاديانية المنادية بإباحة الردة عن الإسلام، وعدم تجريم فاعلها، بلْه معاقبته، وذلك ضمن مقولات باطلة منها: نفيهم مشروعية عقوبة المرتد، مع أنها دعوى قاديانية المنشأ، باطلة بطلان الديانة القاديانية.
ومن يقرأ تاريخ القاديانية في الهند يجدها مشهدًا تاريخيًّا من مشاهد تمرير المشروع الغربي، إذ هي صنيعة الحاقدين من المستشرقين وعملاء الجيش الإنجليزي، وما أشبهَ الليلةَ بالبارحة، فتلك الهجمة الفكرية تسببت في ظهور فتاوى من بعض علماء الهند تضمنت تنازلاتٍ من أخطرها جعل جهاد المحتل أمراً غير مشروع!

وللفائدة أُحيل إلى كلام مؤصّل في الردّ على فكرة تطبيع الردّة، تلك الفكرة الخطِرة، وتفنيد قوي لشبهات المنقادين لها، وهو للشيخ الدكتور يوسف القرضاوي سلمه الله، أُلخِّصُه في قوله: "أجمع فقهاء الإسلام على عقوبة المرتد، وإن اختلفوا في تحديدها، وجمهورهم على أنها القتل، وهو رأي المذاهب الأربعة بل الثمانية".

ومن هنا ينبغي أن نقرأ الطرح المتكرر لمسألة عقوبة المرتد، والدندنة حولها، ومحاولة التهوين من شأنها، والتشكيك في وجوبها، وكأنَّ القوم يمهدون لمثل ما نرى من تجاوزات إعلامية.

أين هؤلاء من مراعاة الدستور (النظام الأساسي للحكم) وهو أعلى الأنظمة المقننة في بلادنا حفظها الله؟ لماذا يتجاوزونه في ممارساتهم الإعلامية وغيرها؟! بل لماذا يتجاوزون السياسة الإعلامية العظيمة لبلدنا، في وسائل الإعلام المحلية أو من خلال مواقع تنتسب إلى بلادنا؟!

ووَفق النظام الأساسي للحكم ومرجعيته التشريعية فإن المرتد في السعودية تجب محاكمته وفق أحكام الشريعة الإسلامية والأنظمة الشرعية المرعية.

والمحاكمة تثبت إدانته من عدمها، كما تتطلب استتابته، فإن تاب فيها يكون قد أنقذ نفسه من عقوبة المرتد في الدنيا.

وإن لم يتب وأصرّ على ردته فإنها تحكم عليه بعقوبة الردة التي ورد النص عليها في نصوص من أشهرها قول النبي صلى الله عليه وسلم (من بدل دينه فاقتلوه).

فإن هرب من البلاد أو حصل على جنسية بلد آخر لحماية نفسه؛ وتعذر تنفيذ العقوبة من السلطة المختصة؛ فإنه يفقد حقه في الجنسية السعودية، بقوة النظام، ويمكن أن يعزز ذلك بالحكم القضائي بذلك، وهو ما ينبغي أن يكون، على تفاصيل ليس هذا محل بيانها.

والخلاصة أن الردة خيانة للمبادئ لا يمكن تسويغها فضلا عن تطبيعها، وفق الدعوات القياديانية المتتالية التي يعيد طرحَ أفكارها الليبراليون عن معرفة أو تلقين. وخيانة المبادئ من أخطر الجرائم في القوانين الوضعية أيضًا؛ فالخائن لوطنه يُقتل وَفْق كثير من القوانين الوضعية؛ ولا يترك من غير عقاب في جميع القوانين، ودون أن يستتاب كما في الشريعة الإسلامية.
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
د.سعد العتيبي
  • مقالات فكرية
  • مقالات علمية
  • أجوبة شرعية
  • الصفحة الرئيسية