صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







( لن نؤمن لكم قد نبَّأنا الله من أخباركم ) ! ولكن !

د. سعد بن مطر العتيبي

 
(1)

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله ومن والاه .. أما بعد ..

مدخل :

يحكي فيما يحكى أنَّ فلاحاً ضاق ذرعاً بمزرعته التي لا تنتج غير أنواع يسيرة من الخضار والفواكه الصيفية والشتوية ، وشيء من حب موسمي ؛ وذلك أنه استيقظ ذات يوم على ضجيج أصوات بعض تجار الألماس الذين يفوقونه كثيرا في الثروة ، مع أنَّ أعمارهم لا تجاوز سني أوسط بنيه ! ونصحه بعضهم بابتياع مزرعته ليلحق بهم في المادة والسعادة ! .

أصابت كلماتهم من سوء قناعته مقتلا ، فأصابه قلق شديد ، فما هنأ بيومه ولا بغده ، بل وتعكر عليه أمسه حسرة وألما .

فما كان منه إلا أن عرض جنته للبيع دون مزاد ، وباعها بأبخس الأثمان ليذهب في خطى عجلى نحو مجمع تجار الألماس ، ويؤكِّد رغبته في ابتياع أحد مناجمهم ، ليدرك ركْبَهم وينال غبطتهم ، ويُسَرَّ بالاندماج فيهم .. وسابقت الفعال الخيال .

ولكنه لم يدرك أنَّ للمهنة سِرّاًلم يعلمه !! فما راعه إلا نكرانهم له ، وأَنَفَتُهم من تقربه إليهم ! وانقلب يبحث عن إقالة بيعته لمزرعته .. ولكن أنَّى له ذلك ، وقد اكتشف المشتري أنها تتربع على منجم ألماس بكر عتيق ، لم تستنزفه آلة عصرية ، ولم تلامسه يد فنية ! وانقلب باكياً متحسِّراً ؛ وما كان له أن يأسى ويحزن لو أنه عرف بعض تاريخ مزرعته ! وحاول البحث فيها عن الألماس قبل بيعها أو سأل أهل العلم إذ كان جاهلا .

وهكذا بقي حزينا مذبذبا ، يتقطع أسى وحسرة .
فلا هو في العير ولا هو في النفير .
تذكرت حينها دعاة الحراك الثقافي من بني قومنا .


ومن هنا أبدأ موضوعي هذا في نقاط :

1)
وصل مبعوث خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى هرقل ملك الروم ، يحمل الرسالة التالية : « بسم الله الرحمن الرحيم : من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم ، سلام على من اتبع الهدى ، أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام : أسلم تسلم ، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين ، وإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين و يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهـدوا بأنـا مسلمون » [ البخاري ح(7) ؛ ومسلم ح( 1773 ) ] .

وفي هذه الرسالة يحذر النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم الإمام الأعظم للدولة الإسلامية ، زعيمَ دولة عظمى من خطر حجب الدعوة الإسلامية عن رعايا دولته : " فَإِنْ تَوَلَّيْت فَإِنَّ عَلَيْك إِثْم الأرِيسِيِّينَ " أَيْ : فإن أَعْرَضْت عَنْ الإجَابَة إِلَى الدُّخُول فِي الإسْلام ؛ فإنَّ عليك إثم رعايا دولتك (الأرِيسِيِّينَ ) : الذين ينشغل كثير منهم بالفلاحة ؛ لأنَّ العادة أن الشعوب تقلِّد الرؤساء بمختلِف طبقاتهم . هذه الواقعة صورة من صور الحَرَاك الشرعي .. اتخذت من الدبلوماسية المثمرة آلية تنفيذ لواجب تبليغ الرسالة الإلهية ، وهي أصل من أصول الحَرَاك الدعوي الشرعي .. يعرض الحقيقة الشرعية كما هي دون ، دون خجل أو وجل .. كما هي دون تلبيس من أجنبي أو تدليس من منتمي .. كما هي دون اندفاع مُحِقٍّ أو انهزامية متشكِّك.. كما هي دون مؤثر خارجي فكري أو ثقافي أو وظيفي .. كما هي .. كما هي طاهرة نقية طهارة ماء السحاب المُكوَّن في سماء لم يعلق بفضائها ملوِّث .. نقلية عقلية منطقية سهلة ، سهولة استجابة الفطرة في أمَّة أميّة .. لا عجب حينها أن تستقبل بالإعجاب من الإنسان بصفته إنسانا ، من أي عِرقٍ وفي أي أمَّة ، ومن أي لون وأي جنس ، بل وأي عصر وأي ثقافة ! ولم لا ؟! وإنما تقوم ببناء القناعة بها - بصفتها حقيقة - الحجة ، وإن صرف عن اتباعها صارف خارجي .. ما أجمل الحقيقة حين تعرض بشفافية ووضوح ، دون تدخل بشري يحوِّرها بخلفيته .


2)
قدَّمت بهذه الواقعة التأصيلية وهذا التعليق المختصر ؛ لأنّ مما يؤسِف ، أنَّ كثيراً من الحقائق غيّبها أو شوَّهها أناس ينتمون إلى مجموعات الباحثين والمفكرين والمثقفين والكتاب ( لي تحفظ على وصف كاتب ؛ لغموضه . . وإن كان يذكر مؤهِّلا للكتابة الصحفية في الغالب ) وذلك في جميع الثقافات والحضارات .. إنَّها لَمَأساة لبني الإنسان أن يتولى الإنسان – الذي أكرم بالعقل والبيان المعرفة – تجاهل الحقائق أو حجبها أو تشويهها أو التنفير منها ، لمصالح شخصية أو حزبية أو سياسية ، أو لمجرد نشأته في بلد من البلدان أو تفرعه عن عرق أو انتمائه لحضارة ما أو تعلقه بأيديلوجية معينة أو إعجابه الخاص بشيء من ذلك .

أليس ذلك جريمة في حق الآخرين الذين يتلقون تلك المخرجات التقريرية أو البحثية أو الفكرية المزوَّرة ، بوصفها حقائق أو حلول تستحق الاقتناع بها والدفاع عنها والتصدير والتنفيذ أو التجربة ؟! أليس في هذا التصرف امتهان للغش والخداع الخطير ، ولا سيما إن رُوِّج الزُّور بما يوصف بأنَّه وثائق !!؟ أليس حال هؤلاء مع قرَّائهم ومتابعيهم ، كمن يُقَدِّم صنوفاً مُلْعِِبَةً من الطَّعام القاتل للجوعى ، أو قطعاً من الحلوى المسمومة المعبَّأة في قراطيس برَّاقة للأطفال الأبرياء ، ولا سيما إن كان باسم الإنسانية !؟ عجب ، فها هي المادية التي لا تؤمن بما وراء الدنيا تُقنِّن لما يعرف بإبرة الرحمة القاتلة !.


