صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







أسس السياسة الشرعية
(8)
اتباع سنة الخلفاء الراشدين

اضغط هنا لتحميل الكتاب على ملف وورد

د. سعد بن مطر العتيبي

 
طريق الاستدلال باتِّبَاعُ سُنَّة الخُلَفَاءْ الراشدين

ومن أسس السياسة الشرعية اتِّباع سنة الخلفاء الراشدين فيها ، وهو طريق مهم من جهة اتباعهم في الجزئيات وفي طريقة النظر الفقهي المضبوط بحماية المقاصد الشرعية .

والمراد بالخلفاء الراشدين : الخلفاء الأُول الأربعة : أبو بكر الصديق ، وعمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان ، وعلي بن أبي طالب ، رضي الله عنهم أجمعين .

فهم المعنيّون عند جماهير العلماء في قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي … )) " ؛ بل قد حكى الإجماع على ذلك ، ودلَّل عليه غير واحد من العلماء المحققين (1) .

والمراد بسنَّة الخلفاء الراشدين : ما أفتى به وسنَّه الخلفاءُ الراشدون أو أحدُهم ؛ للأمَّة ، وجمعوا الناس عليه ، ولم يخالف نصّاً ، وإن لم يتقدم من النبي صلى الله عليه وسلم فيه شيءٌ . ذكره ابن القيم رحمه الله في معرض استدلاله للاحتجاج بأقوال الصحابة ، والخلفاء الأربعة هم صفوة الصفوة رضي الله عنهم أجمعين (2) ؛ وهذه المسألة أخص ؛ وهي من باب أولى .

فهذا يُتَّبع الخلفاء فيه متى تحقق مناطه ، وإن خالف فيه بعض الصحابة باجتهاد ؛ فقد أقرَّ الصحابة بعضهم بعضاً في مسائل تنازعوا فيها ولم يعنف بعضهم بعضاً بها ، قال أبو العباس ابن تيمية رحمه الله : " وقد اتفق الصحابة في مسائل تنازعوا فيها ، على إقرار كل فريق للفريق الآخر على العمل باجتهادهم ؛ كمسائل في العبادات ، و المناكح ، والمواريث والعطاء ، والسياسة وغير ذلك ... وهم الأئمة الذين ثبت النص أنهم لا يجتمعون على باطل ولا ضلالة ودل الكتاب والسنة على وجوب متابعتهم " (3) .
أمَّا مَا سنَّه الخلفاء الراشدون ، ولم ينقل أنَّ أحداً من الصحابة خالفهم فيه ؛ فهذا من مسائل الإجماع . قال أبو العباس ابن تيمية : " والذي لا ريب فيه أنَّه حجة : ما كان من سنَّة الخلفاء الراشدين الذي سنُّوه للمسلمين ، ولم ينقل أنَّ أحداً من الصحابة خالفهم فيه ؛ فهذا لا ريب أنَّه حجَّة ؛ بل إجماع . وقد دلَّ عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي … )) " (4) .

ومما يحسن التنبيه إليه أنَّ عمل الخلفاء الراشدين يعدّ من مرجحات معاني المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم عند اختلاف الصحابة رضوان الله عليهم فيه (5) .

-ويدل على حجيَّة الأخذ بسنَّة الخلفاء الراشدين أدلَّة ، منها :
1) قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ )) رواه أبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه ، وغيرهم . و صححه جمع من أهل العلم ، منهم الترمذي ، والبزار ، والحاكم (6) .

فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قرن سنة خلفائه الراشدين بسنته ، وأمر باتباعها كما أمر باتباع سنته ، وأنَّ سنتهم في طلب الاتباع كسنَّة النَّبي صلى الله عليه وسلم ، " وبالغ في الأمر بها حتى أمر بأنَّ يُعض عليها بالنواجذ ؛ وهذا يتناول ما أفتى به جميعهم ، أو أكثرهم ، أو بعضهم ؛ لأنَّه علّق ذلك بما سَنَّه الخلفاء الراشدون ، ومعلوم أنَّهم لم يسنُّوا ذلك وهم خلفاء في آن واحد ؛ فعلم أنَّ ما سنَّهُ كل واحد منهم في وقته فهو من سنَّة الخلفاء الراشدين " قاله ابن القيم رحمه الله (7) ؛ ولو خالفه غيره من الصحابة كان المصير إلى قوله أولى ،كما قال الخطابي رحمه الله (8) .

2) قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( إِنِّي لا أَدْرِي مَا قَدْرُ بَقَائِي فِيكُمْ فَاقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي وَأَشَارَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ )) رواه الترمذي وابن ماجه ، وحسنه الترمذي ، وصححه ابن حبان والحاكم والذهبي وغيرهم . ففي هذا الحديث أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالاقتداء بأبي بكر وعمر – رضي الله عنهما - زيادة تأكيد على ما في سابقه من الأمر باتباع سنة الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم .

3) أنَّ رأيهم أقوى من رأي غيرهم ؛ لأنهم شاهدوا طريق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في بيان أحكام الحوادث ، وشاهدوا الأحوال التي نزلت فيها النصوص ، والمحال التي تتغير باعتبارها الأحكام ؛ فبهذه الأحوال يترجّح رأيهم على رأي من لم يشاهدوا شيئاً من ذلك (9) ؛ وهم أعرف بالمقاصد ؛ فهم القدوة في فهم الشريعة وما يجري على مقاصدها (10) .

هذه جملة مختصرة في بيان هذه الطريق ، التي هي من طرائق الاستدلال المهمَّة في مجال السياسة الشرعية ؛ وهي أخصّ من مسألة الأخذ بقول الصحابي التي كثر كلام الأصوليين فيها .

بخلاف هذه المسألة ، مع تخصيص بعضهم لشواهدها ، من مثل حمل بعض الأصوليين تولية عثمان بن عفان رضي الله عنه بشرط اتباع سيرة الخلفاء الراشدين بقوله : " المراد متابعته في السيرة والسياسة ".
وظاهر الأدلة أنَّ المراد أعم من ذلك كما سبق بيانه ، والله تعالى أعلم .

--------------------------
(1) ينظر : عارضة الأحوذي ، لأبي بكر ابن العربي : 10/146 ؛ وإجمال الإصابة في أقوال الصحابة ، للعلائي : 49 ؛ وشرح الطيبي :1/330 ؛ وجامع العلوم والحكم ، لابن رجب : 2/122 ؛ ومرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ، لملا علي القاري : 1/109 ؛ و سنة الخلفاء الراشدين – بحث في المفهوم والحجية ، لزيد بو شعراء :98 ، جامعة محمد الخامس بالمغرب .
(2) ينظر : إعلام الموقعين ، لابن القيم : 4/176 ؛ وجامع العلوم والحكم ، لابن رجب : 2/ 123- 126 ؛ و سنة الخلفاء الراشدين – بحث في المفهوم والحجية ، لزيد بو شعراء :98 ، وما بعدها .. وينظر : تحرير مسألة حجية قول الصحابي في كتب الأصول ، ومن أجمع ما كتب في ذلك كتاب : الصحابي وموقف العلماء من الاحتجاج بقوله ، لشيخنا / د. عبد الرحمن بن عبد الله الدرويش .
(3) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية : 19/122-123 .
(4) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية : 20/573-574 .
(5) ينظر : سنة الخلفاء الراشدين – بحث في المفهوم والحجية ، لزيد بو شعراء :306 .
(6) قال الحاكم : " وقد استقصيت في تصحيح هذا الحديث بعض الاستقصاء على ما أدى إليه اجتهادي … وقد صحّ هذا الحديث والحمد لله " (المستدرك :1/96-98) ؛ وينظر : جامع العلوم والحكم ، لابن رجب : 2/109 ؛ و إرواء الغليل ، للألباني : 8/107 .
(7) إعلام الموقعين : 4/176 ؛ وينظر : الاعتصام ، للشاطبي :1/87-88 ؛ والموافقات ، له : 4/290-293،449 ؛ وإجمال الإصابة في أقوال الصحابـة ، للعلائي :49-50 ؛ وجامع العلوم والحكم ، لابـن رجب : 2/120-121 ؛ وكشف الأسرار ، للبخاري : 3/407 ، 414 .
(8) معالم السنن : 7/12 ، بحاشية مختصر سنن أبي دواد ، للمنذري ؛ وينظر : شرح السنـة ، للبغوي :1/207 ؛ وتهذيب سنن أبي داود ، لابن قيم الجوزية : 7/12، بحاشية مختصر سنن أبي داود للمنذري .
(9) ينظر : أصول السرخسي : 2/108 .
(10) ينظر : روضة الناظر ، لابن قدامة : 1/405 ؛ والموافقات ، للشاطبي : 4/132-133، 293، 409 ؛ وينظر لمزيد الفائدة : عصر الخلافة الراشدة ، لأكرم ضياء العمري :82-85 .


نشر في موقع المسلم http://www.almoslim.net/

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
د.سعد العتيبي
  • مقالات فكرية
  • مقالات علمية
  • أجوبة شرعية
  • الصفحة الرئيسية