صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







قراءة لما يحدث في لبنان

د. سعد بن مطر العتيبي


أعتقد أنه لا يمكن فهم ما يجري في لبنان دون قراءة لما يحدث في المنطقة بشكل عام , والأهداف والمخططات المطلوب تنفيذها معلنة أو غيبر معلنة , والوظائف المنوطة بكل طرف فاعل , بدءا من العلاقات الأمريكية – الإيرانية , ونقاط التقاطع والتجاذب بينهما , ومرورا بالعلاقات العربية الأمريكية التي بلغت حد وجود كول بالقرب من الشواطيء اللبنانية في نفس الوقت الذي كان الزعيم الإيراني نجاد يتنقل في بغداد بالقرب من المنطقة الخضراء ! ويتجول في ضواحي العاصمة العراقية في ظل الاحتلال مختارا من يقابله ، وتزامنا مع انعقاد لقاء وزاري عربي في الجامعة العربية التي كانت تبحث الأزمة اللبنانية وحصار غزة ، ومرورا أيضا بما جرى قبل وبعد القمة العربية التي عقدت في العاصمة السورية دمشق , وما اكتنفها من إشكالات وملابسات حول العلاقات العربية – العربية , وتصريحات وزير الدفاع الأمريكي الأخيرة , التي خففت من احتمالية وقوع الحرب بين واشنطن وطهران, وان لم تستبعد – التصريحات- وقوعها في مكان آخر ! وكأنه يشير إلى احتمال تأجج هذه الحرب على غير الأراضي الإيرانية ، وانتهاءا بالتهدئة في غزة , التي قامت مصر فيها بدور الوساطة , ونالت رضا وقبول الفصائل الفلسطينية , وزيارات وزيرة الخارجية الأمريكية للكيان الصهويني .

كما لا يمكن قراءة الأحداث الأخيرة في لبنان , دون النظر فيما أعلن من قبل من مخططات من مثل : الشرق الأوسط الكبير وآليته : الفوضى الخلاقة ! وأدواته الصهيونية وفي مقدمتها الكيان الصهيوني ، ومثل : الخطة الخمسينية لآيات قم ، وآليته : الهلال الرافضي وليس الشيعي ، وأدواته الرافضية وفي مقدمتها حزب إيران اللبناني ..
كما لا يمكن قراءة اجتياح حزب حسن نصر الله – الوكيل الشرعي لخامنئي كما تصفه وثائق الحزب الرسمية - لبيروت الغربية وبعض المناطق السنية واستعراض القوة المسلحة , دون قراءة لإعلان قرارات لم تأخذ صفتها الرسمية –وفق تصريح السنيورة - من جانب الحكومة اللبنانية , ودون حساب لأثر هذه القرارات وانعكاساتها ( المتوقعة ) على الوضع الهش في الداخل المتمثل في حكومة تتأرجح وجيش ضعيف وتكتلات موالاة غير متجانسة ، ووجود بعض القيادات ذات السمعة السيئة والماضي الأسوء ، وغياب الدعم المشهود لشخصيات وقيادات لبنانية أكثر نزاهة وولاء للأمة الإسلامية والعربية وإيمانا بخطورة تنامي الحزب الإيراني اللبناني ليس على لبنان فحسب بل على العالم العربي باعتباره الجناح العربي لإيران ، الذي يعرف كيف يتلاعب بمشاعر الجماهير العربية ، ولا سيما مع امتلاكه آلة إعلامية خاصة وأخرى منثورة في عدد من الوسائل الإعلامية العربية ولا سيما ذات الحضور الجماهيري .

والمتأمل لواقع سير الأحداث التي تنطلق بروح طائفية إيرانية - وإن نفى قادتها - يجد تأجيجا للصراع في لبنان الشام , وأحداثا دامية يقوم بها الحوثيون في اليمن السعيد , ونبرة تهديدات للحكومة اللبنانية واليمنية في ذات الوقت , الأمر الذي قد يلقي بآثاره على المنطقة بأسرها , ويعطي إرهاصات لمستقبل قد يحمل مفاجآت ، ربما تساهم في اكتمال دائرة الهلال الرافضي وفق الخطة الخمسينية لآيات قم ، وفي ظل غياب الرؤية العربية الموحدة والحلول الحاسمة .
وفي نفس الوقت يجد المتأمّل فيما يظهر من أحداث : تهدئة إيرانية أمريكية في الحرب الإعلامية ، ونقلا للاهتمام إلى مناطق أخرى بعيدة عن المفاعلات الإيرانية ، وتحويلاً للحديث الأمريكي الصهيوني عن الهدف ذاته إلى الحكومة السورية في تزامن واضح مع بدايات الحدث ، صاحبته تصريحات كورية عاضدة ، وقصور نظر فيما ظهر من تجاوب عربي !