3)
لا .. لن أتكلم عن التشويه الغربي أو الشرقي للحقائق التاريخية والحضارية والشرعية الإسلامية ؛ فذاك أمر قد كتبت فيه ، وكتب فيه كثيرون من قبل ومن بعد ، حتى من القوم إيَّاهم ، ومن أواخر ما قرأت في ذلك كتابات روجيه دوباسكويه ومراد هوفمان في كتابه الجديد ( الرحلة إلى الإسلام ) ؛ بل وكتَبَ في كشف ذلك بعض ذيول المشوِّهين شديدة الإعجاب بهم من أمثال هشام جعيط ، تلميذ العلماني حتى النخاع أركون ! وقد ناقشت بعض هؤلاء الغربيين ممن أعماهم كره الإسلام وأهله عن ملاحظة المعايير الأكاديمية و الذوقيات الإنسانية عند الحديث عن ثقافة أمة كاملة حاضرة - غارقة في أعماق التاريخ بحضارتها ، متكاثرة على مرِّ العصور بمتبعي ملتها ، جعلت لها الأرض مسجدا وطهورا لسعة بقعتها - وبينت له تجاهله للمصادر التي لا تخفى على مثله قطعاً ، وبينت له - على الملأ - كم كان ساذجاً إلى حدّ السخافة في ظنه أنه لم يعُد بنا حراك حتى على مناقشته ! .

نعم ، نعلم يقينا أنهم ( ليسوا سواء ) ، وهكذا تعلمنا من القرآن .

ففيهم من تجد في مقالاتهم ومؤلفاتهم ومناقشاتهم من الإنصاف ما يجعلك تأمل منهم خيرا ، وتجد فيما يكتبون ماّدة مقنعة للأجانب ، تكشف تزييف الآخرين من بني قومهم للحقائق .. من أمثال هنري لاووست وجون أسبيزيتوا في كثير من مؤلفاتهم ومقالاتهم .

وإنما سأتكلم – إن شاء الله تعالى - عن بعض بني قومنا من المثقفين أو المنتسبين إلى الثقافة ممن يتصدون لنشر الكلمة – بكتابة مقالات في الصحف والمجلات ، أو تأليف كتب أو ورسائل أو روايات أو مسرحيات ، أو إجراء مقابلات مرئية أو مسموعة ، وغيرها من وسائل نشر الكلمة والفكر – ليسوا على طريقة واحدة ، بل هم طرائق قددا ، ولكن يجمعهم النفرة من غيرهم ، والاعتراف بمن ينتمي إليهم أو يمجدهم وإن لعنوه دهرا إن بقي على بقية ما لديه .. واختلاف طرائقهم وولاءاتهم يجعل الحديث عنهم لا يكاد يخلو من لبس أو جور .

فالنَّافِرُ من حقيقةٍ ليس كارهاً للحق لزاما ، ولا كل من ظهر منه ما يخالف معلوماً بالضرورة من المخالفين قصداً .


ولعلي أحاول استعراض أهم ما يحضرني من أطيافهم على منهج القرآن .. ومنهم .. ومنهم .. مع تعليق يفتح آفاقا في النظر في الخلفية ، والمعاملة في الواجهة.. لنا حتى لا نخدع من جحر مرتين
.. ولهم إن شاؤوا لأنفسهم نفعاً .. و والله إنَّنا لنحب لهم الخير ، ونتمنى منهم العودة إليه ، لتأمين مستقبلهم في الآخرة ؛ فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل .. ولكي لا يعيقوا الإصلاح الذي طالما طالبونا به بإشغال الأمة بفكر غيرها .

وعلى كلٍ فهم بالنسبة إلى الحق فِرَق :

أ ) فمنهم من علم بالحقيقة ، لكنه لم يتعلَّمها .. أو علِمها ثم زاغ عنها ، وناقضها ،كما قال الله عز وجل في شأن يهود : ( فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين ) ؛ وهؤلاء منهم نصارى عرب فقدوا عروبتهم فلا دين ولا عروبة ، وهؤلاء أمرهم أظهر من أن يتحدث عنه .. ، ومنم من هو من مسلمة الدار ، الذين لم يهوِّدهم آباؤهم ولم ينصرِّوهم أو يمجِّسوهم أو يزندقوهم .. ، وإنما اجتالتهم شياطين الإنس من أساتذة السوربون وهارفارد وما إليهما في زمرة منهم ، واجتالت الزمرةَ الأخرى منهم الشيوعيةُ ومخرجاتها من مدعي مناهضة الامبريالية من البعثيين ، والناصريين ، ومن نحى نحوهم أو تفرع عنهم وكذا من خدعه بريق الاشتراكية حينها .


والزمرة الأخيرة شغَّبت على الأمَّة دهراً بالثورات والحروب والتفجيرات ، فهم أهل الأولى في التفجير والتنكر للمجتمع المسلم ! فطالما آذت الأمة
..!! وسنة لبعض مغرريها سنة سيئة بذلك.. وهي اليوم تحاول خداع الأمة بإجراء تجربة أخرى ، تعتمد على النيل من الإسلام ، عقيدةً باسم ( التسامح ) تارة وبأخريات أخرى ، وشريعةً بنقد فتاوى علماء الإسلام والتبرع بفتاوى من جيوبهم يغلفونها بسوء أفهامهم أو سوء نواياهم عند من يحسن بهم الظن ! و من خلال نقد ما يُحَدِّدُه منظِّروهم بـ(المؤسسات الدينية) ! أو برموز مدرسة الاعتصام بالكتاب والسنة ولا سيما مُفَنِّد أصول أفكارهم أبو العباس ابن تيمية ( وإني لأعجب : لِمَ لَمْ يتعرض مارتن لوثر من بني قومه لمثل ما تعرض له ابن تيمية ! ) .. كل ذلك بالاستناد إلى خلفيات فكرية وفلسفية أجنبية المنشأ ، أجنبية المشكلة ، أجنبية الحل .

لا ندري إن كان آحادهم يعلم كلَّ ذلك فضلاً عن أن يفقهه أو أنهم إنما يردِّدونها ، على نحو ما أشار إليه الشاعر بقوله :

أثّر البهتانُ فيه ... وانطلى الزّور عليه !
يا له من ببغاء ... عقلـه فـي أذنيه !

أمَّا من خلال ما نراه منهم اليوم ، فأنا أؤكد لكم - ولهم أيضاً على اختلاف أجيالهم - أنهم لم يأتوا بجديد ! لا في مجال الفلسفة ، ولا في مجال الشبهة ! فكم من كتابٍ في الرد عليهم أُلِّف منذ عقود ! وأرشدت بعض أحبابنا إلى كتاب في ذلك أُلِّف قبل أن يولد أبوه ! بل حتى نظرية ( النسبية ) التي أزعجنا بها صغارهم ها هي اليوم تُرَدّ بسخرية واستهجان في جامعاتٍ أمريكية ، هذا ما أعلمه ، وأجزم أن لدى أهل الاختصاص ما هو أشدّ تفنيداً ! ومن ثم فهم يخطئون حتى في النقل .

باختصار إنَّهم كما قال د. عبد الوهاب المسيري : ينقلون " أفكاراً لا فكراً أو منظومات فكرية ، فكلمة فكر تفترض وجود منظومة مترابطة من الأفكار التي يوجد بينها وحدة ما ، ونموذج معرفي واحد ، وحينما يتم نقل الأفكار دون إدراك للنموذج الكامن وراءها ، فإنه يتم تجاهل أبعادها المعرفية ( الكلية النهائية ) ومن ثم يختفي المنظور النقدي وتتعايش الأفكار المتناقضة جنباً إلى جنب ولا يمكن التمييز بين الجوهري منها والهامشي " .

وهذا بعض سرِّ تناقضهم في لا أدبياتهم ! ومن عجب أنهم يعدون التقلب الفكري نوعاً من البراجماتية المحمودة ! ولو كانت في المباديء ! وكأنَّ الأمة حقل تجارب ينظِّرون لها يوما بأفكار الشرق ، وآخر بأفكار الغرب ! وإني لأتذكر قول الله عز وجل : ( بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج ) ! مختلط ملتبس ليس له نهاية مرْضيّة .. لقد ملكت فئة منهم القرار وتقلدت أعلى المناصب في بلادها ، وكان القرار لهم هم دون معارضة من ذي قرار ؛ فما نالت منهم الأمة غير النكسة تلو النكسة ، ثم الذلة تلو الذلة ، والمهانة في ذيل المهانة .. وإن تهامسوا حينا من الدهر بحلم الوحدة العربية ! نعم منهم رافعوا شعارات لمآرب خاصة .. ومنهم من تلبَّس عليه الأمر فطبَّل وابتهج ، ثم خاب ظنه بعدما أفاق على حقيقة ما جرى .. فعلم أنه أضاع عمره في الاحتفال بمأساة ليس إلا .. خدعهم من نشأوا في ديار المسلمين وتنكروا للإسلام تصريحا أو تلميحا.. ولا تزال لهم فلول .. وأصيبوا بخيبة أمل بعد سقوط جدار برلين .

فقد كانوا حينا من الدهر يصفقون لخرتشوف في منصة افتتاح سدّ أسوان وقد اعترض على بدء المصريين الاحتفال بـ ( بسم الله الرحمن الرحيم ) وقال : نبني لكم السدّ وتقولون : الله ! الله !.

وهكذا كانوا سعداء في عصر قادة السوفييت الحديديين و الحاكمين بالحديد والنار .. فما أسعدهم أيام برجنيف الذي كان يواجه رونالد ريغان الرجل الحديدي في الجهة المقابلة بغطرسة حمراء .. وهكذا أيام قسطنطين تشيرننكوا ، ولكن ذبلت سعادتهم أيام يوري أندروبوف .

وكأنهم على موعد مع مخيِّب آمالهم ( قورباتشوف ) ! فحاروا في فهم بيرسترويكاه أيما حيرة ، بل إنَّ منهم من اتهمه بالعمالة للإمبريالية والخيانة للشيوعية ! ولم يشفع له أنَّه كان أمينا عاما للجنة المركزية للحزب الشيوعي حينها عام 1985م بالتاريخ الذي يحبون ؛ ولم يشفع له وصفها بقوله : " عملية إعادة البناء والتفكير السياسي لنا ( الاشتراكيين ) وللعالم أجمع " ! ولم يأبهوا بكل عبارات الثناء والتمجيد - إلى حد التقديس – لشخصية كبيرهم فلاديمير ايليتش لينين ! فكذَّبوا ثم كذَّبوا ، وكانت لهم تصريحات – وددت لو كان لدي وقت لعرض بعضها ، لنعلم كم كانوا شيوعيين اشتراكيين أكثر من سلفهم من تلاميذ لينين ذاته ! - .

ثم ارتدُّوا عليها فقدموها قرباناً للزحف نحو الليبرالية ، ولو بحب الانتساب لها ، وإن يكن تحت مسمى الإصلاح ! قلنا : لمن ؟ قالوا : لكم ؟ ونقول : لا .. ( لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين ) .. نحن نمشي بخطى أصيلة في الإصلاح الذاتي ، مع الإادة من كل مفيد عري عن الفكر الأجنبي ، شأن العقلاء .. وإن تأخرت الخطوات حيناً ، فلن ننسى كم أخَّرنا ماضيهم ! جعلوا الأمة تعاني طيش رموزهم ، وتحيزهم ضد الأمة ، في وقت كنا أحوج ما نكون لبناء البنية التحتية للعالم العربي من المحيط إلى الخليج ! وشغَّبوا بالثورات والانقلابات ومحاولاتها ، بل وبالصوت الإذاعي المهيِّج في ظاهرة صوتية ابتدعوها ، حتى كان لهم ( صوت العرب من القاهرة ! ) وكان لنا ( صوت الإسلام من مكة ! ) ، ولا زال في نفوس بعضهم منها حسيكات .. فلا حرم الله الأمة من خليفتها : ( نداء الإسلام من مكة المكرمة ) .

ورحم الله الملك فيصل فكم كان موفقاً في معالجته لتلك المرحلة الخطيرة جدا.. باستناده إلى الكتاب والسنة في صدّ العدوان والقضاء على الفتنة .

أعود لأقول : جاءتنا فلول الزمرة التي يجمعها أنها في الهم ( سوفييت إن شئت فقل السوفييت العرب ) بحيلة عيشٍ أخرى ! بعد أن لفَّوا الكرة الأرضية من جهة المشرق لِيَقْدُموا إلينا من جهة المغرب متسترين في عباءة الاعتذار بالعولمة بعد أن حاروا قبلها كيف يعتذرون ! وهكذا انضموا إلى الزمرة الأولى التي خرَّجت جيلها الأول السوربون وهارفارد ، ثم فرَّخت زغبَ الحواصل لا فكر ولا هدف .. الآتي ذكر جيلهم الحالي في الفقرة (ج) إن شاء الله تعالى .

فقد شغَّبت هذه الفئة ، وهي تستمتع بالتقلب في أحضان القوم الآخرين ، تتوسد الفخذ اليمنى مرّة والأخرى أخرى ! بعد أن قضى على تطلعاتهم سقوط جدار برلين ، بأسباب من أوجعها لهم ما عبر عنه بعض السياسيين الغربيين بقوله : إن وراء سقوط جدار برلين حرب تدور رحاها في أفغانستان ! .. كما خيَّب ظنَّهم وقطع رجاءهم قورباتشوف فزاد الطين بلَّة .. والألم حدّة .. واليأس قنوطاً .. فكانت تجربة محبطة ومخيبة لآمالهم .. فلا عجب أن صارت أفغانستان كابوس ليلهم ، وحديث نهارهم .. ومع كل حملاتهم الإعلامية من خلال وسائلهم ووسائل غيرهم تبين لهم أنها لم تكن ذات جدوى .. فقد فُجِعوا بأنَّ الأمة أبت إلا أن تقول لهم : ( لا تعتذروا لن نؤمن لكم قد نبَّأنا الله من أخباركم ) .. ومع أنَّ منهم من يعلم بطلان حجته ، إلا أنَّه يتمادى في غيِّه وكأنَّه لم يسمع قول خالقه : ( بل الإنسان على نفسه بصيرة () ولو ألقى معاذيره ) .

فاصل : يحكى أن شاباً خطب فتاة عصرية التربية ( تخدمها الخادمة في كل شيء ) وعقد عليها على سنة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ولما دخل بزوجته آنسته برومانسيتها المتوقعة ! ولكن أراد أن تبدي له شيئاً من تفننها المطبخي ؛ فقدمت له الغداء وجبة ساخنة من معبَّئة أندومي سريعة الطهي ، ولم تنس أبازيرها المرفقة ! تماماً كما كانت ترى الخادمة تصنع - في بيت نشأتها - حين طلبها منها أكلة سريعة .. ثم أخفى عتبه عليها ، قائلاً : لعل لها عذرا ؛ ولما جاء وقت العشاء ، ودعته إلى السفرة ! وإذا الوجبة هي هي بالطبع ( أندومي ) لا أدري ربما كانت بنكهة أخرى غير نكهة الدجاج التي كانت في الغداء ! فما كان منه إلا أن أقسم قائلاً : " أندومي .. أندومي .. والله لا تدومي ..!! " .

أتذكر هذه الحكاية عندما أقرأ لبعض كتَّاب صحفنا ، موضوعاً واحداً يعرضه لقرائه على طول الموسم وحتى لا نظلمهم فإنها تختلف من حيث النكهة فقط ، ولكنه هو .. هو .