وهنا يثور سؤالان كبيران :
الأول : هل ثمة تقاطع في المصالح بين إيران واليمينيين الجدد في الحكومة الأمريكية ؟
والثاني : هل الحضور العربي ممثلا في جامعة الدول العربية يقوم بواجبه الإسلامي والقومي ؟
أما ألأول ، فأعتقد أن ما مضى الإشارة إليه من أحداث وتفاعلات ، يجيب بوضوح عن هذا السؤال ، ويكشف وجود حاجة لدى الطرفين لتحريك الأحداث وتوظيفها لتحقيق الأهداف المشتركة وغيرها ، وأن ميدان السباق الجديد يبدأ من لبنان ليس إلا . تحركه يد لجس نبض ، لتتجاوب معه اليد الأخرى تجاوبا قد لا يخدم اللاعبين ، يظهر فيه أن اليد التي امتدت لجس النبض ربما وصلت إلى القلب !
وأمَّا الثاني : فمن المؤسف أن الحضور العربي يبحث في الحلول الظاهرية لمشكلة عميقة ، وإن أدرك بعض أطرافه عمق المشكلة إلا أن الاختلاف العربي يجعل دائرة الاتفاق في الشكل الظاهري ليس إلا ، وهو ما يوقف التفكير في الحل عنده .

إنَّ الحزب اللبناني الإيراني لن يتحول إلى حزب لبناني ما دام زعيمه وكيلا شرعيا للإيرانيين ، وما دام يرفض أي تعويض عن الدعم الإيراني بدعم مشروط بتحقيق الأهداف الوطنية للبنان ، خاصة بعد أن خاض اشتباكات مع الجيش الصهيوني ، ظهر فيها بثوب البطل على حساب الدولة اللبنانية والشعب اللبناني , وصار يمارس وظيفة (دولة داخل الدولة) باختزال الدولة اللبنانية في قوته العسكرية ، وشبكة اتصالاته الخاصة ، وخطب زعيمه السياسية الملتهبة التي ينخدع بها بعض العرب ومنهم بعض القيادات السنية اللبنانية , وسيطرة بعض رموزه في غفلة من الحكومة على مواقع خطيرة لا يصح عقلا أن يصل إليها إلا من يتصف بالعقل الرزين والوطنية الصادقة .

فالحزب الإيراني اللبناني لا يريد المشاركة في الحكم كما أكّد زعيمه في خطابه الأخير , وإنما يسعى لحكم لبنان دون مشاركة من أحد , وإن تعاون مع بعض الفرقاء لتحقيق مآربه ، وهو ما ألمح إليه زعيمه من قبل إثر اشتباكاته مع الجيش الصهيوني ، بأنّ من يجب أن يحكم لبنان هو من يحمي لبنان ومن يقدر على حماية لبنان ، في تجاهل واضح لوقوف اللبنانيين معه ووقوف بعض الدول العربية في دعم لبنان ليتعافى من آثار تلك الحرب على البنية التحتية التي أعادت لبنان إلى سنوات ماضية ، والمؤسف أن يعزز طموحاته دعم غير محدود من إيران ، وضعف الأكثرية السنية واللبنانية الوطنية , التي يعمقها الانقسام بينهم , وغياب الخطط بعيدة المدى لتدارك خطورة تنامي هذا الحزب الإيراني اللبناني .

والحل السياسي المعقول في هذه المرحلة يقتضي السعي الحثيث في إعادة التوازن للقوى اللبنانية الفاعلة , للوقوف في وجه هذه المخططات , ونعني بذلك دعم ومساندة أهل السنة في لبنان , دعما حقيقيا مشهودا بينهم ، لا دعما يسمعون به ولا يرونه كما عبّر بعض أعيانهم المخلصين , لأنهم طرف لبناني أصيل ، وهو طرف أساسي في المعادلة اللبنانية من ناحية , ومن ناحية أخرى يشكلون عمقا استراتيجيا للدول الإسلامية في مواجهة المخططات الإيرانية والصهيونية , خاصة أن هناك أغلبية ضعيفة مهزوزة , وهذا يكون بدعم أعيان السنة المخلصين في لبنان ممن لم يتلوثوا بولاءات أجنبية غير إسلامية .

وبهذه المناسبة أتمنى أن يتداعى عقلاء السنة في لبنان إلى مؤتمر يبحثون فيه الحلول الآنية والمستقبلية للحفاظ على هويتهم الإسلامية السنية وحقوقهم الوطنية ، وأن يلتقوا مع غيرهم من اللبنانيين المدركين لخطورة الحزب الإيراني اللبناني بجميع أطيافه ، من الشيعة وغيرهم ، للوصول إلى تفاهمات مشتركة ؛ تكفل إعادة لبنان إلى منظومته العربية والإسلامية ، التي تتعالى على التجاوب مع المخططات الأجنبية التي تستهدف تفتيت الأمة الإسلامية والعربية والحفاظ على الكيان الصهيوني والمدّ الرافضي في نهاية المطاف ولو في المصالح المشتركة لأعداء الأمة .

وإذا كانت إيران لا تجد حرجا في دعمها غير المحدود لحزب الله ، فإن على الدول العربية التي تدرك خطورة المد الرافضي أن لا تجد حرجا في دعمها لعمقها الاستراتيجي السني في لبنان ، وأن تعلن احتضانها للقاءات المقترحة ، فإن مثل هذه الخطوات مهمة للمساهمة في إعادة التوازن المطلوب في الواقع اللبناني ، والله الموفق .

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
د.سعد العتيبي
  • مقالات فكرية
  • مقالات علمية
  • أجوبة شرعية
  • الصفحة الرئيسية