إمَّا هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
أو المراكز الصيفية !.
أو المؤسسة الدينية !.
أو ( قاهرهم قبل أن يولدوا بقرون ! ) أبو العباس ابن تيمية !.
أو نحو ذلك مما ملَّ الناس حديثهم عنه ، ولا سيما بعد بت ولاة الأمر – رعاهم الله - فيه بما تقتضيه المصلحة الشرعية !! .


يتبع إن شاء الله تعالى ..

 


( لن نؤمن لكم قد نبَّأنا الله من أخباركم ) ! ولكن !
(2)


بداية أنبِّه : ليست هذه الحلقات سوى عرض مختصر ، أبيِّن فيه للأمَّة بعض سبيل القوم للتفطن والحذر واستلهام العبر ؛ فليس هو حوارا مفتوحاً مع أحد ، لأسباب سأشير إليها — إن شاء الله تعالى - اللهم إلا لمن شاء ممن قد يفتح الله على قلبه .. فيعود إلى أمته قلباً كما هو قالباً .

في الحلقة السابقة كان الحديث عن السوفييت العرب وفلولهم ، وتحولها إلى موضة الانتساب إلى اللبرالية ، لا إلى اللبرالية ؛ وليتهم ليبراليون حقا ، لهان الأمر .

نعم منهم قلة ربما يعدّون على الأصابع تجد لديهم ما يشعرك أنهم أصحاب مبدأ مهما كان خاطئاً .. ولكن غالبية من نرى مخرجاتهم - منهم - ليسوا كذلك ، فما هم إلا متمسحون باللبرالية ! ولذلك لن ينتهي عجبك منهم فهم يريدون أن يفسروا اللبرالية ، وكأنهم أهل المصطلح يفسرونه كما يشاءون !.

ولك أن تزداد عجبا ممزوجا بحيرة ، حين تسمع أو تقرأ - لبعض من خدع بقولهم - عبارة : ( اللبرالية الإسلامية ) إنها تذكرني بطرح سابق عليه مسحة القوم ، لقد كانوا يحاولون إقناع الأمة - في الزمن الذي خسروه من قبل - باشتراكية أبي ذر رضي الله عنه ! (كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا ) .

ولن تلام حين تقهقه بسخرية خاطفة مختومة بابتسامة صفراء ، عندما يردد المتبوع منهم قول التابع عند التحاور معه ، ويحاول إثبات انتمائه فكريا لأمتنا بهذه الجملة ! .. ينتسبون لمصطلحات لها خلفيتها الفكرية ، ومنبعها الأجنبي ، ومشاكلها التي أفرزتها حلا عند من يؤمن بها ، ثم يجادلك بعضهم بقوله : إنها ليست سوى آلية !.

لا أدري أهم جادون ! أم هم هازلون مخادعون يحاولون العبور بمثل هذه المغالطات ! تعلمنا أنَّ صاحب المبدأ يهون عليه قبول الحق إذا ما ظهر له .. بخلاف صاحب المصلحة الشخصية فهو صاحب مقعد سياحي دائم على متن البراجماتية ! يبتغي المصلحة مظانَّها ! ولا عجب أن يطَّرِح كل شعاراته في لحظة ! .

ولله ثم للتاريخ أقول : هؤلاء القوم الذين أتحدث عنهم ، منهم من عاد إلى أمته ، وهم كثر بحمد الله ، حتى من المفكرين والكتاب ، وإن بقي لدى كثير منهم لوثات من الماضي الخاسر ، لكنهم حقاً قد انضموا إلى الأمة ، ومنهم من سخّر جهده في الذبّ عنها وعن ثوابتها بعد أن كان على النقيض من ذلك .

بل قد رأيت منهم من لن أنسى دمعاته وهو يحدثني بفرحةٍ اغرورقت منها عيناه ، مع أنَّه قد قارب السبعين من عمره .. لم أعلم أنه كان ناصرياً صليبة ! حتى أثار هو ذلك .. نعم قارب السبعين ، رأيته في حديقة عامة في بلد غربي ، في إجازة الأسبوع .. فاصل : ( للأسف : سمعت برنامجا حواريا في إحدى إذاعاتنا يردِّد فيه المذيع سؤاله للمتصلين : ما ذا تصنع في الويكند ؟ ويردّ كثير منهم : والله أنا في الخميس والجمعة أعمل كذا .. ، فيحاول هذا المنهزم أن يستنطق المواطن العربي الصليبة المسلم بلفظة : ( ويكند ) ! .. أين وزارة الإعلام ! أليس لدينا إذاعة ناطقة بالإنجليزية تقدم دروسا في العربية ! .. ).

أعود بعد هذا الفاصل الاستطرادي الذي لم أطق تجاوزه نصحاً للأمة .. لأصف لكم هذا الرجل الذي قارب السبعين : رجل قد اشتعل رأسه شيبا ، مفتول الشاربين ، حليق اللحية .. أحببته ! وإن ظهرت عليه المخالفة - عفى الله عنا وعنه - أحبته لأنه مسلم يتحسّر على ماضيه المظلم ، وهو بمظهره — المخالف -لم يخرج من الإسلام ، بل كان قبلُ لا يعرف الله — على حد قوله — ولا يطيق سماع كلمة ( دين ) ، وإن كانت نشأته في بلد عربي .

كنا نتحدث عن انتشار الإسلام في الأرض ، وانتشاره في ديار الغرب .

قاطع حواري مع بعض الأحبة في جلسة جانبية ، ليلتقط كلمة من حديثنا ، ويشير إلى شابين يقومان بتهيئة الشواء وما إليه تحت أشجار هذه الحديقة العريقة ، دون أي إثارات إعلامية مناهضة ! أشار إلى هذين الشابين الملتحيين بين جمع من الشباب الملتحي وغيره يؤدون نفس المهمة على توزيعٍ للمهام بينهم ! وبعد أن تمكنتُ من تحديد الشابين بناظري ، وتأكدت من ذلك بوصفه وإشارته ، صمتَ برهة ، ونظرت إليه وإذا عيناه تفيض دمعا ! فأرخيت رأسي .. ثم رفعته على صوته المتهدج ، يَقسِم الحرف في النطق من شدّة العَبرة ! جمعتُ له عبارتَه بقولي له مستفهماً : هو الذي علَّمك الصلاة ؟! قال : نعم ! نعم ! وعلمني الوضوء أيضاً ! إنَّه ابني الذي ولد في هذا البلد الأجنبي ، وترعرع فيه ! وقد تسبب أيضاً في صلاح أخيه !.

حمدت الله كثيرا ، وامتدّ المجلس فأخذ يسرد لنا حكاياته مع الحزب الناصري ، وما لاقاه في سبيله من العناء .. وأنه كان وفياً له ، حتى علم أنه كان في أمر مريج !.

وهكذا شأن من يُرد الله به خيراً .. وإن عاش في كنف فرعون !.

واقرأ إن شئت سورة القصص : أوَّلَها وآخرَها .. أعود لأقول : على كل حال لدي قناعة بأنَّ صاحب المبدأ يمكنك أن تحاوره مهما اختلفت معه ، لأنَّه يمتاز - في الغالب - شخصية جادة مستقلة ، لا يحركها الآخرون بسهولة ؛ أما اللاهث وراء المصلحة فمسكين ، يُهين نفسه من حيث يفتخر : ( ومن يهن الله فما له من مكرم ) .. وإن كان منهم من لا يشعر بمأساته ، تماماً كما قال الله عز وجل : ( أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء ).

إنهم لا يستحقّون حتى التحسر على مآلهم بنص القرآن : ( فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ) ، وهم مساكين كما أسلفت ، لأنهم يجهلون أو يتجاهلون الحقيقة التي تنتظرهم : ( إنَّ الله عليم بما يصنعون ) .. آية واحدة تكفي لبيان حالهم على مر الدّهر .. إنهم كالريش في مهب الريح ، لا ينظرون إلى أين يتجهون ، ولا يستطيعون مجرد الالتفات للريح لسؤالها ولو بكل مجاملة و دلع ! أين نسير ، ومتى نصل !.

إنهم - فقط - يلوكون ( اللبرالية ) على نحو يذكرني بالنكتة التي خلاصتها أنَّ مدرساً دخل الفصل ، فقال للتلاميذ : يعيش السمك في الماء ، فردّ التلاميذ : يعيش ، يعيش ، يعيش !.

إنهم — ومخرجاتهم الإعلامية تشهد - فوضويون ديماغوجيون يعتمدون الهوى والتجمع الغوغائي ، ولذلك يثورون بتخبط ، حينما تقف في وجوههم الحجة ، ويكادون يخرجون من جلودهم تغيظاً حينما يوقفون عند ظاهرتهم الصوتية المخادعة : ( نريد مقارعة الحجة بالحجة ) !! فهم من أكثر الناس مطالبة بها أمام العامة وأكثرهم حنقاً منها حين يحين الجدّ ! .

أعود لأقول مؤكِّداً إنهم فوضويون ديماغوجيون يعتمدون الهوى والتنادي الغوغائي ، وإلا بربكم كيف تتفق عدد من المقالات في نقد موضوعات واحدة عميقة الجذور في الأمة ، منصوصة التنظيم في الدولة ، أو شديدة الحساسية — لتعليقهم لها بمدينة أو بلدة أو عرق - في زمن واحد ! دفعة واحدة ! .

يا هؤلاء : إنَّ الميكافليين يأنفون من هذا الصنيع ، ويستهجنونه ! .

حين أتذكرهم أجدني أتذكر بتلقائية قول الله عز وجل : ( ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ) ! .. بربكم أي وطنية يمكننا أن نصدق ادعاءهم لها ‍! يجب أن نقول لهم دون تردد : نحن الأمة ، ونحن الوطنيون ! فلن تفلحوا — بإذن الله في تشتيتنا أمة وقيادة ، أقاليم ومناطق وأهالي .. ولعل فيما ذكرت ما ينبه إلى ما لم أذكر ، فالحديث ذو شجون !

ب ) ومنهم قوم كنا لا نظنهم إلا منَّا - نحن الأمَّة - فشاء الله أن يكشفهم بالأحداث ، حدثاً تلو آخر ؛ فما تقع في الأمة أزمة مُشْغِلة ، أو تنزل نازلة مُرْبِكة ، إلا وتطفوا على السطح منهم زمرة ما بين ذكور وإناث ، فينكشف أمرهم وقد أتونا من مأمن ، و قلبوا لنا ظهر المجن على حين غِرَّة .

ففيما الأمة - ولاة ورعية - تتخارج من أزمة هنا أو نكبة هناك ، إذا هم يسلقونها بألسنة حداد ، في تصريحات لإذاعة أجنبية ، أو مقابلة مصطنعة في قناة أو صحيفة ، كأنهم على موعد مع أطقمها الإعلامية طال انتظاره ! وكأنَّما هم خلايا نائمة أو متناومة ، ولكن من الجفاة ، لتتناغم في الإضرار بالأمة مع خلايا الغلاة .

يجمعهم مع الطائفة الأولى - في الفقرة (أ ) - احتقار حضارتنا ، واستهجان ثوابتنا ، والتعبير عنَّا بحقد وكراهية ، والالتجاء في تحقيق مآربهم للأجنبي ؛ وإن روَّج بعضهم باطله ببقايا رأيٍ فقهي منقرض أو رأي فقيه أخطأ في اجتهاده ، هذا إن سلمنا لهم بصحة فهمهم لمراده !.

بل وإن رفع بعضهم شعار الإصلاح الإسلامي ! فالإسلام ليس شعاراً أجوف ولا سجاد ممرٍّ ؛ وما هكذا تورد الإبل ! فليتهم يعوا نصيبهم من تعريض الإسلام لطمع العدو وتشكُّك الموالي ونيل المعارض ، إذ أظهروه كما لو كان شمَّاعة أخطاء ، يفيد منها كلٌّ فيما يوافق مصالحه وهواه ! سواء منهم من ظهر انتماؤه للكفة الأولى ، ومن ليس كذلك ! فلا تنقشع الأزمة — والله قد وعد بقشعها ولكنهم لا يفقهون - إلا وقد نالوا الأمة بأذى ، وأحدثوا فيها من الفرقة ما لا يعلم آثاره إلا الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله !.

فهم ما بين لاحقٍ بالزمرة الأولى أو متضامن معها بالأفكار حينا وبالتطبيل حينا ! وآل الحال ببعضهم حتى صار في يد العدو كالريشة في مهب الريح ! وإن ادَّعى الحريّة في تلك الديار ، فما عادت تجدي الشعارات ، فلا يهنأ أحدهم بادعاء الحرية حتى يفضحه صوت القيود التي ارتضاها بين قدميه !.

أهذا هو الوفاء للأمة قادة وشعوبا ؟!.
أم هو الولاء للوطن أرضا وتنمية ؟!.
أم ماذا أيها القوم ؟!.

ومن هؤلاء من لم يجرؤ على الظهور ، لعلمه بسوء حاله ، إذ بلغ ببعضهم الحال إلى السير في طريق الزندقة تحت مسميات مستعارة جبانة ، في منتديات ومواقع تطفح بالسيء من المعتقد بلْه القول ، والنيل من الثوابت الإسلامية عقيدة وشريعة ..لم تبال بإثبات موضوعات قذرة تفصح عن قذارة من وراءها وسقوطه في نتن الإلحاد شعر أو لم يشعر .

ولم يتوقف أمرهم عند النيل من الذات الإلهية فيؤذون الله وقد قال الله جلّ الله : ( إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة ولهم عذاب مهين ) ، و ربما جرَّأهم جهلهم بقول الله عز وجل ( وأملي لهم إن كيدي متين ) ، وجهلهم بأن من أسماء الله التي نتعبده بها ( الحليم ) ومن صفاته التي نقدسه بها ( الحلم ) .

إنهم يمجِّدون الشيطان .
نعم الشيطان !.

فلم تخجل عقلياتهم الشيطانية من تمجيد الشيطان بصريح العبارة ، كما لو أنها دعوة لبذرة تنظيم لعباده في بلاد الإسلام وعرين المسلمين ! مما يكشف النفاق في وضع شروط تلك المنتديات خارجية الفكر ! وإلى حين كتابتي هذه الأسطر لا زال أحد هذه الموضوعات النتنة يحظى باحتضان أحد تلك المنتديات! مع وجود مشرفين معلنين وسريين على حد زعم أحد مشرفيه !.

ولا غرو فقد رأس الشيطان يوما شبيهاً له في الاسم ! في هيئة عربي قح .
حمى الله الأمة شرَّهم ، وردَّ كيدهم في نحورهم .
وثم أقسام أخرى منها من اكتشف الحقيقة ، ففرّ من القوم فرار الصحيح من المجذوم ، وعاد إلى أمته للبناء بعد أن استقطب للهدم أو كاد .
ومنها من لم يصدق الخديعة ، و بدأت تتكشف له الحقيقة ، شيئاً فشيئاً ، فينفر منها ويزحف عنها للوراء مرتاباً ومهتالاً ومروَّعا .

فاصل : ذات يوم كنت أنتظر أحد الزملاء في مكان عام أمام أحد الجوامع — وكنت سبقت الموعد بما يقارب العشرين دقيقة احتياطا - لننطلق معاً في زيارة أحد كبار علمائنا — حفظهم الله — وقد مضى على أداء صلاة الظهر - جماعة - قرابة الساعة ؛ وإذا بسيارة رياضية شبابية تأتي مسرعة لتقف بالقرب من موقفي ، وما إن وقفَتْ حتى نزل منها شابان في العشرينات من عمرهما تقريبا ، وكان لباس كلٍ منهما : قميص تنحسر يداه عن العضد ولكنه مستور المنكب ، وتوحي صبغته بأحدث ما يتلقفه الشباب من الموضة ، وعلى كلٍ منهما بنطلون جنز منحسر عن الساقين ، لكنه يستر عورة الرجل .. نزلا مسرعين واتجها نحو مصلى النساء ! توقفت عن قراءة كتيب كان بين يدي ، ورابني هذا التصرف ! ولكن سرعان ما خرجا واتجها نحو أماكن الوضوء ! ثم لم يلبثا أن خرجا واتجها لباب المسجد ، ورأيت بعد أن أكمل انتظاري داخل المسجد ، فدخلته وإذا كل منهما قد انفرد يصلي الراتبة ! ثم رفع أحدهما يديه داعيا ، وانطلقا متماسكين بيديهما ولوح أحدهما بيده اليمنى مسلِّمين مبتسمين ! فبادلتهما التحية والابتسامة بأحسن منها وأزيد .

كم سرني هذا المنظر ! وكم أثلج صدري .

وأصدقكم أنني لم أستغربه .. فقد رأيت أمثاله في بلدان إسلامية وغير إسلامية .. ولكن بعض أحبتنا يتشاءمون .. وليس ثم داعٍ ، فليبشروا بالخير ، فشبابنا مهما ساروا خلف الموضة ووقعوا فيما لا يزينهم شرعا من مخالفة ، فهم منا وقلوبهم منعقدة على حب الله ورسوله ، وإن نال منها الإعلام ووطَّأ لها سن المراهقة .

ورسالة للمتربصين بشابنا : على رسلكم فمهما كانت مظاهرهم ومهما سركم من مناظرهم ، فهم ليسوا منكم في شيء ولستم منهم في شيء ، وإن أصررتم ، فمصير جهدكم ( ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون ) .. حماهم الله شرَّه وشرَّ كلِّ من فيه شرّ من أهل الباطل من غلاة وجفاة .

و يتبع إن شاء الله تعالى .

 


( لن نؤمن لكم قد نبَّأنا الله من أخباركم ) ! ولكن !
(3)

في الحلقة السابقة كان الحديث عن المتمسحين باللبرالية وأفئدتهم منها هواء ، وأشرت إلى ما يشبه أن يكون خلايا نائمة منهم في العالم الإسلامي ، تتناغم مع خلايا الغلاة .

وانحدرت من صبب على المتسترين بالألقاب في مجمعات عنكبوتية تبيت فيها الزندقة ، ويدعى فيها إلى حبَّ الشيطان ! نعم الشيطان ! .

ونبهت إلى أنَّ في الأمَّة خيراً كثيرا ، وإن وجدت مظاهر غير مرضية .

ج) ومنهم من حاول التعمَّق في الحقيقة ، لكنه سلك مسالك عجلى ؛ وغلا ثم غلا حتى عارض وخالف .. ففهم خطئاً وارتكب أخطاءً .. وخاب ظنه سريعاً فأصيب بانتكاسة فكر .. ولمَّا يُفِق حتى سمع صارخاً يناديه هلمّ إلينا ، فشرد إليه ، يبحث عنه ، مستجيراً من الرمضاء بالنار ، ولم ينته من قراءة ما تلقفه أو لُقِّفَهُ من كتاب أو رواية أو مقال ! حتى صرخ : وجدتها وجدتها ! كأرخميدس ، خرج عارياً من شدّة فرحته ! .. ولكن بلا شيء ! .

فانضم إلى زغب الحواصل لا فكر ولا هدف ! مكونين الجيل الجديد من القوم إيَّاهم ؛ ولعل السبب في ذلك — والله تعالى أعلم - أنَّ خليط فلول سوفييتي الهوى مع تلامذة السوربون وهارفارد ( اخترتهما رمزا للثقافتين الغربيتين المتنافستين ، لا حصراً ) ، لمَّا أعيتهم المؤهِّلات العلمية والأكاديمية في عملية التوريث الفكري ، قدَّموا بعض من وجدوا فيهم انجرافاً أو انحرافاً أو طمعاً ، و لقَّبوهم بأوصاف غارقة في الغموض ! ومن ثَم امتهنوهم في التدليس والتلبيس ، فكانوا مساكين حقا ، وما أقسى فرح المخدوع على نفسه ، لكن حينما يفيق ! وما أذكره أمر أظهر من أن يُظهر ، ولا سيما حين تكون - أُخيَّ - على علم بحال بعض من لُقِّب بتلك الألقاب !! من مثل تقديمهم للفرخ المورَّث بـ ( الكاتب ) أو ( الخبير بالشؤون الإسلامية ! ) نعم أكرِّر ( الخبير بالشؤون الإسلامية ! ) مرّة واحدة ! .

وأقترح من أجل العدالة واللياقة الإعلامية أن يضاف إلى ذلك قيد يعطي شيئاً من المصداقية المعدومة ! ( استطراد : أقول المعدومة ، لأنه في مجتمعنا المنيع ، يقال للكلام الذي لا مصداقية له : كلام جرايد ! والحمد لله أنها من فرط تطبيقها للديمقراطية لا تنشر لنا ما نرسله إليها وإن لقب أحدنا بعضو هيئة كبار العلماء أحيانا ! ) ، فيقال : خبير الصحيفة .. أو القناة إلخ ... في الشؤون ... إلخ .. فلا أقل من الاستتار عند الابتلاء .

وهكذا هوَّل مورِّثوهم أمرهم حتى ليُخَيِّل إليك أنَّك - بجدّ - أمام من يستحق أن يفسح له في الإعلام ، ليرشد الأمة بفكر من عنده ، لا بوحي ولا أثر ! تماماً هوَّلوا أمرهم كما يهوِّل التكفيريون أمر رموزهم المجهولة عند أهل العلم ! وجعلوا منهم قادة فكر ، كما جعل التكفيريون من قياداتهم رموز عزَّة موهومة ! وجعلوا منهم مشطبين على الثوابت الإسلامية ، كما جعل التكفيريون منهم مشطبين على إسلام من يكفِّرونه .

ولا عجب فكلهم مرّ بوصف ( الغلاة ) وركب موجة ( الغلو ) وما عرفوا للوسطية والاعتدال الحقيقي سبيلا .

بل إنَّ منهم من يجمعه بهؤلاء امتهان التفجير يوما ما ! وصغ يا قلم ما شئت من لقب ! وبعض هؤلاء ربما نُشر باسمه كتاب أو مقال ، والبكر إذنها صماتها ! ، فتوهم أنه له وأخذ يدافع عنه ! وهو لا يعلم أنَّ من الناس من اطلع على بعض هذا المنشور ، في بحثٍ تلبيسي لشخص آخر يتوارى من سوء ما عُرف عنه من فكر ، اللهم إلا شنشنة في بعض مقابلات الصحف الأجنبية ! التي تأخذ منه ما تريد من تعبيرات السخط الثوري المتهيج ! .

في حين تصف لك الصحيفة تجوالها في داره بما يحرِّك عاطفتك نحوه ، كما لو كنت تسمع صوت من يسأل الناس إلحافاً : لله يا محسنين ! لله يا محسنين ! فيلين له قلبك وتمد إليه ما شاء الله ! .

قرأت مقابلة مع بعضهم في صحيفة أجنبية وشعرت بالاشمئزاز ولكن أتممت القراءة لأعرف منتهى الحال ؛ وإذا بي أردِّد : رضي الله عن تلاميذ نبي الله للعالمين محمد صلى الله عليه وسلم .. رضي الله عنك يا كعب بن مالك ! فكم كنت حازماً حين وضعت كتاب ملك غسان ( الذي لا يؤمن بالله ورسوله ) في التنور ! ولم يحرك مضمونها من ولائك للأمة ساكنا وقد ضاقت عليك الأرض بما رحبت ، فلا الأرض هي الأرض ، ولا الناس هم الناس ، حتى زوجك أمرت باعتزالها ! رضي الله عنك !.

لم تغرّك محاولة استلطاف ملك غسان لك بذكر اسم الله تلبيساً عليك ، في قوله : " قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك ، وإن الله لم يجعلك في دار هوان ولا مضيعة ، فالحق بنا نواسك " ! رضي الله عنك يا صاحب رسول الله !.

ولا عجب !.
فهكذا يصنع الإيمان بالله حين تخالط بشاشته القلوب ، وهكذا الولاء للأمة .
وتباً تباً لأدعياء الوطنية المشرئبين نحو العدو فاغري أفواههم كأنَّما ينتظرون منه تفضلا أو قسمة ! .

أردت أن أنظر بنفسي في اهتمامات بعض هؤلاء واتجاه مقالاتهم ، فراعني أن صهاينة يهود لا يذكرون في مقالاتهم إلا على سبيل الدفاع عنهم وترويج الاعتراف بشرعيتهم والتطبيع معهم ولو كانت الجريمة امتدادا لسياسة قتل الأنبياء ، كما في جريمة اغتيال الشيخ أحمد ياسين رحمه الله ! التي تفتقد أدنى معايير العمل الإنساني في الحرب فضلا عن السلم .

ولم يشفع له أنه شيخ مقعد بات في المسجد ليلتها لشدة ضيق التنفس لديه ، وانتظاره الأجل الذي رآه قريبا لشدة معاناته المرضية ! ومن هؤلاء من بحثت في مقالاتهم عن التحذير من يهود أو وصفهم بما وصفهم الله به أو وصَفهم به أنبياؤهم في القرآن ، فما وجدت غير بضعة مواضع ، ما بين محاولة نفي لخبثهم ومكرهم ، ودعوةٍ مفضوحة للاعتراف باحتلالهم لأرضنا المباركة ، و دعايةٍ للتطبيع معهم ! .

وإن ناداهم العقل المدلِّس في بعضها فلم ينسوا أن يكشفوا لنا عن شيء من حيادٍ أو انتماء ! بعبارات من مثل : صحيح قد ظلمونا ، ولكن ... ؟.

وتعجب ممن يستميت منهم في نفي التآمر على الإسلام وأهله ، ولو صرَّح به المتآمرون ، مما يجعل القاريء يستريب في كون هذا النوع من الكتابة بذاته جزءاً من المؤامرة إيَّاها ؟! ولا سيما إذا كان ذلك الكاتب وأمثاله لا يترددون في تحديد المجرمين وتسمية جهات الجناية عندما يُذكر في القضية اسم عربي أو إسلامي ، وحتى لو نفاه المتهمون ! .

وكأنهم يريدون أن نصدقهم ونكذِّب قول الله سبحانه : ( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ) الأنفال3 ، وقوله جلّ شأنه : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلاَلَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السَّبِيلَ ) النساء44 .

آمنت بالله وصدقت المرسلين .

وهذه الفئة يطول الحديث عنها ، ولكن قد أفادني الأحبة بأنَّ طول المقال غير محبَّذ في عالم الشاشة المقروءة .

ولي إليهم عودة في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى .

و يتبع إن شاء الله تعالى .
 


( لن نؤمن لكم قد نبَّأنا الله من أخباركم ) ! ولكن !
(4)


في الحلقة الماضية كان الحديث عن الجيل الصنيعة المورَّثين ، وكيف ضُخِّم أمهرهم ، وأُعطوا أثواب زور ليتحدثوا في العلوم الإنسانية ، لكنهم في الجملة كمن أدرك مردود تقديم الدروس الخصوصية ، ولو كانت النتيجة فيما بعد : ( لم ينجح أحد ! ) .

وأشرت إلى أنَّ التنقل من باطل إلى آخر كاد أن يكون قاسماً مشتركاً بينهم ، إن لم يكن كذلك .


أيَّها الكرام :
إنَّ منهم من تجرأ وصرَّح بأنَّه خضع لتشكيل عقله - بمحض إرادته — بفكر فلان أو علان ، بل من قراءة كتاب صريح العنوان في قصد غسيل المخ ( تشكيل العقل ..) ؟! لمن كان له قلب .

( استطراد : في لحظتي هذه وأنا أكتب ، تذكرت كتاباً - قرأته حين صدوره - للأستاذ الفاضل سبأ باهبري عن الحرب النفسية ، بيَّن في أحد فصوله كيف يشكل العدو عقول خصومه !! ).

يا قومنا :
أهكذا تُكتشف الحقيقة ؟! أهكذا تُسلَّمُ العقول للآخرين ليشكِّلوها بعد أن يُشكِّكوها ؟! أهكذا يُقدم العبد على ربِّه بمقولة لا برهان عليها ، بل بكلام ردَّه أهل الحق بالبرهان الحق منذ زمن ؟!.

يا قومنا : كيف يوثق في كتاباتكم .. في تحليلاتكم .. في تصريحاتكم .. إذا كانت تتشكل من فكر بشري في كتاب واحد ! وددت لو أنَّهم قرؤوا للآخرين ممن ردَّ على مُشّكِّلي عقولهم، إذ لم يقرؤوا لله ورسوله ؟! ( وهذا ما سأبين بعضه في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى ) .

فاصل : عندما كنا في الصف الثالث المتوسط طلب منا مدرس مادة التاريخ إعداد بحث عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ، مع التركيز على الشبهات التي قيلت في تجديده العلمي والدعوي في جزيرة العرب وما جاورها ، وألزمنا الأستاذ - حفظه الله — أنَّ نرجع إلى ما لا يقل عن ستة مراجع مع التوثيق بالجزء والصفحة .. وأعد كل منا بحثا في هذا الموضوع ، وجمعها الأستاذ على المكتب الصفي ، وأخذ يفحصها فحصاً سريعاً ، ثم نظر في قائمة المراجع من أحدها ، وأدار نظره في الصف ، وتوقف نظره عند حبيبنا :... ؟ وقال : فلان ... ! قل لي بصراحة : هل رجعت أنت بنفسك لكتاب البداية والنهاية ، لابن كثير .. أو أن أحداً ساعدك في ذلك ؟ فرد زميلنا - حينها - بسرعة لا تختفي فيها الفرحة : لا والله يا أستاذ عبد العزيز ما أحد ساعدني .. أنا بنفسي رجعت للكتاب .. رد الأستاذ : طيب ، هل فيه كلام كثير عن الإمام محمد بن عبد الوهاب ؟ رد الطالب بارتياب وتثاقل لا يختفي فيه الوجل : إيه يا أستاذ موهوب مرَّة ! — كأني أسمعه ينطقها الآن .. ثم اكتفى الأستاذ عبد العزيز — حفظه الله — بقوله : لكن يا فلان ... ! الإمام ابن كثير توفي قبل الشيخ محمد بن عبد الوهاب بعدة قرون ! الأمانة مهمة يا شباب لكن الأخ فلان ... وأخذ - كعادته في عدم إحراج الطالب بمجرد تأكده من وصول الرسالة - يلتمس له عذراً أمامنا ، ليخفف وطأة العتب عليه ليس إلا .

تذكرت هذه الحادثة ، وأنا أطالع كتابةً لأحد المساكين من المتمسحين باللبرالية ، يصف فيها ابن تيمية بقوله : ابن تيمية الوهابي ! ولمَّا وقع في العقبة ! ذهب ليقص موضوعاً عن حياة أبي العباس ابن يتيمة مع بعضِ ردود خصومه الغاضبة عليه ، ولم يذكر - ولو من أجل قانون العدالة الطبيعية ، وزرقة عيون الديمقراطية ، و شعار الرأي والرأي الآخر - بعضَ ما قاله فيه خصومه — نعم خصومه - من التزكية والثناء .

ولكن الحقد يعمي ويصم !.

كيف يتعالم بعضهم ، ويتكلم عن أبي العباس - رحمه الله - وهو لا يدري من أي أعيان القرون هو ؟! وما السبب يا ترى ! هل هو تلقي النقد عن الآخر ثم تفريغه أمامنا بروح تعالم مزوَّرة ؟!.

لقد كان أبو العبَّاس رحمه الله مغرماً بكشف هذا النوع الذي تجمعه مادة ( خ د ع ) سواء كان منخدعاً أو مخدوعاً أو مخادعاً ، فلا تمرّ أمامه الشعبذة ، فضلاً عن المستحيلات التاريخية ، فلئن كنتم تظنونه وهابياً ! فلقد دفن رحمه الله في مقبرة الصوفية التي مضت عليها القرون بعده ، وجرفتها السيول ، فلم يبق منها غير قبره وقبر أخيه وتلميذه أبي الفداء ابن كثير رحمهم الله على مرتفعٍ من الأرض .

وقد زرت قبره حين كنت في زيارة لجامعة دمشق ، وعجبت حين رأيت قبره قبراً عادياً شرعياً في حريم الجامعة ! الناحية الثانية .. فهل يغيظكم هذا أيضا ؟!.

عودة .. وهذا أوان الحديث عن فئة أخرى :

د) ومنهم من لا شأن له بالمقاصد السابقة ولو في البدايات على الأقل ، فهو ما بين عاميٍّ يسمع مَن حوله يقولون شيئاً فيقوله ! ، ومُكْتَف من العلم بما ناله في صغره أو بدايات الطلب ؛ وربما اتكأ بعضهم على تزكية من عالم جليل في مناسبة مرَّت عليها سنون ! أو قدم بها منشوراً ليزخرف بها قوله ومنقوله .

فهل ظنوا أنَّ الأمَّة لا تفرق بين الحق والباطل إلى درجة قبول التزييف بمجرد التلويح بتتلمذ على فقيه أو محدِّث أو تزكية كانت منه ، لما كانت الحال مستورة ! .

ألا يعون أنَّ الأمَّة إنَّما تقبل مثل ذلك للاطمئنان ، إذا أسعف الحال فحسب ؟! ألا يدركون أنَّ طوامَّهم لا يروجها الانتساب إلى أهل الحق ، ولا يُغرِّر بها زخرفُ القول ؟! يا أولئك أتذكرون هذه الجملة : ( إنَّك لا تدري ما أحدثوا بعدك ) ؟! استذكِروا متى وأين تقال للمصطفى صلى الله عليه وسلم ؟ ألا تعلمون أنَّ الأمة تؤمِن بأنَّ الحيَّ لا تؤمَن عليه الفتنة !.

وإلا فما معنى الدعاء القرآني العظيم المخيف : ( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ) ؟ وما معنى القسم النبوي : ( ومقلب القلوب ) ؟.

ما أقبح أن يَظنّ طالبُ علمٍ - يوما ما - أنَّه قد بلغ من العلم مبلغاً لا مزيد عليه ! وما أتعسه إذ اكتفى في البحث عن الحقيقة بما يمليه عليه جهله أو هواه أو حنقه المصطنع على آخرين ، ولو كانوا رفاق درب في الخير حين كانت النفوس صافية ، ومن الغل خالية .. حتى ليخيل إليك أنْ بعضهم لو سأله سائل عن حركة ( شاس ) اليهودية الصهيونية شديدة التطرف ، لربما حاول جاهداً ربطَها بفلان أو علان ! الأحياء أو الأموات ! وادعاءَ اعتمادها في برنامجها السياسي والفكري على مؤلفاته !! .. ونبَّهك — حينما يدرك أنك تستعمل عقلك دوماً - إلى أنَّ الأجهزة الصهيونية الاستخبارية الثلاثة : (الشاباك) و(الموساد) و (أمان) ، بعدَدِها وعدّتها ، لا يعلمون !!؟ .

ومن هذه الفئة فئة أمرها عجب من العجب .

فمع أنَّها ليست من اللبرالية في شيء - ويظهر ذلك في الخلفية الفكرية والمفارقة العقدية والمحافظة على الشعائر الركنية كالصلوات الخمس — إلا أنَّك تجدها تلقي عنها المعاذير ، وإن كانت اللبرالية على نفسها بصيرة ! وإنَّك تلمحها وهي تغازل اللبرالية ومن يتمسح بها برومانسية مستهجَنة على نحو متغافِل أو ساذج ، وأقسم بالله أنني أحار في ذلك تماما كما يحار غيري ! و لا ندري فلربما حار فيها الشهرستاني لو كان حيا ! ومع هذا فإنَّ لديَّ قناعة بأنَّ كثيراً من هؤلاء فيه من الخير ما فيه ، ولكنَّه مغرَّر به ، ولو اطَّلع - أحدهم - على الحقيقة ، وخوِّف بالله عز وجل ، لأسرع في البراءة من القوم إياهم .

كذاك الذي ادَّعى أنه ليبرالي أمام جمع من الإخوة ، محاولا مدح نفسه ! فأقسمت له أنه بريء منها ؛ لأنَّه يحافظ على الصلوات الخمس ويقرأ القرآن ، ويدعم حلقاته ، ويردِّد الأوراد المشروعة ، ويؤمِن بالغيب - شأن المسلم ، ويستفتي في أموره أهل العلم الموثوقين ! فانفجر ضاحكاً بعد نقاش احتدّ فيه حتى لفت انتباه المارَّة ! ونقض ما كان ادَّعاه وكأنَّه يقول في سريرته : آه .. أستغفر الله ! حسبي الله على ( كتَّاب الأندومي ) ! .

أيها النَّاس .. لنكن دعاة إلى الله ، لا دعاة للصدّ عن سبيل الله ..وليكن سعينا أن نكون ممن وصفهم الله تعالى بقوله : { أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ }المائدة54.

وللحديث بقية إن شاء الله تعالى .

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
د.سعد العتيبي
  • مقالات فكرية
  • مقالات علمية
  • أجوبة شرعية
  • الصفحة الرئيسية